يديرون ظهورهم لعشرات المعاملات اليومية والمهام التي تقتضيها أهداف العمل ومصلحته .. يؤجلون معاملتك لأشهر أو سنوات .. يعيقون وصول رسالتك لاعتمادها.. يكدسون مصالحك ومصالح غيرك في أدراجهم، حتى اذا ما فاضت الأدراج؛ حملوا ما تريد من مصالح بين أيديهم واحدة تلو الأخرى وباشروا في تنفيذها على مهل. يغادرون مكاتبهم؛ فيضعون سماعة الهاتف معلقة حتى تشعر عزيزي المواطن أنهم متواجدون خلف مكاتبهم، ويتم ايهامك بأنهم يتحدثون لساعات لخدمة مواطنين آخرين، وهو ما يفسر انشغال خط هواتفهم. يفضلون أن تمنحهم خدمة أو مبلغ أو مصلحة؛ لكي تتمكن معاملاتك من العبور من بوابة قوانين الدولة، وتجد طريقها نحو الواقع بنجاح. إنني أتحدث عن الموظفين الخاملين في دوائرنا الحكومية والقابعين تحت أعمال يفترض أنها خدمية؛ لكن نشاطهم فيها لا يتعدى كونه خلية نائمة. ولتسمح لي بوصفهم بالخلية، وليس في ذلك إشارة على إتحادهم أو انسجامهم ضمن آلية عمل واحدة بل على اتفاقهم الكامل على تنفيذ ما أخبرتك به سلفا.
كان يوما صادما لإحدى الزميلات في بداية أول يوم عمل بعد تخرجها من الجامعة عندما أسمعها مديرها في العمل بضع كلمات معتادة لكل موظف جديد يعمل تحت إدارته ” أختي فاطمة .. عليك أن تفهمي أن هذه الوزارة لا تعطيك سوى الهم والغم والنكد.. تحصلين فيها على راتبك ولا شي أكثر. ولفرط الظلم وانعدام الانصاف ترين من لا يعمل ولا يقدم أدنى جهد متعليا المناصب ومحافظا على مكانته .. فافعلي ما أخبرك إياه .. اجعلي معاملة اليوم تنتهي بعد أسبوع أو ربما شهر .. ليس مهما ! . يوم الخميس هو يوم راحة فلا تنفذي فيه عملا . التزمي بالجلوس خلف مكتبك والدوام حسب ساعات الدوام ولكن لا تجهدي نفسك بشي .. فليس هناك ما يستحق العناء لأجله .. أنت تعملين لصالح الحكومة، لكن الحكومة لا تعمل لصالحك!”.
في الواقع لا يمكننا لوم مثل هؤلاء الموظفين على حنقهم على الأداء الحكومي أو سياسات الوزارات، وما يقع خلفها من إنعدام للمساءلة والمحاسبة أو ضعف الرغبة في تطوير بيئات العمل؛ فالحكومة ترى نفسها على أنها “مترهلة” على لسان أحد أكبر قياداتها ” معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية “. والأخير وصف الحكومات العربية في تصريح حديث ” بأنها لا تستجيب لمطالب شعوبها”. وتأتيك تقارير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة لتعطي أرقاما فاضحة لمستوى أداء بعض وحدات الجهاز الإداري للدولة، ولحالات فساد طالت موظفين ومسؤولين وأصحاب قرار.
لا يبدو أن هناك أحد مخطئ في توصيف ما يحدث وما سيحدث من تبعات .. فنحن نعايش حالة من عدم الرضا والقبول اتجاه ما يطبق من سياسات وما يفرض من قوانين ومن ردات فعل يومية.
ولهذا بدأ عدد من المعلمين من مختلف مدارس السلطنة اضرابا عن العمل يستمر لمدة 3 أيام ثم يعاود مرة أخرى في حال عدم تنفيذ مطالبهم. الإضراب أثار غضب كثيرين وتهكم البعض. وقد يبدو غضب الكثيرين متفهما نظرا لما يشكله الإضراب في المؤسسات الحكومية التعليمية من حساسية؛ لكونه يمس جهات تربوية خدمية؛ ومستقبل أطفال وأجيال ينبغي أن تحصل على جرعتها اليومية من العلم والتعلم. ولكن ألا يبدو للجميع أن المعلم بات صريحا أكثر في مواجهة الحكومة بأخطائها، والبحث عن حلول عاجلة وسريعة مقارنة بالـ موظف الخامل الذي أشرت إليه سلفا؟ ألا يبدو المعلم أكثر رغبة في تطوير عمله بمطالبه القوية والقاسية، وإصراره على حتميتها وآنيتها من ذلك القابع خلف مكتبه والمتعذر بفشل وزارته لسنوات والمؤجل لمصلحتك ومصالحك الآخرين؟.
يبدو أن كلا الطرفّين أصبحا متضرريّن من تبعات الحكومة “المترهلة”، لكن يبدو أن كل طرف قد اختار طريقته في التعبير، وآليته لحل أزمته، وفي ذلك إيمان متفاوت وقناعة ذاتية من المؤكد أنها “متباينة” بأهمية العمل وعدم الرغبة في تعطيل حاجات البشر انجرافا خلف سياسات وزارية متخبطة. فالطرف الأول الذي اختار العصيان والتمرد بصمت، قد انكشف في تقارير الدولة التي ما توقفت عن تلميع صورتها يوما بعد يوم، وفي رسالة مواطن غاضب أو آخر متضرر من تعطيل معاملته لسنوات، ومواطنة أخرى محبطة تكشف عن معاناتها مع أمثال هؤلاء الخاملين عبر شبكات تفاعلية افتراضية. بينما بدا الآخر واضحا وصريحا واختار التمرد بشكله العلني، مضربا حتى تتحقق مطالبه؛ فنراه مستخدما جميع الوسائل الاتصالية لإيصال صوته إلى اجنب ايقافه لنشاط عمله؛ ولهذا يبدو الإضراب في صورته الحاليه وتبعاته حاملا لضرر آني وواسع وقوي الصدى بينما يبدو أثر الموظف الخامل مستمرا ومقيدا وسط مكاتب مجهولة ولكنه شديد الأذى ..فأيهما يحلو لك عزيزي المسؤول – صاحب القرار- : موظف مضرب أم موظف خامل؟.