غبار كثيف، وضجيج محتدم، وتصفية حسابات، هكذا بدا المشهد في وسائل الإعلام المصرية وعلى منصات التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية في ظل استدعاء مقطع من حوار تلفزيوني قديم لشيخ الأزهر أحمد الطيب أقر فيها الآيات القرآنية المتعلقة بحق الزوج في ضرب زوجته الناشز.
وتحدث الشيخ الطيب في هذه الحلقة ما يقرب من 15 دقيقة في شؤون عدة متعلقة بمنظومة الزواج، والأسرة، وحقوق وواجبات المرأة في الإسلام، وانقسم حديثه إلى شقين؛ أحدهما شرعي يتعلق بشرح غاية الآية القرآنية الخاصة بضرب الزوجة الناشز، والآخر شخصي مرتبط برؤيته موقفه الشخصي من قضية ضرب الزوجة.
في هذه المساحة بين شرح نص الآية القرآنية وغايتها، وبين رأي الشيخ الشخصي وتقديره للموقف، اختلطت الأوراق، ولأن من آفات مجتمعاتنا العربية التسرع وعدم التحقق من مصادر الأخبار، ولا التفكر والتمعن فيما يقال، جرى ما جرى من ضجيج وهجوم متبادل بين داعمي شيخ الأزهر، وبين معارضيه.
تحدث شيخ الأزهر فيما يخص شرح الآية القرآنية قائلًا: “الضرب ليس واجبًا، أو فرضًا، أو سنة، أو مندوبًا، لكنه مباح إذا تأكد للزوج أنه الدواء الوحيد لعلاج نشوز المرأة”، مشيرًا إلى أن ضرب الزوجة كاستثناء مقيد بشروط شرعية في حالة النشوز، وغايته أن ترجع المرأة عن كبرها وتحافظ على البيت والأسرة. بينما على مستوى رأيه الشخصي قال الشيخ الطيب: “لولي الأمر أن يقيد المباح إذا رأى أن المباح في بعض تطبيقاته يتسبب عليه ضرر”. وأضاف: “لا ضرر أكبر من الذي تتأذى منه الزوجة الآن خاصة أن معظمهن مثقفات ومتعلمات، واللجوء للضرب ربما يسبب أذى نفسيًا وينعكس سلبا على الأسرة”.
في محاولة لفتح نقاش أوسع حول تصريحات شيخ الأزهر، وقضايا المرأة، ودور الدين في المجتمعات العربية، قال الدكتور عاصم حنفي، أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة مونستر الألمانية: “ثار جدل كبير بسبب تصريح قديم لشيخ الأزهر يعتبر فيه ضرب الزوجة مباحا، ورغم أن فضيلته لم يقل إن ضربها واجب أو مستحب، ولكن مجرد قوله بإباحته سبب بلبلة شديدة، رغم أنه أجازه في سياق ضيق كاستثناء من المحرمات“.
تطور الفقه في الإسلام
وأضاف حنفي: “المشكلة تنتج من فهمنا أن ما اعتبره الفقه في زمن ما مباحًا يبقى ثابتًا لا يتغير بتغير الزمان والمكان، ولكن المباح في تصوري مرتبط بثقافة الناس وعاداتهم وتقاليدهم وما تعارفوا على حسنه وقبحه، فالمباح مباح طالما أباحته الأذواق السليمة، ويصبح المباح مكروهًا أو محرمًا عندما تأباه النفس الزكية والعقول الرشيدة، ذلك لأن الفقه يعني الفهم وتنتجه عقول فقهاء حسب فهمهم للنص الديني مرتبطًا بواقع وظروف زمان ومكان تؤثر في فهمهم واستنباطهم للأحكام”.
وأكمل: “كان ضرب الزوجة وكذلك الأولاد أمرًا تتقبله ثقافة الناس عند نزول القرآن وبعده، ومن ثم راعى القرآن ثقافة المخاطب وذهنيته، كما كان ضربهن وضربهم أمرًا تتقبله الأنفس قبل عقود قليلة، ليس في العالم العربي الإسلامي وحده؛ بل في الغربي أيضًا، لدرجة أن فلاسفة الغرب من قبل الميلاد وحتى عصر التنوير كان لهم موقف عدواني من المرأة، فكان أرسطو يرى أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، وأفلاطون اعتبرها أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، وجان جاك روسو قال إنها لم تُخلق للعلم ولكن لإشباع غرائز الرجل، حتى فيلسوف التنوير إيمانويل كانط كان يعتبر عقل المرأة لا يرقى إلى عقل الرجل”.
كان ضرب الزوجة وكذلك الأولاد أمرًا تتقبله ثقافة الناس عند نزول القرآن وبعده، ومن ثم راعى القرآن ثقافة المخاطب وذهنيته، كما كان ضربهن وضربهم أمرًا تتقبله الأنفس قبل عقود قليلة، ليس في العالم العربي الإسلامي وحده؛ بل في الغربي أيضًا
موضحًا أن قضية ضرب الزوجة ترتبط في الذهنية العربية بتفوق الرجل على الأنثى انطلاقًا من مفهوم القوامة وأنها في عصمته وذمته، لأنه يتولى الإنفاق والقيام بشؤون الأسرة المادية، مما يعطيه حق الولاية، ومن ثم حق التأديب خاصة في ظل ثقافة لم تعط المرأة في العموم نفس الفرص في التعليم والتقدم المهني والتنافس، ويفهم من ذلك أن لو انتفت تلك الشروط؛ بأن أصبحت المرأة كفؤًا للرجل في التعليم والعمل والإنتاج، ستنتفي معها ولايته عليها ومن ثم حقه في تأديبها، ولن يشغلنا ساعتها نوع التأديب أو درجة قسوته، لأن المبدأ نفسه سيكون مرفوضًا لما فيه من إهانة لكرامة المرأة، وستغير بذلك فهمنا للنشوز المرتبط بطاعة المرأة للرجل بصفته القيم عليها، لأن علاقة الزوجة بزوجها ستنتقل من التبعية الموجبة للطاعة إلى التكاملية الموجبة للتناصح والتشاور، ومن ثم يحث السكن المفضي للمودة والرحمة، ولكن هذا التطور مرهون أيضًا بضرورة نظرة المرأة لنفسها كمساوية للرجل لا تابعة تنتظر منه تحمل أعبائها المادية ونفقات الزواج منها.
واختتم حنفي حديث مشيرًا إلى أنه “جيد أن الثقافة العامة أصبحت ضد الضرب، خاصة في حق الزوجة، بل حتى أن الريف نفسه (وأنا من أبنائه) بدأ يستنكر ذلك شيئًا فشيئًا، وعليه يصبح حكمه الديني الكراهة والتحريم، وحكمه القانوني التجريم”.
الخطابات الدينية وضرب المرأة
أما الدكتور عبد الباسط سلامة هيكل، أستاذ علوم اللغة العربية بجامعة الأزهر؛ فأشار إلى أن الوقوف أمام الخطابات الدينية التي تناولت آية وأخبار ضرب المرأة يكشف لنا بوضوح عمق مشكلة الخطاب الديني التقليدي والتنويري، فيشعرك بالحيرة؛ هل هو يتجمل أم يُخادع؟
هل يجزئ عن عمد أم أنه وقع في الاجتزاء دون قصد؟ ويظل السؤال الذي يؤرق من يُطالع كتب المفسرين والفقهاء ومعاجم اللغة وأشعار العرب، لماذا الخطاب الديني يُخفى أنه يقوم بعملية اختيار للمدلول، وأنه يسكت عن مدلولات أخرى؟ لماذا يُغفل البعد الاجتماعي للآية القرآنية؟!
أبدأ بتناول المدرسة الإخبارية أو مدرسة الحديث كما تحب أن تُسمّي نفسها، فسنجدها أكثر صراحة وأكثر إيلامًا في طرحها، فسنة الله في كونه من منظورهم أنّ للرجال قوامة، بمعنى ولاية وسلطة وإمارة على النساء، ويمتنع أن تكون للمرأة مثل ذلك على الرجل، وعلة ذلك من منظورهم أن الله فضل جنس الرجال بقوة الجسم والعقل والإنفاق بقدرة على السعي والكسب لا تستطيعها النساء لضعف قدرتهن الجسدية والعضلية، وهذا من منظوري صحيح إذا كنا سنتكلم عن مجتمع عرب الجزيرة العربية الأول؛ حيث كان الرجل لا المرأة هو الذي يُحارب ويأتي بالغنيمة، وهو الذي يخرج للصيد وفي رحلات تجارية تخترق الصحارى المقفرة وليست المرأة. لكن حركة الاجتماع انتقلت بنا إلى مكان آخر ينبغي أن يتغير معه مفهوم القوامة التي تحمل مدلولًا اجتماعيًا وليس دينيًا كما حاول الفقهاء والإخباريون تقديمها، فالرجل والمرأة في مجتمع اليوم يستويان أمام القانون، كلاهما مواطن تتولى الدولة حمايته، كما أنه لم يعد الكسب قاصرًا على ما كان شائعًا في البيئة العربية الأولى بما يمنح الرجل تفوقًا، فالقوامة الاجتماعية التي تُؤسس لتفوق ذكوري حلّ بدلا منها قوامة تقوم على المشاركة.
وإذا عدنا إلى تناول مدرسة الحديث لقضية ضرب المرأة فسنجدها ترى المرأة إمّا قانتة طائعة لزوجها، أو ناشزة غير طائعة لزوجها، وأن النشوز داء دواؤه ثلاث: عظة ثم هجر في المضاجع ثم ضربٌ، فتُضرب ضربًا يحصل به تأديبها، ولا يحصل به جُرح امتثالا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم “وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ” [أخرج مسلم ١٢١٨/]، ويتوقف الزوج عن الضرب التأديبي إذا حصلت الطّاعة الظاهرة، ولا تختلف المدرسة الأصولية/ الفقهية عن المدرسة الإخبارية، فالمذاهب السنية الفقهية الأربعة متفقة على أن علاج نشوز المرأة هو الضرب إذا لم ترجع بالوعظ والهجر، واشترطوا باتفاق بينهم ألا يكون الضرب مبرِّحًا، وأن يتجنب في ضربه لزوجته الوجه والمهالك.
هذا عن التراث، فإذا انتقلنا إلى الخطاب الديني المعاصر فسنجده في مأزق بين التراث ومدلول الآية من جانب، وما انتهى إليه العرف الإنساني الذي يُبشّع أي شكل من أشكال العنف ضد المرأة، ويراه انتهاكًا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية من جانب آخر، وأمام الخطاب الإنساني العام وحركة الاجتماع المندفعة للإمام وجدت الخطابات الدينية نفسها مضطرة إلى اتّخاذ موقف من التراث والآية القرآنية بين متجاهلٍ يقفز إلى الأمام، وبين مجتزئ يُحاول أن يُخفي جانبًا من المدلولات والأخبار ويستدعي بحماسة جانب من تلك المدلولات والأخبار بما يتسق مع واقعه، وليس لديه مانع أن يلوى عُنق اللغة.
أكد شيخ الأزهر على أن الإنسانية لا تقبل أن يضرب إنسان إنسانا، والإسلام بوصفه دين الفطرة لابد أن يتسق مع الإنسانية، يذهب معها حيث ذهبت
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة بين التراث والخطاب الإنساني المعاصر أكّد شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب أن ضرب الزوجة مباح مقيد أو استثناء من أصل ممنوع، فالضرب ممنوع إلا أنه يُباح للزوج كدواء لمرض النشوز، ويستدعى النشوز بالمفهوم التراثي واللغوي الصحيح وهو “نُشُوزُ المرأَة استعصاؤها على زوجها ونَشَزَ هو عليها نُشُوزًا كذلك وضربها وجفاها وأَضَرّ بها وفي التنزيل العزيز.
والنُّشُوز كراهية كل منهما صاحبه وسُوءُ عشرته له”. فالشيخ سكت عن قول الإخباريين والفقهاء بمشروعية الضرب بغية التأديب بضابط ألا يكون مبرّحًا، وميّز فضيلته بين فقه صحيح وفقه غير صحيح، وقال إنّ ضرب الزوجة لا يعدو عن كونه ضرب الضرورة أو الاستثناء، ثم عاد وجعله تأديبًا عندما ضرب مثالاً بضرب الأم لابنتها وضرب المربّي اليتيم الذي يحتاج تأديبه إلى الضرب، إلا أنه اشترط أن تكون النية التأديب وليس العدوان، فعاد مرة أخرى إلى معنى التأديب في لغة الفقهاء، ثمّ سكت فضيلة الإمام عن الماضي وانطلق من الواقع متمنيًا أن يُجرّم الضرب في حياته.
وأكّد على أن الإنسانية لا تقبل أن يضرب إنسان إنسانا، والإسلام بوصفه دين الفطرة لابد أن يتسق مع الإنسانية، يذهب معها حيث ذهبت، إلا أنه عاد وقال بمشروعية الضرب؛ فـ”هو الدواء لعلة النشوز، فالمرأة الناشز هي المرأة المتكبرة، والضرب هو رمز لجرح كبرياء تلك المرأة، حتى لا ينهدم المعبد/ الأسرة فنلجأ إلى أخف الضررين، وهو الضرب حفاظًا على الأسرة، فالضرب على إطلاقه لأي سبب من الأسباب لا يُمكن أن تأتي به الشريعة أو نظام يحترم الإنسان، فضرب الزوجة استثناء من أصل ممنوع وُضع له شروط من أهمها النشوز، أما المرأة غير الناشز فلا يجوز ضربها، حتى لو وصل الخلاف إلى شتمها الزوج”.
وهذا الطرح من الإمام يُمكن أن يُبنى عليه؛ فحركة الاجتماع والإنسانية حكَمٌ على نتاج الفقهاء وأقوال الإخباريين الذين شرّعوا ضربَ المرأة ضربًا غير مبرّح تأديبًا لها، فيقول فضيلة الإمام صراحة: “من يُشرّع لضرب الزوجة على الإطلاق فقد ظلم للقرآن الكريم والفقه الإسلامي الصحيح”. ويحذر القائمين على الفتوى من إباحة ضرب الزوجة على إطلاقية الحكم.
أخيرًا يظل المدخل اللغوي المعاصر والمدخل المقاصدي الأكثر علمية والأقدر على تفكيك إشكالية آية الضرب مع الواقع الاجتماعي المعاصر؛ فالطرح المقاصدي يتحدث عن زوال الحكم بزوال علته، فالضرب لا يحقق غايته من إصلاح؛ بل يؤدي إلى نقيضه مما يؤدي إلى زوال حكم الآية، ويرى المدخل اللغوي أن الآية خطاب له سياقات تاريخية وثقافية لمجتمع عربي ما زال حديث عهد بجاهلية على حد قول النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة “لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين”.
فالآية لا تقدم مقاربة لأحكام سيكون لها صفة الديمومة كالمعنى الإنساني في آية “وجعلنا بينكم مودة ورحمة” لكنها خطاب يشتبك مع واقع اجتماعي في أول سلم الإنسانية يحاول ترشيده وفق آليات الاجتماع وثقافة العرب في تلك اللحظة التاريخية، فلا نقيس حركة اجتماع المندفعة نحو التغيير وتعزيز القيم الإنسانية بما كانت عليه المجتمعات الأولى، ولا نطالبها قديمًا أن تفكر بعقلية إنسان اليوم.
فالإسلام لا يتعجل الإصلاح الاجتماعي، وإن حثهم وحثنا على المضي في طريقه حيث تتعزز المعاني الإنسانية والأفكار العقلانية، فتلك هي الغاية التي ينبغي أن ينطلق نحوها المسلمون في تشريعهم فيكون منفتحًا على كل الطروحات الإنسانية متغيرًا تبعًا لحركة الاجتماع.
عقلية القطيع
تشير الكاتبة والباحثة الفلسطينية نادية حرحش إلى أن المشكلة ليست في الآية أو تفسيرها، ولا في شيخ الأزهر الذي أفتى وفق ما تعطيه علومه من معرفة بهذا الصدد، ولكن المشكلة بين المعارض والمؤيد من الناس. المشكلة أننا لم نعد جماعات من الناس تشكل شعوبًا ترتقي بها الأوطان، نحن مجرد جموع يمكن حشدها لإضرام النار على خلفية ما يتعرض له الإنسان العربي في كل مكان.
وأضافت الباحثة الحاصلة على ماجستير الفلسفة الإسلامية من جامعة برلين الحرة: “سواء دلت الآية القرآنية على ضرب الزوج لزوجته كما ورد في الآية القرآنية بصريح العبارة، أم دلت على معنى آخر لما يمكن أن تحمله كلمة الضرب من معنى الضرب الذي نفهمه عند سماع الكلمة، وسواء دخلنا في تحليل وتفسير إن كانت الآية تدخل في سياق آخر لواقعة محددة لزمن آخر، أو كانت الآية تشكل دليلاً واضحًا كقاعدة يستطيع الزوج استخدامها لتأديب زوجته فكل هذا لا يهم؛ فالرجل السيء في مجتمعاتنا وغيرها لا يحتاج لدليل قرآني أو قانون أو عرف لكي يضرب زوجته. ونفس الأمر يقع على الرجل الجيد، لا يحتاج إلى آية أو قانون أو عرف ليتعامل بإنسانية لا تقبل ضرب زوجته”.
وأكملت: “فالقرآن تحمل آياته الضرب، ولكن خطبة وداع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم تحمل خلاف ذلك بوصيته التي نهى فيها عن الضرب عند قوله: ” رفقًا بالقوارير”. الضرب وإساءة التعامل مرتبطان بأخلاق الرجل، ونرى أن هناك مشكلة في الأخلاق والقيم قد أصابت كل المجتمعات. قد أحمّل الرجل عبء الأمر لأنه هو الذي يضرب في العموم، على الرغم من أن الضرب ليس حكرًا عليه؛ فهناك نساء يضربن أزواجهن، والأهم في مسألة الضرب هو ما يبدأ في الطفولة، فالضرب يكون حكرًا على الأمهات، على الرغم من أن الآباء يضربون كذلك”. متسائلة: “ما الذي نتوقعه من رجل عاش على الضرب منذ صغره، كبر ليفهم أن الإنسان لا يحسن من سلوكه إلا عند الضرب. فكيف لا يضرب زوجته عندما لا تحسن السلوك؟ ترقى المجتمعات بالتربية، الأم التي لا تضرب، يصعب أن تجعل من زوجها – الأب- ضاربًا، وكما يصعب أن تنتج ابنا يضرب زملاءه وأقرانه عندما يكبر، ولن يكون هذا الابن زوجًا يضرب زوجته.
ما الذي نتوقعه من رجل عاش على الضرب منذ صغره، كبر ليفهم أن الإنسان لا يحسن من سلوكه إلا عند الضرب. فكيف لا يضرب زوجته عندما لا تحسن السلوك؟
والمجتمعات تحتاج لأن ترقى بمنظومة أخلاقية حسنة الى أنظمة تهيئ لها الحياة الكريمة، تبدأ بنظام تعليم يرقى بالأخلاق والقيم؛ فلا يضطر المعلم الى الضرب لأن الطالب قادم من بيت يحترم فيه الأفراد بعضهم بعضًا. وبين البيت والتعليم هناك نظام يهيئ سبل الراحة والكرامة للمواطنين: نظام صحي لا يجعل من المرء يخشى المرض، ومواصلات لا تنتهك قيم الكرامة في كل لحظة بين اكتظاظ وتعطيل وسوء خدمات، وعمل يوفر للأسرة حياة كريمة“.
واختتمت حرحش حديثها مشيرة إلى أننا نستخدم الآيات لنبرر أفعالنا، في حين أن مشاكلنا تكمن في حياتنا اليوم. كيف تستقيم الأخلاق والقيم ولا عدالة في أي اتجاه؟ فقر محدق وغنى فاحش، منظومة القيم كلها صارت مادية الطابع، المطلوب أن يوفر الإنسان لبيته ما يراه على التلفاز ووسائل التواصل والدعايات التي تخترق نظره من كل اتجاه، وبينما تعجز الحكومات عن توفير الحياة الكريمة لمواطنيها يصبح الدين أداة تطويع وتنفيس للمواطنين في كل الاتجاهات وعلى حسب الحاجة.
غياب الوعي والإرادة
يشير د. أحمد عبد ربه الباحث الزائر ومدرس العلوم السياسية المقارنة بجامعة دنفر في الولايات المتحدة إلى أن تصريحات شيخ الأزهر وتبعاتها تعكس بوضوح أزمة مجتمعية أكبر تتعلق بعقل وإرادة تم تغييبهما لعقود طويلة، وهو ما تسبب في كثرة الاعتماد على الفتوى في كل الأمور؛ دينية أو حياتية، موضحًا أن طلب الفتوى الدينية عن الحج أو الزكاة أو الميراث أمر مفهوم، لكن أن يمتد الأمر لكافة نواحي حياتنا نتج عن ذلك حالة من تغييب الإرادة خلق حالة من الاستسهال والاعتمادية وغياب الثقة في النفس وفي إعمال العقل وتحمل المسؤولية تجاه حياتنا.
ويضيف: “السؤال الأهم من وجهة نظري أنه بالرغم من خطوات الانفتاح على العالم والمعتقدات المختلفة التي تأخذها المؤسسة الأزهرية في هذه المرحلة التاريخية مع وجود الشيخ الطيب الذي أقدر مجهوده، إلا أن المؤسسة الأزهرية ماتزال غير قادرة على إعادة التفكير في بعض الأمور الدينية والتاريخية، هل هو خوف من المجتمع، أو من مزايدات تيارات دينية؟ وهذا سؤال لا أملك له إجابة”.
وحول رؤيته لحل هذه الأزمة يقول: “بالنسبة لي الحل عند المجتمع، لأن السلطة قد تساعد في الحل، لكن موقفها دوما هيكون محكوم بالتوازنات السياسات مع المؤسسات الدينية ومع المجتمع ككل، وبالنسبة للمؤسسة الدينية فيبدو أنهم مقتنعون بدورهم التقليدي أو متخوفون من أخذ خطوات إصلاحية واسعة تحسبًا لمزايدات واتهامات بالتفريط في الدين”.
ويكمل: “المجتمع يحتاج حركة ثقافية ومجتمعية فعالة تعزز وعي الناس وثقتهم بأنفسهم وتدفعنا خطوات للأمام، ولا أقصد هنا أشخاصًا محددين من المتصدرين لوسائل الإعلام بوصفهم مثقفين أو علمانيين أو تنورين، لأن الغالبية العظمى منهم لا تقل تطرفًا، وهذا تحدٍ إضافي، لأننا واقعون بين تيارين قائمين على المزايدة التيار الديني بياخد أقصى اليمين، والتيار العلماني بياخد أقصى اليسار، وبتتحول أي نقاشات إلى حرب على الهوية بغض النظر عن الموضوع”.
وحول إلى أي مدى المجتمع المصري مؤهل لأخذ هذه الخطوات، يشير عبد ربه في ختام حديثه إلى أن الوضع المجتمعي مربك حاليًا، وبالتالي ليس هناك حل سوى وجود مزيد من الأصوات الوسطية، والمقصود هنا لبس الوسطية السياسية، ولكن الوسطية الفكرية بمعنى أشخاص بعيدة عن الاستقطاب السياسي ولا تريد تصفية حسابات السلطة مع شيخ الأزهر، أو تنحاز لشيخ الأزهر ضد السلطة.