في السعودية يشرب البعض بول الإبل، والبعض الآخر يجري للإبل عمليات تجميل، هناك مسابقات وجلسات تصوير فوتوغرافي وسباقات للهجن، فلماذا يقدم السعوديون على هذه الأفعال؟ ولماذا تحظى الإبل بمكانة مرتفعة في المجتمع السعودي؟
في ديسمبر 2002، نشرت دراسة بحثية بعنوان: “الإبل وأهميتها الحضارية في شبه الجزيرة العربية خلال القرن الأول الهجري/السابع الميلادي”، قدمها الدكتور خالد زنيد، باحث في قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الأزهر، فلسطين، استعرض فيها الأهمية العسكرية للإبل بين القبائل العربية؛ إذ كان يتم استخدام الإبل في نقل الأسلحة والمقاتلين والأدوات الحربية عندما يتوجهون لمناطق المعارك.
واستخدمت الإبل في الحروب أيام أبو بكر الصديق، وتسببت في نشوب معركة بدر في العام الثاني الهجري، عندما تعرضت قافلة تجارية محملة بالبضائع ومكونة من 70 جملًا للهجوم
كما تناولت الدراسة الأهمية الاقتصادية التي لعبتها الإبل؛ إذ اعتمدت القبائل العربية عليها في نقل البضائع التجارية، فكانت قوافل الإبل أكثر الوسائل التجارية شيوعًا في أوج فترات الحكم الإسلامي، كما كانت وسيلة أساسية لنقل الحجاج المسلمين العرب من وإلى الحجاز بغرض الحج.
ما يعني أن الإبل تمتعت بمكانة خاصة في منطقة شبه جزيرة العرب منذ زمن بعيد، وحتى اليوم في دول الخليج والمملكة العربية السعودية، ويقول أبو سعد الشهراني، صاحب مزرعة النوادر لتربية الإبل، في منطقة الرياض، لمواطن “إن المملكة تضع اهتمامًا كبيرًا برعاية الإبل، وإن الإبل كان لها دور كبير في المعارك الإسلامية”
تراجع قطاع الإبل إنتاجيًا، ومشاركات نسائية لأول مرة
وكان ولي العهد محمد بن سلمان، قد خصص مبلغ 408 ملايين ريال سعودي، لدعم قطاع الماشية داخل المملكة، بما فيها الإبل، لمستفيدي برنامج صغار مربي الماشية، وأثنى على هذا القرار فهد بن حثلين، رئيس مجلس إدارة نادي الإبل بالسعودية، عبر تويتر “بأن دعم قطاع الماشية يحقق النمو الاقتصادي والازدهار بشكل عام، وله مردود إيجابي على الإبل بشكل خاص”. وبالرغم من هذا الدعم الحكومي؛ إلا أن هناك من يؤكد أن التنمية والاستثمار في قطاع الإبل بالتحديد بالسعودية تراجع خلال السنوات القليلة الماضية.
يعلق ضيدان بن فضل الحسيا لمواطن، وهو تاجر إبل عراقي يعمل في تربية الإبل منذ 10 سنوات، بأن السعودية تستورد أعدادًا كبيرة من الإبل العراقية، ويضيف: “الإبل العراقية مميزة في كل شيء؛ طبعه ولونه وحليبه وكل شي مميز، والسعوديون الآن يستوردون إبلاً عراقية وضعف إنتاجهم”.
وقد شهد مجال الإبل، أول مشاركة نسائية منتصف يناير من العام الجاري، من خلال مهرجان الملك عبدالعزيز للإبل، في نسخته السادسة، إذ خصصت إدارة المهرجان سباق نسائي فردي بلغ فيه عدد المتسابقات 38 متسابقة، أتيح لهن عرض إبلهن في مسابقة الجمال ضمن فعاليات المهرجان.
أجود أنواع الإبل وأغلاها ثمنًا
يقول العتيبي أبو بندر، صاحب مزرعة النضيم لتربية الإبل في المملكة لمواطن “إبل العقود الأفضل، لأنها ما تحتاج أحدًا يسرح فيها”. وتختلف أنواع الإبل حسب موطنها الأصلي وحسب طريقة شرب الماء وحسب عمرها ولونها، ومن أبرز أنواع الإبل بالسعودية إبل المجحم، وإبل القمرة، وإبل السواحلي، وإبل العوادي”.
تعد إبل المجاهيم من أغلى أنواع الإبل، منها إبل النجدية، وموطنها الأصلي شبه الجزيرة العربية، ويعود سر غلاء سعرها إلى إنتاجها الزائد في الألبان، ومن أنواعها الإبل البيضاء والإبل الحمراء والإبل البيضاء.
“إن الناس يخلطون بين الإبل والجمال، فيما أن الجمال نوع من أنواع الإبل وهم ذكور، بينما الإبل جميعًا إناث، والجمال أغلى هذه الأنواع في السعر” بحسب تعليق العتيبي
عمليات تجميل بالبوتوكس
تتعدد مسابقات الإبل التي تنظمها المملكة العربية السعودية، وأبرزها مهرجان الملك عبد العزيز للإبل، الذي يسعى إلى تعزيز ثقافة تربية الإبل كجزء من التراث الثقافي الشعبي السعودي، ومن الفعاليات التي تقام فيه، فعالية الصورة الأجمل للإبل، والملتقى الدولي للإبل، وسباقات الهجن، وأنواع الإبل ونوادرها، ومسابقة ملكة جمال الإبل.
وفي مطلع ديسمبر من العام الماضي، تم استبعاد ما يصل إلى 40 ناقة من مسابقة ملكة جمال الإبل، بسبب حقنها بالبوتوكس، بعد محاولات أصحابها للحد من التجاعيد وجعل الإبل أكثر جمالًا، صدر بعدها قرارات من قبل منظمي المسابقة بفرض عقوبات غليظة على المتلاعبين، الذين يستخدمون طرق خادعة ومزيفة لتجميل الإبل.
تحاول المملكة دعم التنمية المستدامة في مجال الإبل ودعم مشروعات الاستفادة من منتجاتها، وبحسب تقرير نشر بجريدة الرياض، بعنوان: “مؤتمر دولي عن اقتصاديات الإبل والاستفادة من منتجاتها الغذائية والصحية”، فإن السعودية، واحدة من الأعلى إنتاجًا لحليب الإبل، والذي تصل نسبة إنتاجه إلى 4,35% من إجمالي الإنتاج العالمي لحليب الإبل.
ليس حليب الإبل وحده ما ينتجه السعوديون؛ بل هناك بول إبل أيضًا، ويقدم كمشروب، فلماذا يشرب بعض السعوديين بول الإبل؟
ذهب وفد لزيارة النبي محمد في المدينة، وأثناء هذه الزيارة أصابتهم الحمى، نصحهم النبي، بشرب بول الإبل للتداوي، وتم شفاؤهم جميعًا، هذه هي القصة الأشهر والأكثر تداولًا بين الكثير من القصص، التي يستعين بها بعض رجال الدين لتبرير شرب بول الإبل.
هناك اعتقاد بين بعض من أبناء المملكة، أن بول الإبل يشفي المرضى، وهناك الكثير من الأفكار المنتشرة عن التداوي بواسطة بول الإبل على الرغم من إنها غير مثبتة علميًا، حتى إن طبيبًا سعوديًا يدعى، محمد أبو سعدة نشر على موقع يوتيوب مقطع فيديو، يؤكد فيه: “أن هناك ثلاث فئات في المجتمع السعودي، فئة متطرفة لبول الإبل، وفئة متشددة ضده، وفئة معتدلة تريد ضوابط لاستخدامه، ويالفعل كان بول الإبل هو أحد وسائل العلاج التي استخدمت في عهد النبي، لكن لابد من تقديم دليل علمي حول ما يشاع عن قدرة بول الإبل على علاج بعض الأمراض”.
يحكي نبيل إسماعيل، طبيب سعودي، متخصص في أمراض القلب، في تغريدة عبر حسابه الشخصي على تويتر، “إن امرأة لها صلة قرابة بأمه المريضة، نصحتها بعدم تناول الأدوية الكيماوية “أدوية الكفار”، وأن تستبدلها بوصفة سحرية، وهي تناول 7 قطرات من بول الإبل”، وهو ما يعزز انتشار الأمر بين بعض السعوديين في تناول بول الإبل كمشروب علاجي.
بينما عضو هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة جدة، موفق طيب، نشر عبر حسابه على تويتر، يقول إن بول الإبل وحليب الإبل يحميان المعدة ويحلان محل أدوية الحموضة، ليؤكد أن بول الإبل مشروب خارق في تأثيره العلاجي.
"في الكافيه الإسلامي شباب يشربون بول الأبل بدلاً من القهوة والشاي"
انتشر مقطع فيديو على موقع يوتيوب لمجموعة شباب يشربون بول الإبل في مقهى أطلقوا عليه اسم “الكافيه الإسلامي” مما أثار جدلًا واسعًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة بعد أن أعلن مركز طبي بالمملكة العربية السعودية، توجهه إلى إنتاج وطرح كبسولات علاجية تحتوي على بول الإبل لاستخدامها في علاج السرطان وغيره.
يقول سلطان المجنوني، صانع محتوى سعودي على يوتيوب، لمواطن: “أنا شخصيًا أشرب بول الإبل، وأحيانًا أخلطه مع لبنها، وأحيانًا بدون خلط، إن شرب بول الإبل للتداوي ليس خاصًا بالسعوديين عن غيرهم؛ فهو أمر عام لكل مسلم”. بل يرى أن من المستحب أن يشربه أيضًا غير المسلم بغرض التداوي. تجارب شرب بول الإبل التي طبقها المجنوني، على نفسه دفعته لإعداد بعض الحلقات عبر يوتيوب يحكي فيها ما حدث له.
بعد كل هذه القصص، التي تؤكد فوائد بول الإبل، ماذا لو ذهبنا بعينة إلى المعمل؟ وهل يمكن اختبارها معمليا؟
إن كان البعض ينساق وراء الوصفات العلاجية المنقولة عن الأسلاف دون تأكيد لفاعلية هذه التجربة علميًا؛ فما هو موقف العلم منها؟ يجب لمواطن على هذا التساؤل خالد منتصر، طبيب ومفكر علماني مصري، بأن المنهج العلمي بدايته الملاحظة على أرض الواقع، وليست بدايته نصًا دينيًا أو حكمة كاهن أو شيخ ، غير مقبول في العلم وخاصة الطب الحديث، القائم على الدليل أن أجري تجربة على مريض أو في معمل انطلاقًا من نص ديني أو حديث في البخاري.
ويضيف منتصر: “إن تجارب الأسبيرين بدأت بملاحظة أن هناك قبائل تخفف آلامها بلحاء شجر الصفصاف، ومن هذا اللحاء استخلصت المادة الفعالة (الأسبيرين) ولم يكن هناك نص ديني يقول إن الأسبيرين فيه شفاء مثلًا”. أي أن بعض المواد التي استخدمها الأسلاف للعلاج جاءت من خلال التجربة العلمية، وتطبيق هذه التجربة ولم يكن تنفيذها بالاعتماد على نص ديني أو قصة دينية.
قد لا يعترف العلم بالنصوص الدينية أو القصص المتوارثة بين الأجيال لإطلاق وتطبيق التجارب العلمية في مختلف المجالات، يعلق منتصر “عندما يقال اعملوا تجارب على بول الإبل لإثبات فاعليتها ربما تنفع، سأسأل من قال هذا الكلام: “حضرتك بتقول الكلام ده بناء على ايه؟” إذا كان الرد فيه حديث يؤكد فاعليته، سأقول له مع كامل احترامي للحديث، ولكن التجربة العلمية لا تقوم على حديث ديني”.
“قامت منظمة الصحة العالمية، بالتحذير من شرب بول الإبل، الذي يتكون من مجموعة من الإفرازات ونفايات وسموم الجسم التي تخرج من الكلى، فكيف يمكن علاج الأمراض المستعصية بالسموم التي تخرج من الجسم؟ إن العلم لا يتدخل في شؤون الإنسان وربه ولا يقتحم عقيدة أو فكر أي شخص، لذلك فإن العلم أيضًا لا يسمح لأحد باقتحام المعامل البحثية بالأفكار الدينية”. حسبما ذكر منتصر في حديثه لمواطن
في النهاية يبدو وضع الإبل في المملكة شديد التعقيد، بين مسابقات ومهرجانات وجلسات تصوير، وإنتاج حليب إبل، وإنتاج بول إبل يشاع تأثيره العلاجي بين بعض السعوديين، ويرفضه البعض الآخر، إلا أن الطبيعة الجغرافية -وجود الصحاري- كانت العامل الأساسي في وضع الإبل في المملكة وغيرها من دول الخليج، كجزء من الحياة الاجتماعية والثقافة الشعبية، مما يجعله عالمًا خلابًا ومملوًء بجمال وسحر الإبل، وبعض الممارسات المفيدة والضارة، والمثيرة جدًا في أحيان أخرى.