عندما ننظر إلى عيون أطفالنا اليوم نشاهد وطنا ينمو ويكبر , نشاهد وطنا غاليا بكل عظمته وتاريخه وانجازات أبناءه الشرفاء المخلصين , نستشرف عمان بعد عقد أو عقدين من الزمن , كيف ستكون ؟ والى أين ستصل ؟ ندق أبواب المستقبل الوطني من خلال النظر الى هذه الشريحة التي ستتحمل مسؤولية بناء هذا الوطن والمحافظة على انجازاته وثرواته أمام الله عزوجل والتاريخ بعد ان يشتد عودها , وستكمل مسيرة البناء والعطاء التي انطلقت منذ أزل العصور الخالدة لحضارة المجد والتاريخ الوطني وحتى هذه اللحظة التي رسم معالمها الوالد والقائد حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم – حفظه الله ورعاه -.
فأطفالنا اليوم يضعون وجها إنسانيا لمستقبل هذا الوطن , وانطلاقا من هذه الرؤية المستقبلية لمن يمثلون حاضر ومستقبل هذا الوطن الغالي , فإننا نحن أبناء هذا الجيل ومن سبقنا سيتحملون أمام الله عزوجل والتاريخ والوطن مسؤولية دينية وتاريخية ووطنية عما ستكون عليه تلك الشريحة من أبناء هذا الوطن بعد 10 أو 20 أو حتى 100 سنة من اليوم , وهم بدورهم – أي – أطفال اليوم , سيتحملون تلك المسؤولية عمن سيكونون بعدهم , وهكذا ….. فنحن نعرف ان أطفال اليوم سيكونون أهلا لأطفال لهم , وستأتي أجيال أخرى بعد ذلك , لهذا فان أطفالنا اليوم يذكروننا بالمسؤولية التي نتحملها تجاه الآخرين , بما في ذلك الأجيال التي لم تولد بعد.
وكما يقول الفيلسوف روبرت .بي.ملرت : من ان حيواتنا هي مجرد خيوط سينسج المستقبل من خلالها , وبالتالي , فان ” ما افعله أنا وتفعله أنت اليوم ” سيستمر بعدنا في أطفالنا , وفي أطفال أولئك الذين نرتبط معهم برابطة الإنسانية , لهذا فان مثلي الأعلى لا يمكن ان يكون محدودا بفائدتي الشخصية , او سعادتي التي ستنتهي بموتي , – وبمعنى آخر – مخطئ من يعتقد انه لن يسال أمام الله عز وجل عن حال الأجيال القادمة , ومخطئ أكثر من يتصور انه سيتمكن من التنصل تاريخيا من تلك المسؤولية والأمانة الوطنية الجسيمة .
وكما أننا اليوم ننظر الى من سبقنا من الأجيال فنحملهم جزء من مسؤولية الأوضاع التي نمر بها امميا وقوميا ووطنيا , فستنظر الأجيال القادمة إلينا بنفس النظرة وستحملنا مسؤولية ما سنخلفه لها من أوضاع , لذا فإنني أوجه بعض الأسئلة الى أبناء هذا الجيل بلا استثناء , وخصوصا تلك الشريحة التي هي في موقع القرار والمسؤولية الأممية والقومية والوطنية , فأقول لهم : كيف ستشعر الأجيال القادمة تجاهكم انتم أسلافهم ؟ انتم من كنتم في موضع صناعة وتوجيه القرار في هذه الأمة العظيمة عموما , وفي هذا الوطن العزيز بوجه خاص ؟ هل سيتم مديحكم لانجازاتكم ؟ وستثني عليكم الأجيال القائمة والقادمة ؟ أم ستحل عليكم سبة تلك الأجيال ؟ وسيذكركم التاريخ بأنكم الجيل الذي خان أمانة الله وأمانة هذا الوطن ؟ .
فلا تخبروني أنكم لن تقفوا أمام الله عزوجل ليسألكم عن هذه الأمة وهذا الوطن وهذا الشعب ! قال تعالى {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} صدق الله العظيم , لا تخبروني بأنكم ستعبرون عتبات التاريخ دون ان تحاسبوا , وما أصعب حساب التاريخ ؟ لا تقولوا بأنكم لا تتحملوا مسؤولية أممية وقومية ووطنية عما يحدث اليوم , أو عن قوت وحياة ومستقبل الأجيال الإسلامية قاطبة ؟ وأبناء هذا الوطن خصوصا ؟! {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ} صدق الله العظيم .
واليوم هناك قلق عالمي متنام حول هذه الأجيال القادمة , ولهذا فقد اصدر مؤتمر اليونسكو والذي عقد في باريس في العام 1997م إعلانا عالميا عن مسؤولية الأجيال الحالية تجاه الأجيال المستقبلية , وقد ذكر ذلك الإعلان ( ان على الأجيال الحالية مسؤولية تامين احتياجات واهتمامات الأجيال الحالية والمستقبلية معا , وضمان ذلك بالكامل ) , والحقيقة بأننا كمؤتمنين أمام الله والتاريخ بحكم مناصبنا ومسؤولياتنا القومية والوطنية لسنا بحاجة الى إعلانات وتقارير وقوانين المنظمات الدولية لنحافظ على أماناتنا , ونؤديها على أكمل وجه , فعزة هذه الأمة ورفع شانها مسؤولية الجميع , وكذلك هو حال مسؤولياتنا تجاه أمانة هذا الوطن العظيم .
نعم …. ان أطفال اليوم سيكونون هم الآباء في الغد , ومن هذه الشريحة ستكون عمان المستقبل , ولهذا وجب علينا ان نركز على هذه الشريحة من أبناء هذا البلد الغالي , وذلك من خلال تعليمهم التعليم المستقبلي الصحيح , ورعايتهم الرعاية الجسدية والعقلية السليمة , وتهيئة المناخ المناسب لرقي أفكارهم ورفاهيتهم , وبهذا فقط سنستطيع المحافظة على استمرار ما حققناه من انجازات ونهضة وتنمية , فعمان الغد : وطن نشاهده في عيون أطفالنا اليوم .