لم تكن واقعة اختفاء، ثم الإعلان عن مقتل الحاخام الإسرائيلي تسفي كوجين، داخل دولة الإمارات خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حدثًا عابرًا، يمكن أن يمر دون البحث حول تداعياته وتأثيراته على مستوى العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، لاسيما الإمارات التي تشهد تعاونًا وثيقًا مع تل أبيب منذ توقيع الاتفاق الإبراهيمي عام 2020؛ فضلًا عما تشهده المنطقة من توترات حادة في ضوء حرب غزة المشتعلة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تبعها من انخراط لأطراف أخرى في دائرة الصراع؛ مثل إيران وأذرعها؛ سواء أكان حزب الله أو جماعة الحوثي باليمن أو بعض الجماعات الموالية لها العراق.
في ضوء هذا التشابك الإقليمي، والتعقيد المستمر، ظلت الإمارات؛ في مقدمة دول الخليج التي حافظت على مساحة التقارب مع إسرائيل دون انخراط واسع في فرض موقف صارم من الحرب والأزمة في غزة، ورغم ما قدمته من مساعدات إنسانية للقطاع، ظلت علاقاتها مع تل أبيب محل انتقاد واسع؛ خاصة مع احتدام الحرب التي راح ضحيتها عشرات الآلاف، بينما يقبع ملايين تحت وطأة مجاعة إنسانية وظروف قاتلة.
ويرى مراقبون تحدثوا لـ”مواطن“ أن واقعة اغتيال الحاخام كوجين، تعكس الكثير من المؤشرات حول تصاعد مؤشر الكراهية العربية ضد إسرائيل، حتى داخل الدول التي حرصت على استمرار بناء علاقاتها بشكل قوي مع تل أبيب دون أن تتأثر بالحرب، كذلك يخلف الحادث الكثير من التداعيات على الأمن الإقليمي، وفيما يتعلق بالتنسيق الأمني بين الإمارات وإسرائيل بشكل خاص.
ماذا حدث؟
في 24 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلنت السلطات الإماراتية العثور على جثة الحاخام اليهودي تسفي كوجين، الحامل للجنسيتين المولدافية والإسرائيلية، بعد اختفائه في 21 من الشهر ذاته، ووفق مصدر إسرائيلي، تم العثور على الجثة عقب تحديد موقع سيارته، التي وُجدت على بُعد ساعة من منزله في دبي.
وبعد ساعات من الإعلان، أصدرت وزارة الداخلية الإماراتية بيانًا أكدت فيه القبض على الجناة في وقت قياسي، وذكرت أن القتيل كان قد دخل البلاد باستخدام أوراق تثبت جنسيته المولدوفية، وفي رد فعل سريع، توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتخاذ كل الوسائل لمحاسبة القتلة ومن يقف وراءهم، كما وصف الحادث بأنه “عملية إرهابية معادية للسامية وشنيعة”، مشيدًا بالتعاون الإماراتي في التحقيق.
وفي اليوم التالي، أعلنت وزارة الداخلية الإماراتية أن المشتبه بهم الثلاثة في القضية هم من أوزبكستان، وهم: أولمبي توهيروفيتش (28 عامًا)، ومحمود جون عبد الرحيم (28 عامًا)، وعزيزبيك كاملوفيتش (33 عامًا).
وأكدت الوزارة أن “دولة الإمارات العربية بكافة مؤسساتها، لن تدخر جهدًا في سبيل منع أي اعتداء على مواطنيها والمقيمين فيها وزوارها، وأن جميع الأجهزة الأمنية تعمل على مدار الساعة لحماية استقرار المجتمع والحرص على استدامة أعلى درجات الأمن والأمان التي ترسخت منذ تأسيس الدولة”.
ما هي حركة "حباد" المعادية للفلسطينيين؟
ينشط كوجين كأحد أبرز القيادات في حركة “حباد” اليهودية، التي تأسست عام 1772 على يد الحاخام شنؤور زلمان، وهي إحدى المدارس اليهودية الأرثوذكسية التي تنتمي إلى الحسيدية، وتعرف كحركة روحانية واجتماعية يهودية.
عكس حادث مقتل الحاخام الإسرائيلي زفي كوجين في الإمارات مدى تعقيد المشهد الإقليمي والأمني الذي يكتنف العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل في سياق التطبيع، ورغم محاولات الإمارات الحفاظ على شراكة استراتيجية مع تل أبيب؛ فقد تعين عليها مواجهة تحديات داخلية وإقليمية.
تحمل الحركة اسم “حباد- لوبافيتش”؛ حيث يشير “حباد” إلى الأحرف الأولى من الكلمات العبرية التي تعبر عن القدرات الفكرية الثلاث: (الحكمة، الفهم، والمعرفة)، وهي مفاهيم أساسية في فلسفة الحركة الدينية، أما “لوبافيتش” فهو اسم مدينة في بيلاروسيا، التي شهدت نشأة الحركة، قبل أن تنتقل إلى حي بروكلين في نيويورك خلال الحرب العالمية الثانية؛ حيث أصبحت ذات انتشار عالمي واسع، وجذبت اليهود من مختلف أنحاء العالم.
تقدم بيوت “حباد” المنتشرة في مختلف دول العالم خدمات دينية واجتماعية لليهود المحليين والمسافرين، تشمل تقديم طعام “كوشير” (المطابق للشريعة اليهودية)، وتوفير أماكن للصلاة، إضافة إلى خدمات أخرى، ووفقًا للموقع الرسمي للحركة، تمتلك “حباد” أكثر من (3500) مؤسسة في أكثر من (85) دولة، بما في ذلك جنوب أفريقيا وأميركا الجنوبية وروسيا وأستراليا وآسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
من الناحية السياسية، تتبنى “حباد” مواقف متشددة تجاه قضايا السلام والأرض؛ حيث ترفض أي تنازل عن الأراضي المحتلة مقابل السلام، وتشكك في إمكانية تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب، معتبرة أن الحفاظ على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967 ضرورة استراتيجية؛ ليس فقط لصد الهجمات؛ بل أيضًا لحماية إسرائيل من الإرهاب، وترى المنظمة أن الوجود العربي في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكل تهديدًا أمنيًا، ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، تتمتع “حباد” بعلاقات وثيقة مع مسؤولين سياسيين في مختلف أنحاء العالم، وتصنف كواحدة من المنظمات اليهودية المتطرفة.
الشكر لتركيا
أعربت الإمارات، يوم الثلاثاء، عن شكرها لتركيا على التعاون الذي أبدته في القبض على المشتبه بهم في القضية، وجاءت رسالة الشكر من مدير الاتصالات الاستراتيجية في وزارة الخارجية الإماراتية، عبر منشور على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، ورغم الإشادة بالتعاون التركي، لم تُفصح الرسالة عن تفاصيل دقيقة بشأن طبيعة هذا التعاون.
وكشف مصدر أمني تركي لوكالة “رويترز”، أن ثلاثة مشتبهًا بهم في مقتل الحاخام الإسرائيلي زفي كوغان في الإمارات، تم القبض عليهم في إسطنبول خلال عملية سرية نفذتها أجهزة المخابرات والشرطة التركية خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر، وأوضح المصدر أن المشتبه بهم، وجميعهم يحملون الجنسية الأوزبكية، تم تسليمهم إلى السلطات الإماراتية بناءً على طلب رسمي من الحكومة الإماراتية.
إسرائيل تعتبر الإمارات "مركز تهديد"
للمرة الأولى، أصدر مقر الأمن القومي الإسرائيلي تحذيرًا من المستوى الثالث، يصف الإمارات بأنها منطقة ذات “تهديد متوسط”، داعيًا الإسرائيليين إلى تجنب السفر غير الضروري إلى الدولة، وذلك في أعقاب مقتل الحاخام كوجين.
وفي تحديث جديد للمبادئ التوجيهية، أوصى مقر الأمن القومي الإسرائيلي (NSH) بعدم السفر إلى الإمارات إلا للضرورة، وجاء في البيان الذي نقلته صحيفة يديعوت أحرونوت أن “عناصر إرهابية قتلت مواطنًا إسرائيليًا في الإمارات، وهناك مخاوف من استمرار وجود تهديدات محتملة للإسرائيليين واليهود في المنطقة”.
وأثار مقتل الحاخام كوجين موجة من ردود الفعل من قبل القيادات الإسرائيلية وكبار المسؤولين، الذين أصدروا بيانات إدانة قوية، وركزت التصريحات على وصف الحادث بأنه “معاداة للشعب اليهودي” و”معاداة للسامية”، مؤكدين أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الجريمة.
وتنتاب إسرائيل مخاوف من قيام عملاء لإيران باختطاف أو قتل إسرائيليين يعيشون في الخارج. وفي أغسطس (آب) الماضي، أصدرت إسرائيل تحذيرًا نادرًا من السفر إلى دول بينها وبين إيران حدود مشتركة.
ماذا قالت إيران؟
بعد تداول أنباء عن تورطها بالحادث، نفت السفارة الإيرانية في أبوظبي الادعاءات التي تربط إيران بالحادثة، مؤكدة عدم تورطها في مقتل الحاخام، وبالتزامن، ذكرت صحيفة يديعوت أحرنوت الإسرائيلية أن أسلوب التنفيذ يشابه عمليات نُسبت لإيران سابقًا، لكن لا توجد أدلة على تورطها هذه المرة.
ويقول يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى واشنطن، إن مقتل كوجين يمثل جريمة ضد قيم الإمارات، وهجومًا على رؤيتها للتعايش السلمي. وأضاف أن بلاده ترفض كافة أشكال التطرف والتعصب. في الوقت ذاته، أوضحت مصادر إسرائيلية أن كوجين كان يدير بقالة “كوشير” في دبي، وكان مرتبطًا بحركة “حباد”، التي توصف بأنها مجموعة “حسيدية” تقدم خدمات دينية لليهود في العالم، مؤكدة عدم وجود دور سياسي أو حكومي له.
ماذا عن الموقف الأمريكي؟
من جهتها دعمت الولايات المتحدة إسرائيل، وفي حين قدم البيت الأبيض تعزية لعائلة القتيل الإسرائيلي، أعرب جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وزوجته إيفانكا ترامب، عن حزنهما العميق لمقتل الحاخام الإسرائيلي زفي كوغان، مؤكّديْن التزامهما بدعم المجتمع اليهودي في الإمارات، وأعلن كوشنر عن تبرعه بمليون دولار أمريكي لحركة “حباد” في الإمارات كجزء من جهوده لتعزيز العلاقات اليهودية-الإسلامية في المنطقة.
وفي منشور على صفحته على منصة “إكس” (تويتر سابقًا)، قال كوشنر: “أنا وإيفانكا نشعر بحزن عميق لفقد الحاخام كوغان، الذي كان قتله محاولة لعرقلة الجسور التاريخية التي كان يبنيها بين اليهود والمسلمين في الإمارات. عمله الناجح، بالتعاون مع الرؤية الجريئة والإيجابية للحكومة الإماراتية، كان بمثابة ضوء مشرق في عالم مليء بالانقسامات”.
ثغرة أمنية
تشير مصادر مراقبة إلى ثغرة أمنية استغلها المنفذون داخل النظام الأمني الإماراتي المعروف بكفاءته، لكن التحقيقات السريعة مكنت السلطات من تتبع الجناة واستعادتهم من تركيا بعد هروبهم، ورغم ذلك، ترى مصادر متخصصة أن العملية كانت مخططة ومنسقة وليست عشوائية؛ ما يرجح وجود جهة منظمة خلفها، بحسب ما أورده تقرير مركز “تقدم للسياسيات”.
وفي حين تستبعد مصادر إسرائيلية تورط إيران، تشير إلى احتمالية ارتباط الجناة بجماعات متطرفة مثل داعش أو القاعدة أو جماعات ناشئة في آسيا الوسطى، كما أشارت المصادر إلى تعاون أنقرة السريع في القبض على المتهمين وتسليمهم للإمارات، مما يعكس التنسيق الأمني الوثيق بين البلدين.
ويقول باحث أمني إماراتي تحدث لـ”مواطن”، وفضل عدم ذكر اسمه، بأن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية داخل البلاد تجري في الوقت الراهن تحقيقات موسعة لمعرفة كافة التفاصيل الدقيقة بخصوص الحادث ومدى احتمالية تورط جهات خارجية أو دول في دعم وتكليف المتهمين الثلاثة، معتبرًا أن الحادث استهدف زعزعة الاستقرار الداخلي والمساس بسيادة الدولة أو الضغط عليها، لكن الأجهزة الأمنية كانت متيقظة لذلك وتعاملت معه بشكل حاسم.
ولا يتوقع الباحث الإماراتي أن يخلف الحادث تأثيرات كبيرة على العلاقات بين بلاده وتل أبيب، واصفًا التعاون بأنه “أعمق من ذلك” وقائم على التنسيق المشترك، وفي حالة تقدم مستمر رغم التوترات الإقليمية، مشددًا على أن بلاده تعمل وفق سياساتها الخاصة بما يعزز أمنها ومصالحها؛ في حدود التزاماتها الإنسانية تجاه فلسطين، لكنها لا تقبل إملاءات في هذا السياق، وتعتبر أن لديها سياسة منفردة.
كيف يؤثر الحادث على العلاقات بين الإمارات وتل أبيب؟
أثار مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإمارات العديد من التساؤلات حول تأثير هذا الحادث على مسار التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل؛ خاصة في ظل سعي الإمارات لتعزيز شراكاتها الإقليمية والدولية. ورغم أن الواقعة وقعت على أراضٍ إماراتية، إلا أن تنفيذها من قبل أجانب يؤكد أن الحادث ليس مرتبطًا برفض مجتمعي داخل الإمارات لعملية التطبيع.
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الإسرائيليين المقيمين في الإمارات بعد توقيع اتفاقية "إبراهيم" عام 2020؛ فيما تشير التقارير إلى أن الجالية الإسرائيلية في الإمارات تتكون من مئات الأفراد الذين يعملون في قطاعات متنوعة، مثل التكنولوجيا والاستثمار والسياحة، كما أصبحت دبي وأبوظبي وجهتين مفضلتين للإسرائيليين للسياحة والإقامة
وعلى المستوى الرسمي، غالبًا لن يؤثر الحادث على العلاقات الثنائية، لأن التطبيع يعتمد على المصالح والسياسات المشتركة وليس على التفاعل الشعبي، ومع ذلك، يسلط هذا الحدث الضوء على التحديات الأمنية المرتبطة بوجود شخصيات إسرائيلية على الأراضي العربية؛ ما قد يدفع الإمارات إلى تعزيز إجراءاتها الأمنية لضمان سلامة الزوار، وتقليل المخاطر التي قد تؤثر على استقرار العلاقات الرسمية مع إسرائيل والدول الأخرى المنخرطة في مسار التطبيع.
يرى الدكتور محمد صفر، مدير مركز دراسات السلام واللاعنف، أن مسألة التطبيع التي قامت بها بعض الدول هي في الأساس تطبيع رسمي أكثر من كونه شعبيًا أو مجتمعيًا. وعادة لا يتضرر التطبيع الرسمي بمثل هذه الحوادث، لأنه يعتمد على مصالح وسياسات محددة، لا على المشاعر الشعبية.
ويقول في حديث لـمواطن: “على سبيل المثال، مقتل هذا الحاخام في الإمارات لا يشير إلى تورط الدولة أو أي من مواطنيها؛ فالحادث نفذه أشخاص أجانب قدموا من الخارج واستهدفوا الحاخام على الأراضي الإماراتية، مما يؤكد أنه لم يكن هناك استهداف من قبل مواطن إماراتي، لذا لا يمكن اعتبار هذا الحادث تهديدًا لمسار التطبيع الشعبي أو دليلًا على رفض المجتمع للسياسات الرسمية للدولة”.
ويؤكد “صفر” أن التطبيع في الأساس يرتبط بسياسات الدول ومصالحها، وليس برغبات أو احتياجات مجتمعية، لذلك تبدو العلاقات الشعبية بين مواطني الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل ليست مفتوحة بنفس الدرجة الموجودة على المستوى الرسمي، حتى في دول مثل مصر، التي وقّعت اتفاقيات تطبيع منذ سنوات طويلة، العلاقات الشعبية بين شعبي البلدين ما زالت سطحية وغير منفتحة بشكل كبير، وبالتالي، يمكن القول بأن التطبيع الرسمي يبقى منفصلًا عن التفاعل الشعبي.
ويضيف في حديثه معنا: “هذه الحوادث، لا تؤثر عادة على العلاقات الرسمية بين الدول إلا إذا كانت هناك جهات داخل الدولة نفسها متورطة في الحادث ولم تُتخذ إجراءات ضدها. لكن هذا الاحتمال غير وارد، لأنه لو كانت هناك مشاكل من هذا النوع داخل الدولة، لما كانت العلاقات قد وصلت إلى مستوى التطبيع أساسًا”.
ماذا عن التداعيات الإقليمية؟
يعتبر الباحث في الشؤون الإقليمية، محمد فوزي، أن عملية مقتل الحاخام اليهودي ، تأتي في إطار العمليات الفردية التي تنامت بشكل ملحوظ ضد أهداف أو شخصيات إسرائيلية منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وحتى اليوم، وأعتقد أنه وبوضع هذا الحادث في سياقه المرتبط بالحرب؛ فهو أقرب إلى عمليات “الذئاب المنفردة”، وليس العمليات المرتبطة بخطط تنظيمية، أو التي تتم بواسطة بعض الجماعات أو التنظيمات؛ خصوصًا وأنه وفقًا لبعض المصادر المفتوحة فإن منفذي العملية اعترفوا في التحقيقات أن العملية تمت بناءً على معطيات “تفيد بجمع الحاخام اليهودي تبرعات لإسرائيل، لدعم الحملات العسكرية في غزة”؛ ما يجعل هذه العملية تأتي في إطار العمليات الفردية المرتكزة بشكل رئيس إلى حالة الغضب نتيجة الممارسات الإسرائيلية في غزة ولبنان.
ويعتقد “فوزي” أيضًا أن هذه الواقعة “لن تؤثر على مسار العلاقات الإماراتية الإسرائيلية على المديات القريبة والمتوسطة والبعيدة، لأكثر من اعتبار: أولها يرتبط بتسكين هذا الملف حاليًا من خلال إعلان السلطات الإماراتية عن إلقاء القبض على منفذي هذه العملية”.
وثانيها يرتبط بحسابات الجانبين في مسألة العلاقات الثنائية، وهي الحسابات التي تركز بشكل كبير على تأطير وتعزيز العلاقات الثنائية بما يتجاوز مثل هذه الحوادث التي قد تحدث بين الحين والاخر؛ خصوصًا في ظل السياق الراهن.
وثالثها أن قرب وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى منصبه بشكل رسمي، هو متغير سوف يحول دون أي توترات بين الجانبين، على اعتبار أن “ترامب” معني بشكل رئيس بتعزيز هذه العلاقات والاستثمار بها، بما يضمن تعزيز المسار المعروف بـ “الاتفاقات الإبراهيمية”.
لكن هذه الاعتبارات -وفق “فوزي”-، لا تنفي أن الحادث سوف يكون له العديد من التداعيات، ومنها أن الجانبين سيحرصان على تعزيز التنسيق الأمني والاستخباراتي في هذه القضية، كذلك فإن الحادث سوف يكون مدخلًا لوضع الموساد الإسرائيلي خططًا أكبر على مستوى تأمين الأهداف النوعية بالخارج؛ سواء أكان المؤسسات أو الأشخاص، أيضًا فإن الحادث ربما يدفع الإمارات إلى المزيد من الإجراءات الاحترازية الأمنية من أجل الحيلولة دون تكراره.
الإسرائيليون في الإمارات
شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد الإسرائيليين المقيمين في الإمارات بعد توقيع اتفاقية “إبراهيم” عام 2020؛ فيما تشير التقارير إلى أن الجالية الإسرائيلية في الإمارات تتكون من مئات الأفراد الذين يعملون في قطاعات متنوعة، مثل التكنولوجيا والاستثمار والسياحة، كما أصبحت دبي وأبوظبي وجهتين مفضلتين للإسرائيليين للسياحة والإقامة؛ خاصة في ظل رحلات الطيران المباشرة بين البلدين وتخفيف القيود على تأشيرات الدخول.
وشهدت العلاقات بين الإمارات وإسرائيل تطورًا سريعًا وملحوظًا على الصعيدين السياسي والاقتصادي، كانت محل انتقاد من جانب الشعوب العربية؛ خاصة بعد الانفتاح الكبير بعد توقيع اتفاقية التطبيع بين الدولتين، وما تبعه من تبادل الطرفين فتح سفارات، وتم توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات تشمل الطاقة والتكنولوجيا والصحة والتعليم. كما عززت الزيارات الرسمية المتبادلة بين المسؤولين من تعزيز الثقة والتعاون، وتمثل الإمارات شريكًا استراتيجيًا لإسرائيل في المنطقة؛ حيث تعمل الدولتان على تبادل الخبرات في مجالات الابتكار والتقنيات الحديث.
وختامًا، عكس حادث مقتل الحاخام الإسرائيلي زفي كوجين في الإمارات مدى تعقيد المشهد الإقليمي والأمني الذي يكتنف العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل في سياق التطبيع، ورغم محاولات الإمارات الحفاظ على شراكة استراتيجية مع تل أبيب؛ فقد تعين عليها مواجهة تحديات داخلية وإقليمية؛ خاصة في ظل تصاعد التوترات المتعلقة بحرب غزة وتداعياتها على المنطقة. كما يبرز أهمية تعزيز التنسيق الأمني بين الجانبين، والعمل على الحد من المخاطر التي قد تؤثر على الاستقرار الداخلي والعلاقات الثنائية، وفي ظل تصاعد الأصوات الرافضة للتطبيع في المنطقة العربية، يظل التحدي الأكبر أمام الإمارات وإسرائيل هو الحفاظ على توازن بين المصالح المشتركة، وضمان الأمن في سياق يعج بالتوترات والاضطرابات.