تلعب السينما الأمريكية تاريخيًا دورًا كبيرًا على مستوى تنميط الآخر؛ فالإيطالي رجل مافيا، والأفريقي عبد، والمسلم إرهابي. وتشير دراسة تنميط صورة المسلم في سينما هوليود إلى أن العنف والتخلف والجهل والشراهة، من أكثر الصور شيوعًا عن المسلمين في أفلام هوليود.
ومرت صورة المسلم في السينما الأمريكية بعدة تطورات؛ يؤرخ لأبرزها مع ظهور دولة إسرائيل، ولعل الصورة الأبرز عن العرب الذي يعيشون حيواتهم في الصحارى، على آبار بترول تأسست بشكل كبير مع حرب أكتوبر 1973 بسبب الحظر العربي لبيع النفط، وتوالت الصور مع حضور الإسلام كعدو جديد يستحق المحاربة، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي “أيقونة الشيوعية”.
وعن مأسسة صورة الإرهابي المسلم حدثت بشكل كبير مع أحداث 11 سبتمبر، وإن كان لها إرهاصات سابقة احتجاز الرهائن في السفارة الأمريكية في طهران 1979، حادثة ميونيخ 1972.
يصور فيلم the arab المنتج 1915 العربي يسرق القوافل، أما فيلم barbarian المنتج 1913 فيتطفل العربي على السيدة البيضاء، وفي 1921 يبرز فيلم the cheikh صورة الأمير العربي المهوس بالنساء الأوربيات، المبذر والسفيه، وفي 1994 فيلم true lies أظهر العرب مجموعة من الإرهابين الأغبياء. وهناك عدد آخر من الأفلام التي ترسخ صورًا نمطية عن المسلمين والعرب.
ترى باولا كاريدي في كتابها “عرب لا نراهم”، أن “مسلم يساوي إرهابي”، وإذا كان المسلم عربيًا؛ فإن المصطلحين يدمجان ببعضهما، ويضيف الروائي علاء الأسواني في مقدمة الترجمة العربية للكتاب “تحكي الصورة النمطية عن عالم عربي موحد لا تمايز به”.
وعدم التمايز بين العرب والمسلمين، خلق اتهامًا واسعًا لأي عربي مسلم على إنه إرهابي، وتخلص “باولا” إلى أن الغرب رسخ لصورة شرق أوسط شرير، تخرج منه كل الأرواح الشريرة، ويجب أن نحاربه بكل ما أوتينا من قوة.
شخصية المترجم "محمد" كانت محورية أيضًا؛ بل خلقت حالة قصوى من التعاطف، لقد فقد ابنه إثر أحد الحوادث الإرهابية، ما يبرز أن المسلمين متضررون أيضًا من الإرهاب، ليسوا متواطئين أو شركاء فيه.
إلا أن فيلم قندهار الصادر هذا العام، حمل نوعًا من التمييز والتمايز على طريقة عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو؛ فلم يتعامل مع شخصية المسلم على نمط واحد وصورة واحدة؛ بل قدم عدة تباينات ودرجات تعاطف مع بعض شخصيات الفيلم من المسلمين.
يحكي الفيلم عملية تخريب منشأة نووية إيرانية، عن طريق عميل وكالة المخابرات المركزية توم هاريس (جيرارد بتلر)، والذي يرغب في إنهاء مهمته والعودة لأسرته لحضور عيد ميلاد ابنته، إلا أن رومان تشارلمز (ترافيس فيميل) يطلب منه أن يقوم بمهمة ثانية وبعدها يذهب لأسرته، وفي هذه العملية يساعده المترجم محمد (نافيد نجيبان)، لكن ينكشف أمر العميل الأمريكي، ويصبح مطاردًا من قبل المخابرات الباكستانية.
في مقابل شخصية العميل الأمريكي مدمن الحرب، والذي قضى 20 عامًا في ميادين الحرب ولا يعرف شيئًا عن عائلته، تبرز شخصية الشاب الباكستاني كحيل الذي يخلع عمامته، ويضع نظارات غوتشي، ويدخن السجائر الإلكترونية، ويستمع إلى موسيقى الهيب هوب في سيارته الرينج الروفر.
“أردنا كحيل نظير توم” يعلق ريك رومان مخرج الفليلم. كلاهما مدمن حرب، ويعيش في عزلة، مثلما يسعى توم للعودة إلى أسرته محاولاً البحث عن مخرج من الأراضي الأفغانية، يبحث “كحيل” عن الحب على موقع Tinder.
شخصية المترجم “محمد” كانت محورية أيضًا؛ بل خلقت حالة قصوى من التعاطف، لقد فقد ابنه إثر أحد الحوادث الإرهابية، ما يبرز أن المسلمين متضررون أيضًا من الإرهاب، ليسوا متواطئين أو شركاء فيه.
ويدور بين توم ومحمد أهم أحداث الفيلم وحواراته، وفي تواجد الثنائي تحطم الصورة النمطية عن المسلم الإرهابي؛ بل إن هناك نقدًا لنظرة الاستعلاء الأمريكي؛ إذ يقول بطل الفيلم لمساعده المترجم: “نحن نعتمد عليكم في كل شيء؛ في اللغة والثقافة، تخاطرون بأنفسكم من أجلنا، ثم نخبركم كيف يجب أن يبدو بلدكم، وكيف عليكم أنت تتصرفوا ولا نقول “شكرًا” معظم الوقت”.
وعلى الرغم من أن الفيلم يحمل الرؤى الأمريكية التقليدية عن البطولة الأمريكية والمسؤولية الأخلاقية في إنقاذ العالم؛ بل وتشكيله، إلا أنه يعترف أن المسلمين ليسوا كلهم إرهابيين؛ بل إن هناك مسلمين متطرفين، مثلما هناك متطرفون لدى أي دين أو جماعة.
عمل الفيلم على خلق حالة تعاطف خلف قصص الموت، قصص موت المواطنين الأفغان حزينة، مثلما قصص موت العملاء الأمريكان، الكل ضحايا في ميدان حرب الإرهاب، والمسلمون بشر ولهم معاناتهم وتضحياتهم في مواجهة الإرهاب.
قالت باولا كاريدي في كتابها عرب لا نراهم: "إن العالم العربي الإسلامي عالم واسع متباين، ولا يعبر عنه وجه أسامة بن لادن العبوس، ولا ملامح الثأر على وجوه الانتحاريين".
يحمل الفيلم لمحات حقيقية على عدة مستويات؛ الممثل الأيراني نافيد نجيبان، الذي لعب دور المترجم، خرج من طهران طفلاً لاجئًا بسبب الحرب الإيرانية العراقية، والممثلة نجية خان أيضًا لاجئة أفغانية، ما يعني أن مشاكل المسلمين مع الإرهاب والعنف والحروب شديدة الواقعية، حتى سيناريو الخاص الفيلم كتبه ضابط المخابرات الأمريكي السابق ميتشل لافورتون، بناءً على تجاربه في أفغانستان.
المخرج ريك رومان نفسه كان حبيسًا في السعودية، إثر جائحة كورونا مع سيناريو فيلمه، وشاءت الأقدار أن يشهد الانسحاب الأمريكي من الأراضي الأفغانية في 31 من أغسطس 2021؛ ما دفعه لإعادة كتابة الفيلم وتعديله إثر الانسحاب الأمريكي، يعلق رومان: “ليس فقط لإظهار حزن المنطقة على هذا الانسحاب، ولكن حزن المحاربين الذين قاتلوا لمدة 20 عامًا أيضًا”.
كل هذه التجارب والقرب من الأحداث أخرج فيلمًا مختلفًا، يحمل درجة اختلاط عالية، ما بين ثقافات الشرق والغرب، وهو ما يتضح من حديث كريستيان ميركوري، الرئيس التنفيذي لشركة كابستون الشريكة في إنتاج الفيلم مع قنوات mbc، عن السعودية، والتي شهدت أعمال تصوير الفيلم، قائلاً “كنا نمتلك فهمًا غير صحيح عنهم”، الأمر ذاته عبر عنه مخرج الفيلم الذي أبدى إعجابه بمظاهر الحياة العصرية في السعودية.
وتمثل المملكة بما تملكه من مقومات وانفتاح وجهة ناشئة لصناع السينما العالميين، وهو ما حدث مع فيلم قندهار، والذي اختار صناعه مدينة العلا للتصوير فيها. في النهاية محاولات الاستثمار السعودي لجذب صناع السينما، أنتجت لنا فيلمًا مختلفًا في تناوله للمسلمين.
قالت باولا كاريدي في كتابها عرب لا نراهم: “إن العالم العربي الإسلامي عالم واسع متباين، ولا يعبر عنه وجه أسامة بن لادن العبوس، ولا ملامح الثأر على وجوه الانتحاريين”. والجيد في الأمر أننا أصبحنا نرى مثل هذه وجهات النظر في السينما العالمية، أنها حالة من الكفاح بدأت مع الفنان المصري يوسف وهبي، وفيلم أولاد الذوات، أول فيلم ناطق عربي، محاولاً إيصال رسالة واحدة؛ هي أن الرجال الشرقيون ليسوا وحوشًا يقتلون النساء، إثر قضية اتهم فيها رجل مصري بقتل امرأة فرنسية في لندن.
محاولات تاريخية كثيرة لنخبر الغرب أننا بشر طبيعيون، واليوم مع مزيد من الانفتاح العالمي، بدأت الصورة النمطية عنا تتحطم أخيرًا. قندهار ليس الفيلم الأول الذي يسعى لإنصاف المسلمين بدرجة ما، إلا أنه من الأكثر إنصافًا للمسلمين، بالأخص أنه ليس فيلمًا مستقلاً ولا فيلمًا أوربيًا لصانع أفلام مسلم الأصل.
- الآراء الواردة في هذا المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة مواقف وآراء “مواطن”.