أثارت واقعة توقيف السياسي البحريني فاضل عباس، الأمين العام السابق لجمعية التجمع الديمقراطي الوحدوي، في الـ 13 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية تغريدة طالب خلالها بضرورة الإصلاح السياسي بالبلاد، أثارت غضبًا وجدلاً واسعًا بالأوساط السياسية والحقوقية، التي اتهمت السلطات بالتوسع في قمع المعارضين والسياسيين الداعمين للإصلاح، فيما تستمر حالة التضييق على الحريات والحقوق العامة بالبلاد كمؤشر خطير على انهيار الوضع الحقوقي في الداخل.
وكتب عباس تغريدة عبر صفحته الرسمية بموقع (إكس) في التاسع من نوفمبر، طالب خلالها باستقالة الحكومة على خلفية الوضع الاقتصادي، وقرار وقف الزيادة السنوية للمتقاعدين، تزامنًا مع ارتفاع نسب البطالة، وارتفاع حجم الدين العام، مع تكبد مطار البحرين خسائر كبيرة على مدار العام الماضي، ومغادرة شركات الطيران الأجنبية للمطار، واصفًا ما يحدث بأنه نكسة اقتصادية، لتقوم السلطات باستدعائه للتحقيق واحتجازه لمدة أسبوع كامل قبل أن تفرج عنه الأربعاء، بعد ضغوط سياسية وحقوقية شديدة.
على صعيد التشريعات، تساهم القوانين المحلية في تأجيج الوضع الحقوقي المتدهور؛ حيث يُستخدم قانون مكافحة الإرهاب بشكل رئيس لتقييد الحريات، ويحتوي على نصوص فضفاضة يسمح للسلطات باعتقال الأفراد ومحاكمتهم بناءً على اتهامات قد تكون ذات طابع سياسي.
ورأت جهات حقوقية ونشطاء وسياسيون داخل البحرين، أن ما نشره فاضل يعد تعبيرًا عن رأي شخصي، يكفله القانون وتحميه الحريات العامة، كما يعد استمرار ملاحقة المعارضين داخل البحرين مؤشرًا خطيرًا على تمدد حالة القمع ومحاولات السلطة لترهيبهم، كما يشكل اختراقًا واضحًا لمبادئ حقوق الإنسان.
الوضع الحقوقي في خطر
تشهد البحرين على مدار الأعوام الأخيرة ضغوطًا متزايدة من قبل المنظمات الحقوقية الدولية بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان، ومع أن المملكة تعهدت مرارًا بالعمل على تحسين أوضاع الحريات، إلا أن الوقائع يشير إلى استمرار سياسات تُقيد الحقوق الأساسية؛ ما يجعل الوضع الحقوقي في البحرين محل انتقاد دولي دائم.
تتنوع هذه الانتهاكات بين التضييق على حرية التعبير والتجمع السلمي، والاعتقالات التعسفية، والمحاكمات غير العادلة، إضافة إلى سياسات تُمارس التمييز ضد شرائح من المجتمع؛ خاصة الأقلية الشيعية. ورغم وجود التزامات دولية تُوجب على البحرين تعزيز حقوق الإنسان، إلا أن التشريعات المحلية مثل قوانين الإرهاب والجمعيات السياسية تواصل تقويض هذا الالتزام.
وتقول لمواطن، الكاتبة البحرينية باسمة القصاب: “لقد تجاوزنا في البحرين مرحلة مؤشر الخطر إلى الخطر ذاته، نحن الآن في خطر دائم، يتمثل في خنق حرية الفكر والتعبير التي يُقال إنها مكفولة؛ فكيف نتحدث عن حرية التعبير حين يكون سقفها هو ما تسمح به الحكومة فقط، في حين تُعدّ كل كلمة تنتقد أداء الحكومة أو حتى تشير إلى مواقفها تجاوزًا خطيرًا، ويتم ملاحقة أصحاب الرأي واعتقالهم”. وتستطرد: “حرية الفكر والتعبير مكفولة عندما لا تمس الحكومة ولا أداءها ولا مواقفها، ولا ما تسمح به الحكومة”.
وخلال العامين الماضيين، برزت حالات متعددة من الاعتقالات التعسفية التي استهدفت نشطاء سياسيين وصحفيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، ورغم النداءات الدولية لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تمضي السلطات البحرينية في استخدام تهم فضفاضة مثل “الإرهاب” أو “إهانة السلطات” لقمع الأصوات المعارضة.
ومن أبرز الحالات التي أثارت جدلًا دوليًا، استمرار احتجاز زعيم المعارضة الشيخ علي سلمان، والذي وُصفت محاكمته بأنها تفتقر للمعايير الدولية للعدالة، وتواجه النساء الناشطات أيضًا قمعًا ممنهجًا؛ حيث وُثّقت حالات تعرضهن للاعتقال والمضايقات؛ ما يعكس استخدامًا واسعًا للسلطة لقمع أية محاولات للتعبير عن الرأي أو التنظيم السياسي.
اعتقال عباس مؤشر جديد على تدهور الوضع الحقوقي
أثار احتجاز السياسي فاضل عباس، وفقًا لمراقبين، تساؤلات جدية حول مدى احترام السلطات “الخليفية” لحرية الرأي والتعبير؛ حيث يُنظر إلى توقيف الأفراد بسبب آرائهم العامة، كتهديد مباشر للمناخ العام ولحقوق المواطنين الأساسية، معتبرين أن هذه الممارسات تُعزز المخاوف بشأن تراجع الحريات وتزايد القيود المفروضة على الأصوات المستقلة.
وفي هذا السياق، دعا ناشطون حقوقيون إلى الإفراج الفوري عن الأستاذ فاضل عباس، مطالبين بإنهاء سياسات الاحتجاز المتعلقة بآراء المواطنين، وأكدوا على ضرورة احترام حق الأفراد في التعبير بحرية، باعتباره أحد الأسس الرئيسة التي تُبنى عليها المجتمعات الديمقراطية.
ويقول سيد أحمد الوداعي، مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، لـ”مواطن”: “إن مشكلة الأستاذ فاضل عباس أنه مارس حقه المشروع في انتقاد الحكومة بشكل سلمي، وهو حق مكفول في دستور البحرين ومبادئ حقوق الإنسان. لكن الواقع في البحرين مختلف تمامًا، وإذا تجرأ أي شخص على توجيه إصبع الاتهام أو تحميل أي مسؤول في الدولة جزءًا من المسؤولية، يجد نفسه في مواجهة العقاب. هذه سياسة ممنهجة تهدف إلى الانتقام وكتم الأصوات، لضمان أن الحكومة تبقى بعيدة عن النقد؛ بل وفوقه تمامًا”.
ويصف “الوداعي” ما يحدث الآن في البحرين بأنه عقاب لكل من يمارس حقه في التعبير أو ينتقد المسؤولين، حتى لو كان ذلك بالكلام فقط. يتم التعامل مع النقد وكأنه جريمة، ويُستخدم العقاب كوسيلة لإسكات كل من يحاول المحاسبة أو طرح الأسئلة.
ورغم أن البحرين تُصرّح بأنها تسير في طريق الانفتاح والإصلاح، إلا أن هذه التصريحات -وفق الوداعي-، لا تتوافق مع واقع الحال، مؤكدًا أن هناك فجوة كبيرة بين ما يُعلن رسميًا، وما يُمارس على أرض الواقع. الحرية التي يُفترض أن تكون مكفولة لكل مواطن تُقيد بأساليب مباشرة وغير مباشرة، والرسالة واضحة: “لا مكان للنقد أو الاختلاف، وكل من يخرج عن هذا الإطار عليه أن يتحمل العواقب”.
ومن جهته يقول خالد إبراهيم المدير التنفيذي لمركز الخليج لحقوق الإنسان: “إن إيقاف الناشط السياسي البارز فاضل عباس، هو دليل إضافي على أنه لا يوجد تغيير في العقلية الحاكمة بالبحرين؛ فنمط القمع والترهيب ومصادرة الرأي الآخر ما زال راسخًا لديها كما في السابق”.
ويرى إبراهيم أن “عباس” لم يفعل شيئًا خارج القانون؛ بل تحدث بكل تحضر وسلميّة وشجاعة، ليقول إنها الحكومة وحدها هي سبب كل أزمات الشعب، وقال لهم بملء الفم لا تتحدثوا عن الإنجازات وشباب البحرين عاطلون عن العمل، قابعون في منازلهم”.
ويضيف لمواطن: “أثارت شجاعته منقطعة النظير في قول الحقيقة إعجاب الشعب، والواجب أن تحتفي به السلطات وتجعله شريكًا في بناء مستقبل زاهر للجميع بدون استثناء، وسجن الناشطين لن يحل المشكلة؛ بل سيعمقها وسيوسع الشرخ بين سلطات قمعية، تصادر الحريات العامة، وهناك شعب يريد الحرية والازدهار”.
وفاضل عباس، هو أمين عام جمعية التجمع الوطني الديمقراطي الوحدوي في البحرين، إحدى أبرز الجمعيات السياسية المعارضة، كان ضحية حملة قمع واسعة النطاق ضد حرية التعبير والعمل السياسي. في 26 من مارس 2015، داهمت السلطات الأمنية منزله واعتقلته. وبررت وزارة الداخلية -حينها- هذه الخطوة بأنها جاءت “بسبب استغلال الوضع في اليمن لعرقلة السلام وتهديد الأمن”.
ولاحقًا، في 28 من مارس 2016، أعلنت النيابة العامة أن سبب الاعتقال يعود إلى بيان نشرته الجمعية على تويتر، اعتُبر انتقادًا للإجراءات العسكرية للتحالف الخليجي في اليمن، واتُهم “عباس” بـ”بث شائعات وإلحاق الضرر بالعمليات الحربية”. وإثر ذلك، حُلّت جمعية الوحدوي بقرار من وزارة الداخلية.
في 28 من يونيو 2015، أصدرت المحكمة الجنائية البحرينية حكمًا بالسجن خمس سنوات على فاضل عباس، بتهم تتعلق بحرية الرأي والتعبير، ورغم الاستئناف ظل الحكم قائمًا مع استمرار حبسه. يُعد عباس ثالث أمين عام لجمعية سياسية معارضة يتعرض للاعتقال والحكم بالسجن في البحرين؛ حيث يقبع الشيخ “علي سلمان”، أمين عام جمعية الوفاق، في السجن بتهم التحريض، بينما واجه “إبراهيم شريف”، الأمين العام السابق لجمعية “وعد”، اعتقالات متكررة لأسباب مماثلة.
الوضع الحقوقي في البحرين يُظهر تراجعًا مستمرًا في الحقوق والحريات، رغم الضغوط الدولية والدعوات المتكررة للإصلاح، كما أن السياسات القمعية التي تشمل الاعتقالات التعسفية والتضييق على حرية التعبير وقمع التجمعات السلمية، تعكس توجهًا حكوميًا يستهدف السيطرة الكاملة على المجال العام.
لا حقوق ولا حريات!
تبرز الانتهاكات المتعلقة بحرية التعبير كأحد التحديات الكبرى في البحرين؛ حيث تشهد الصحافة تضييقًا شديدًا أدى إلى إغلاق وسائل إعلامية مستقلة، مثل صحيفة “الوسط”، إضافة إلى ملاحقة الصحفيين الذين يعبرون عن آراء ناقدة.
ويمتد التضييق إلى الفضاء الرقمي، حيث يُعتقل مواطنون بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبًا ما تكون هذه المنشورات تتعلق بانتقاد سياسات الحكومة أو المطالبة بالإصلاحات، هذه السياسات تجعل البحرين واحدة من أكثر الدول رقابةً في المنطقة؛ حيث تُفرض قيود صارمة على المعلومات وتُجرّم المعارضة الرقمية؛ مثل الاعتقال المتكرر للسياسي البارز إبراهيم شريف وغيره من قيادات العمل السياسي وقادة الرأي.
حرية التجمع السلمي في البحرين تواجه هي الأخرى قيودًا كبيرة؛ إذ تمنع السلطات تنظيم المظاهرات والاحتجاجات التي تطالب بالإصلاح السياسي، وعادة ما تُقابل هذه الاحتجاجات باستخدام القوة المفرطة من قبل قوات الأمن.
على صعيد التشريعات، تساهم القوانين المحلية في تأجيج الوضع الحقوقي المتدهور؛ حيث يُستخدم قانون مكافحة الإرهاب بشكل رئيس لتقييد الحريات، ويحتوي على نصوص فضفاضة يسمح للسلطات باعتقال الأفراد ومحاكمتهم بناءً على اتهامات قد تكون ذات طابع سياسي.
وبالمثل، يفرض قانون الجمعيات قيودًا صارمة على تشكيل الأحزاب والجمعيات السياسية، مما أدى إلى إغلاق جمعيات بارزة مثل “الوفاق” و”وعد”؛ فهذه القوانين تُوظف -بحسب مراقبين- لقمع النشاط السياسي والتنظيم المدني، مما يجعل من الصعب على المعارضة العمل بشكل قانوني.
بالإضافة إلى ذلك تواصل قوانين الصحافة والمطبوعات دورها في تقييد الحريات الإعلامية؛ حيث يُجرّم القانون نشر أخبار تُعتبر “مسيئة” أو “مزعزعة للاستقرار”؛ ما أدى إلى إغلاق منصات إعلامية واعتقال صحفيين. كما تُستخدم هذه القوانين بشكل ممنهج لإسكات الأصوات الناقدة وضمان السيطرة الكاملة على المشهد الإعلامي في البلاد.
مطالب بالتغيير وتجاهل حكومي
سلطت منظمات حقوق الإنسان الدولية الضوء على هذه الانتهاكات في تقاريرها؛ حيث وصفت “هيومن رايتس ووتش” البحرين بأنها تشهد “تدهورًا مستمرًا” في مجال حقوق الإنسان، مشيرة إلى أن السلطات تستخدم قوانين الدولة كأدوات قمع ضد المعارضة.
ويشير تقرير المنظمة حول الوضع الحقوقي في البحرين عام 2024، إلى “استمرار الحكومة بفرض قيود على حريات التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات، والانتخابات ليست حرة ولا نزيهة، وتُستبعد الأصوات المعارضة وتُقمع منهجيًا”.
بالإضافة إلى ذلك، ما زال العديد من المعارضين البحرينيين، بالإضافة إلى نشطاء ومدوّنين ومدافعين عن حقوق الإنسان، محتجزين على خلفية دورهم في المظاهرات المطالِبة بالديمقراطية في 2011، ونشاطات سياسية حديثة، وقد تعرضوا لمعاملة وحشية، شملت التعذيب والحرمان من الرعاية الصحية، دون أن تحاسب السلطات المسؤولين عن التعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، وفق التقرير ذاته.
أما منظمة العفو الدولية فقد انتقدت بشدة استخدام التعذيب والاعترافات المنتزعة بالقوة في المحاكمات، مؤكدة أن القضاء البحريني لا يوفر الضمانات الأساسية للمحاكمات العادلة. كما وضعت منظمة “مراسلون بلا حدود”، البحرين في مراكز متأخرة جدًا في مؤشر حرية الصحافة العالمي، مشيرة إلى الرقابة المشددة والقيود المفروضة على الإعلام.
إضافة إلى ذلك، أعربت المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن قلقها العميق إزاء الانتهاكات المتكررة في البحرين، داعية الحكومة إلى احترام التزاماتها بموجب القانون الدولي؛ خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والتجمع السلمي. وأكدت المفوضية أن استمرار هذه السياسات يضر بسمعة البحرين الدولية، ويعرقل مساعيها لتعزيز التنمية والاستقرار.
وختامًا؛ فإن الوضع الحقوقي في البحرين يُظهر تراجعًا مستمرًا في الحقوق والحريات، رغم الضغوط الدولية والدعوات المتكررة للإصلاح، كما أن السياسات القمعية التي تشمل الاعتقالات التعسفية والتضييق على حرية التعبير وقمع التجمعات السلمية، تعكس توجهًا حكوميًا يستهدف السيطرة الكاملة على المجال العام، وفي ظل استمرار هذه السياسات، تظل الحاجة ملحة لإصلاحات جذرية تضع حقوق الإنسان في صلب أولويات الدولة، مع تعزيز سيادة القانون وضمان الحريات الأساسية لجميع المواطنين.