منذ أول اعلان عالمي لحقوق الانسان في 10 ديسمبر 1948م، نالت المرأة كأكثر العناصر المجتمعية اهتماما اعلاميا وحقوقيا واسع الصدى، واستمرت المناداة بحقوقها والتمييز بين حقها مع الرجل كأحد اهتمامات الجمعيات النسوية ومنظمات حقوق الانسان في شتى دول العالم. وفي العالم العربي، يبرز حق المرآة كأحد أهم أولويات مناقشات جمعيات ووكالات حقوق الانسان الدولية؛ إذ تتطرق هذه الجمعيات والمنظمات سنويا في تقاريرها إلى حجم الانتهاكات الجسدية والجنسية في العالم العربي، ومستويات الفقر والتعليم، وأشكال حريات المعتقد والتصرف والاختيار الذي تعاني منه المرأة العربية.
وعلى الرغم من بحثي المستمر عن مصطلح “حقوق الرجل” أو “حماية الرجل من الانتهاكات” يتسلل إلى البحث الالاف التقارير التي تنذر بحجم الانتهاكات المستمرة في حق المرأة وحق الطفل. فمن أين أتت هذه الانتهاكات لعالمنا العربي؟. هل تم استيرادها من الغرب أم أن الرجل هو المتسبب بالوضع المزري الذي تعاني منه المرأة العربية؟. ماذا عن حق العمال وحق الأقليات؟. ماذا عن حقوق أخرى مرتبطة بالمشاركة السياسية والتعبير عن الرأي؟. ماذا عن حق المواطن في العيش بكرامة وبحرية الاعتقاد والتصرف واختيار المصير والمستقبل؟ أليست جميعا حقوق تكفل للشعوب العربية العيش باستقرار وأمان؟ وهنا لنا أن نفكر في ما إذا كانت الحقوق التي نطالب بأن تكفلها القوانين لصالح المرأة هي أصلا قد تحققت لدى الرجل في الوضع الذي تعاني منه البلدان العربية من أنظمة ديكتاتورية يُستهدف فيها منع أشكال متعددة من الحريات.
إن المناداة الحقيقية بحقوق المرآة ينبغي أن لا تنفصل حتما عن المطالبة بحق الانسان العربي أولا، لاسيما حقه في التقسيم العادل لثروات البلاد وتحقيق الامن والاستقرار لنفسه، والمساهمة بفاعلية في اتخاذ القرار والمشاركة السياسية . إنني أبرز تلك الحقوق كأولويات ستستطيع المرأة أن تجد من خلالها حقها وسط عناصر مجتمعية أخرى قد تم انتهاك حقوقها فيها منها مثلا وليس على سبيل الحصر: حق الأطفال وحق الأقليات وحق العمال وحق الأجناس الوافدة.
إن الاستمرار في الفصل بين حق المرأة وباقي حقوق الانسان العربي هو استنزاف للوقت، وتضييع لرؤيتنا الحقيقية للأزمة المتشكلة في المنطقة، وانحيازا منا لفئة مجتمعية دون باقي الفئات التي قد تكون أكثر ضحية للانتهاك وتغييب الحقوق. ففي الوقت الذي تتباين فيه أوضاع المرأة بين الدول العربية تبرز المشكلات الحقيقية المرتبطة بالتعليم والظروف المعيشية، وحق الاختيار وحرية الحصول على الجنسية كمشكلات متكررة بين عدد كبير من هذه الدول.
وفي هذا السياق لابد أن أذكر تجربة السلطنة في ما يتعلق بحقوق المرآة فالمعروف عربيا عن سلطنة عمان كأحد الدول التي تمنح قدرا من الحريات للمرأة منها الحريات المرتبطة بالمشاركة في المؤسسات البرلمانية – مجلسي الشورى والدولة والمجالس البلدية – وحقها في التعليم لكنها تتجاهل قوانين أخرى إما نتيجة لضعف الارادة السياسية في التغيير أو لتقليص حجم المشاركة السياسية ومن هذه القوانين قانون إلزامية التعليم وفرضه كقرار سيادي حكومي ومجتمعي مشترك فمن الممكن أن يقوم أحد الوالدين بحرمان ابنته من اكمال تعليمها لأسباب اجتماعية او دينية كما تظهر مشكلات الجنسية لأبناء المرآة كأحد مشكلات الحريات التي تتأثر بها المرأة وأطفالها في السلطنة ولنا أن نتذكر الحملة التي أطلقتها الناشطة على شبكات التواصل الاجتماعي – حبيبة الهنائي – والتي عنونتها ب” جنسيتي حق لأبنائي” حيث نادت من خلالها بحق المرآة العمانية في منح الجنسية العمانية لأطفالها. وفي اليمن مثلا تظهر مشكلات تعليم المرأة كواحدة من أبرز المشكلات ويتشارك معها في ذلك الأطفال الذين يتأثرون بصورة كبيرة جدا من ضعف الارادة السياسية واتجاهها نحو التغيير الفعلي في المجتمع.
وفي هذا المناخ السياسي المضطرب عموما في الوطن العربي، لابد من التأكيد حتما على أهمية حق الانسان أولا في سبيل ضمان كافة الافراد في المجتمع على حقوقهم، ويبدأ هذا الحق من أهمية فتح مساحات التعبير عن الرأي ومشاركة الافراد سياسيا وتنشيط دور مؤسسات المجتمع المدني ومنع الانتهاكات المستمرة اتجاه المدافعين عن كافة الحقوق الاجتماعية والسياسية، وتشكيل ثقافة الاهتمام بحقوق الانسان وتدريسها لدى الأطفال في مؤسسات التعليم المختلفة لضمان انتشارها كثقافة مجتمعية بفعل ارادة سياسية واضحة المعالم.