تُعد قَضية المرأة مُختلفًا عليها وَمُعقدة، لمَا لها مِن تَشعبات كَثيرة ومُتعددة، لها أبعاد بيولوجية، سَيكولوجية، تَاريخية، عَقدية، سياسية، اقتصادية واجتماعية. يَتوزع النضال من أجل مُساواة المرأة وبُلوغ حُقوقها الإنسانية والمَدنية عَلى كُل الأبعاد السابقة وغيرُها الكثير. إلا أن هُناك أهمية وَحَاجة إلى نَظرة شَاملة ومُختصرة، وأكثر مِن ذلك مَوضوعية تَحصر أهم أوضاع المرأة ومَراحل تَحرُرها –إن كان الوضع كذلك-. في هذا المَقال القَصير والمُقتضب سنُحاول تسليط الضوء على أهم الأبعاد وَالمراحل التي مَرت بها قضية المرأة مِنَ التَكوين إلى بُروز بوادر مَا بَعد الجنسانية.
التَكوين
جُبل آدم مِن الأرض وفيه نُفخت نَسمة الحياة وصار نفسًا حَية، وعلى صُورة الله صُور، وبذلك فهو ابن الله؛ أعطي من الخير كُل شيء، وَمع ذلك استحق مُعينًا؛ فَمنه ضِلع أُخذ، يُقال إنه أعوج، وبُنيت به امرأة مُعِينة لَهُ تُدعى حواء، لأنها أم كُل حي، وبما أنها من الإنسان فَهي ابنة الإنسان. وفي الجنة كَانا عُريانين، ولما كانا للخير والشر جَاهلين؛ فكذلك كانا غير خَجلين.
من كل شيء في الجَنة -غالبا أن هذه الجنة على الأرض وُجدت وليس في السماء- مُباح لابن الله وابنة الإنسان، إلا شَجرتين في وسط الجنة –والله أعلم لم وُجدتا في وَسط الجنة؟- الأولى للمعرفة والثانية للخلود؛ فهُما مُوجبتان للموت. وفي الجَنة حَية أحيل جَميع حيوانات البرية -لا يعرف سوى خالقها لما وُجدت؟ – حَدثت وأغَوت بنت الإنسان أن تأكل مِن شَجرة المَعرفة؛ على أن تَعرف وزوجها الخَير والشَر، ذلك الذي كان مُقدرًا ألا يعرفه إلا الله -لكنه وحده يَعرف لم وُجدت تلك الشجرتان؟- ولأن حواء ابنة الإنسان لا الله؛ فقد أغويت بثمار الشجرة التي كانت بهية للعُيون وشهية للنظر -والله وَحده يَعلم لماذا كانت كذلك؟- فأكلت حواء مِنها وأعطت رَجُلها يَأكل مِنهُا.
عَرف الزوجان الخير والشَر، وعَرفا أنهما عُريانان، والعُري شَرٌ، فاستحالا مُستحيين مَذلولين، ولما كان الجسد نَجسًا مُذلاً؛ أُلبسا من الجلد ما يَستُر سوأتيهما، ولُعنت الحية وعلى بَطنها سَتسعى ومن التراب ستَأكل أبد الدَهر، أما ابنة الإنسان فَمن اللعنة نَجت، وللعقاب استحقت، وتكفيرًا لذلك بالوجع تَضع أولادها، ولرجُلها تَشتاق وهُو يَسود عليها، أما ابن الله ولأنه استجاب لابنة الإنسان وتَنكر لله فللعقاب استحق، فَلُعنت الأرض بسببه –والله أعلم لماذا؟- وَمن الجنة طُردا على ألا تمتد أيديهُما إلى شَجرة الحياة فَيُصبحان خالدين، فمن الأرض جاء الإنسان وإليها يعودُ، تُنبت لهُ شَوكا ويأكل مِنها بشقاء وعيشُه عليها يكون بِعناء.
تُصور السَردية الدينية المرأة باعتبارها ابنة الإنسان، وهي بذلك أقل من آدم وهُو ابن الله، ومن حيثُ التَكوين فَهي مِن آدم، وبذلك فهي مِلك لهُ وَمِن حيث الغاية فهي مُعينة له. إضافة إلى ذلك تَعزو الرواية الدينية سبب اعلاء شأن الرَجل على المرأة؛ إلى كَونها آثمة، وتكفيرًا عن هذا الإثم أبد الدهر يسُود عليها الرَجل. وبسببها استحق الإنسان أن يَعيش بشقاء على الأرض، وبذلك عَليها أن تَشقى مِنَ الأرض، وأن تشقى مِن أجل الرجل إتمامًا لماهيتها ولغايتها وتَكفيرًا عن ذَنبها.
الأصــل
وُجد الإنسان، لا يُحركه سوى الجُوع والخوف، وحيدا دُون مَعرفة، لا يقوده خَير ولا شَر. وقَبل أن يَنظر الرَجُل إلى السَماء كان يَنضر إلى الأرض باعتبارها وَلودًا ومَصدرًا للحياة، وإلى المرأة التي كانت بالنسبة إليه مَصدر خَوف لقُدرتها كما الأرض على خَلق الحياة. وبما أن الإنسان يُقدس ما يجهله وما يُخيفه؛ فَقَد قَدَس الأرض والمرأة في هَذه المَرحلة. ويَتفق مُعظم المُؤرخين وعُلماء الآثار أن المَراحل المُبكرة مِن تَاريخ الإنسان وَجُزء من الحَضارات الأولى كَانت أُمُومية. فَبدل أن تَخرُج المرأة من ضلع الرجل الذي يُعتقد أنه أعوج، كان الرجل يَخرج من فرج المرأة، وبما أن المرأة حواء وأم كُل حَي؛ فهي كانت الإلهة التي تَهب الحَياة وتُوجب العقاب، والمَلكة التي تَحكم وَسيدة الأسرة التي تَمتلك الأرض والنسب والرَجل.
تَتحدثُ “نوال السعداوي” في كتابيها “المرأة والجنس” و“الأنثى هي الأصل” عن هذه المَرحلة التاريخية باستفاضة كَبيرة للاستدلال على أن الوَضعية الدُونية للمرأة لا تُعزى إلى مُعطيات تاريخية، وإنما إلى طبيعة النظام الذي تَصفه “بالطبقي الأبوي العُنصري” والذي بُني على أنقاض نظام أمُومي، “لا تناصره صراحة في كتاباتها إلا أنها تَتحدثُ عنه بنزعة مُبطنة من الفخر والاعتزاز”. كما أنها تَستَبعد العَوامل البَيولُوجية في عَزو وَضعية المرأة من خلال استدلالها بهذه الحقبة التي سادت فيها المرأة فتقول:
«…وقد أدرك المُجتمع الإنساني البدائي المُكون من الذُكور والاناث، أن الأنثى بالطبيعة أصل الحياة بسبب قُدرتها على ولادة الحياة الجديدة، فاعتبروها أكثر قُدرة من الذكر، وبالتالي أعلى قيمة، ومن هنا سادة الفكرة في تلك العهود أن الآلهة أنثى وأنها إلهة الإخصاب والولادة والخُضرة والوفرة والخير وكُل شَيء مُفيد».
كما تُعزز طرحها بأمثلة مِن الواقع؛ حيثُ العَديدُ من البُلدان الآسيوية والأفريقية لا يزال فيها النظام الأمُومي فَاعلا. أما “سِيمون دي بوفوار” في كتابها “الجنس الآخر” فهي لا تَتَوقف عند هذه المَرحلة كثيرًا، وترى أنه من الصعب جدًا تكوين فكرة واضحة عَن وضع المرأة في الفترة التي سبقت الزراعة. وتَعتبرُها جُزءً من مَراحل التطور البشري، وأن اكتسابها لحق النسب يَعود بالدرجة الأولى إلى جَهل الرَجل بدوره في الإخصاب، لا إلى قُوة كامنة في المرأة. إضافة إلى ذلك فإن “دي بوفوار” تَعتقد أن للتكوين البيولوجي للمرأة دَورًا في دُونيتها. وفي هذا السياق تقول:
«…الصفتان الأساسيتان اللتان تُميزان المرأة هُما: أولا: أن تَمكنها من العالم أضيق نطاقًا من تَملك الرجل لَهُ. ثانيا: أنها أكثُر خُضوعًا لمُستلزمات النَوع»
وبذلك فالطبيعة لم تَكن كَريمة مَعَهَا، فَهي بالعَذاب تَحمل وتَلد، وهذه الوظيفة البيولوجية تَجعل منها ضَعيفة تَحتاج إلى من يَحميها في هذا الوقت، وبالتالي فإن التاريخ والبيولوجيا كانا فاعلين ومُؤثرين في وَضعية المرأة. أما عن العِلل الأساسية للوضعية الدُونية التي آلت إليها المرأة في العصور اللاحقة لهذه الفترة، فإن كُل من «السعداوي» و «ودي بوفوار» تَتَفقان عَلى العَامل الاقتصادي، أو المُساهمة في عَملية الإنتاج؛ حيثُ كَانت المرأة في النظام الأمومي مُنتجة بالدرجة الأولى أو مُساهمة فيه في حقبه المتأخرة.
«ففي العصر الحجري، لَما كانت الأرض مُشاعًا بين أفراد القبيلة، كانت قُوة المرأة كافية للعمل في البساتين؛ فكان هُناك تَقسيم مُتساوٍ للأعمال بين الرَجُل والمرأة؛ الرَجُل يصطاد، والمرأة تَبقى في المنزل حيث تَقوم ببعض الأعمال الإنتاجية؛ كالنسج والبستنة وغيرهما. وبالتالي كان لها دور كبير في الحياة الاقتصادية» سيمون دي بوفوار. الجنس الأخر
أما عَميق تأثير العَامل الاقتصادي على الجانب الشخصي والنفسي لدى المرأة فَتلخصه «السعداوي» في مَقولتها الشهيرة:
«يَفقد الإنسان كرامته حين يعجز عن الإنفاق على نفسه».
كناية عن وضع المرأة في ظل عطالتها عن العمل. وعلى الرُغم من كَون هذه المَرحلة مُوثقة في الأرشيف ومُستدَلاً عليها بالحفريات؛ خاصة ما تعلق بالرُسومات على جُدران القُصور والمعابد، وعلى العُملات النقدية، فضلاً عن التماثيل التي تُجسد المرأة كإلهة للإخصاب، ودائمًا ما كنت تُصور أضخم من الرَجل، وكانت السُمنة والأثداء والبطن الممتلئ علامات للقوة والسطوة؛ إلا أن الكثير من هذه الرُموز غُيبت تدريجيًا وَتَمَت مُحاولة طمسها في النظام الذي تلي هذه الحقبة.
الحَضَارَة
بَعد أن رَفع الرَجل رأسه من الأرض ونَضر إلى السَماء، وَجد أنها تُمطر ماء فَينبتُ زَرع الأرض، فقارن بين ماء السماء ومَائه الذي يُمطره في رَحم المرأة، وبذلك تفطن إلى دوره في عملية الإخصاب. وتُعتبر لحظة اكتشاف الرجُل لدوره في التناسل محورية؛ فالآن يَفهم أن الزَرع يَنبتُ بفعل المَطر ولَم يَعد بذلك يَجهل الأرض ولا يخافها، وبذلك لا يعبدها، كذلك المرأة، أدرك أنها لا تَمتلك شيئًا إلهًيا مُميزًا يُمكنها من خلق الحياة –فقد كَان يَعتقد أنها أرواح الغابرين يحلون في المرأة فَتلد- وإنما كان لهُ دَور في هَذه العملية. وهذا يعني أن لهُ الحق بالمطالبة بالنسب.
إذا كان كُل من الرَجل والمرأة في العَصر الحجري لا يَهتمان كثيرًا بالنسل، فإن ذلك رَاجع إلى طَبيعة المَجموعات المُتنقلة وَغَير المُرتبطة بمكان قَار، وبناء على ذلك كان الأطفال في غَالب الأحيان عبئًا؛ خاصة عند الرجل الصياد؛ المُطالب بالتنقل المُستمر والسريع بُغية الصيد في أرض المَشاع وخَوفًا من وُحوشها، وكذلك عند المرأة؛ فهم يَتَطلبُون إرضاعًا ورعاية وحماية، وهذا ما يُضعفها ويُبطئها مَع الأخذ بعين الاعتبار الاحتمال العالي لأن تفقد حياتها أثناء الولادة. إلا أن الضَرورة البيولوجية كانت تُعطي أفضلية نَوعية للمرأة –استمرار النوع-. أمـا الوضع الجَديد «اكتشاف الزراعة» أظهر قيمة جديدة للنسل تتجاوز الضرورة البيولوجية وغريزة البقاء.
ففي هذا السياق الذي تَتَكشفُ فيه الحقائق أكثر فَأكثر لَدى الرجُل، اكتشف الزراعة وأصبح هُناك مُجتمع مُرتبط بالأرض، وتَطورت القـوانين ومَفاهيم الأسرة. هُنا البدايات الأولى للانقلاب الذُكوري على المرأة، وبداية تَشكل وتَجذُر النظام الأبوي، لَكن هذا لن يَحدث دُفعة واحدة كالانقلاب العَسكري أو السياسي في الدُول، وإنما في حالة الأنظمة والحضارات يكون تَدريجيًا من خلال مبدأ التَذكير؛ الذي يصبو لتَذكير جَميع عَناصر الحضارة.
يَجب كذلك ألا نَغفل في هذا السياق التاريخي شديد الخصوصية في الإشارة إلى أهم فَاعل على مُستوى النظام الجَديد المُتشكل، ألا وهو ظُهور الملكية وتعاظم نَزعتها مَع الوقت وتحَول النظام من أمُومي إلى أبوي طبقي يَنزُع تَدريجيًا نَحو العُنصرية الجنسية وَجميع أشكالها الأخرى كما تصفه “السعداوي”.
“الحضارة مِن صُنع الرجال”. قِسم كَبير من الحقيقة تَتَضمنها هذه العبارة في دلالاتها، وَقسم كَبير من توظيفاتها واستعمالاتها عُنصرية واستعبادية؛ فَبَعد أن استقر البَشر في قبائل على ضفاف الأنهار والبحار وأصبحوا مزارعين مُستقرين، ظهرت فكرة الملكية؛ فأصبح على الرجُل أن يَمتلك الأرض وأن يُورثها، وبذلك بَرزت قيمة الأطفال باعتبارهم امتدادًا للأب، يُساعدونه في العَمل وتأمين أرضه ويَرثونه عند وفاته، وبذلك كان عَليه أن يتأكد أن الأطفال أطفاله، فَتعين عليه في سَبيل ذلك أن يتَملك جسد المرأة، ولكي يَضمن ذلك كان لابَد على النظام أن يُقيد المرأة بقيم الشَرف والأخلاق التي تستجيب لضرورة نزعة الملكية على أن تُعاشر المرأة رجُلاً واحدًا فقط، في حين أن الرَجُل غير مُطالب بذلك لاعتبارات بيولوجية وأنثروبولوجية.
وبما أن الرَجل امتلك الأرض والمرأة والنسل، أصبح للرَجُل قيمة أعلى من المرأة، وباتت هذه الأخيرة مُجرد رحم للتناسل، ومُعينة (خادمة أو عبدة) للسيد (الرجل) الذي يَمتلكها كما يَمتلك الأرض والنسل والحيوان. وفي هذه الفَترة بالتحديد يُشير عُلماء التاريخ والآثار لُبروز الإله الذكر بمُحاذات الإلهة الأنثى، وكُلما تصاعدت حدة الذُكورية ازدادت الآلهة ذُكورية ونَقصت الإلهة الأنثى حتى اندثرت، وأصبح المَلك رَجلاً يَحكم بقوته وفحولته، ورُسمت التماثيل بكاميشات كبيرة وُمنتصبة، وأصبحت رَمزًا للمُلك والقوة والحكمة.
ولما كان الغرض الرئيسي من هذا المقال الاستعراض التاريخي لا الاستدلال الحجاجي؛ فإننا نختتم هذه المَرحلة بالعلل التي آلت إلى الانقلاب الذكوري على النظام الأمومي، وكَيف استحالت الأنثى المُقدسة مَملوكة مُطيعة للرجل. وهُنا يَفرض الاقتصاد مَنطقه؛ حَيث انسحبت المرأة من الانتاج وباتت مُستهلكة غَير قَادرة على الإنفاق على نفسها إلا بما يَجُود به الرجل عليها، فَلم تَعد أعمال المنزل والزراعة والحياكة ذات قيمة؛ فبحسب “دي بوفوار” فإن الخُروج من مَنطق الأرض والزراعة إلى الصناعة القَائمة على اخضاع الطبيعة كان عاملاً مفصليًا حيثُ كان:
«تأليه المرأة مُرتبطا بالزراعة. أما الإنسان الذي بدأ يَعمل في الصناعة؛ فقد دَشَنَ عَهَد إمكان الانتصار على الزمان والمكان، وعهد الضرورة والأهداف والمشاريع. لم تَكن عبادة الرجل للمرأة إلا عبادة خوف؛ فلم تَكن عبادته عبادة حُب، ولم يَكن بوسعه استكمال ذاته إلا بتحريرها من صفات الألوهية. لذلك بدأ يعتبر المبدأ المُذكر “التذكير” أساس القوة المُبدعة والنور والفهم والنظام».
إن تطور أدوات الإنتاج واكتشاف المَعادن والآلات، كان الإسفين الذي مزق أسُس الحضارة القَديمة؛ حيثُ استطاع الرجل أن يتجاوز التكرار ويخلق قيمة لذاته، وأن يفرض نفسه على الطبيعة؛ فباتت الطبيعة ومواردها أدوات يستخدمها لتحقيق ذاته، وتَحقيق الذات تلك كانت وبحسب النظرية النفسية ناقصة لدى المرأة، إلا أن أدوات الانتاج هذه أوجدت نظامًا اقتصاديًا جديدًا فرض مَنطق تقسيم الأعمال، ونظرًا للقيود البيولوجية ولملكية الرجُل للمرأة استقرت هذه الأخيرة في البَيت بَينما خَرج الرجل إلى العَالم ليخضعه.
“ذلك هو الانكسار التاريخي الكبير للجنس النسائي، وإنه يُفسر بالثورة التي طرأت على تَقسيم العمل نتيجة لاختراع وَسائل جديدة. إن العمل المنزلي الذي كان يضمن للمرأة استقلالها في السابق، صار يضمن سيطرة الرجل، لأن العمل المَنزلي لم يعد له سوى قيمة ثانوية جدًا أمام عمل الرجل المُنتج. حينها حل الحق الأبوي مَحلَ حَق الأم وظهرت الأسرة الأبوية القائمة على الملكية الفردية. “سيمون دي بوفوار”، الجنس الآخر.
علينا أن نُشير إلى أن بُروز النظام الأبوي وتَرسخ دعائمه الاقتصادية والدينية والقيمية دام لآلاف السنين، وأنه لا يُمكن بمكان إقصاء عوامل النفس والجنس في هذا التحول المُعقد والطويل، إلا أن عاملي البيولوجيا والاقتصاد كانا الأكثر فاعلية، في حين أن التاريخ فَيُمثل المُتغير الذي يَفرض مبدأ السيرورة والتحول والتطور.
الصناعـة
“ما أخضع المرأة هو نَفسه ما أدى إلى تَحَررها”، إن الأنموذج الاقتصادي القَائم عَلى الصناعة وَعَلى الإنتاج، وسَيطرة الرَجل على حِرف الصناعة وأدوات الانتاج، هُو مَن جَعل مِنه يَتجاوز ذاته وَيفرض نَفسه عَلى الطَبيعة وعلى العالم، وبذلك بَرزت لهُ قيمة عُليا بالمقارنة مع المرأة التي تُكرر نفسها من خلال التناسل، الزراعة والأعمال المنزلية. ومِنهُ؛ فطبيعة النظام هُو الذي يُحدد قيمة الإنسان ذَكرًا أو أنثى. ولَما كان النظام مُتغير ومُتحولاً ومُتطورًا؛ فَمن شأن النظام الجَديد الذي يحَلُ مَحال النظام الاقطاعي الذي سَاد في الحضارة الزراعية أن يَفرض مَنطقًا جَديدًا للقيمة. وَهَذه المُتغيرات لا تَحدث إلا من خلال تَحولات وَطفرات صغيرة تَراكمية ومَوضُوعية في حَركة الزَمان.
تبدأ هذه المُتغيرات بأهم حَدث في التاريخ الإنساني، وهُو الثورة الصناعية 1750 التي أفضت إلى أنموذج اقتصادي جَديد يقوم عَلى تَعظيم الإنتاج والاستهلاك. يَقُوم هذا الناظم على آلة اقتصادية ضَخمة تَتَخذ من الموارد الأولية الطبيعية، رأس المال والعَمالة كَمدخلات من أجل تَحقيق المُخرجات التي تَتَمَثل في السلع والبضائع. وَكُلما تَوسعت الآلة الاقتصادية في نُموها، كان من الضروري تَوفير قَدر أكبر من المُدخلات. تَم تغطية النُقص في الموارد الأولية الطبيعية من خلال بُروز الحَرَكَة الاستعمارية الكلاسيكية، أما القِوى العاملة، فبالإضافة إلى المُهاجرين والمُهجرين قَسرًا من الدُول المُستعمرة تَم كذلك حَشدُ النساء مِن أجل العمل كآلة اقتصادية.
وهُنا نشأت المُدن باعتبارها حَاضنة لحضارة جَديدة “الحضارة الصناعية“؛ حيثُ أن الآلة الصناعية كانت بحاجة إلى مُدن ضَخمة مُكدسَة من أجل استيعاب أكبر عدد من القوى العاملة، وبذلك تطورت المُدن وباتت البَديل عن القُرى، وظهرت هُناك حاجة إلى نَمط جديد من القوانين والتنظيمات التي تَحكم المُجتمع المُتكدس، هُنا تعود البدايات الأولى لبُروز ونُمو حَركات النضال العُمالي والحقوقي الذي سَيلعَب دَورًا كَبيرًا في عملية تَحرير المرأة. ولزيادة المواءمة مَع الحضارة الجَديدة وخاصة في تنظيم السُكان دَاخل المُدن المَأهولة، كَان لابد من تَجزئة المُجتمع، وَهذا مَا تَطلب ظهُور شَكل جَديد من أشكَال الأسرة بَعد أن أصبحت الأسرة المُمتدة غير صالحة في المَدية؛ ظهرَت الأسرة النووية القَائمة على السُلطة المُشتركة للوالدين وَبذلك تَحررت المَرأة من قُيود العائلة والقَبيلة والعَشيرة، وَبَاتت في مُواجهة مُباشرة مَع سُلطة الرَجل «الزوج» الذي بدأ يَفقد الكَثير من نُفوذه وَقُدسيته المُستمدة من العُرف والبيولوجيا والاقتصاد.
ومن أجل حَشد النساء للعمل في المَصانع، فإن على النظام أن يُقلل من صرامته تجاه المرأة فيما يَخص تَقسيم العَمل، وَمن أجل دَعوتها إلى المصانع بات العَمل المَنزلي غَير ذي جَدوة اقتصادية، ومن ثمة فإن تَعظيم الثَروة يَستوجب حَشد جَميع القوى العَاملة نَحو المصانع، وفي هذا الوقت بالذات بدأت تَقل الوصاية الذُكورية على جَسد المرأة وانخفاض نَبرة الخطاب الأخلاقي والعُذري المُحافظ الذي كان مُسلطًا على النساء بالدرجة الأولى، والذي يَفرض حَبسَ المرأة في البيت؛ خُصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار تراجع دَور الكَنيسة والكَهنوت في الشأن العمومي في أوروبا.
أما الفاعل البيولوجي فكان مُساعدًا في تحرير المرأة؛ إذ وَفي مَنطق النظام الجديد لَم تَعد المرأة مُجرد أداة للتناسل، بل قوة مُوجهة للإنتاج، فَضلاً عَن ذلك؛ فإن طبيعة العَمل في المَصنع وبوجود الآلات الميكانيكية، ولاحقا المُؤتمة لم تَعد العَمَالة مُطالبة بقوة وجُهد عَضلي كَبير، هَذا الجُهد وَبحكم الطبيعة كان يُمثل قيمة عُليا لَدى الرَجل مُقارنة بالمرأة، وبالتالي أصبح البناء الفيزيولوجي لا يشُكل عائقًا لدَى المرأة. أما التناسل فَلَم يَعُد يَحظى بذات القيمة الجَوهرية كما كان في المُجتمعات الزراعية؛ فأصبحت المرأة أقل تَقيدًا بوظيفة الإنجاب؛ خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حاجة المصانع للعاملات لا للأمُهات.
إن ضرورة وُجود النساء ضِمنَ هذا الأنموذج الاقتصادي الجَديد لا يَقتصر فَقط عَلى كَونها عَاملاً في خَط الإنتاج؛ بَل وإضافة إلى ذلك كانت ضرورية من أجل الاستهلاك، وبذلك شُجعت النساء على الخُروج والتَبضع والاستهلاك، وَوُجهت الحمالات الإعلانية والإعلامية لخدمة هذا الغَرض؛ بل وأصبحت الاستراتيجية الرَئيسية قَائمة على استهداف النساء.
إن هذا الوَضع الجديد مَكن المرأة من التَحَرر من قُيود النظام الأبوي؛ وكان لقُدرة المرأة على العمل والإنفاق على نَفسها دافعًا كبيرًا. استطاعت المرأة ولعوامل مَوضوعية أن تَستقل ماديًا عَن الرَجل، وَهَذا ما فَتح الباب للنضال الحقوقي والقانوني من أجل تحرير الجسد. لا يُمكن في هذا السياق ومن باب المَوضوعية ألا نُشير إلى أن المرأة -وإن حققت قدرًا من المكَاسب والحُرية- فإنها كذلك حَظيت بقَدر كبير من الدُونية؛ فاستُخدمت باعتبارها مَوردًا من موارد الآلة الاقتصادية؛ لا كأصل من أصولها البشرية، وإن كان هذا الوَضع نَفسه بالنسبة لجَميع العمالة (رجالاً ونساء) في هذه الحقبة الزَمنية، فإن النساء بالتحديد عُوملت بعُنصرية جنسية، فكانت تأخذ أجرًا أقل من الرجل فَضلاً عن التَحرش الذي كان سِمة سَائدة ومَشروعة. إضافة إلى ذَلك؛ تَم المُغالاة في تَجسيد المرأة وتَسليعها، فأصبحت إلى جانب السلع سِلعة أسَاسية يَتم تَسويقها والتربح مِنها، فذلك الجَسد الذي كان مِلكًا للزوج والعشيرة والقبيلة، لَم يَعُد إلهيًا؛ بَل أصبح مشاعًا لأصحاب رُؤوس الأموال؛ يُعرونه ويستبيحونه ويتصرفون به وفق مَنطق الشَيء أو المُنتج.
التَنوير
افتُتح عَصرُ الأنوار بإعلان استقلالية الإنسان عن رَجُل الدين، ذلك الذي كان من أَشد أعداء المرأة نظرًا “لقصة التَكوين” وللسردية الدينية الذُكورية. وأكثر الأعمال تأثيرًا في ذلك الوقت كان “العقد الاجتماعي «للفيلسوف» جان جاك رُسو”، الذي أَسَسَ لقيام دَولة المُواطنة؛ حيثُ تَنتفي الفُروق الطبقية في المُجتمع بعلاقتهم مَع الدَولة. إن هذا الطرح فَتح المجال أمام السُؤال عَن وَضعية المرأة في المُجتمع ما بعد الكَنسي؛ فَهل هي كالرجُل مُواطنة وتتساوى معهُ في الحقوق والواجبات؟ صحيح أن كثيرًا من الفلاسفة وَمن بينهم فلاسفة التَنوير سَجلوا مَوقفًا سلبيًا؛ بَل ومُخجلاً من المرأة، هذا الوَضع الغير مَفهوم ومُبرر، غَالبًا ما يُعزى إلى قُوة العُرف الاجتماعي الذي نَشأ فيه أولئك الفلاسفة، وكذلك إلى سَيطرة الرَجل على أورغنون التفكير في تلك الفترة، إن قائمة أولئك الفلاسفة طويلة للأسف مِنهم: “أرسطو، ديكارت، رُوسو، شوبنهاور ونيتشة…”. ومَع ذلك فالكَثير من أطاريحهم الفكرية -التي رَاجَت في عَصر الأنوار خَاصة تلك التي لها علاقة بالإنسانية والمَدنية- كان لَها بَليغ الأثر في تَحرير الإنسان، ومن ثُم تَحرير المرأة، ولطالما كانت تلك الأطاريح مُنطلقًا للدفاع عن حُقوق المَرأة.
إن النضال من أجل حُقوق الإنسان استند على فَلسفة الأنوار باعتبارها مَرجعية قَيمية بَديلة عَن المَرجعيات الثيوقراطية الرَجعية، وتزامنًا مع هذا النضال بَرَزَت البوادر الأولى للنضال السياسي والحقوقي والعُمالي للمرأة؛ فأصبحت تُطالب بالمُساوات على أساس المُواطنة؛ وهذا ما سَيترتبُ عَليه حُقوق مَدنية وَسياسية تَجعلُ من المرأة ولأول مَرة فاعلاً في التاريخ وفي العالم. صَحيح أن المرأة كَانت مَوجودة في جَميع مَراحل التاريخ، إلا أن ذَلك الوُجود كَان ضمن عالم الرَجُل؛ عالم تَسودُ فيه أفكاره وقوانينه ودياناته وأعرافه، وكانت المرأة لا تَرى العالم إلا مِن خلاله ولا تولجه إلا مِن خِلال الرجال.
إلا أن النضال التنويري من أجل حُقوق المرأة، بَاتَ يَنصبُ عَلى تَمكين المرأة مِن رُؤية العالم من وجهة نَظرها لا من وجهة نَضر الرجال؛ وهذا مَا يَستَدعي إعادة النَظر في الأورغانون البشري؛ الفكر والفلسفة، خاصة بَعدما خَانها الفلاسفة. كَما أن هذا النضال يَحثُ المرأة على أن تَلج العَالم بنفسها لا بواسطة الرجال؛ وهذا ما يَستدعي مُشاركتها في الإنتاج والاقتصاد، وأن يَعمل الرجُل والمرأة باعتبارهما كَيانات إنسانية على بناء عالم مُتوازن لا ذكوريًا أبويًا، ولا أنثويًا أمُوميًا. ولَقد كَان النضال مِن أجل هذه الحُقوق المُتساوية مَدعومًا ومُنظرًا لَهُ مِن قبل العَديد مِن الفيلسوفات والحُقوقيات عَلى غرار “أوليمب دو غوج، سوجورنر ترُوث، لويزه أوتو بيترز، هيدفغ دُوهم إميلي دافيسون، سيمون دِي بُوفوار، وَنَوَال السَعداوي” وغيرهن الكثير من حول العالم.
إن إعادة النظر في الفلسفة والفكر لم يكونا كافيين لتحيد الذكُورة عن العقل؛ بَل استدعى ذلك إعادة النَظر في مُنتجاتهما؛ فالعُلوم ومن بينها البسيكولوجيا والسيسيولوجيا والأنثروبولوجيا وحتى البيولوجيا وغيرُها العَديد تأثرت بمبدأ التذكير. وهُنا تأتي اسهامات العديد من الباحثات والباحثين من أجل إعادة النظر في نظريات العُلوم من أجل تَنقيتها من رَواسب التَذكير والانحياز ضد المرأة والعدائية لَها. إن مَرحلة التنوير والثورة الصناعية، التي استطاعت فيها المرأة أن تبدأ مِشوارها نَحو التَحرر، أعقبته حربان عالميتان مُدمرتان؛ كان لتداعياتهما أمران مُهمان:
- الأول: أن الحرب استنزفت الرجال وهَلك مِنهم الكثير، وبذلك أصبحت المرأة عُنصرًا فاعلاً ومُؤثرًا في المَصنع أثناء الحرب وفي إعادة البناء والإعمار.
- الثاني: يَتمثل في قيام النظام الدَولي الجديد القائم عَلى مَرجعيات حقوق الإنسان المُتساوية الذي شَدَدَ على المُساواة بَينَ حُقوق المرأة والرجل، وأخذت الأُمم المُتحدة عَلى عاتقها مُهمة تَجسيد هذا المبدأ والدفاع عَنه مِن خلال مُختلف مُؤسساتها وبالرقابة عَلى التزامات الدُول الأعضاء.
ما بعد الجنسانية
هُنا نَتحدث عَن أُورغانُون جَديد وَحَضارة جَديدة؛ حَضارة جَديدة تَقوم في الـعالم بتسميات مُختلفة من بينها “حضارة المَعلومات”. تَقوم هذه الحضارة على تَراكمية حضارية، علمية وتقنية غَيرت وَجه العالم، وكُل هذه المُتغيرات كانت ولا تزال لصالح المرأة، وهُناك العَديد مِنَ المُنظرين وبخاصة المُدافعين عن حقوق المرأة يُسمونها بحضارة المرأة.
إن هذه الحضارة، كَما سابقاتها تَقوم على أنموذج اقتصادي جَديد مُختلف ومُتميز عَن سابقه؛ إذ إن هذا الأخير قائمٌ على المَعلومات باعتبارها مَواد خامًا لَه، وَعَلى الخَدَمَات كَمنتُوج نهائي لَه. هذا الأنموذج الذي يَعتمد على العمالة من ذوي الياقات البيضاء قَلص بشكل كَبير ونهائي الفُروقات البيولوجية بَينَ النساء والرجال، وَيجعل مَرجعيات القيمة في مَدَى المَعرفة والمهارات التي يكتسبها الإنسان بغض النظر عن الجنس. وَلَمَا كَانت المرأة عاملة ومُتعلمة؛ وَنِسبُ النساء باتت تَفوق الرجال في هَذا الصدد، مَكن المرأة من اكتساب مكانتها ضمن هذا الأنموذج الاقتصادي وأن تَكون إلى جانب ذلك صَانعة لهُ.
أما بخصوص العامل السياسي والحقوقي؛ فإن مُشاركة المرأة في الإنتاج وحاجة النظام الاقتصادي لَها مَكنها من التواجد أكثر وبشكل مُكثف في الفضاء العُمومي ومُؤسساته باعتبارها فاعلاً، وهذا ما جَعل منها طَرفًا من أطراف الحُكم؛ فَهي تُشرع في البرلمان وتُراقب التشريعات التي مِن شأنها المَساس بمصالحها السياسية والاقتصادية، وتَحكُم؛ وبذلك تَبني وتُجسد مَشاريع المُواطنة غَير المُنحازة، وتُحارب كُل أشكال التمييز المُؤسساتي ضد المرأة.
وفي الجانب النفسي، وبفعل انتفاء القُيود الاقتصادية والسياسية، باتت المرأة تُعبر عَن وُجودها لا كَجنس آخر كَما وَصَفَتها “سيمون دي بوفوار”؛ بل كَجنس بَشري. وَهَذا التَعريف الجَديد مَكن المرأة مِن تَجاوز عَديد العُقد النَفسية، وأن تُعيد نَضرتها لجَسدها؛ لا باعتباره نَاقصًا أو أداة للمُتعة والتناسل؛ بَل بوصفه كَيانًا مُتحدًا مَع ذاتها مُؤممًا لها لا تَفصل بينه وبين ذاتها الواعية. وأصبحت تَعتبر العَملية الجنسية ليست مُجرد استجابة لغرائز الطرف الآخر؛ بَل باعتبارها أداة لإشباع غرائزها وللتعبير عَن الحُب والعَاطفة، فَضلاً عَن ذلك انفلَتَت مِن قُيود النَوع وَبات التَوجه نَحو التناسل باعتباره واجبًا وُجُوديا وعُنصرًا مُكونًا لشخصيتها، وأمرًا ثانويًا يَخضع لإرادتها، وباتت المرأة تَرى أن تحقيق ذَاتها لا يقتصر على التَناسل وَرعاية الأطفال؛ وإنما باتت كما هُو الحال لدى الرَجُل، يَكمن في سعيها لتجاوز الرُكود والتكرار والسعي نحو تحقيق وجودها وفَرضُ ذاتها على الطبيعة وعلى العالم مِن خِلال العَمل والإنتاج.
إن الحضارة الجديدة، قَامَت على مبدأ مَركزية الإنسان، وبذلك أصبح الجنس كما اللون، اللغة، الدين والعُرف، عَوامل غَير فَاعلة. وهُنا تَبرز بوادر ما بعد الجنسانية؛ وهُو التوجه نَحو عالم جديد من القيم والأفكار التي لا وُجود فيه للنزعة الجنسية. تُرجم هذا التَوجه في الواقع من خلال طيف جنسي واسع؛ تَجاوز النظام الثنائي للجنس (ذَكر وأنثى) وباتَت الخارطة الجنسية مُتعددة ومُتنوعة. وَمَا يَدفع مِن هذه النزعات خُطوة نَحو الأمام هو طبيعة الحضارة الجديدة القائمة على الفردانية؛ فبات الفرد ما يعُرف نَفسه على أنه كذلك، أَو مَا يَرغَبُ وَمَا يَختار أن يَكُون عَليه.
أمام هذه التوجهات الجديدة والمُتجددة والمُستمرة في التَغَيُر، باتت النسوية قَضية مُطبعًا مَعها؛ فَتوسُع الخارطة الجنسية وَضع المُحافظين في مَوقف صَدمة وجُمود، فَمَا كَانوا يَرفضونه في المَاضي “ المُساوات مع ومُشاركة المرأة في الفضاء العُمُومي” بات أهون أمام مُطالبات بمُشاركة أطياف لا يُمكن عَدُها أو تَصنيفها، نَظرًا لكونها خَاضعة للرغبة والإرادة لا للعُرف والبيولوجيا. وهُنا تُطرح مسألة تَحيد الجنس، تَجاوز الجنس أو ما بعد الجنسانية بمزيد مِنَ الجِدية أمام وَاقع تَنفلت فِيه المَعايير الجنسية الكلاسيكية.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.