إن فكرة إقامة المراكز الصيفية تعتبر أحد الحلول الناجحة لشغل أوقات الشباب بعد الانتهاء من العام الدراسي، فوقت الفراغ عامل رئيسي لإنحراف الشباب، هذه الفئة كالكأس فأما تمتلأ بالصالح أو الطالح، ولذا ينبغي على المؤسسات الحكومية أو الخاصة أو قطاعات المجتمع المدني أن تسابق الزمن لملأ هذه العقول بالصالح قبل أن تملأ بالطالح، و نعض أيادي الندم حينها، لندفع الكثير من المال و الجهد و الوقت لعلاج الظواهر المترتبة.
في السنوات الأخيرة تقيم وزارة التربية و التعليم المراكز الصيفية في جميع محافظات السلطنة، والهدف منها صقل مهارات الطالب في جوانب عديدة – كما يقال – معرفيا و مهاراتيا ، وقد كانت بالنسبة لي – قبل مدة – غامضة ومجهولة المكونات و النتائج، فقد كنت اقرأ عنها في الجرائد – بملح البهرجة – أو أرى إعلان أنشطتها في الدورات أو جدران المدارس.
كانت المراكز الصيفية شيئا غامضا بالنسبة لي، أسمع عنها في نهاية كل سنة كباقي الفعاليات التي تقيمها وزارة التربية والتعليم. التي إما أن تكون مجوفة أو مملوءة.
و لذلك كل سنة تراودني عدة أسئلة وأظل أبحث عن إجابة مقنعة، منها: ما رؤية الوزارة لهذه المراكز؟ و كيف تعد الوزارة المراكز الصيفية؟ و هل هنالك تغذية راجعة لهذه الرؤية، و ما أسس تقييم وزارة التربية والتعليم لهذه المراكز؟
بحثت عن الإجابة و لم أجدها، وقلت أن التجربة وحدها من سيهديني إلى الإجابة، فقررت المشاركة هذا العام.
ولكن المفاجأة في الأمر أن حيرتي زادت بعد أن خضت التجربة الأولى لي في هذه المراكز، فقد أضيفت أسئلة أخرى لدوامة الحيرة أولها : هل من يدير أو يحاضر بهذه المراكز شخص مُتمكن؟ أم أن قربه من مطابخ صنع القرار في المديريات هو من يحدد مشاركته من عدمها؟! وهل انتقاء البرامج اليومية يحقق أهداف ورؤية الوزارة، ويحقق رغبات الطلاب أم أن سياسة “تمشية الحال” هي القائمة على الأمر؟ وما الجديد في الأنشطة أم أن التكرار يريح المسؤولين عن هذه المراكز بعدم التفكير و المجازفة بالجديد؟، وسؤال آخر هل وزارة التربية و التعليم هي الوزارة الأنسب لتكون المشرف الوحيد على المراكز الصيفية أم يجب أن تشرك جميع الوزارات والتي لها تماس مع فئة الشباب مثل: وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة الشؤون الرياضية و الأندية و حتى الشرطة. جميعها تشارك في وضع رؤية المراكز الصيفية و برامجها ؟ لماذا كل يغني على ليلاه ؟ لماذا لا تجتمع الجهود في بوتقة المراكز الصيفية للتخفيف من الصرف الزائد نتيجة تشتت الجهود مع أن الهدف واحد؟ لم أخرج من هذه التجربة إلا بالحيرة الخانقة، وحتى خفي حنين لم أرجع بهما.
و لأوضح مدى التخبط في هذه المراكز سأحكي لكم واقعة حدثت أمام عيني؛ لنرى العبثية و سياسة “تمشية الحال” في هذه المراكز- على الأقل في المركز الذي شاركت فيه – . قام الطلاب بزيارة لمصنع البلاستيك، وكان هدف الزيارة كما هو معلن في الجدول أهمية البلاستيك وتدويره، ولكن هل الأهم أن نعلمهم أهمية البلاستيك و تدويره قبل السلامة العامة داخل المصنع كإرتداء الكمامة والخوذة ؟! للأسف نتفاجأ أن موظفي المصنع لا يطبقون ذلك، وليس لهم دراية بأبسط قواعد السلامة، وعلى هذا الحال تجول طلابنا في جوانب المصنع وسط مخاطر الروائح الخانقة، فما نفع النظري إن لم نُري الطالب التطبيق العملي الصحيح للجانب النظري.
في الأخير أتمنى من الوزارات والمؤسسات الخاصة و المجتمع المدني المعنية بفئة الشباب أن تتشارك في وضع رؤية واضحة ومحددة تمثلها الأهداف التي تحققها برامج فعالة و أنشطة نافعة للشباب، وعلى الكل أن يتشارك في تنفيذها و لا يلقى كل الحمل على وزارة التربية و التعليم فقط. كما أتمنى أن تُخصص دورات تعود بالنفع على شخصية الطالب كبرامج إعداد القادة وبناء الذات، من خلال معسكرات خارجية أو قيادة مجموعات للعمل التطوعي بحيث تبني في شخصية الطالب حس المسؤولية و القيادة، ودورات تنفع الشباب في حياتهم المستقبلية ويستطيعون من خلالها كسب عيشهم منها كالتصوير الاحترافي أو إنتاج الأفلام –وثائقية أو سينمائية – أو التمثيل أو كتابة المقال أو القصة أو حتى الزراعة أو النجارة أو السباكة أو الكهرباء أو إصلاح المركبات أو الديكور أو تصميم الأزياء أو تصميم الجرافيك أو الرسم على الخامات أو البيع في المحلات أو العمل في المصانع او الشركات كإداريين بحيث يشجع الشباب العمل في القطاع الخاص كلا حسب توجهه، أو حتى تعلم رياضات مختلفة كالسباحة أو كرة الطائرة أو التنس أو التحكيم في هذه الألعاب بحيث يخرج الطالب بالمتعة و الفائدة على مستوى حياته العادية.
وكما نرى في العالم؛ فإن التوجه الجديد في علم التربية هو مزج المتعة و التعليم في آن واحد، دون أن يطغى جانب على آخر و على القائمين على المراكز الصيفية تبني هذه الفكرة ليجد الطالب بيئة جاذبة غير منفرة يرجع لها مرارا و تكرار و يجد الجديد في كل مرة بما يتناسب مع ميولاته و ينميها.