قبل عدة سنوات، أصدرت عُمان قرارات تمنح تسهيلات للحصول على تأشيرة دخول من أجل السياحة، وذلك بناء على شروط محددة من قبل السلطة المختصة، كما يمكن منحها تحت كفالة الشركات السياحية الحاصلة على ترخيص بممارسة النشاط السياحي ولجميع الجنسيات وفق الشروط والضوابط، وشمل القرار مواطني 103 دول مسموح لهم بزيارة سلطنة عمان من خلال التأشيرة السياحية؛ ما أدى إلى زيادة عدد الزوار للسلطنة؛ خاصة بعد تخفيض رسوم الحصول على التأشيرة إلى ما يقارب 20 ريالاً عمانيًا فقط (حوالي 50 دولارًا)، إضافة إلى إمكانية تجديد فترة التأشيرة.
جاء ذلك بينما تنشط مكاتب استقدام العمالة، من مختلف الدول المصدرة للعمالة؛ في الدفع بآلاف من الباحثين عن فرصة عمل إلى السلطنة، كما قامت بعض المكاتب بالترويج لتأشيرات حرة ووعود بالعمل، ليكتشف الوافد زيف الوعد بعد الوصول للأراضي العمانية؛ ما أدى إلى وجود الكثير من الوافدين بلا مأوى أو عمل، ويضطرون للمبيت في الحدائق العامة والمساجد أو في أماكن أخرى.
تأشيرة السياحة، بوابة الوافدين للبحث عن عمل
يشير سعود. س، مدير شركة خدمات لوجستية، إلى أن بعض مكاتب توظيف القوى العاملة في الخارج في بعض الدول، تنشر بشكل يومي إعلاناتها المضللة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتؤكد مقدرتها على توفير فرص عمل مختلفة، نظير مقابل مالي كبير يدفع لها مقدمًا، بعض المكاتب تمنح الراغب في السفر خيار استكشاف الأوضاع في الدولة التي يريد السفر إليها خلال الثلاثة الأشهر الأولى من التأشيرة السياحية، ثم تعدهم بتقنين أوضاعهم من خلال تحويل التأشيرة السياحية إلى تأشيرة عمل، وهذا لا أساس له من الصحة وغير قانوني.
يضيف سعود لـ”مواطن“: “يأتي هذا الشاب بتأشيرة سياحية، ليجد نفسه وحيدًا في المطار، ثم يبدأ رحلة البحث عن سكن متواضع، بمبلغ شهري أو يومي، وغالبًا ما يكون سكنًا لا يراعي أدنى الشروط الصحية والإنسانية، ثم تبدأ المشاكل في الظهور؛ خاصة وأن الأموال البسيطة التي جلبها معه من وطنه قاربت على النفاد؛ فيصل به الحال دون سكن أو أي شيء يعينه على البقاء سوى ما يقدمه له الناس من مساعدات قليلة.
نحن جزء من منظومة تحكم هذا العالم، ولا يمكن العيش بمعزل عما يدور حولنا، إضافة لذلك تربطنا تفاهمات واتفاقيات ونخضع لمبدأ المعاملة بالمثل، بالتالي لا يمكن أن ننظر إلى موضوع التأشيرات من باب واحد ضيق فقط
ومن الظواهر المؤسفة، بحسب سعود، أن بعض من جاءوا، بتأشيرة تم تسهيل الحصول عليها لأهداف تتعلق بتنشيط السياحة وجذب المزيد من السائحين، تجدهم يستوقفون المارة في الطرق لطلب المساعدة، ويروون قصصهم الحزينة ووضعهم الإنساني الصعب الذي يعيشون فيه؛ خصوصًا وأنهم لا يملكون قوت يومهم، وأحيانًا ما يكونون في وضع صحي ونفسي مدمر بالكامل، وكل ما يطلبونه هو الحصول على تذكرة عودة إلى وطنهم قبل انتهاء مدة إقامتهم والدخول في غرامات التخلف عن المغادرة.
الشريك الاستثماري، بوابة أخرى للوافد
ليست السياحة وحدها هي بوابة القدوم إلى الأراضي العمانية بهدف الحصول على وظيفة وتقنين الأوضاع بعد ذلك؛ بل هناك باب آخر هو باب “الشريك الاستثماري”.
يشير سعود إلى أن البعض يأتون تحت مسمى “شريك استثماري” أو “مستثمر” ضمن التسهيلات الجديدة التي منحتها السلطنة لجذب الاستثمارات والمستثمرين، إلا أن الأمر ينتهي بالشخص إلى العمل بأجر يومي زهيد لدى شخص آخر، ويتقاضى راتبًا شهريًا بسيطًا؛ فظاهريًا أمام الناس هو مستثمر ورجل أعمال، والواقع هو عامل لا يمتلك سوى راتبه. ويطالب سعود الجهات المختصة بالوقوف على الثغرات التي يدخل منها البعض، وتقنين أوضاع القادمين إلى البلاد، رغبة منه في خلق سياحة حقيقية ومستثمر جاد.
وقد اتخذت الحكومة العمانية ممثلة في مركز خدمات الاستثمار بوزارة التجارة والصناعة قرارًا بإيقاف طلبات تراخيص الاستثمار الأجنبي لفئة المقيمين من أصحاب المهن محدودة المهارة. وجاء القرار في إطار الجهود المستمرة لتعزيز بيئة الاستثمار وضبط الطلبات الوهمية، واستنادًا إلى تصنيف المهن الصادر عن وزارة العمل. وحسب قرار وزارة التجارة، يُسمح لأصحاب المهن الماهرة فقط من العاملين في الشركات تقديم طلبات ترخيص الاستثمار الأجنبي، بشرط موافقة صاحب الشركة وتقديم إثباتات الملاءة المالية لمقدم الطلب.
سوق العمل والتأشيرات السياحية
يختلف مع الطرح السابق الدكتور إبراهيم السيابي، الخبير في الشؤون المالية، بقوله: “نحن جزء من منظومة تحكم هذا العالم، ولا يمكن العيش بمعزل عما يدور حولنا، إضافة لذلك تربطنا تفاهمات واتفاقيات ونخضع لمبدأ المعاملة بالمثل، بالتالي لا يمكن أن ننظر إلى موضوع التأشيرات من باب واحد ضيق فقط، ونحسب النتائج الإجمالية المتحققة من هذا الموضوع”.
في رأي السيابي، هناك اعتبارات كثيرة يجب أخذها في الحسبان، والجانب الاقتصادي لا يمكن قياسه بالأثر المباشر الذي يتعلق بموضوع السياحة مثلاً، ولكن يمكن إضافة حاجة البلاد للاستثمار والنقد الأجنبي، وبالتالي فموضوع التأشيرات أعم وأشمل من أن يقاس من خلال مؤشر واحد، وتعلن فيه نتائج بأرقام مجرّدة كسائر المؤشرات.
وحول مدى تأثر سوق العمل في السلطنة بفتح مجال التأشيرات السياحية، يقول السيابي: “حقيقة لا أدري ما الرابط بين موضوع سوق العمل والتأشيرات السياحية، زيادة عدد السائحين يعني زيادة في الإيرادات، وبالتالي فإن أي دخل إضافي يخلق فرص عمل في كل ما يرتبط بوجود هؤلاء السياح في البلد”.
أما ما يتردد عن قيام البعض باستغلال التأشيرة السياحية للحصول على عمل؛ فهذا مخالف للقانون وليس له علاقة بالتأشيرات نفسها، ولا يقلل من فوائدها وآثارها الإيجابية، من يخالف القانون عليه تحمل المسؤولية بحسب السيابي.
أما عن السلبيات التي تعود على الاقتصاد والمجتمع وسوق العمل جرّاء فتح المجال أمام قدوم الآلاف من الأشخاص، بعد تسهيل الإجراءات يعلّق السيابي: “الهدف من التأشيرة السياحية واضح ومحدد، ومتعارف عليه في كل أنحاء العالم، وعلى الزائر أن يحترم قوانين البلاد وعاداتها وتقاليدها، وإلا فإنه يضع نفسه تحت طائلة القانون، ويعرّض نفسه للعقاب”.
تعزيز قطاع السياحة
ويتشارك حمود الطوقي رئيس تحرير مجلة الواحة مع السيابي في نظرته الإيجابية للسياحة بقوله: “إن التأشيرات السياحية في سلطنة عمان لعبت دورًا مهمًا في تعزيز قطاع السياحة وتنويع مصادر الدخل الوطني، ومنذ إطلاقها حققت بعض الأهداف المرجوة مثل تعزيز التدفقات السياحية وتنمية الاقتصاد المحلي، من خلال دعم الفنادق والمطاعم والأسواق المحلية. فتح التأشيرات أمام السياح ساهم أيضًا في تحسين صورة عمان كمقصد سياحي عالمي؛ ما زاد من التدفقات المالية إلى البلاد”.
وحول مدى تأثر سوق العمل، أوضح “الطوقي” لـ”مواطن” أن فتح مجال التأشيرات السياحية كان له تأثير مباشر وغير مباشر على سوق العمل؛ فمن جهة، وفرت السياحة فرص عمل جديدة في القطاعات المرتبطة بالسياحة مثل الفنادق والمطاعم وقطاع الخدمات؛ ما ساعد على توفير وظائف للعمالة المحلية والأجنبية، ولكن من جهة أخرى، قد يؤدي ذلك إلى استقدام عمالة وافدة بشكل كبير لشغل هذه الوظائف، مما قد يؤثر على فرص العمل المتاحة للعمانيين؛ خاصة في الوظائف الأقل مهارة.
تكشف بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن أعدادًا كبيرة من الزوار دخلوا السلطنة بهدف السياحة، لكن الأرقام لا تنعكس على الواقع السياحي
من زاوية أخرى يرى الطوقي أن زيادة عدد العمالة الأجنبية في السوق العماني من أهم السلبيات الناتجة عن فتح الباب أمام التأشيرات السياحية، إضافة إلى سلبيات أخرى مثل التأثير الثقافي والاجتماعي؛ فقد يتسبب تدفق السياح والوافدين في تغييرات اجتماعية وثقافية، قد لا تتماشى مع العادات والتقاليد المحلية، إضافة إلى الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة، مثل النقل والكهرباء والمياه.
ويقترح الطوقي القيام بعدة خطوات من أجل تحقيق التوازن بين تعزيز السياحة والحفاظ على استقرار سوق العمل المحلي؛ مثل تعزيز خطط التوطين في الوظائف المرتبطة بالسياحة من خلال برامج تدريبية وتأهيلية للعمانيين؛ ما يتيح لهم شغل المناصب بدلًا من الاعتماد على العمالة الأجنبية، إضافة إلى ضبط التأشيرات السياحية حيث يمكن تحسين ضوابط منح التأشيرات السياحية، بما يضمن أن القادمين لأغراض السياحة لا يتجاوزون فترة الإقامة المحددة، ولا يسيئون استخدام التأشيرات لأغراض العمل.
كما يقترح تفعيل القوانين التي تنظم سوق العمل لضمان التوازن بين العمالة الوطنية والوافدة، مع التركيز على تحفيز القطاع الخاص لتوظيف العمانيين، وتشجيع الأنشطة السياحية التي تحتاج إلى مهارات عالية، والتي يمكن للعمانيين المشاركة فيها؛ ما يسهم في تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة.
أخيرًا، تجدر الإشارة إلى مطالب عدد من العاملين في المجال السياحي والإعلامي، والتي عبروا عنها في مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الصحفية، وركزت على أن الأرقام والمؤشرات التي ينشرها المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، تكشف أن أعدادًا كبيرة من الزوار دخلوا السلطنة بهدف السياحة، لكن الأرقام لا تنعكس على الواقع السياحي، ومن هنا فإن الضرورة تفرض على كل الجهات المعنية أن تعزز من الشروط التي تضمن جدية الزائر وغرضه في السياحة الحقيقية التي تثري، لا التي تضيف أعباء اقتصادية واجتماعية.