أحد علامات الفساد في الحكومات عادة ما تكون في اختراق “مسؤولي” أيّ حكومة لعدد من الأنظمة والقوانين، أو توظيفها لمصلحتهم ، بغيّة تحقيقهم غايات ومصالح اقتصادية أو مناصب سياسية. وعادة ما يتبع هؤلاء المسؤولين العديد من العناوين البرّاقة مثل: لأجلك يا وطني، فلنكدح من أجل الوطن..إلخ، والتي لا يُراد منها إلا الوصول السريع للمنصب السياسي، أو تحقيق الربح السريع للمصلحة الاقتصادية!!
وهكذا تنشأ طبقة فاسدة ، يشترك فيها الكبير بمعرفته عن الوضع وعدم إصلاحه الخلل، ويشترك فيها الصغير بالسكوت عن الخلل بغية نيل احدى المصلحتين السياسية أو الاقتصادية!. لكن، أن يتم اختراق القوانين والأنظمة من المؤسسات الأمنية، فهذا لا يدل على الفساد وحسب، بل مرحلة ما بعد الفساد، وهو دليل كذلك على ترهل “النظام” المسيّر لأمور البلاد، ما يعني دخول الدولة نفق خطير عاجلا أم آجلا سيقضي على كافة الثوابت والأسس التي تم إنشائها.
في قضيّة لوى ، وللحديث عن أحد المؤشرات التي تدل وللأسف على ارتفاع “يد الأمن” ليس فقط في تنظيم أمور البلاد، بل وفي التستر على “مجرمي” الدولة ، ومحاولة تمييع أيّ قضية شعبية،بحجة الإخلال بالنظام العام، أو النيل من مكانة الدولة.
لوى ، أو غضفان هي قضية معروفة الأبعاد، وأسبابها واضحة. مجموعة من المواطنين، تنبعث عليهم كمية من الغازات السامّة من منشأة صناعية،وعدد من المصانع المحيطة بها كذلك مما تسبب في إصابة العديد منهم بأمراض مزمنة، واختناق في التنفس ومشاكل في الرئة..إلخ. على إثرذلك، ظهرت عدد من المحاولات الخجولة، بدأتها الناشطة حبيبة الهنائية عبر سلسلتها البحثية الميدانية “أنين الجدران”، وطرحت قضية “غضفان” ومدى معاناة أهاليها من منشأة صحار والمصانع المحيطة بها، وكذلك تناول برنامج إذاعي للإعلامية والكاتبة باسمة الراجحي، بعنوان “لا تقلب الصفحة” القضية نفسها، حيث تم استضافة المحامي “عبد الخالق المعمري” الذي تحدث باستفاضة عن القضية والمعاناة التي يعيشها أهالي لوى.
ومع احتجاجات ومظاهرات صحار (فبراير 2011)، كانت القضية مطلبا أساسيا في الاعتصامات، حيث طالب المواطنون بضرورة إيجاد الحلول الناجعة التي تنهي معاناة أهالي لوى ، و انقضت المظاهرات ولم تنتهي مشكلة أهالي لوى. ومع وصول طالب المعمري – أحد المواطنين الذين كانوا ضمن مظاهرات صحار 2011- إلى مجلس الشورى بعد اختيار أبناء الولاية له لتمثيلهم، استمرّ طرح القضية ومعاناة أهالي لوى حتى صدر في إبريل/نيسان أو مايو/آيار 2012 توجيهات من السلطان، بوضع جدول زمني لنقل المتضررين و تعويضهم. ومر العام ومرّت بعده شهور والقضية في محلها. إذ لم يتم نقل المتضررين ولا تعويضهم، ولم يتم تشكيل لجنة من الدولة لمتابعة توجيهات السلطان التي صدرت!!.
التطوّر اللافت في الأمر كذلك، ليس في خذلان الدولة والمسؤولين لأهالي لوى ، بل إلى تتبع كل منتقد لتأخر الإجراءات،و اعتقاله من أي وقفة احتجاجية!!. هذا التطوّر الذي توجّته السلطات الأمنية باعتقال عضو الشورى طالب المعمري، وعضو المجلس البلدي صقر البلوشي وثمانية آخرون، ومن ثم اختطاف ناشط مواقع التواصل الاجتماعي نوح السعدي والمعروف بــ “المهيب السعدي” الذي تم اعتقاله من أمام بقالة.
هذا السيناريو الأمني المخيف الذي تتبعه السلطات الأمنية مع المواطنين في هذه القضية خاصة، يثير العديد من الأسئلة حول:
بأوامر من تمّ بناء المنشأة والمصانع المحيطة بها؟
هل تم دراسة موقع المنشأة قبل بنائها فعلا؟
هل الاستثمار والاقتصاد أهم من المواطن؟
ولعل المتتبع للعديد من القضايا والتي كان أشهرها قضية “شركة باسيفيك للغاز والكهرباء ” والمعركة القضائية التي دخل فيها أهالي منطقة هينكلي, كاليفورنيا مع الشركة، والتي خرجوا منها بتعويضات مليونية مهيبة عالية،ضمنت لهم علاجا طبيا عاليا مع انتقال مريح وآمن. والفكرة مع الطرح إيّاه هو إثبات وجود الخطأ فعلا مع الاعتراف به وإدانة الطرف المتسبب به، وهو مالم يحدث معنا!.
السلطات الأمنية وأخرى قضائية تشنّ حربا على كل من يطالب بإنهاء معاناة الأهالي.. من أجل من؟؟؟ ولمصلحة من؟؟؟ ومن هو الطرف المسؤول في الدولة الذي تحاول جميع هذه الجهات المداراة عنه وحمايته؟.
حركة التشويه المتعمدة في حق “طالب المعمري” والآخرين، وتصويرهم على أنهم أصحاب مصالح خاصة، وينفذون أجندة خارجية أيا كان مصدره يعد سيناريوها قذرا أيضا ، خاصة وأن الموضوع متعلق بصحة مواطنين وحياتهم ومستقبل أبناءهم!!!. ولعل أكثر الأدلة ثبوتا على سقوط كافة الادعاءات المتبعة في تشويه سمعة طالب المعمري وصقر البلوشي والآخرين، هي التهم التي تم توجيهها إليهم عبر أولى جلسات المحاكمة والتي تمثلت في:التجمهر والتحريض على التجمهر والنيل من مكانة الدولة!.
رغم تذكيرنا الدائم بمواد النظام الأساسي للدولة التي عادة ما يتم اختراقها، إلا أنني هنا سأتجاهل ذكرها تماما. وأعتقد في الوقت نفسه أنه آن الأوان لفضح الذين تسببوا في المتاجرة بصحة المواطن العماني، والذين أهدروا ثروات البلاد كذلك، من أجل زيادة أرصدتهم البنكية أو الوصول لمناصب سياسية.