بلا جنسية، بعيدةً عن وطنها، رحلت الناشطة الحقوقية الإماراتية آلاء الصديق ليبقى سجلها الحقوقي يطارد النظام الإماراتي ويكشف حقيقته الاستبدادية للعالم. فشلت في إسكاتها آلة الترهيب والتهديد لقوى إحدى أغنى الأنظمة الخليجية. وبقي نضالها وكفاحها بالكلمة مكرسا لفضح جرائم النظام الإماراتي القمعي في المحافل الدولية والساحة الحقوقية العالمية.
يقضي الآن والد آلاء، محمد عبد الرزاق الصديق، العام الأخير من محكوميته في سجون النظام الإماراتي على خلفية حكمٍ قضائي في محاكمةٍ صورية وجهت له التهم فيها بالتخطيط لقلب نظام الحكم والمشاركة في تكوين تنظيمٍ سري في الإمارات التي تجرم تكوين الأحزاب والتنظيمات.
آلاء والحرية
الحرية، هي حقٌ أصيل للإنسان لكونه إنسانا، هذا ما يقره الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. أما في الواقع، ما يحدد حصولك على حريتك أو حرمانك منها هي البقعة الجغرافية التي تولد فيها. إذا ولدت في المكان المناسب فهنيئاً لك بهذه الصدفة الجميلة، أما إذا ولدت في المكان الخطأ فأنت بين خيارين، إما أن ترضخ وتعبد من يسلبك حريتك، أو أن تشتري حريتك. الثمن هنا باهظ التكلفة. آلاء قررت دفع الثمن.
حكيت هنا جزء من قصتي
— Alaa آلاء (@alaa_q) February 14, 2021
الوجه الآخر لنظام #الإمارات، قصة حرية التعبير وقمعها، قصة #معتقلي_الإمارات، التي يجب أن يسمعها العالم، والدي #محمد_عبدالرزاق_الصديق ورفاقه، أحمد منصور @Ahmed_Mansoor
ناصر بن غيث @N_BinGhaith
مع تقارير @hrw_ar
و @amnestygulf
.#أفرجوا_عن_معتقلي_الإمارات https://t.co/3Z8ZhCwGGD
دفعت آلاء ثمن رغبتها بالحرية، في عقدٍ من الزمن قضته وهي تحلم رؤية والدها حراً خارج القفص. والدها وكل سجناء الاستبداد في بلدها الذي حرمت فيه من منزلها، تعليمها، حريتها وجنسيتها بعد أن أسقطتها السلطات الإماراتية عنها وعن والدها وبقية إخوانها.
آلاء والقضية الفلسطينية
منذ اللحظة الأولى التي أعلنت فيها دولة الإمارات تطبيعها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي العام 2020 وتوقيعها على ما سمي باتفاقات إبراهيم، كان لآلاء موقفها الرافض لخيانة القضية الفلسطينية وتطبيع العلاقات مع المحتل.
— Alaa آلاء (@alaa_q) May 27, 2021
أعلنت آلاء رفضها لإعلان بلادها تطبيع علاقاتها مع دولة الاحتلال، وشاركت إلى جانب ناشطين إماراتيين في فضح طبيعة هذه العلاقات وضررها على الإمارات ومناصرة القضية الفلسطينية عبر فضح جرائم الاحتلال والتضامن مع ضحاياها.
قبل رحيلها شاركت آلاء كإماراتية رافضة للتطبيع في تظاهراتٍ مناصرة للفلسطينيين أمام السياسة التوسعية الاستيطانية لدولة الاحتلال. وبقيت دوماً إلى جانب حق الفلسطينيين في أرضهم، فمن ينشد الحق لنفسه ينشده لغيره.
آلاء مطارَدة
في العام 2012 كانت بداية المطاردة التي عاشتها آلاء بعد اعتقال والدها في ما عرف بقضية الإمارات 94، وهي قضية تتعلق باعتقال 49 شخصاً اتهمتهم السلطات الإماراتية بالتخطيط لقلب نظام الحكم والتخطيط لتكوين تنظيمٍ سريٍ يتبع حركة الإخوان المسلمين، وهو ما نفته آلاء عن والدها أكثر من مرة.
تعرض والدها ورفاقه للتعذيب في سجون السلطات الإماراتية لإجبارهم على توقيع اعترافاتٍ تحت التعذيب والتهديد، ثم محاكمتهم محاكمةً، غير عادلة، قضت بسجن والدها عشر سنوات. يقضي والد آلاء عامه الأخير منها، إلا أن هنالك شكوكاً أعلنت عنها آلاء حول عدم رغبة السلطات الإماراتية الإفراج عنه وفق قانونٍ جديدٍ سنته السلطات الإماراتية يمنحها الحق في الإبقاء على من تصفهم الحكومة بالإرهابيين في السجون بعد انتهاء مدة محكوميتهم.
استطاعت آلاء الحصول على ملاذٍ مؤقتٍ بعيداً عن أيدي السلطات الإماراتية لدى أقاربٍ لها في قطر، لتلاحقها سلطات بلادها إلى هناك. تحدث وزير الخارجية القطري عن طلب الإمارات من قطر تسليم آلاء بعد أن وضعتها على لائحة المطلوبين لديها على خلفية مطالبتها بإطلاق سراح والدها ورفاقه، لتكون أحد أسباب الأزمة الإماراتية الخليجية مع قطر في حينه، والتي استمرت لثلاث سنوات.
اضطرت بعدها للسفر إلى تركيا ثم إلى المملكة المتحدة لتحصل هناك على حق اللجوء وتستمر في المطالبة بحرية والدها ورفاقه وتعمل في منظمة قسط الحقوقية التي تسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان في السعودية والإمارات. فيما استمرت دولة الإمارات في ملاحقتها.
آلاء ورحيلُ مبكر
في المملكة المتحدة، في مدينة أوكسفورد تحديداً، تعرضت آلاء وصديقاتٌ لها كُنّ سويا على متن سيارةٍ لحادثٍ مروريٍ ليلة التاسع عشر من يونيو، لتودع هذا العالم في مستشفى أوكسفورد فجر اليوم التالي.
خلّف رحيل آلاء المبكر حزناً عمّ المجتمع الخليجي في الداخل والمنفى، ليتشارك حزنها في بلد الاغتراب كل من عرفها أو شاهد نضالها، ويعم الحزن أجواء منصات التواصل.
الكاتب والصحفي البحريني ورئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر، عادل مرزوق، نعى الفقيدة آلاء على صفحته في تويتر وخاطب ولي العهد الإماراتي وأمير الشارقة مناشداً إياهم السماح بعودتها لتدفن في مسقط رأسها حيث تمنت أن تموت.
محمد الفزاري، مؤسس ورئيس تحرير شبكة مواطن الإعلامية، نعى الفقيدة آلاء على صفحته في تويتر قائلاً: “تعجز الكلمات عن هذه الفاجعة من هول الصدمة.. ما أصعب خبر الموت الفجأة.. السلام على روحك يا آلاء..”.
تعجز الكلمات التعبير عن هذه الفاجعة من هول الصدمة.. ما أصعب خبر موت الفجأة!
— ᗰohammed ᗩlfazari محمد الفزاري (@mkalfazari) June 20, 2021
السلام على روحك يا آلاء #آلاء_الصديق_في_ذمة_الله pic.twitter.com/8w5VZoCfft
وأضاف الفزاري ” العزيزة آلاء الصديق من أنبل وأشجع الأشخاص الذين تعرفت عليهم وعملت معهم. كانت أكبر من عمرها بكثير، ثقافةً واتزاناً وسعة اطلاع”.
يحيى عسيري، رئيس حزب التجمع الوطني السعودي، نعى آلاء على حسابه في تويتر قائلاً: “آلاء غير مستوعب رحيلك في هذا السن، قبل أمس أكملتي 33 عام، لكن عقلك يزن أضعاف سنك، كنتي مشغولةً بالدفاع عن المظلومين ونصرتهم، بدأتي بوالدك فرج الله عنه، ثم دافعتي عن كل من تستطيعين، وتعرضتي لكثير من الظلم والمصاعب، وأنتي اليوم في ضيافة ربٍ كريم”.
مراكز ومنظمات حقوقية وإعلامية وجهت نعيها لأسرتها والمجتمع الحقوقي والإنساني أجمع في فقدان الناشطة آلاء ورحيلها المبكر.
تتقدم شبكة مواطن الإعلامية وفريق عملها بخالص التعازي والمواساة لأسرة الفقيدة #آلاء_الصديق، وللمجتمع الحقوقي، والخليجي خاصة في الداخل والمنفى، والتي قضت نحبها في حادثٍ أليمٍ اليوم الأحد في العاصمة البريطانية لندن، بعد سجلٍ حافلٍ بالنضال الحقوقي الإنساني.#آلاء_الصديق_في_ذمة_الله pic.twitter.com/o0d0j0WnlL
— مواطن (@MuwatinNet) June 20, 2021
عزاء واجب
مجتمع حقوق الإنسان يرثي آلاء في رحيلها المبكر قبل أوانها، لكن من يستحق العزاء والرثاء لحالهم هم أولئك المستبدون عبيد السلطة الذين حرموها من والدها ومن حقها أن تعيش حرةً في بلدها الأم. أما آلاء فهي اليوم تحلق حرةً بعد أن تركت الاستبداد عارياً يواري سوأته ليخجل من حقيقته إن بقي فيه حياء.
تحلق آلاء وتطاردهم روحها التي اشتعلت وقوداً يدفع بأحرار الخليج والعالم للوقوف في وجه نظام القمع الإماراتي ومطاردته بجرائمه التي يرتكبها بحق الإنسانية في كل محفل.
ماتت آلاء بعيدةً عن أرضها الأم، وقد ترقد في ترابٍ غريبٍ عنها، لكن مبادئها التي اعتنقتها منهجاً في مناصرة قضايا حقوق الإنسان في الإمارات والخليج ستظل باقيةً تطاردهم دول القمع والاستبداد وانتهاك حقوق الإنسان.