لقد أكدت آخر الإحصاءات للمركز الوطني للإحصاء لشهر ابريل 2013م، تحولا كبيرا ومتسارعا لـ التركيبة السكانية والعمالة الوافدة ، بإتجاه زيادة كبيرة لعدد الوافدين والعمالة الوافدة في السلطنة، على حساب العمانيين والعمالة الوطنية، وفي هذا المقال، نحاول استعراض أهم البيانات الخاصة بالتعداد السكاني والعمالة الوطنية والوافدة، ومقارنتها بالسنوات السابقة، وتحليل نتائجها وآثارها المستقبلية على البلاد، ونختم بعرض بعض المقترحات التي من شأنها وقف أو تقليل جماح هذا التسارع الغير مدروس والمؤثر على مستقبل التركيبة السكانية واقتصاد البلاد.
البيانات تشير الى ان التعداد الاجمالي الحالي للسكان (ابريل 2013، احصاءات المركز الوطني للإحصاء ، المجلس الاعلى للتخطيط) هو (3,869,873)، وتبلغ نسبة العمانيين فيه 55,8% (2,159,338)، بينما تصل نسبة الوافدين الى 44,2% (1,710,535)، وهي نسبة عالية وتزداد بشكل متسارع لصالح الوافدين؛ فعند مقارنتها بتعداد 2010م، لوجدنا أن إجمالي السكان هو (2,773,000)، عدد العمانيين فيه هو (1,957,000)، أي 71% من اجمالي السكان، بينما عدد الوافدين هو (816,000)، وبنسبة 29% من الاجمالي، ونلاحظ هنا زيادة في نسبة الوافدين من 29% عام 2010م الى 44,2% عام 2013م، أي أن الزيادة في نسبة الوافدين هي 15% خلال ثلاث سنوات فقط، وهذا بلا ريب، سيؤدي خلال السنتين إلى ثلاث سنوات القادمة – اذا استمر الوضع على ما هو عليه– إلى إخلال كبير في التركيبة السكانية في السلطنة، وسيزيد التعداد السكاني للوافدين على السكان العمانيين.
ولو رجعنا قليلا الى إلسنوات السابقة، وقارنا نسب الوافدين للعمانيين؛ للاحظنا الآتي: 1985 نسبة الوافدين 22% وتعداد السكان 1993: نسبة الوافدين 27%، تعداد السكان 2003: نسبة الوافدين 24%، أي أن الطفرة الهائلة في تواجد الوافدين بدأت منذ 2010م وحتى الآن، علما أن المشاركة الإقتصادية للوافدين هي 90% (أي أن 90% من الوافدين يعملون في القطاعين الخاص والعام)، بينما المشاركة الإقتصادية للعمانيين لا تتعدى 47%.
وهذا الخلل في التركيبة السكانية لصالح الوافدين لا يقتصر على التعداد الإجمالي العام للسكان على مستوى السلطنة، بل أنه أكثر وضوحا في بعض المحافظات؛ فمحافظة مسقط تصل نسبة الوافدين فيها 61,3% ومحافظة ظفار 51% ومحافظة الوسطى 49%، ولو علمنا ان 90% من الوافدين هم من الذكور، وأن 90% منهم من النشطين اقتصاديا؛ أي أنهم عمالة وافدة، لشعرنا بمدى تأثير ذلك على التركيبة السكانية، وكذلك التأثير المباشر على الاقتصاد الوطني في تلك المحافظات.
ومن ناحية اخرى، لو نظرنا إلى التحولات الجارية حاليا على مستوى العمالة الوافدة والوطنية، للاحظنا النقاط المهمة التالية:
أن عدد العمالة الوطنية في القطاع الخاص لشهر ابريل 2013م، هو 176,213، وفي المقابل، فإن اعداد العمالة الوافدة 1,488,116 (88%)، أي أن نسبة العمانيين في القطاع الخاص لا تتعدى 12% (11,8%)، من إجمالي العمالة في القطاع الخاص، بينما كانت نسبة العمانيين في القطاع الخاص عام 2010م، 18,6% (177,716 عامل عماني)، ونسبة الوافدين لنفس العام 81,4% (955,630 عامل وافد)، مما يعني انه خلال الثلاث سنوات الاخيرة (2010-2013م)، قل عدد العمانيين العاملين في القطاع الخاص من 177,716 عام 2010م، الى 176,213 عام 2013م، بينما زاد عدد العمالة الوافدة في القطاع الخاص من 955,630 الى 1,488,116، وبأكثر من نصف مليون في ثلاث سنوات (الزيادة 532,486 عامل وافد في ثلاث سنوات)، وبنسبة تقارب 40% مقارنة عما كانت عليه عام 2010م.
إن استمرار الفجوة الكبيرة والزيادة المتسارعة للعمالة الوافدة، على حساب العمالة الوطنية – دون ضوابط– لسنوات قليلة قادمة، يعني وجود خلل كبير في تركيبة العمالة لصالح العمالة الوافدة.
علما ان العمالة الوافدة الحالية، 87% منها من ثلاث جنسيات فقط، وهي كالتالي: هندية 41% (607,556 عامل)، بنغلاديشية 31% (462,725)، باكستانية 15% (222880 عامل)، بينما اأعداد الجنسيات العربية وغيرها لا تكاد تذكر عند مقارنتها بهذه الجنسيات، مما يعني خللا سكانيا آخر لصالح عمالة وافدة من جنسيات بعينها.
ولو دققنا أكثر في نوعية العمالة الوطنية من حيث نوعية الوظائف والأجور للاحظنا الآتي: أن معظم العمانيين العاملين في القطاع الخاص يعملون برواتب متدنية جدا أو متدنية، ويشغل معظمهم وظائف دنيا بسيطة، مقارنة بما يتقاضاه الوافدين من رواتب وما يشغلونه من وظائف، فعدد العمانيين في الوظائف القيادية التي يصل راتبها إلى أكثر من 2000 ريال هو 2010 عماني،من بين 40000 وظيفة قيادية برواتب عالية، أي أن نسبة العمانيين في الوظائف القيادية ذات الدخل العالي نسبيا (أكثر من الفين ريال) هو 5% فقط (2010 عماني)، بينما نسبة الوافدين 95% (38000 وافد)، كما ان 90% من العمانيين في القطاع الخاص يتقاضون رواتب أقل من 600 ريال، و80% منهم يتقاضون رواتب اقل من 400 ريال، أي أن نسبة العمانيين في القطاع الخاص الذين يتقاضون رواتب اكثر من 600 ريال هم 10% فقط. مما يعني أن اشكالية العمالة الوطنية العاملة في القطاع الخاص، ليس قلة عددها مقارنة بالعاملة الوافدة وحسب؛ ولكن اشكاليتها تكمن أيضا في نوعية الوظائف وضعف الرواتب.
ومن خلال التحليل السابق لواقع التعداد السكاني والعمالة في السلطنة، نلاحظ تسارع زيادة نسبة الوافدين الى العمانيين خلال ثلاث سنوات من 29% عام 2010م الى 44,2% في ابريل 2013م، وهي زيادة كبيرة (15%)، خلال فترة وجيزة، بالإضافة إلى الخلل الكبير في التعداد في بعض المحافظات، والتي يزيد في بعضها عدد الوافدين عن المواطنين بنسبة أكبر من 60%، ، كما أن نسبة العمالة الوافدة 88%، من إجمالي العمالة في القطاع الخاص، مقارنة بالعمالة الوطنية (12%)، والتي زادت خلال ثلاث سنوات الاخيرة (2010-2013)، بأكثر من نصف مليون عامل وافد، هي ايضا تحتاج إلى مزيد من الإلتفات.ومن حيث نوعية الوظائف وامتيازاتها المادية، نلاحظ أن العمالة الوافدة تستحوذ على اكثر من 95% من الوظائف القيادية عالية الرواتب نسبيا، بينما يقبع معظم العمانيون في القطاع الخاص في الوظائف ضعيفة الرواتب (90% براتب اقل من 600 ريال)، وقلة منهم يعملون في الوظائف القيادية (5%).
وهنا لا بد من إعادة قراءة واقع التركيبة السكانية والعمالة الوافدة والوطنية في السلطنة، وفق البيانات والمعطيات الجديدة التي تم عرضها، وعدم تجاهل أو إهمال مثل هذه القضايا الحساسة والمؤثرة على مستقبل البلاد ومكوناته وتركيبته السكانية واقتصاده الوطني، أو التعامل معها بنفس الآليات والوسائل الحالية، التي تكرس تكدس الوافدين في السلطنة، وتقلل من فرص العمانيين في المشاركة في بناء وطنهم. وفي هذا المجال، ومن خلال ما تم عرضه من أرقام وبيانات نود اقتراح النقاط التالية:
-
أهمية وضرورة إعادة النظر في جميع القوانين المنظمة لتشغيل العمالة الوطنية والوافدة في القطاعين الخاص والعام، بما يحقق مرونة في إحلال العمالة الوطنية محل الوافدة، وخاصة في الوظائف القيادية، والوظائف ذات العائد المادي العالي، فما زالت هناك قوانين ولوائح تنظم العمل في بعض المؤسسات الرسمية والخاصة، تضع من الشروط ما يعجز عن تلبيته العماني، بينما لا ينطبق ذلك على تعيين الوافدين في نفس المؤسسة، وعلى سبيل المثال: تمنع جامعة السلطان قابوس تعيين العمانيين في الكادر الاكاديمي او نقلهم في نفس الجامعة من كادر اداري وفني الى اكاديمي، إلا بشروط صعبة جدا وشبة مستحيلة، ومنها أن يكون معدل المتقدم العماني للوظيفة في البكالوريوس والماجستير والدكتوراه هو امتياز، بينما لا يشترط على الوافد هذه الشروط، وهذه قوانين، مضى عليها أكثر من ثلاثين عاما ولم تتغير، كما لم تتغير قوانين غيرها لتنظيم العمل في القطاع الخاص والعام منذ اكثر من ثلاثين عام، مثل قانون الخدمة المدنية وغيره.
-
تأهيل وتدريب وتعليم كادر وطني قادر على العمل في الوظائف الهامة، الادارية والفنية الهامة، ذات العائد المادي والقيادي، مثل المدراء ومدراء العموم والرؤساء التنفيذيين للشركات العامة والخاصة، والأطباء والأساتذة الجامعيين والخبراء والمستشارين التربويين والقانونيين والماليين والاقتصاديين والبيئيين والمحاسبين والمهندسين المختصين وغيرهم كثير، والمختصين في مجالات التصنيع المختلفة، والتأهيل والتدريب في اتجاهات العامة للتنمية في البلاد في مجالات الطرق والمطارات والموانئ والسياحة وغيرها، وتأهيل العمانيين للعمل فيها.
-
تقييم واقع العمالة الحالية، وخاصة العمالة الوافدة، وتشديد الرقابة على المنشآت والمواقع المختلفة التي تكثر فيها هذه العمالة، وخاصة في الزراعة وصيد الاسماك، فهناك الالآف من العمالة الوافدة الغير شرعية، وخاصة تلك التي تستنزف الثروة الزراعية والمائية والسمكية دون رقابة صارمة، وتخل بالاقتصاد الوطني لصالح العمالة الوافدة، مما يتطلب تضافر جميع المؤسسات المختصة والجهود، من اجل اخلاء البلاد من جميع العمالة غير الشرعية.
-
في حالة ضرورة والاحتياج للعمالة الوافدة في مجالات معينة من التنمية، فانه من الضروري التنويع في جنسيات العمالة التي تجلب من الخارج، دون التركيز على جنسيات معينة، وكذلك ضرورة التقليل من الجنسيات التي تكثر منها المخالفات القانونية والجرائم.
التعداد السكاني والعمالة الوافدة والوطنية، وزيادة وتيرة الوافدين والعمالة الوافدة، تحتاج إلى تقييم واقعي وفق المعطيات الحقيقية الجديدة، وخاصة تحليل تأثيرها على التركيبة السكانية والاقتصاد الوطني وفرص العمل للمواطنين، كما أن الاستمرار في اتباع نفس الآليات والقوانين والأساليب أو إهمالها، سيؤثر ولا ريب على مستقبل التركيبة السكانية للبلاد، كما أنه سيحرم العديد من المواطنين من حقهم الأصيل في العمل والإنتاج، مما يتطلب رؤية واضحة عملية، تؤدي الى نتائج ايجابية على ارض الواقع.