منذ اندلاع الحرب في لبنان، تحول الصحفيون لمشاريع شهداء على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث بدأ المحتل باستهداف وسائل الإعلام في أكتوبر 2023 بعد استشهاد الزميل عصام عبدالله مصور رويترز، ليتوالى سقوط الشهداء واحدًا تلو الآخر، ليبلغ مجمل الشهداء 11 صحفيًا وعاملًا بالمجال الإعلامي، منهم 6 باستهدافات مباشرة بحسب تجمع نقابة الصحفيين البديلة، لم تقف خسائر الإعلام عند استنزاف الأرواح؛ فقد نزح العشرات بعد قصف منازلهم ومنازل عائلاتهم؛ فضلًا عن التهديدات ومنع البعض من ممارسة عمله على الأرض. رصدت “مواطن” معاناة الإعلام اللبناني في تلك الحرب التي تعد الأولى من نوعها التي تشهدها لبنان، والتي أسفرت عن استشهاد 3723 موطنًا، و 15859جريحًا منذ بدء العدوان، وذلك بحسب وزارة الصحة العامة اللبنانية.
بدأ حسن سنديان 34 عامًا عمله كصحفي لبناني حرّ “فري لانس” قبل 5 سنوات، أنتج خلالها العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية المعمقة التي ترصد معاناة اللبنانيين العاملين بقطاعات عدة، كالزراعة والصيد والأقليات، لم يعايش من قبل أحداثًا كالتي يعيشها ويغطيها حاليًا خلال الحرب القائمة في لبنان، يصفها بالأصعب على الإطلاق، قصفت منازل عائلته بالبقاع ونزحوا لمدارس، وفقد الاتصال بهم كي لا يتم الوصول إليه أو إلى عائلته من خلال تجسس قوات الاحتلال على هواتف اللبنانيين، لينتقل هو للإقامة في بيروت قاطعًا عشرات الكيلومترات للبقاع مسقط رأسه يوميًا للتغطية؛ فضلًا عن تغطياته بنطاق بيروت. يصف “سنديان” البقاع بـ “المهمشة”، والتي تتعرض للإبادة يوميًا، ولا تحظى بذات التغطية المركزة على الجنوب؛ حيث يعمل قطاع كبير من أبنائها بحرفة الزراعة ولا يملكون المال الكافي للنزوح.
نزوح الشتات
يحكى حسن لـ”مواطن” ما تعرضت له عائلته إبان النزوح قائلًا: “ما تعرضنا له يساوي الموت أو أبشع منه، تفرق كل منا في مكان مختلف، لا أحد يعرف مكان الآخر، لا نستطيع التواصل مع بعضنا البعض لنموت، قلنا لبعضنا وقت النزوح خلاص بشوفك بعدين تخلص الحرب بشوفك، أتمني نتلاقي ببعض بالصدفة بمدارس النزوح خلال التغطيات، هيدا أصعب نزوح، وهو نزوح الشتات اللي عم نعيشه هلا؛ ما فيكي تفتشي عليهم وين، ما فيكي تتنقلي، هيدي بشاعة الحرب اللي عم نعيشها أصعب مما عشناه بحرب تموز، يتعرض أهل البقاع للإبادة في صمت، الشهداء هناك مجرد أرقام؛ حيث تتعرض لحزام ناري مرعب، كل 3 أيام يستشهد على إثره عائلات كاملة غير قادرة على النزوح لظروفها المادية الصعبة” .
النجاة من الموت
رغم إقامة الصحفية أسمهان صفي الدين وأسرتها بعيدًا عن المناطق التابعة لحزب الله اللبناني، إلا أن منزلها الكائن بقرية الشويفات القريبة من الضاحية ومنطقتها، قصفت على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي عقب نزوحها من منزلها بثلاثة أيام، تقول في حديثها لـ”مواطن”: “كتب الله لي ولأسرتي النجاة من موت محتم؛ فعقب اندلاع الحرب قررنا النزوح من منزلنا تحسبًا لأى مخاطر، وللأسف تركت هناك معدات عملي الصحفي”.
قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تحترم القوانين الدولية، والأعراف التي تنص عليها حقوق الإنسان والمحاكم الدولية؛ حيث تعتدي على الكافة أيًا كانت مهنتهم أو منشآتهم؛ سواء أكان أطباء، مستشفيات، قوات أمم متحدة، أو الجيش اللبناني؛ فهي لم تترك أحدًا
تضيف: “لم أتوقع أن يقصف منزلي نظرًا لابتعاده عن المنشآت التابعة لحزب الله، لكن رغم ذلك قصفت قوات الاحتلال المنطقة، ومنها منزلي الذي دمر بالكامل مع كل أغراضنا، معدات عملي ذاتها من لابتوب وكاميرا وما إلى ذلك كله دمر للأسف، حينما قررنا النزوح كان هدفي عدم تعريض أطفالي لأصوات القذائف كي لا يخافوا، لم أكن أعلم أن منزلي سيكون أحد أهداف العدو الإسرائيلي، انتقلنا لمنزل أحد أقارب زوجي أنا وعائلة أخرى، بعد نزوحي كان صعبًا عليّ مباشرة عملي في المكان الذي انتقلنا إليه؛ فلا تتوفر الأجواء المناسبة للعمل؛ فضلًا عن تلف أغراضي”.
فقدان الأمان
فضلت أسمهان رعاية أطفالها بتلك الظروف الصعبة التي تعيشها لبنان أكثر من ممارسة عملها الصحفي، تقول: “كنت أعلم أن سيناريو غزة سيعاد بلبنان، وهو ما حدث بالفعل بعد استشهاد ثلاثة من زملائنا الصحفيين في استهداف مباشر لتمركز الصحفيين، تعانى “صفي الدين” من الوضع النفسي السيء الذي تعيشه هي وزميلاتها قائلة: “الوضع النفسي كثير كثير، صعب علينا خاصة لما تكوني أم وصحفية وعندك أولاد عما تشوفي الخوف والقلق بعيونهم على مدار 24 ساعة، نزحنا على حي ثاني، بس ما بتعرفي أي متى بيطلع على بال أفيخاي أدرعي يكون بيتنا على قلب الخريطة المستهدفة، هو فيه يخترع سبب ليقتل الناس”.
المسيرات تلاحق اللبنانيين
“غطيت أحداثا في سوريا والعراق ولبنان، لم أعش أحداثًا دموية مثل التي أعيشها حاليًا منذ اندلاع الحرب التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على لبنان مؤخرًا”. بتلك الكلمات بدأ محمد قليط 34 عامًا، إعلامي لبناني حرّ حديثه إلى “مواطن”، ويكمل: “القصف الدموي الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي على لبنان لم أعشه على مدار 11 عامًا، هي طيلة سنوات عملي في المجال الإعلامي، بت أنتظر استهدافي في أية لحظة بطائرة مسيرة؛ سواء أكان خلال التغطيات أو خلال استقلالي السيارة مترجلًا من مكان لآخر، بهدف تغطية الحرب الدائرة في لبنان”.
يقيم “قليط” في بيروت، لكنه اعتاد قطع عشرات الكيلومترات في بداية الحرب إلى ضاحية بيروت والجنوب، ليغطي الهجمات البربرية لقوات الاحتلال، وبعد الهجوم على البقاع بات يتوجه إلى هناك لتغطية الأحداث، لم يتعرض قليط لتهديدات العدو الإسرائيلي، لكن زملاء له سبق وتعرضوا لذلك؛ بل واغتيل بعضهم كصديقه عصام عبدالله مصور رويترز، الذي استشهد في 13 من أكتوبر / تشرين الأول 2023 بعد استهدافه بشكل مباشر؛ فضلًا عن قصف بيوت ومناطق عمل البعض، يقول: “تعرض بعض زملائي للاغتيال، كعصام عبد الله الذي زاملته على مدار 15 عامًا في الدراسة والعمل، وبعده بأيام استشهد كل من ربيع المعماري وفرح عمر الذيْن استشهدا في 23 من أكتوبر / تشرين الأول 2023، ليتركا غصة في قلوبنا لن تزول مهما حيينا، لم نفق من تلك الكارثة لتلاحقنا كارثة استهداف قوات الاحتلال الإسرائيلي نقطة تجمع لصحفيين وتقنيين ومصورين بمجمع الشاليهات بمنطقة حاصبيا فجر الجمعة، الموافق 25 من أكتوبر 2024، استشهد على إثرها 3 وأصيب 6 آخرون.
هذا وكشفت منظمة العفو الدولية عقب تحقيقها في الضربتَيْن الإسرائيليتَيْن على مجموعة تضم 7 صحفيين في جنوب لبنان في 13 من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي أودى بحياة الصحفي عصام عبد الله، الذي كان يعمل في وكالة رويترز، وأصاب ستة أشخاص آخرين بجروح، -ويرجّح أن يكون هجومًا مباشرًا على مدنيين- يجب التحقيق فيه كجريمة حرب.
وقد تحققت منظمة العفو الدولية من صحة ما يزيد على 100 مقطع فيديو وصورة، وحلّلت شظايا الأسلحة التي أُخذت من الموقع، وأجرت مقابلات مع تسعة شهود. أشارت النتائج إلى أنه كان واضحًا أنّ المجموعة تضم صحفيين، وأن الجيش الإسرائيلي عرف أو كان يجب أن يعرف أنهم مدنيون، ومع ذلك هاجمهم بضربتين فصلت بينهما 37 ثانية.
القصف والاتهامات تطارد الصحفيين
وعن المصاعب التي يعيشها سنديان يوميًا خلال تغطيته الحرب يقول: “الوصول للنازحين المنتشرين على طرقات بيروت للتغطية ليس بالأمر اليسير، أحيانًا تمنعنا أحزاب من الوصول لهم، علاوة على القصف الإسرائيلي المتواصل؛ فإذا بقيت بعد الثانية ظهرًا أظل عالقًا بالضيعة نتعرض للقصف؛ فضلًا عن قصف السيارات على الطريق العام، هذا إلى جانب عدم امتلاكنا معدات صحفية ذات جودة، يغطي أغلبنا بهاتف محمول متوسط الجودة، فضلًا عن أن بعض وسائل الإعلام غير مقبولة، ويتعرض العاملون لتهديدات من قبل القائمين على المدارس ليتهموا بالعمالة، لكونهم لا يتوافقون مع سياستهم، حتى لو توجه الصحفي لتغطية قصة إنسانية فحسب، ليقع الصحفي في خانة العمالة بسبب المناكفات السياسية، إلى جانب التهديد بالقتل وقصف السيارات خلال رحلة التوجه للبقاع من قبل قوات الاحتلال”.
فيما يكشف قليط عن صعوبة التغطية على الأرض في بعض الأحيان بسبب رفض مدنيين أحيانًا قيامنا بعملنا؛ خاصة بعد دخول جواسيس مؤخرًا بغطاء صحفي يحملون بطاقات صحفية، مما أحدث بلبلة. يأتي ذلك في الوقت الذي تحرض بعض القنوات على التوجهات المؤيدة لحزب الله وحركة أمل؛ ما تسبب في خوف لدى المدنيين في المناطق المنكوبة من وسائل الإعلام التي قد تظن الإعلامي ما هو إلا مشروع جاسوس يحرض ضد لبنان واللبنانيين، في أفضل الأحوال يطالبوننا بإطفاء الكاميرا والفرار أو يكسرون المعدات، يرى “قليط” أن توجه المؤسسات الدولية ومن بينهم محكمة العدل الدولية، متحيز لإسرائيل لاعتبارات سياسية، بينما رأينا جميعنا المجتمع الدولي المنافق الذي لا يتحرك في ظل إبادة جماعية تنفذ على مدار عام على مرأي ومسمع من الجميع، مشيرًا إلى حاجة اللبنانيين لدولة ذات سيادة لنواجه المحتل.
الاحتلال يتعمد استهداف الإعلام
يضيف قليط: “على الرغم من أن نقاط الصحفيين تحدد من قبل الجيش اللبناني الذي يتواصل مع اليونيفيل لإعطائهم الإحداثيات، والتي تقوم بدورها بإيصالها للجيش الإسرائيلي كي لا يتم التعرض لنا، باعتبار أن كل تحركاتنا تحركات صحفية بحتة؛ فضلًا عن وضع بادج press على السيارات والدروع، رغم ذلك تستهدفنا قوات الاحتلال بشكل مباشر”. يعتبر قليط تغطيتهم المستمرة مجازفة محفوفة المخاطر وسط غياب الدعم المؤسسي؛ سواء أكان من الحكومة أو المؤسسات الدولية؛ فلا نجد حماية أو تأمينًا على حياتنا، علاوة على عدم كفاية البدل المادي، وعدم توفر مردود مادي يقابل المخاطر التي نواجهها لنواجه عدوًا يقصف بشكل إجرامي ليرهب الصحفيين والمدنيين على حد سواء، بينما نواجهه نحن بالقلم والكاميرا.
ينتقد “قليط” عدم صلاحية بعض معدات الحماية المصروفة لهم من قبل مؤسسات دولية؛ سواء أكانت دروعًا أو خوذات، إما لقدمها أو انتهاء صلاحيتها، أو عدم كفايتها لرد شظايا العدو حسب قوله؛ فضلًا عن معاناتنا كلبنانيين من ضعف شبكات الإنترنت إلى حد كبير، أو انقطاعها بسبب الأحداث وضغط الشبكة في بعض مناطق النزوح، كلما توجهت لمهمة أحرص على إبلاغ أهلي الذين يعيشون في قلق مستمر، وبعض الأصدقاء المقربين من ذوي الثقة كي يتحركوا حال تعرضت لشيء أو غبت لفترة طويلة.
رفقاء الدرب ضحايا اليوم
لم ينس “محمد” لحظات تلقي خبر مقتل زميله ورفيق دربه عصام عبدالله، الذي استهدف هو وزملاء آخرون بصاروخين خلال تواجدهم بنقطة معروفة للصحفيين، يقول: “تمتد علاقتي به منذ 15 عامًا، بدأت من الجامعة وامتدت للتغطيات الميدانية، عرفته صاحب ابتسامة دائمة، متفوقًا بعمله معطاء مساعدًا لزملائه، حتى لو كانوا أقل خبرة منه يساعدهم على تطوير عملهم وإمدادهم بالنصائح ليكونوا ناجحين، من الصعب أن تجدي شخصًا لا يحبه أو يضمر له العداوة، الأمر ذاته ينطبق على الزميلة “فرح عمر”، مراسلة قناة الميادين، ورغم صغر سنها إلا أنها تمتلك خبرة مهنية مشرفة، كانت إنسانة محترمة ودودة إلى أبعد حد، تساعد الجميع؛ فضلًا عن معرفتي الوطيدة باثنين من الشهداء في الهجوم الأخير، يرى محمد أنه من الصعب أن يوثق الصحفي خبرًا ثم يفاجأ بأن الخبر هو استهداف زميله أو صديقه، نحاول جاهدين الخروج من مشاعرنا الإنسانية لنقدم الخبر بطريقة مهنية، وإعطاء الزميل الشهيد حقه في نفس التوقيت”.
على الرغم من أن نقاط الصحفيين تحدد من قبل الجيش اللبناني الذي يتواصل مع اليونيفيل لإعطائهم الإحداثيات، والتي تقوم بدورها بإيصالها للجيش الإسرائيلي كي لا يتم التعرض لنا، باعتبار أن كل تحركاتنا تحركات صحفية بحتة؛ فضلًا عن وضع بادج press على السيارات والدروع، رغم ذلك تستهدفنا قوات الاحتلال بشكل مباشر
باحثون: الاحتلال ينتهك القانون الدولي بمباركة أممية
من جهته يعلق سركيس أبو زيد، كاتب وباحث سياسي لبناني في حديثه لـ”مواطن”، على استهداف المحتل للصحفيين؛ سواء أكان في فلسطين أو لبنان قائلًا: “قوات الاحتلال الإسرائيلي لا تحترم القوانين الدولية، والأعراف التي تنص عليها حقوق الإنسان والمحاكم الدولية؛ حيث تعتدي على الكافة أيًا كانت مهنتهم أو منشآتهم؛ سواء أكان أطباء، مستشفيات، قوات أمم متحدة، أو الجيش اللبناني؛ فهي لم تترك أحدًا. يأتي ذلك في ظل عدم محاسبتها دوليًا رغم ما ارتكبته من جرائم، منتقدًا مؤسسات دولية لعدم احترام ذاتها وعدم تمتعها بالاستقلالية، مطالبًا إياها بحماية الصحفيين والمواطنين، والقيام بدورها المنوط بها مع التحرك العالمي والعربي للضغط من أجل تطبيق القوانين والأعراف الدولية التي تنتهك في فلسطين ولبنان، متسائلًا أين العرب والمسلمون والصحافة الدولية من الدفاع عن تلك الانتهاكات المرتكبة بحق دول عربية شقيقة؟
فيما يفسر الكاتب والباحث السياسي اللبناني الدكتور عاصم عبد الرحمن، استهداف العدو الإسرائيلي للصحفيين في لبنان على يد قوات الاحتلال، بخشيته من نقل السلطة الرابعة للحقيقة كما كان يفعل تنظيم داعش، يضيف: “على ما يبدو أن إسرائيل لم تعان بسبب الحرب الأطول التي تخوضها منذ 7 من أكتوبر 2023 إلى الآن؛ ما تسبب في إنهاك اقتصادهم وتكبدهم خسائر بالمليارات؛ فضلًا عن الخسائر البشرية والعلاج النفسي الذي يقدم بالمستشفيات المتخصصة، وضغط أهالي الأسرى. وبالإضافة للقتلى والمفقودين الذين لا يصرح النظام الإسرائيلي عن تعدادهم، كل هذا يضغط على حكومة نتنياهو الذي يسعى لإطالة عمر حكومته”.
يضيف عبد الرحمن في حديثه لمواطن: “أخذ البعض على الراحل حسن نصر الله عدم استشارة الشعب اللبناني بفتحه جبهة الحرب مع إسرائيل، وحمّلوه وزر الحرب التي يدفع ثمنها الشعب اللبناني حاليًا، اقتصاديًا وبشريًا والأعباء الاجتماعية والخسارة التربوية، بسبب عدم بدء العام الدراسي، وتحول المدارس لأماكن لاستقبال النازحين من أبناء الجنوب، ليقوم نتنياهو باستهداف الصحفيين والمصورين لقاء نقل الصورة التي تؤذي وتجرح العدو، ليتحول الصحفيون لمشاريع شهداء للكلمة الحرة ونقل الصورة، مطالبًا بإنشاء محكمة دولية تعنى حصرًا بقضايا الصحفيين حول العالم”.
نقابات بديلة في خط المواجهة
يطالب “سركيس” المؤسسات الصحفية باحترام وتأمين حقوق الصحفيين بعد اغتيالهم، لأن بعض المؤسسات الإعلامية لا تحترم حقوق الصحفي عقب استشهاده؛ فلم يصدر بعضها نعيًا للشهداء، ولم يقوموا بإدانة إسرائيل على عمليات الاغتيال للصحفيين، كما لم يقدموا شكوى ضد القاتل؛ بل لم يمنح بعضهم أسرة الشهيد/ة تعويضًا، ورغم ذلك؛ فما زال الصحفيون يمارسون عملهم ويعرضون حياتهم للخطر في سبيل إيصال الرسالة؛ فيما يرى عبد الرحمن أن قانون الإعلام اللبناني عتيق، ومواده لم تعد تتماشى مع الواقع، علاوة على أن الأجور زهيدة للكتاب والصحفيين والإعلاميين والمراسلين بالأخص، والذين يبذلون جهودًا كبيرة ولا يمتلكون مقومات الصمود والاستمرار، مع ذلك فهم مستمرون، يأتي ذلك في وقت يعاني فيه القطاع الخاص ماديًا لضعف التمويل المقدم لتلك المؤسسات؛ ما أثر بالسلب على العاملين به ماديًا، منتقدًا تخلف القانون الإعلامي عن تنظيم العمل، والمؤسسات الخاصة التي تعمل دون أن تكون قادرة على تغطية التكاليف المادية للصحفي كي يستمر، مطالبًا إياها بصرف تعويض مناسب لعائلة الصحفي حال استهدافه، مع تحديث قانون الإعلام ليشمل القطاع الخاص، مع تأمين مقومات الاستمرار والحماية للعاملين بهذا القطاع.
الصعاب التي يعاني منها قطاع كبير من الصحفيين في لبنان، وعدم إيجاد نقابات تتحدث بلسانهم، دفع مجموعة منهم لتدشين نقابة موازية لـ نقابتي الصحفيين والمحررين في 2019، سميت بـ “تجمع نقابة الصحفيين البديلة”، تقدم خدماتها للصحفيين، لعبت دورًا بارزًا خلال الحرب في دعم الصحفيين ماديًا ومعنويًا.
كان “حسن” أحد المتمتعين بخدماتها، يقول: “ترفع النقابة الانتهاكات بحق الصحفيين للمقررين الأمميين بمجلس الأمن، كما حدث في قضية الشهيد عصام عبدالله، وحماية الصحفيين قانونيًا، فضلًا عن تعاونها مع RSF لتأمين علاجات نفسية مجانية للصحفيين؛ فضلًا عن تأمين أدوات الحماية كالدرع واللباس مجانًا، حذرتنا النقابة من القيام بمهمات دون ارتداء عدة الحماية، فضلًا عن تأمينها مكانًا آمنًا لنا كصحفيين نازحين للعمل، بالإضافة لتأمين بدل إيجارات بالتنسيق مع مؤسسة “سمير قصير”؛ فضلًا عن قيامها بالتدقيق لعدم نشر أخبار مضللة، يأتي ذلك في ظل تخلى العديد من المؤسسات الصحفية عنا، الأمر ذاته يفعله “قليط” الذي يحرص على التواصل المنتظم مع النقابة طوال التغطية، ليتخذوا الإجراءات اللازمة حال فقد أو الاتصال به حسب قوله”.
من جهتها تواصلت نقابة الصحافة البديلة مع المنظمات الحقوقية والمؤسسات الإعلامية التي قرّرت التحقيق في قضية استهداف مصور رويترز، وسهّلت تواصلها مع الشهود ووصولها إلى الأدلة، لتصدر 5 تحقيقات صحافية وحقوقية بنتائج متطابقة: “قتلت إسرائيل عصام عبدالله”، وأجمعت كلّها على ضرورة إجراء تحقيق مستقلّ في اشتباه حصول جريمة حرب.
رغم الألم والفقدان والخذلان، يبقى الصحفيون في فلسطين ولبنان على العهد والوعد، حريصين كل الحرص على نقل الحقيقة مهما كلفهم ذلك من انقطاع الاتصال بينهم وبين ذويهم بعد قصف منازلهم، وفقدان أقاربهم وزملائهم، يتنقلون من مكان إلى آخر لنقل الحدث بالصوت والصورة تحت تهديدات قذائف ومسيرات العدو، عسى أن تقوم المؤسسات الدولية والأممية بدورها بدلًا من لعبها دور المتفرج.