أعلن الشهر الماضي ختام معرض مسقط الدولي للكتاب مودعا آخر لقاء سيجمع المواطن بـ الكتاب في الوقت الذي تندر فيه المكتبات الاهلية ويندر الحديث عن استراتيجية وطنية لجعل المكتبة مشروعا تزخر به كل المحافظات بالسلطنة.وخلال الفترة القصيرة للمعرض برزت الاراء والمطالبات بالاهتمام بالمكتبات الوطنية و المكتبات العامة. عدد من الباحثين وأصحاب مشاريع ثقافية مختلفة شاركوا في هذا التقرير الذي يقترب عن كثب على حاجة السلطنة الملحة للعمل على استراتيجية تأسيس مصدر ثابت لنشر الكتاب بالسلطنة وذلك عبر المكتبات الوطنية ذات البعد التاريخي والحضاري والفكري المعبر عن ثقافة الدول ومستوى انجازها العلمي والإنساني أو المكتبات الوطنية التي يشاع انتشارها عالميا وسط الاحياء والمناطق السكنية وتشكل جسرا وثيقا يربطها بعامة الناس.
علاقة المواطن بالكتاب ليست موسمية !
يرى الباحث والكاتب عبد الرزاق الربيعي – كاتب عراقي مقيم بالسلطنة – أن المكتبات الوطنية تُبرز المجتمع، وتساهم في بناء وعيه وثقافته، وهي تشجع الناس على القراءة، حيث يصبح منتجا متوفرا في أيدي العامة، وبذلك لا يمكن فصل علاقة المواطن بالكتاب الذي يصله في مواسم معينة كمعرض الكتاب السنوي.
ولأجل تأسيس مكتبات وطنية ناجحة؛ يرى الربيعي أنه لابد من الاعتماد على متخصصين في علم وإدارة المكتبات ومجالات الأرشفة الإلكترونية، وتشكيل لجان متخصصة في الشراء وتزويد الكتب وربط المكتبات الكترونيا بتلك الشهيرة دوليا، وتوفير الخدمات الالكترونية المرافقة. وينظر الربيعي إلى تطوير دور التوزيع المحلية كطريقة أمثل لتسويق الكتاب في السلطنة مع ضمان تنظيم اللقاءات والندوات التي تهتم بالكاتب وإصداراته قبل الطرح في الأسواق.
ويرى بدر الراشدي – مدير تحرير مجلة متخصصة بالتعليم- أنه مع تزايد الوعي بأهمية القراءة ينبغي أن يتجه الفكر نحو تأسيس مكتبات عامة وأخرى وطنية. ويرى الراشدي أن هناك تقصيرا واضحا من جانب المؤسسات الحكومية والجمعيات الاهلية على حد سواء، حيث يعتبر أن المسؤولية مشتركة بين كافة الأطراف؛ لتشجيع الاهتمام بالقراءة.
الراشدي: واقع بعض المبادرات الثقافية استعراضي وبلا فائدة.
ويرى الراشدي أن العمل المؤسسي والمنظم تحت مظلة واحدة بعيدة عن العشوائية هو ما قد يضمن نجاح أي مشروع بالسلطنة. وينظر الراشدي إلى المكتبات كمشاريع ينبغي أن تصل إلى القراء العاديين والبسطاء أينما كانوا، وهو الدور الذي يمكن أن تقوم به المجموعات الثقافية والمبادرات المجتمعية؛ إذ اتهم بعض المبادرات الثقافية والقرائية بأنها مبادرات استعراضية وتفتقر إلى المضمون. و يقول: ما أنتقده كثيرا في بعض المبادرات أنها “استعراضية” بدون رصد حقيقي لمن يقرأ، وإن كانت هناك فائدة من هذه المبادرات؛ فوضع كتب في مقهى راقي لا يرتاده إلا النخبة لا يعني أنك قدمت شيئا واقعيا بقدر ما هو استعراض اعلامي في الغالب. هذه المقاهي لا يرتادها عامة الناس والبسطاء المتطلعين للثقافة والتواقين للكتاب، من يرتادون هذه المقاهي حتما قادرين أن يقتنوا الكتب بأنفسهم بدون أن توصلها إليهم. عندما تريد أن تقدم شيئا حقيقيا عليك أن تصل للناس حيثما كانوا.. في قراهم و في منازلهم، وفي الأماكن العامة التي يرتادونها.
بينما يرى موسى البلوشي – باحث في قضايا التعليم الإلكتروني – أنه عند الحديث عن دعم المؤسسات الحكومية للقراءة والثقافة في المجتمع؛ فإن هناك أزمة تحديد أولويات حيث تتذيل هذه الاهتمامات مشاريع المؤسسات، ولا تحصل إلا على القدر اليسير من ميزانيتها.
موسى البلوشي : لابد من توظيف الشبكات الاجتماعية في تسويق القراءة والكتاب العماني
ويشير البلوشي إلى أهمية الاهتمام بالإصدارات العمانية، وتقديمها بشكل جاذب للقراء، وتسويقها في المدارس وعبر وسائل الإعلام مع ضرورة أن يشارك هذا الاهتمام تطوير في الاستناد إلى المراجع المترجمة، وتركيز على الجانب البصري والتقني، لاسيما المرتبط بخدمات البحث والاستعارات والتعريف بالمكتبات ومحتوياتها. ويبرز البلوشي أهم الجهات التي يمكن أن تنظم عمل هذه المكتبات : يمكن أن تكون هذه المشاريع ضمن اهتمامات وزارة التراث والثقافة، والمنتدى الأدبي، والنادي الثقافي، واللجنة الوطنية للشباب، والجمعية العمانية للأدباء والكتّاب، وهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، كما يمكن أن يهتم بها الأدباء والكتاب والمترجمين والباحثين.
حيث يقول : محبي القراءة والشغوفين بها ينبغي أن يتم الاهتمام بهم، وجمعهم عبر المنصات التفاعلية المختلفة كما ينبغي تنظيم الجلسات القرائية المختلفة؛ للتعريف بالكاتب العماني والإصدارات. لابد من الاستثمار على المدى البعيد، والانفتاح على العالم عبر المشاركة في التظاهرات الثقافية، وتنظيم المعارض المختلفة.
الحاجة للمكتبات هي كالحاجة للمستشفيات
وتنظر نصراء المعمرية – باحثة تربوية – إلى أن الحاجة للمكتبات العامة هي كالحاجة للمستشفيات والمدارس؛ لدورها الكبير في خلق الوعي المبدع والحر. وتقول : أرجو أن تكون التصورات المستقبلية لمراكز ثقافية متكاملة تضم مكتبات ومسرح وقاعات للمحاضرات والموسيقى والفنون.
وترى المعمرية أن المكتبات كمشروع مجتمعي يساهم فيه القطاع الخاص جنبا إلى جنب مع الحكومة، كما ترجو أن يتواجد الكتاب في كل مكان حتى الأماكن العامة مما يحفز ذاتيا على القراءة. وترى فاطمة اللواتي – كاتبة ومتطوعة في مبادرات قرائية – أن الحاجة ملحة للمكتبات العامة؛ نظرا لاتساع المسافة بين المناطق في السلطنة، وضيق الفترة التي يقام فيها المعرض السنوي للكتاب، والتكلفة الاقتصادية المترتبة على شراء عدد كبير من الكتب خلال مدة زمنية قصيرة. وترى فاطمة أن هناك انتعاشا نسبيا للحراك الثقافي بالسلطنة، لاسيما مع وجود دعم حكومي جيد للمسابقات الثقافية وبعض الاصدارات العمانية؛ لكنها ليست خطوة كافية ما لم تكّمل بالاهتمام الاعلامي الواسع، والذي يصل لأكبر شريحة من المجتمع. وتنظر فاطمة لمشروع المكتبة المتنقلة كفكرة بإمكانها أن تمول من أصحاب المبادرات، وتحمل تأثيرا كبيرا لدى العامة بدون أقل جهد، تزامنا مع تغطية اعلامية فعالة لاسيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وحول أهم التحديات التي يمكن أن تواجه مشروع المكتبات العامة، يرى موسى البلوشي أن حميمية الورق ساهمت في إطالة زمن الكتاب الورقي، وتعلق الناس به؛ ولكن وجود التقنيات الجديدة وانتشار الهواتف الذكية سوف ينقص هذا الشعور حتى يختفي عبر فترات طويلة من الزمن. ويرى البلوشي أن الدعم المادي للمشاريع القائمة على الكتب لا يزال يشكل تحديا خلال هذه الفترة، ومن الامثلة الجيدة على المكتبات التي تحتاج للتوسع والدعم المالي: مكتبة الندوة العامة في ولاية بهلاء. بينما يرى عبد الرزاق الربيعي أن تكاليف الإنشاء والبنى التحتية وتأهيل الكادر البشري على التعاطي مع المكتبات، يشكل تحديا يمكن أن يواجه انشاء مثل هذا المشروع على مستوى السلطنة.
متابعة: سمية اليعقوبية