يصدر تقرير التنافسية العالمية سنوياً عن المنتدى الاقتصادي العالمي – وهو مؤسسة اقتصادية مستقلة – بهدف تحسين أوضاع الاقتصاد العالمي وتلبية متطلبات العولمة، وتكمن أهمية هذا التقرير في تقييم قدرة الدول على توفير مستويات عالية من الازدهار والرفاهية لمواطنيها من خلال تحديد نقاط القوة والتحديات التي تواجه اقتصاديات تلك الدول.
ويعرف المنتدى التنافسية بأنها “القدرة على توفير البيئة الملائمة لتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة“، ويتم قياس التنافسية للبلد من خلال ثلاثة أركان تتضمن (12) ركيزة رئيسية تتألف من (114) مؤشر فرعي.
ويكشف التقرير – هذا العام– عن أهمية الابتكار وقوة البيئات المؤسسية في تعزيز تنافسية الدول حيث ضم التقرير 148 دولة. ووفقاً للتقرير فقد احتلت السلطنة الـمركز الـ 33 في مؤشر التنافسية العالمية بتراجع مركز واحد عن العام الماضي، كما احتلت السلطنة المركز الرابع عربياً والرابع أيضا على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث سجلت المركز الـ13 عالمياً في مؤشر المتطلبات الأساسية والترتيب الـ39 عالمياً في كل من: مؤشر تعزيز الكفاءة ومؤشر الابتكار ، وهي الثلاث الأركان الرئيسية التي يعتمد عليها التقرير.
أما الركائز الإثنى عشر الرئيسية فقد جاءت نتائجها كالآتي:
1- الإطار المؤسسي (ترتيب السلطنة 13/148 دولة)
يعكس هذا المعيار الإطار القانوني والإداري لبيئة الأعمال في البلد عن طريق تقييم مدى تفاعل المؤسسات الحكومية وقطاع الأعمال والأفراد في تعزيز الرفاهية. يتألف هذا المعيار من (21) مؤشراً فرعياً سجلت السلطنة في (20) منها مراكز عالمية متقدمة جداً، أبرزها مؤشر غياب الجريمة المنظمة (الثالث عالمياً) ، ومؤشري التكلفة الناجمة عن الإرهاب، وتكلفة الجريمة والعنف على قطاع الأعمال (الرابع عالمياً في كلاً منهما) وتعتبر هذه المؤشرات من أهم نقاط القوة الداعمة للتنافسية العالمية وتدل على تمتع السلطنة بالأمان السياسي والاستقرار الاجتماعي. في المقابل سجلت السلطنة أدنى مركز لها في هذا المعيار في مؤشر قوة حماية المستثمرين (84 عالمياً) الذي تراجع أربع درجات عن العام الماضي في سلم التنافسية ، وهو ما يدل على أن القواعد والأنظمة المطبقة على حماية المستثمرين في السلطنة بحاجة إلى مراجعة ، الأمر الذي أكده أيضاً تقرير “ممارسة الأعمال” لعام2013 والصادر عن البنك الدولي حيث سجلت السلطنة الترتيب الـ(100) من أصل 185 دولة في مؤشر حماية المستثمرين.
2- البنية التحتية (ترتيب السلطنة 32/148 دولة)
يقيس هذا المعيار مدى جودة البنية التحتية (النقل والاتصالات)، ودورها في دعم تنافسية الاقتصاد . وينقسم إلى (9) مؤشرات فرعية.وسجلت السلطنة مراكز متقدمة في كل من مؤشر جودة الطرق (المركز الثالث عالمياً) وعدد المشتركين في الهاتف النقال (الثامن عالمياً) حيث بلغ معدل المشتركين في السلطنة (181.7) لكل مائة نسمة ، في المقابل سجل مؤشر عدد خطوط الهاتف الثابت أدنى مستوى في هذا المعيار (89 عالمياً) بمعدل (10.5) فقط لكل مائة نسمة.
3- بيئة الاقتصاد الكلي(ترتيب السلطنة 5/148 دولة)
يقيس هذا المعيار مدى الاستقرار الذي يتمتع به الاقتصاد الكلي للبلد وتأثير ذلك على أداء التنافسية ، ويتألف من (5) مؤشرات فرعية حققت السلطنة مراكز متقدمة في ثلاث منها: مؤشر الديّن العام (الخامس عالمياً) ، و(الثامن عالمياً) في كل من مؤشر الادخار العام ، وقلة العجز في الموازنة ، في المقابل فإن أدنى مؤشر تم تسجيله للسلطنة في هذا المعيار هو التضخم حيث سجلت السلطنة الترتيب الـ(46 عالميأً )متقدمة بـ (5) مراكز على سلم التنافسية في هذا المؤشر مقارنة بتقرير العام الماضي ، وبوجه عام يعتبر مستوى السلطنة في هذا المعيار متقدم جداً مقارنة بباقي المعايير الأساسية، إذ أن أفضل ترتيب للسلطنة عالمياً كان في هذا المعيار.
4– الصحة والتعليم الأساسي(ترتيب السلطنة 48/148 دولة)
يوضح هذا المعيار العلاقة الطردية التي تربط بين التنافسية ووفرة قوى عاملة صحية ومتعلمة ، والتي تساهم في رفاهية المجتمع وتقلل من تكاليف الانتاج. ويتألف هذا المعيار من (10) مؤشرات فرعية ، استطاعت السلطنة الحصول على المركز الأول عالمياً في مؤشرين اثنين هما مؤشر انتشار مرض الملاريا ومؤشر أثر مرض الملاريا على قطاع الأعمال، بالإضافة إلى حصولها على المركز الـ(11عالمياً) في مؤشر انتشار مرض نقص المناعة بمعدل (0.10%) من إجمالي السكان البالغين ، ويدل ذلك على أن الأمراض المذكورة لا تشكل تهديداً على قطاع الأعمال في الوقت الحالي ، أما الجانب التعليمي فجاء ترتيب السلطنة في المركز الـ(57) عالمياً في مؤشر التعليم الأساسي متقدمة بمركزين عن العام الماضي، أما أدنى النتائج فجاءت في مؤشر أثر فيروس ومرض نقص المناعة المكتسب على قطاع الأعمال حيث سجلت السلطنة المركز الـ(83عالمياً) وهو مؤشر يتنبأ بتأثير هذا الفيروس على قطاع الأعمال خلال الخمس سنوات القادمة ، كما رصد هذا المعيار مؤشر متوسط عمر الانسان الذي سجلت السلطنة فيه الترتيب الـ(80 عالمياً) حيث يبلغ متوسط عمر الإنسان العماني (73.1) سنة.
5) التعليم العالي والتدريب (ترتيب السلطنة 57/148 دولة)
تعكس هذه الركيزة قدرة الاقتصاد الوطني على خلق شريحة متعلمة ومدربة قادرة على التعامل مع معطيات اقتصاد المعرفة حيث احتلت السلطنة فيه الترتيب الـ(57) عالمياً ويتكون من (8) مؤشرات فرعية لم تسجل السلطنة أية مراكز متقدمة سوى في مؤشر المقيدين في التعليم الثانوي حيث حلّت في المرتبة الـ(22 عالمياً) في المقابل سجلت أسوأ نتائج هذا المعيار في مؤشرات جودة كليات الادارة (الترتيب 88 عالمياً) وجودة تعليم الرياضيات والعلوم (الترتيب 87 عالمياً) وهي أرقام تدل على أن منظومة التعليم والتدريب الموجودة بالسلطنة ليست بالمستوى المطلوب ، الأمر الذي عززته نتائج الاختبارات الدولية لمادتي الرياضيات والعلوم ((TIMSS* والتي شارك فيها طلبة السلطنة في عام 2011م حيث حصلت السلطنة على المركز ال(41) من أصل 42 دولة في مادة الرياضيات ، والـ (36) في مادة العلوم.
6) كفاءة أسواق السلع (ترتيب السلطنة 18/148 دولة)
يقيس هذا المعيار درجة المنافسة في الأسواق المحلية والعالمية، من خلال رصد القيود التي تضعها الحكومات، ومدى المرونة في اجراءات تأسيس الأعمال ، ويتألف هذا المعيار من (16) مؤشرا فرعيا ، حققت السلطنة مراكز متقدمة في نصفها ، أبرزها مؤشر تكاليف السياسات الزراعية ، ومؤشر تأثير النظام الضريبي على الاستثمار ، حيث أحرزت المركز الثالث والسادس عالمياً على التوالي في كلا المؤشرين ، أما أدنى النتائج فجاءت في مؤشري نسبة الاستيراد من الناتج المحلي (الترتيب 76 عالمياً) وانتشار الملكية الأجنبية (المركز 63 عالمياً).
7) كفاءة أسواق العمل (ترتيب السلطنة 28/148 دولة)
يسلط هذا المعيار الضوء على درجة مرونة تشريعات العمل ومدى ضمانها لحقوق أطراف الانتاج ، وعلاقة الأجور بالإنتاجية. وقد حققت السلطنة مراكز متقدمة في (7) من أصل (10) مؤشرات فرعية يتكون منها هذا المعيار ، منها مؤشر تأثير الضرائب على سوق العمل (السادس عالمياً) ، وفي المقابل يبدو أن السلطنة لم تحرز أي تقدم في مؤشر مشاركة المرأة في القوى العاملة إذ سجلت الترتيب (139) عالميا متراجعة بـ (4 مراكز) على سلم التنافسية مقارنة بالعام الماضي.
8) تطور أسواق المال (ترتيب السلطنة 21/148 دولة)
يعكس هذا المعيار مدى كفاءة النظام المالي وفاعلية كفاءة التشريعات التي تنظم تبادل الأوراق المالية وأثر ذلك كله على التنافسية ، ويتكون من (8) مؤشرات فرعية ، وقد حصلت السلطنة على المركز(السادس عالمياً) في مؤشر سهولة الحصول على قروض ، والمركز (العاشر عالمياً) في مؤشر تحويل الأموال العامة، وكان أدنى مركز للسلطنة في هذا المعيار في مؤشر الحقوق القانونية الذي احتلت فيه السلطنة الترتيب (101 عالمياً) بتراجع مركزين عن العام الماضي، وهو ما يدل على وجود خلل ما في تشريعات المال مقارنة بباقي دول العالم.
9) الجاهزية التكنولوجية (ترتيب السلطنة 56/148 دولة)
يقيس هذا المعيار قدرة الدولة على تحقيق مستويات مرتفعة من الانتاجية والنمو الاقتصادي بالاعتماد على التكنولوجيا التي تملكها والسرعة في الاستفادة من التطورات التكنولوجية الجديدة. ويتكون هذا المعيار من (7) مؤشرات فرعية جاء أفضلها في مؤشر عدد المشتركين في خدمة الانترنت المتنقل ذي النطاق العريض (22) عالمياً بمعدل (56.7) لكل 100 نسمة في المقابل جاء ترتيب السلطنة الـ (95 عالمياً) في مؤشر عدد المشتركين في خدمة الانترنت الثابت ذي النطاق العريض بمعدل 2.5 فقط لكل 100 نسمة.
10) حجم السوق(ترتيب السلطنة 73/148 دولة)
يقيس هذا المؤشر قدرة الاقتصاد على تصريف المنتجات في كلا من السوق المحلي والعالمي ، ويعتمد على أربعة مؤشرات فرعية جاء أبرزها في مؤشر نسبة الصادرات من الناتج المحلي؛ حيث حلت السلطنة في الترتيب الـ (24 عالمياً)، أما مؤشر حجم السوق المحلي فقد سجلت السلطنة فيه أدنى ترتيب في هذا المعيار (78) عالمياً. الجدير بالذكر أن حجم السوق المحلي يرتبط بعلاقة طردية مع الانتاجية فكلما زاد حجم السوق المحلي أتاح ذلك انتاجية عالية وتكاليف تشغيلية أقل للمؤسسات.
11) تطور بيئة الأعمال (ترتيب السلطنة 32/148 دولة)
يظهر هذا المعيار العلاقة بين الانتاج والتوزيع المحلي والعالمي لقطاع الأعمال. وقد سجلت السلطنة في هذا المعيار تقدماً في مؤشر السيطرة بالتوزيع العالمي وجاء ترتيبها العاشر على سلم العالمية وهو مركز متقدم جداً يدل على قدرة المؤسسات المحلية على توزيع منتجاتها في الأسواق الخارجية. و في المقابل سُجل أدنى مركز للسلطنة في هذا المعيار لمؤشر حجم التسويق في بيئة الأعمال، حيث جاء ترتيبها الـ(57 عالمياً) ، وهو ما يدل على أن المؤسسات بحاجة إلى استخدام أدوات تسويقية أكثر تطوراً لمواكبة بيئة الأعمال الحالية.
12) الابتكار (ترتيب السلطنة 45/148 دولة)
يقيس هذا المعيار قدرة المجتمع على الابتكار ومدى الاهتمام التي توليه الحكومات في الانفاق على هذا الجانب ، ولم تسجل السلطنة أية نتائج متقدمة في المؤشرات الفرعية السبعة لهذا المعيار سوى في مؤشر المشتريات الحكومية من المنتجات التكنولوجية المتطورة الذي احتلت فيه الترتيب الـ(12) عالمياً، بينما سجلت المركز الـ (72) في مؤشر توافر العلماء والمهندسين والمركز الـ (71) في جودة مؤسسات البحث العلمي ، الأمر الذي يستوجب اهتمام أكبر بالموارد البشرية وبتوفير بيئة داعمة للابتكار ، بهدف خلق انتاجية مستدامة تتميز بالجودة والكفاءة. الجدير بالذكر أن السلطنة احتلت المركز الـ (80) من أصل 142 دولة في مؤشر الابتكار العالمي حسب تقرير المنظمة العالمية للحقوق الفكرية WIPO)) لعام 2013م.
كما حدد تقرير التنافسية العالمية أبرز العوائق أمام تأسيس الأعمال في السلطنة وهي : قيود تشريعات العمل ، وضعف تأهيل القوى العاملة ، ومدى الالتزام بأخلاقيات العمل ، وزيادة البيروقراطية الحكومية. حيث شكلت العوائق السابقة ما نسبته (74.7%) من إجمالي العوائق الـ(16) التي ذكرها التقرير ، وهو مايدل على أن قطاع الأعمال ينظر في المقام الأول إلى عامل التنظيم والإدارة والقوى العاملة، وليس إلى العوامل الاقتصادية والسياسية.
وخلاصة القول ، إن ما جاء في تقرير التنافسية العالمية يعتبر مسألة موضوعية بما أحرزه الاقتصاد المحلي من تطورات وإخفاقات خلال عام على الرغم من أن أي تقدم أو تراجع لترتيب السلطنة في المؤشر هو مسألة نسبية مرتبطة إلى حد ما بتقدم وتراجع غيرها من الدول ، وبالتالي لا مانع من معرفة موقع السلطنة التنافسي بشكل سنوي بين دول العالم ، وتحليل لماذا تقدمنا في بعض المؤشرات ولماذا تراجعنا في أخرى ؟ واعتبار المراتب المتقدمة التي تحتلها السلطنة من بين (148) دولة نقاط قوة يمكن الاستفادة منها وتعزيزها في التنافسية ، في حين يمكن اعتبار المراكز التي تراجعت فيها السلطنة على أنها تحديات يجب دراستها ومعالجتها لتحسين موقعها التنافسي بين دول العالم في الأعوام القادمة.