بحلول العام 2020، كان وصول جائحة كوفيد 19 لعمان كفيلًا بإسقاط ورقة التوت الأخيرة الساترة للنظام، تداعيات الإغلاق الذي تخلل أعوام الجائحة الثلاثة، أظهرت النظام العماني أكثر عجزًا وهشاشةً أمام التقلبات الاقتصادية، وبالطبع فشل خططه المحمية عن الرقابة والتي لا يشاركها شعبه.
تمضي التحولات السياسية والثقافية بتسارع يحتم على الأنظمة صناعة تحولات تسمح لها بالبقاء، وتلبي الاحتياجات وتتجاوز التحديات التي تواجهها. في عمان؛ العكس من ذلك يحدث، فبالرغم من تزايد المطالب والنقد الموجه للسلطات، والذي لا يخلو من المخاطر، يستمر النظام بالتعامل بذات الطرق التقليدية الذي اعتاد التعامل بها مع أي مطالب للإصلاح والتغيير.
أصوات الإصلاح
عقب سلسلة تغريدات العماني أحمد قطن، قامت قوات الأمن الداخلي العماني باعتقاله في الرابع من أغسطس؛ حيث طالب “قطن” في تغريداته بالحاجة الحقيقية لإيجاد إصلاحات تشريعية تمنح مجلس الشورى العماني صلاحياتٍ رقابية حقيقية للوقوف على سياسات الحكومة، وتحقيق الإصلاحات الاقتصادية، وخصوصًا مع الفشل والفساد الذي عانته الرؤى والخطط الحكومية على مدى العقدين الأخيرين.
أشار الدكتور قطن في حديثه إلى الفشل الذي تعانيه السياسات الحكومية بقوله: “فشلت الخطط والرؤية في تحقيق التنويع الاقتصادي والحياة الكريمة، الفشل لم يكن صدفة؛ بل نتيجة احتكار السلطة من فئات طفيلية، مهمتها تمكين الشركات الدولية من نهب الثروات، والمؤسف أن تظل معظم الأقلام تبشر بالخطط والقرارات السقيمة”.
كلنا مع الاصلاح الحقيقي الذي يعترف بالسبب الحقيقي للفشل السابق ويتخذ الاجراءات الحازمة للتصحيح.. واساسها اجراء انتخابات حرة وشفافة لمجلس وطني يتولى اختيار الحكومة ومحاسبتها.. ماعدا ذلك تعتبر مجرد وعود تخديرية ومصيرها ازمات وكوارث اكبر.
— د. أحمد عيسى قطن (@Ahmed_Qtn) July 19, 2022
تواجه عمان، وبشكلٍ أسوأ من مثيلاتها في دول الخليج، معضلةً مصيرية في الانتقال من الاقتصاد الريعي للاعتماد على الإيرادات المتنوعة والمستدامة التي تكون أقل عرضة لتقلبات السوق الدولية، واعتمادها شبه الكلي على النفط، بدأت عمان منذ وقت ليس ببعيد من مواجهة آثار تقلبات السوق النفطية، بالإضافة من المخاوف المستقبلية في الانتقال للطاقة البديلة عالميًا.
في تسعينيات القرن الماضي، كان السلطان الراحل قابوس بن سعيد قد أطلق الرؤية الحكومية لتنويع الموارد الاقتصادية للميزانية العمانية، وبعد عقدين من الرؤية، لم يتحقق شيء. كانت احتجاجات الربيع العماني 2011 كفيلة بنقل صورة للعالم عن الفشل الحكومي في تلبية حاجات الشباب العماني الذي يعاني المستوى الأعلى في البطالة في منطقة الخليج.
قلق شعبي من الفشل
مع وصول السلطان هيثم بن طارق لسدة الحكم العام 2020، كان على عاتقه تنفيذ رؤية عمان 2040. وهي رؤية تهدف لتنمية الاقتصاد العماني وحل مشاكله بتنويع موارد الاقتصاد، وتحسين مختلف قطاعات التنمية والبنى التحتية والخدمية في عمان. إلا أن الكثير من المخاوف لا زالت تدور حول حقيقة إمكان نجاح الرؤية في تحقيق أهدافها، في ظل غياب الدور الشعبي والرقابي على السلطات التنفيذية في البلاد، وخصوصًا أنها ومنذ انطلاقها العام 2013 تعثرت أمام أزمة الجائحة.
في تغريدة للدكتور أحمد قطن، أشار إلى أن فشل تنويع موارد الاقتصاد العماني ترجع إلى احتكار السلطة وغياب الرقابة، مؤكدًا على أن الرؤية الحالية في ظل غياب الدور المجتمعي في عملية التنمية والرقابة وإبقاء عملية الإدارة حكرًا على من أسماهم بالطفيليات، ستنتهي بنفس النتائج التي حققتها الرؤى السابقة.
بعد مضى عامٍ على توليه سدة الحكم، قام السلطان الجديد بإعلان نظامٍ أساسي جديد للحكم. النظام الجديد في نسخة السلطان هيثم لم يختلف كثيرًا عن سابقه الذي صدر سبعينيات القرن الماضي. الجديد في الأمر كان ضمان عملية انتقال السلطة لابنه الأكبر ذي يزن بن طارق، وتجريد مجلس الشورى من بعض الصلاحيات الشكلية التي كان يتمتع بها في النظام السابق.
في مشهدٍ ساخر، الحكومة نفسها، وفي قصةٍ سابقة قامت مواطن بتغطيتها، فرضت عبر وزارة الإعلام مزيدًا من القيود على وسائل الإعلام بمنع تواصلها ونقلها أخبار مجلس الشورى. السلطة القضائية هي الأخرى معزولةٌ عن الإعلام بعد تعميم سابق مخالفٍ للقانون، أعلنته وزارة الإعلام العمانية نهاية العام 2021، يوجه وسائل الإعلام والصحفيين لعدم تداول أخبار القضاء دون إذن مسبق، ليخضع الصحفي الهنائي للمحاكمة عقب نشره تغريداتٍ على حسابه الشخصي في تويتر تتضمن أخبار قضيةٍ تتعلق بفساد مسؤولين في الحكومة.
تمضي عمان في رؤية الـ 2040، بسلطة أقوى وأكثر احتكارًا، وبغيابٍ تامٍ للمشاركة الشعبية في عملية التنمية والرقابة، وقطاعٍ كبيرٍ من الشباب يبحث عن فرصة عمل.
لا مجال للمشاركة
استمر اعتقال الدكتور أحمد قطن حتى السابع عشر من أغسطس، قبل أن يطلق الأمن الداخلي سراحه بكفالةٍ حتى المثول للمحاكمة في العشرين من سبتمبر 2022، بعد حملات مجتمعية للتضامن مع الدكتور قطن على وسائل التواصل الاجتماعي.
بحمد الله تم الافراج عني بكفالة لحين المثول امام المحكمة في 20 سبتمبر.. واني اتقدم بالشكر الجزيل لجميع المخلصين الذين طالبوا بالافراج عني والى كافة الاحرار الذين تضامنوا مع حقي في حرية التعبير عن الرأي.. واؤكد للذين ازعجتهم تكرار الاعتقالات بان الحقوق تتطلب الاصرار لانتزاعها.
— د. أحمد عيسى قطن (@Ahmed_Qtn) August 17, 2022
وأفاد مصدر مطلع خاص بمواطن، أن الدكتور قطن سيمثل أمام القضاء في العشرين من سبتمبر بتهمٍ تعلق بما سمي "إعابة ذات السلطان والمساس بذات الدولة"، قد تصل العقوبة في قانون الجزاء العماني للإدانة بهذه التهم للسجن لسبع سنوات، ردٌ مناسب للكشف عن نوايا السلطات الحقيقية في رؤيتها الإصلاحية الخفية.
الدكتور أحمد قطن، وفي فترة اعتقاله بين الرابع والسابع عشر من أغسطس أضرب عن الطعام حتى إعلانه في حسابه عن خروجه بكفالةٍ منتظرًا مثوله للمحاكمة في العشرين من سبتمبر، أما العمانيون، فيبدو أن أمامهم طريقًا طويلاً ليقطعوه لنيل حقهم في المشاركة مع نظامٍ يتمسك بسلطة الفرد.