عام قضائي يلفظ أنفاسه الأخيرة ، يوشك على الأفول ، حمل بين جنباته الكثير من المعطيات والقضايا ، تفاعلت معها جميع الشرائح المكونة للمجتمع القانوني والمجتمع بشكل عام . قضاة ومحامون ، محققون ورجال سلطة ضبطية ، وخلفهم جيش من الموظفين المنتمين لوزارة العدل وللمجلس الأعلى للقضاء.
متهمون حوكموا وآخرون ينتظرون ، منهم من أدين ومنهم من أعلنت براءته ، زنازن وعنابر استقبلت ، ومقار حبس ودعت .
عام كانت أيامه حبلى بالكثير من الأحداث التي ينبغي أن تكون محل دراسة وتدارس من كل أطياف المجتمع . نصوص قانونية لزم تعديلها لولادة نصوص أخرى ، وتشريعات بدت على خط التماس مع نصوص الدستور . تعديلات جعلت قانون الإجراءات محل تساؤل حول مدى علاقته بمستوى الحريات المكفولة دستورياً .
فرسان العدالة ، المتدثرون بالجلابيب السود ، المتأبطون ملفاتهم ، الحالمون بالعدل ، القائمون أمام الجميع في قاعات قصور العدل بدور المؤلف والمؤدي والمخرج . هؤلاء الفرسان كان لهم دوراً بارزاً في أكثر قضايا العام إثارة للطرح على مستوى الفقه والقضاء القانونيّين . لم تمنعهم الظروف ولا المحاذير المرسومة من أن يصدحوا بالحق بغية الوصول بموكليهم إلى شاطئ الأمان .
العفو الشامل الذي طال مجموعة من القضايا كان هو الآخر مثار حديث ونقاش من حيث نوعيته وتوقيته , غايته ومدى حجيته , تأطيره السياسي والاجتماعي . الأمر الذي ذهب بالبعض ليتسائل : ألا يعد ذلك حرماناً للمتهم من حقه في الحصول على حكم يبرئه ؟! ألا يصادر حقه الدستوري في المثول أمام قاضيه الطبيعي ؟! ألا يهدر حقه في التقاضي ، وفي المناضلة لسبيل إبراء ساحته والدفاع عن سمعته واعتباره ؟؟
نعم بدى ذلك العفو متوافقا مع أغلب التشريعات العربية والأجنبية في الأخذ به . غير أن آلية خلقه يجب أن تكون محل نظر في قادم الأيام . حيث إن الآلية الحالية تتجلى من خلال المادة (65) من قانون الجزاء ، والتي تنص على : ” يصدر العفو العام بمرسوم سلطاني يتخذ بعد استشارة مجلس الوزراء ” غير أن هناك من يرى أن استبدال مكانة الاستشارة من مجلس الوزراء إلى ( مجلس الشورى ) باتت ضرورة ملحة ، ليكون معبراً عن إرادة الشعب المتمثلة في إرادة عضو المجلس المنتخب .
هيئة حماية المستهلك هي الأخرى كانت رقماً صعباً ، بمداهماتها وإجراءات تحريها التي زجت بالكثير من المتهمين إلى أقفاص الاتهام والمحاكمة .
وقد كانت قضية حلويات الأطفال الأكثر إرعابا؛ لتفجر تساؤلات عدة من بينها: مدى نجاعة النص العقابي في ردع مرتكبي هذه النوعية من الجرائم . كما برزت نقطة بالغة الأهمية، تمثلت في النيل من هيئة الدفاع التي تدافع عن هكذا جرائم . فهناك من وجه أصابع الاتهام إلى الدفاع لدفاعه ، وهناك من رأى فيه ( فارساً ) يدافع عن المتهم وليس التهمة . نقطة مرت كغيرها غير أنها تطرح السؤال التالي : هل يدافع المحامي عن المتهمين أيا كانت التهم المنسوبة إليهم ؟ّ !
المرسوم السلطاني الرقيم بـــ (29/2013م ) الصادر في 6/5/2013م والذي حمل إلى المجتمع بشارة طال انتظارها ، تمثلت في وصول { القانون المدني } لينقلنا من عصر إلى آخر ، من الاجتهاد إلى التقنين .
هذا القانون المؤجل إعماله إلى بداية سبتمبر من العام الجاري ينتظره عملاً شاقاً ، وجهداً مضنيا ، ومران ودربة مستمرين ، من الفقهاء والشراح والقضاة والمحامين .
التكتلات القانونية الخاصة بالمحامين ، بدت نواة تكونها من خلال محامو شمال الباطنة الذين أشهروا ملتقاهم ، وعملوا على إيجاد مظلة يستظلون تحتها في ظل الغياب المعزو إلى جمعية المحامين . هذا التجمع الذي نرى من خلاله مجلس ( الألف باء ) الذي تناولته رائعة البؤساء ، بدلالة أن ثماره سرعان ما تم قطافها : الأمر الذي يسلس إلى :
القرار الرقيم بــ (9/2013م) والصادر بتاريخ 9/6/2013م من نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء ، والمتمثل في السماح للمحامين بتصوير المستندات المتعلقة بالدعاوى ، هذا القرار كان هو الآخر بشرى سارة تزف إلى سدنة العدالة . قرار يؤكد وعي المجلس وإيمانه بأهمية رسالة المحاماة وتقديس حق الدفاع .
بقيت ( وزارة العدل ) التي فجأت الجميع بنكوصها عن تطبيق القرار القاضي بمنع المحامين الغير العمانيين من المثول أمام جهات القضاء والمتعلق بالمادة ( 66 ) من قانون المحاماة ، هذا التعطيل الذي قارب الآن على إكمال ال تسع سنوات .
لتجعلنا نجتر السؤال الأزلي : إلى متى ؟ حتى متى ستظل قاعات المحاكم تعج بالوافد الذي يؤدي وجوده بشكل مباشر وغير مباشر إلى تعطيل تواجد المحامي العماني ؟
إن تجربة التعميين في المحاكم الابتدائية بدأت مقرونة بهاجس الخوف غير أنها الآن أثبتت نجاحها، اضافة إلى تجارب أغلب دول الجوار . أما آن الأوان لتفعيل المادة (66) وجعل مهنة المحاماة مهنة جاذبة وليست طارده كما هو حالها اليوم؟ . إن قادم الأيام سيكشف لنا الاجابه على هذا السؤال .
أخيرا إليكم انتم زملائي المحامين , سدنة العدالة , حملة راية الحق , أقول كما قال احد أسلافكم ” إن المحامي المرتجف لن يستطيع القيام بواجبه إزاء المجتمع والناس ، ومن ثم فان احترام المحامي وتوفير الضمانات اللازمة لحمايته , وحماية حقه في الدفاع عن موكليه , هو في حقيقته حماية للعدالة نفسها ,قبل أن يكون حماية لشخص المحامي “