كان أحد مبررات عملية طوفان الأقصى التي نفذتها فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 هو إيقاف موجة التطبيع بين البلاد العربية وإسرائيل؛ خاصة المملكة العربية السعودية، ومع قرب انقضاء العام الأول على الحرب، لا يبدو الهدف قيد التحقيق؛ إذ كشفت البيانات عن نمو التبادل التجاري بين الدول العربية وإسرائيل عقب الحرب في غزة، على الرغم من تراجع التجارة الخارجية لإسرائيل بشكل عام.
في الوقت الذي تراجعت فيه تجارة إسرائيل الخارجية في الأشهر الثلاثة التالية لحرب غزة (الربع الأخير من 2023) مع العالم بنسبة 15%، مقارنةً بالربع نفسه من عام 2022، سجلت تجارتها مع العرب نموًا قدره 2%، وفي الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، 2024، انخفضت تجارة إسرائيل مع العالم بنسبة 7% مقارنة بالفترة نفسها في عام 2023، ومرة ثانية سجلت تجارتها مع العرب معها نموًا قدره 12%. فكيف نمت تجارة إسرائيل مع العرب بعد حرب غزة؟
تأثير مؤقت للحرب على التجارة
سجل الربع الأخير من العام 2023، الذي بدأ بالحرب في غزة، انخفاضًا في تعاملات إسرائيل التجارية الخارجية مع العالم، بنسبة 15%، مقارنة بنظيره في العام 2022، ويظهر ذلك في الرسم التالي، علمًا أنّ هذه البيانات تقتصر على تجارة السلع، دون الخدمات والغاز الطبيعي والمياه، وسيكون الاعتماد على بيانات دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، نظرًا لما توفره من بيانات تفصيلية شهرية عن تجارة الأولى الخارجية وفق الدول، بينما لا تقدم بيانات هيئات الإحصاء العربية الكثير عن التجارة الشهرية مع إسرائيل، سوى في حالتي البحرين ومصر.
مقابل ذلك، ارتفع مجموع التبادل التجاري بين العرب (مصر، والإمارات، والأردن، والبحرين، والمغرب) وإسرائيل في الفترة نفسها بنسبة 2%، بفعل نمو تجارة مصر والمغرب مع إسرائيل، ويوضح الرسم التالي تجارة العرب مع إسرائيل في الربع الأخير لعامي 2023 و2023.
يكشف الرسم السابق عن تراجع التبادل التجاري بين إسرائيل وكلٍ من الأردن والإمارات والبحرين، مقابل نموه مع مصر والمغرب، وتختلف أسباب التراجع والنمو، وهو ما سيتم تناوله لاحقًا لكل بلد على حده.
يمكن القول إنّ مجمل تجارة إسرائيل الخارجية تحسنت بعد استيعاب تبعات أحداث 7 من أكتوبر (طوفان الأقصى)؛ فسجلت الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 2024 تراجعًا بنسبة 7%، مقارنةً بنفس الفترة في العام 2023، بينما كانت نسبة التراجع 15% في الفصل الأخير من 2023 عن نظيره في 2022، وفيما يتعلق بالبلدان العربية الخمسة؛ فتحسنت تجارتها الخارجية جميعًا بإسرائيل، ويظهر ذلك في الرسم التالي.
يكشف الرسم البياني عن تحقيق أربعة بلدان عربية نموًا إيجابيًا في تجارتها مع إسرائيل في الأشهر السبعة الأولى لعام 2024، مقارنةً بالفترة نفسها في 2023، بينما سجلت تجارة الأردن معها تراجعًا بنسبة 11%، ويمكن اعتبار ذلك تحسنًا من التراجع السابق بنسبة 42%؛ في الفصل الأخير من 2023 بالمقارنة مع الفصل ذاته في 2022.
تظهر البيانات السابقة أنّ تأثير الحرب في غزة على تجارة البلدان العربية الخمسة التي تجمعها اتفاقيات سلام وتطبيع مع إسرائيل -لا توجد بيانات تتعلق بتجارة مع السودان- لم يتعلق بأحداث غزة ذاتها، سوى في حالة الأردن، والتي عاودت تجارتها مع إسرائيل الانتعاش في الأشهر الأولى من العام الجاري، وتقدم كل دولة حالة خاصة سيلي تناولها، وبخصوص الإمارات؛ فيرجع التأثر السلبي في الربع الأخير من عام 2023 إلى تقلص تجارة إسرائيل بشكل عام، وليس إلى اضطراب في علاقة البلدين بعد الحرب على غزة.
مصر: حلم الـ 700 مليون دولار
في حين تأثرت تجارة إسرائيل مع العالم عقب حرب غزة، انتعشت تجارتها مع مصر بأكثر من مرة ونصف، وهو الانتعاش الذي أخذ منحى تصاعديًا منذ العام 2022، الذي شهد عقد لقاء في القاهرة جمع وزيرة التجارة والصناعة السابقة نيفين جامع، ووزيرة التنمية الاقتصادية والتخطيط السابقة هالة السعيد، مع وزيرة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية أورنا باربيفاي، تم الاتفاق خلاله على الوصول بحجم التبادل التجاري بين البلدين إلى 700 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، ويوضح الرسم التالي ما تحقق بين البلدين منذ ذلك التاريخ.
بحسب الرسم البياني، تضاعفت تجارة مصر وإسرائيل تقريبًا بين الأعوام 2021 و2023، ولم تتأثر تجارتهما بالحرب في غزة، وهو ما يعضده بيانات الأشهر السبعة الأولى لعام 2024، التي حققت خلالها تجارة البلدين نموًا بنسبة تزيد عن النصف، مقارنة بالفترة نفسها من العام 2023، والتي سبقت الحرب بنحو ثلاثة أشهر، ويظهر ذلك في الرسم التالي.
تحققت هذه الزيادة الكبيرة نتيجة تضاعف صادرات إسرائيل لمصر بمقدار مرة وثلث؛ في حين لم تَنْم صادرات مصر إليها سوى بنسبة 16%، وتستورد إسرائيل من مصر المواد الغذائية ومواد البناء والمنتجات الزراعية والكيماويات والآلات والمطاط والبلاستيك والأجهزة الكهربائية والمنزلية، بينما تستورد مصر منها التكنولوجيا والإمدادات الزراعية ومدخلات إنتاج تتعلق بصناعة الملابس. يُرجح الخبير الاقتصادي المصري، محمد أنيس، لـ”مواطن”، ارتفاع قيمة صادرات إسرائيل إلى مصر إلى سبيين: الأول التضخم، وثانيًا زيادة الطلب على مدخلات إنتاج من أجل إعادة التصنيع والتصدير إلى الولايات المتحدة، وفق اتفاقية الكويز.
وتسمح اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة المعروفة بالكويز اختصارًا (QIZ) لمصر بتصدير المنتجات إلى الولايات المتحدة دون فرض ضرائب عليها، شريطة أن تحتوى نسبة 10.5% من المكون الإسرائيلي، واتفقت القاهرة وتل أبيب وواشنطن على تخفيض تلك النسبة في صناعة المنسوجات التي تستفيد بالدرجة الأولى من الاتفاقية إلى 8.2%، أواخر العام الماضي. تبعًا لهذا الاتفاق، يجب أنّ تنخفض واردات مصر من إسرائيل، لكن البيانات تُظهر العكس، ويعود ذلك إلى تنامي الطلب المصري على مدخلات الإنتاج الإسرائيلية في صناعات أخرى، من المرجح أن تكون الأغذية بينها، بهدف رفع صادراتها إلى السوق الأمريكية؛ حيث تشمل اتفاقية الكويز جميع المنتجات غير البترولية.
يصدق هذا التحليل بأن ترتفع صادرات مصر إلى الولايات المتحدة في العام 2024 الجاري، وهو ما يظهر من خلال مقارنة بيانات الصادرات المصرية إليها في الأشهر السبعة الأولى بين عامي 2023، و2024؛ حيث نمت بنسبة 4%. بالإضافة إلى ذلك؛ فهناك احتمالات عدة لتفسير هذه الزيادة؛ منها إعادة التصدير إلى الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، وتنمية التبادل التجاري، والاستفادة من مزايا اقتصادية تتعلق بتكلفة الشحن والنقل، وغير ذلك.
الإمارات: ثلثا تجارة العرب
مثّلت تجارة الإمارات ثلثي تجارة الدول العربية الخمس مع إسرائيل في العام 2023، ورغم أنّها الأحدث بينهم مع البحرين حيث بدأت في 2020، إلا أنّها سرعان ما أصبحت واحدة من أهم الشركاء التجاريين مع إسرائيل، بنسبة 6% من التجارة الخارجية لإسرائيل، وستنمو تلك الحصة بعد دخول اتفاقية “الشراكة الاقتصادية الشاملة” بين البلدين حيز النفاذ في أبريل/ نيسان 2023، وبموجبها خُفضت الجمارك والرسوم بشكل كبير على الصادرات الإماراتية من السلع، إلى جانب مزايا تفضيلية أخرى. يوضح الرسم التالي تطور حركة التجارة البينية من حيث الصادرات والواردات بين الإمارات وإسرائيل عبر الأعوام.
يظهر مما سبق رجحان ميزان التبادل التجاري السلعي لصالح الإمارات، وفي عام 2023 بلغت الصادرات الإماراتية ثلاثة أضعاف ونصف وارداتها من إسرائيل، وهو الأمر الذي تدركه البلدان؛ حيث يسعيان إلى زيادة الصادرات الإماراتية مقابل زيادة التجارة في قطاع الخدمات من إسرائيل، الذي حققت فيه صادراتها ضعف وارداتها في عام 2022، بينما تعاني عجزًا دائمًا في ميزان السلع.
عقب الحرب في غزة، تراجعت تجارة الإمارات مع إسرائيل، بنسبة 13%، ويعود ذلك إلى تراجع الطلب في إسرائيل؛ حيث تراجعت تجارتها الخارجية بنسبة 15% في الربع نفسه، مقارنة بالربع الأخير في 2022، ويدعم ذلك أنّه حين انخفض التراجع في تجارة إسرائيل الخارجية في الأشهر السبعة الأولى من 2024 مقارنة بالفترة نفسها من 2023، انتعشت تجارتها مع الإمارات، وحققت نموًا قدره 4%، ويوضح الرسم التالي واقع تجارة البلدين بعد الحرب في غزة، منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى يوليو/ تموز 2024، بالمقارنة مع الفترة نفسها في العامين 2022 و2023.
يظهر من الرسم السابق، تراجع التجارة بين الإمارات وإسرائيل بسبب انخفاض الطلب في إسرائيل بعد أحداث السابع من أكتوبر (حرب غزة)، ثم عاودت تجارة البلدين الارتفاع بفعل تحسن الطلب في إسرائيل.
الأردن: تراجع التجارة بعد الحرب
تأثرت تجارة الأردن مع إسرائيل سلبًا بعد الحرب الثانية على غزة، وكانت أشد الدول العربية تأثرًا، ويميل الميزان التجاري لصالح الأردن؛ حيث تزيد صادراتها إلى إسرائيل عن الواردات منها، وفي العام 2023 صدرت الأردن خمس مرات ضعف ما استوردته من إسرائيل، ولهذا يتعلق التغير الأساسي بالصادرات الأردنية، بينما حافظت وارداتها المحدودة من إسرائيل على مكانتها، وحققت زيادة طفيفة. يوضح الرسم التالي التبادل التجاري بين البلدين خلال الأشهر التي تبعت الحرب، بدايةً من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى يوليو/ تموز 2024.
يكشف الرسم السابق عن تراجع تجارة الأردن وإسرائيل بشدة فور اندلاع الحرب في غزة، ثم عادت إلى التحسن نسبيًا منذ شهر مارس/ آذار 2024، أي بعد انقضاء ستة أشهر على الحرب، وحققت في شهر يوليو/ تموز زيادةً بمقدار الخمس عن نفس الشهر في عام 2023. بشكل عام تشهد تجارة البلدين انخفاضًا ونموًا، ويعود ذلك إلى صادرات القطاع الخاص الأردني، ويوضح الرسم التالي الذي يتناول تجارة البلدين عبر عدة سنوات ذلك.
خلال الأعوام الأولى للتجارة بين البلدين، كانت الصادرات الإسرائيلية للأردن تفوق نظيرتها الأردنية إليها، ثم حدث تراجع لها مقابل زيادة صادرات الأردن، ويفسر هذا التحول التذبذب في التبادل التجاري بين البلدين. وما يعزز القول بأنّ حرب غزة أثرت سلبًا على تجارة البلدين بما يظهر في الرسم السابق؛ حيث أخذت تجارتهما منحنى تصاعديًا منذ العام 2020، وبلغت الذروة في 2022، قبل أن تعاود الانخفاض بفعل الحرب في غزة، التي أدت لتقليص صادرات القطاع الخاص الأردني، بينما لم يحدث تأثير كبير على صادرات إسرائيل للأردن، والتي ترتبط في جزء منها باتفاقية الكويز الموقعة بين البلدين.
كان الاعتماد في بيانات التبادل التجاري بين البلدين على نشرات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، ومن غير الواضح في حالة الأردن إن كانت هذه البيانات محددة بإسرائيل، أم تشمل التجارة مع أراضي دولة فلسطين (أراضي قبل 5 يونيو 1967)؛ حيث تسيطر إسرائيل على معبر جسر الملك حسين (جسر اللنبي) مع الأردن، الذي تدخل منه البضائع بين الأردن والضفة الغربية، وتديره إسرائيل وفق بروتوكول باريس، وتقوم بجمع الضرائب والجمارك نيابةً عن السلطة الوطنية الفلسطينية، مقابل 3% رسوم إدارة. وبحسب بيانات عن غرفة تجارة عمان، بلغ التبادل التجاري بين الأردن والسلطة الوطنية الفلسطينية في عام 2021، نحو 252.3 مليون دولار، وهو ما يزيد عن النصف من التبادل التجاري المُسجل بين الأردن وإسرائيل لدى دائرة الإحصاءات الإسرائيلية للعام نفسه.
يقول الباحث السياسي الأردني، صلاح ملكاوي: “إنّ حجم التجارة مع إسرائيل هو في غالبه التجارة مع الأراضي الفلسطينية، ولن تجد دليلاً على أن الأردن يصدر إلى إسرائيل بكميات كبيرة، وإنما يقوم تجار من الفلسطينيين أو من عرب 48، بعملية الاستيراد إلى أراضي السلطة الفلسطينية، ثم يعيدون تصديرها إلى إسرائيل”. ويشدد لـ”مواطن”، على أنّ التبادل التجاري بين الأردن وإسرائيل بشكل مباشر، محدود.
المغرب: لا صدى للحرب
تعود العلاقات السياسية بين المغرب وإسرائيل إلى ثمانينيات القرن الماضي، وظهرت تجارة محدودة بين البلدين قبل التوقيع على الاتفاق الثلاثي الذي جمع الولايات المتحدة والمغرب وإسرائيل في أواخر 2020، وعقب تطبيع العلاقات رسميًا نمت التجارة البينية بشكل كبير، وتفوقت فيها الصادرات الإسرائيلية مقابل ثبات نسبي في الواردات من المغرب.
يظهر من الرسم البياني حدوث طفرة في التبادل التجاري بين البلدين بعد العام 2020، ولم تتأثر تلك الطفرة بالحرب في غزة التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وهو ما يظهر من خلال الرسم التالي، الذي يستعرض تجارة البلدين خلال عشرة أشهر منذ اندلاع الحرب.
يكشف الرسم عن طفرات في تجارة البلدين في شهري ديسمبر/ كانون الأول 2023، أي بعد الحرب بشهرين، وأخرى في شهر أبريل/ نيسان 2024، بسبب ارتفاع صادرات إسرائيل إلى المغرب. ومن المحتمل أنّ تتعلق تلك الطفرات بمنتجات عسكرية؛ حيث ينمو تعاون البلدين في الصناعات الدفاعية، ورغم ذلك لا توضح بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية على وجه الدقة إن كانت الصادرات العسكرية تدخل ضمن بيانات التجارة الخارجية.
البحرين: طفرة في 2024
تأتي تجارة البحرين في المرتبة الأخيرة بين الدول العربية الخمس سابقة الذكر، ولم تتجاوز 30 مليون دولار في أعلى عام مسجل، وهو 2022، وعقب الحرب في غزة تأثرت سلبًا، لكنها عاودت الارتفاع محققة طفرة كبيرة عام 2024، وفق الرسم التالي للأشهر العشرة التي تلت الحرب، مقارنة بالفترة نفسها قبل الحرب.
يميل الميزان التجاري بين البلدين لصالح البحرين، التي تصدر سلعًا ومنتجات عديدة إلى إسرائيل، من أهمها حجر الكورندوم الصناعي، وسلع يُعاد تصديرها منها الرقائق، ومواد تنظيف وعدد وأدوات ومنتجات كيماوية، وغير ذلك. ولا يبدو أنّ الحرب في غزة كان لها تأثير مباشر على التبادل التجاري بين البلدين، إذ تراجعت حين انخفض الطلب في إسرائيل، ثم عاودت الارتفاع حين ارتفع الطلب مرة أخرى؛ خاصة على حجر الكورندوم الصناعي الذي يدخل في عمليات تصنيع المجوهرات والحلي المُقلدة التي تشتهر بها إسرائيل.
فنان يا حامد وموضوع رائع
Sky Scarlet I like the efforts you have put in this, regards for all the great content.
dodb buzz very informative articles or reviews at this time.
Mating Press I very delighted to find this internet site on bing, just what I was searching for as well saved to fav
Insanont You’re so awesome! I don’t believe I have read a single thing like that before. So great to find someone with some original thoughts on this topic. Really.. thank you for starting this up. This website is something that is needed on the internet, someone with a little originality!