تتعرض الفتيات المغتربات الباحثات عن سكن مستقل في مصر للتحرش والنصب من قبل أصحاب الوحدات السكنية أو السماسرة؛ بل ومطالبة البعض إياهن بإقامة علاقة جنسية معهن مقابل الإيجار، لتتحول المجموعات/ الجروبات المخصصة لعرض الوحدات السكنية للإيجار على المغتربين /ات عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك، إلى وسيلة لاصطياد الضحايا من الفتيات الباحثات عن سكن، في ظل أزمة كبرى تواجه المصريين/ات الراغبين في تأجير وحدة سكنية، بسبب الغلاء غير المسبوق في تكلفة الإيجارات وأسعار الوحدات.
يأتي ذلك في ظل تراخي الجهات الرقابية وعدم قيامها بالتفتيش على الوحدات السكنية المعروضة للإيجار، هذا وبحسب تقارير رقابية، ينتشر التحرش الإلكتروني على نطاق واسع بمصر، وحينما تبلغ الضحية لا تتمكن غالبًا من مقاضاة المتهم، ليأتي التقرير الأمني من مباحث الإنترنت بعدم التوصل لهوية المتهم.
تحرش وتروما
تعرضت مي ياسين، 21 عامًا، وهي طالبة جامعية تدرس الهندسة بجامعة حلوان، للمساومة والتحرش من قبل مالك وحدة سكنية يعرضها على إحدى مجموعات فيسبوك “جروبات”، الخاصة بعرض الوحدات السكنية المتاحة للإيجار على المغتربين/ات من الدارسين والعاملين بمحافظة القاهرة، فوجئت الشابة العشرينية بالمالك يطالبها بالسكن معه في شقته مقابل أن يتصاحبا وأن تطهو له الطعام؛ ما دفعها للتشهير به ونشر لقطة للشاشة / سكرين شوت بالمحادثة لتحظى بدعم البعض على فعلتها، فيما اتهمها آخرون بسوء السلوك لنشرها المحادثة والتشهير به.
لم تكن “مي” أولى الضحايا؛ حيث فوجئت بسنت محمود، 21 عامًا وطالبة جامعية هي الأخرى، كانت تسعى لاستئجار شقة لتكون قريبة من جامعتها، لكن تسببت رحلة بحثها عن شقة في إصابتها بـ “تروما” تقول: “حينما تواصلت مع مالك شقة سبق وأعلن عن نيته تأجيرها بنطاق محافظة القاهرة، فوجئت به يطالبني بإقامة علاقة جنسية معه مقابل أن يؤجر لي الوحدة؛ ما تسبب في إصابتي بحالة من “التروما”، تضيف: “لم أتخيل يومًا أن أتعرض لهذا الموقف الذي تسبب في رهبتي، بت أخشى القيام بمعاينة شقة لاستئجارها”.
نتلقى بلاغات عدة من فتيات تعرضن للتحرش الجنسي والابتزاز من قبل سماسرة وملاك وحدات سكنية، خلال تواصل الفتيات معهم من بحثا عن سكن للإيجار
ليلى عامر شابة عشرينية هي الأخرى تعرضت للتحرش على يد سماسرة ووسطاء عقاريين عبر تواصلها معهم للاستفسار عن إيجار شقة عبر إحدى الجمجموعات المخصصة لعرض الشقق للإيجار للمغتربين تقول: “تحولت مجموعات/جروبات عرض الشقق للإيجار وسيلة في يد من لا يملكون الأخلاق لاصطياد ضحاياهم من الفتيات للتحرش بهن وابتزازهن، وهو ما تعرضت له على يد أحدهم، والذي فوجئت به يطالبني بالعيش معه في ذات الشقة مقابل تأجيرها لي بثمن زهيد”.
قوانين لمعاقبة المتهم
من جانبها تقول هبة عادل، رئيس مجلس منظمة “محاميات مصريات لحقوق المرأة” في حديثها لـ” مواطن”: “تلقينا شكاوى عدة برفض ملاك عقارات تأجير وحدات سكنية لفتيات بمفردهن أو لمجموعة من الفتيات، سمعنا بتعرض فتيات للتحرش واستدراجهن وابتزازهن بالخروج مع السمسار أو الوسيط العقاري، مقابل أن يوفر لها الوحدة السكنية، بأن يقنع المالك أن الوحدة لأسرة وليس لفتاة أو مجموعة من الفتيات على عكس الحقيقة، أو التأجير من الباطن دون علم المالك بهوية المستأجر الحقيقي، تظل تلك الفتيات معرضات لتهديد السمسار وابتزازه في أي لحظة، لكن لم نتلق كوحدة قانونية شكاوى في هذا السياق، ولم تبلغ إحداهن لدينا، وإن اتخذت إحداهن إجراءً قانونيًا بالإبلاغ لدى أقسام الشرطة فنادرًا، لأن العلاقة الإيجارية في النهاية علاقة رضائية بين المالك والمستأجر، ولا ينص القانون على عقوبة المالك حال امتنع عن تأجير الوحدة، وأي شيء يترتب عليها فهو علاقة حرة بين الأطراف.
هذا ووثقت محررة “مواطن” منشورات عبر إحدى مجموعات السكن للمغتربين /ات بالقاهرة، إعلان فتاة عرضها تأجير غرفة في وحدتها السكنية لفتاة، بشرط أن تكون الفتاة الراغبة في مشاركتها السكن مثلية جنسيًا، فضلاً عن منشورات إباحية تم تداولها بكثرة على “جروبات/مجموعات” السكن.
قاوم: الإبلاغ القانوني هو الحل
من جانبه يؤكد محمد اليماني، مؤسس “مبادرة قاوم” المعنية بدعم ومساعدة ضحايا الابتزاز الجنسي، والتي تأسست عام 2020 في حديثه لـ”مواطن”: “نتلقى بلاغات عدة من فتيات تعرضن للتحرش الجنسي والابتزاز من قبل سماسرة وملاك وحدات سكنية، خلال تواصل الفتيات معهم من أجل استئجار الشقة، فوجئن بتحرش بعضهم بهن، في حالات عدة قد لا تستطيع الفتاة الإبلاغ عن مرتكب الواقعة حال قام بعمل بلوك مباشرة لحسابها قبل أن تأخذ سكرين شوت ورابط للحساب؛ فلا يمكن التوصل الىIP الحساب المتورط”. ويطالب “اليماني” الفتيات بالتحقق من هوية الحسابات المعلنة عن وحدات سكنية، والتأكد من أنها لفتاة وليست لشاب دشن صفحة وهمية، وحال تعرضها للتحرش والابتزاز؛ فعليها الإبلاغ الرسمي ضد المتهم لاتخاذ الإجراءات القانونية حياله، ليتم رصد الجريمة وردعها؛ حيث تكمن المشكلة في هذا النوع من الجرائم في عدم الإبلاغ، في الوقت الذي يعد الإبلاغ الوسيلة الوحيدة لاسترداد حقك من المتهم. ويضيف: “نحن في مؤسسة “قاوم” منذ إشهارها قبل عام ونصف، لا نتعامل مع وقائع الابتزاز الجنسي إلا بالإبلاغ الرسمي أولاً بأول، حفاظًا على حق الضحية، يأتي ذلك في الوقت الذي توجد نصوص قانونية عدة في القانون المصري تحافظ على حق الضحية”.
يعاقب قانون الجرائم الإلكترونية على استخدام أجهزة الكمبيوتر أو الشبكات المعلوماتية لارتكاب جرائم؛ مثل الابتزاز، التهديد، التشهير، وانتحال الشخصية.
تتفق رئيس مجلس منظمة “محاميات مصريات لحقوق المرأة” مع “قاوم” في وجهة نظره قائلة: “حال تعرضت الفتاة لابتزاز أو تحرش إلكتروني، أو استدراج لارتكاب أي فعل غير راغبة فيه، أو أجبرت على ذلك؛ فعليها الإبلاغ الفوري، وهناك 3 قوانين تحكم تلك الأمور، وهي كالتالي:
قانون الجرائم الإلكترونية رقم 175 لسنة 2018، والذي يعاقب على استخدام أجهزة الكمبيوتر أو الشبكات المعلوماتية لارتكاب جرائم؛ مثل الابتزاز، التهديد، التشهير، وانتحال الشخصية؛ حيث يعتبر أي تهديد أو إكراه أو استغلال جنسي عبر الإنترنت جريمة يعاقب عليها القانون، فيما ينص قانون حماية البيانات الشخصية رقم 151 لسنة 2020 على حماية البيانات الشخصية للأفراد من الاستخدام غير المشروع، بما في ذلك استخدامها في الابتزاز.
حيث يفرض عقوبات على من يقوم بجمع أو معالجة البيانات الشخصية بطريقة غير مشروعة، أما القانون الجنائي المصري فيحتوي على أحكام تتعلق بالتهديد، القذف، والتشهير، والتي يمكن تطبيقها على الجرائم الإلكترونية.
النصب وسيلة آخرين
لم يقف الأمر عند هذا الحد حيث اشتكت أخريات من تعرضهن للنصب من قبل سماسرة اشترطوا عليهن دفع مبلغ مقدمًا من القيمة الإيجارية قبل سكن الوحدة؛ فاضطرت بعضهن للدفع بعد قضاء أيام وأشهر في رحلة بحث عن سكن، ليفاجأن بعد ذلك بغلق هؤلاء أرقام هواتفهم وفرارهم بعد استلام الأموال من الفتيات، من بين هؤلاء أميرة خالد 22 عامًا، مواليد محافظة سوهاج، طالبة جامعية بكلية الهندسة جامعة بنى سويف، تعرضت للنصب حينما توجهت لمحافظة القاهرة لغرض تدريبي في سبتمبر 2022 على يد فتاة أعلنت عن عرض شقتها للإيجار، تقول في حديثها لـ”مواطن”: “تواصلت معها بغرض تأجير الشقة منها؛ فإذا بها تطالبني بعربون نصف مبلغ الايجار (1000 جنيه)، بعد وصولي حاولت التواصل معها؛ ففوجئت بها تغلق هاتفها ولم تعد ترد عليه، وما علمته أنها كررت نفس الموقف مع آخرين”.
تفعيل دور الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين
من جانبها أرجعت الدكتورة سامية خضر صالح، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس انتشار هذا النوع من حالات التحرش الجنسي؛ سواء أكان الإلكتروني أو بشكل مباشر، لعدم توفر برامج تناقش قضايا هامة بشكل محترم، أو مؤسسات تثقيفية وثقافية تقوم بدورها المنوط، والممثل في نشر الوعي بالمجتمع، وتقول في حديثها لـ” مواطن”: “اختفت المادة التي تنشر القيم الحميدة، لذا فنحن بحاجة لأن نعيد المظلة الأخلاقية للمجتمع المصري، قبل أن يخرج جيل جديد لا يعي ذلك، مع توفير السكن الجامعي في كافة الجامعات، وقيام الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين؛ سواء داخل الجامعات أو أقسام الشرطة بدورهم المنوط داخل تلك المؤسسات، حال تقدمت فتاة ببلاغ تحرش أو تعرضها لمضايقات من هذا النوع، لمعالجة الأمر اجتماعيًا ونفسيًا، مع قيام رعاية الشباب بدورها المنوط بها داخل الجامعات، وسرعة إلقاء القبض على مرتكبي هذا النوع من الجرائم، ومطالبة بعودة التوازن الإعلامي والكف عن الخضوع لمن يعمل على تلويث المشهد الإعلامي”.
تظل معاناة مي وبسنت وليلى مع التحرش الجنسي والابتزاز والنصب أزمات غير فردية؛ حيث يعانى منها قطاع كبير من الفتيات المغتربات؛ إما بغرض الدراسة أو العمل خلال رحلة بحثهن عن مسكن، لتتحول المجموعات/ الجروبات الإعلانية الخاصة بالإعلان عن الشقق المتاحة للإيجار، وسيلة البعض في اصطياد ضحاياهم عبر إعلانات وهمية عن عرض شقق للإيجار بأسعار زهيدة؛ ما يدفع ذلك الكثيرات للتواصل مع هؤلاء للاستفسار ومعاينة الوحدة، دون أن يضعن في اعتبارهن أن تلك وسيلة المجرم في اصطياد ضحاياه.