“عدم الاكتراث نصف الموت.” جبران خليل جبران ، في قصة للأطفال بعنوان “زياد في جبل النورس” تأليف ينز آلبوم نشرتها دار المنى مترجمة عن الأدب السويدي كانت مأساة الطفل زياد أنه ولد بلا أجنحة في عالم كل من يعيش فيه يمتلك جناحين للطيران، فالمباني في جبل النورس على قمم الجبال، ولا تربط بينها طرقات أو جسور، لأن كل من هناك يمكنه الطيران ما عدا زياد..!! عرف زياد أنه مختلف حين بلغ سن المدرسة فوجد نفسه عاجزا عن الوصول للمدرسة كما يفعل أقرانه. وعندما سأل زياد رجلا عجوزا -يعاني من نفس مشكلته-لقيه في الطريق وهو يحاول الوصول إلى المدرسة على قدميه فقط متجاوزا “إعاقته” لماذا لا يتم بناء الطرق والجسور للمرور بين هذه القمم الشاهقة؟ قال له: “لأن الذين يقررون هذه الأمور لا يتفهمون حال الذين لا يستطيعون الطيران من أمثالنا”
جاء صدور المرسوم السلطاني رقم ١٢ /٢٠١٤ بقانون حقوق الطفل استكمالا للمنظومة القانونية للدولة، واستجابة لاحتياجات فئة بالغة الحساسية من أبناء الوطن بل هم الوطن كله مستقبلا، فئة يمكن أن ينطبق عليها وضع زياد في القصة، لم تمتلك اجنحة تمكنها من الطيران بعد. واحتياجاتهم لا يتم تفهمها –عادة- من قبل من هم في موضع المسئولية.
عايشت بحكم العلاقات الاجتماعية وطبيعة العمل حالات لأطفال تنتهك حقوقهم إما بالاعتداءات الجسدية أو الحرمان من التعليم، من تلك الحالات حالة أطفال في أسرة الأب فيها مدمن ومفلس، والأم مختلة عقليا، يحضر الأب رفاقه من المدمنين إلى منزل الأسرة لتعاطي الخمر والاعتداء على الأطفال الذين يسمع الجيران صراخهم وهم عاجزون عن تقديم المساعدة.
إن صدور القانون يكفل حماية مثلى لمثل هؤلاء الأطفال الذين يتعرضون لاعتداءات من قبل من هم في حكم أولياء أمورهم، فكما تنص المادة (٧) على أن: “للطفل الحق فـي الحماية من العنف، والاستغلال، والاساءة، وفـي معاملة إنسانية كريمة تحفظ له كرامته وسمعته وشرفه، وتكفل له الدولة التمتع بهذا الحق بكل السبل المتاحة.”
ولكن كيف يمكن للدولة التدخل لتضمن حياة آمنة لمثل هؤلاء الاطفال الذين يفتقدون الأمان في أسرهم؟ ومن سيتكفل برعايتهم إذا كان الوالدان غير مؤهلين نفسيا أو خلقياً للقيام بذلك؟ تجيب على ذلك المــادتين ( ٢٧ ) و (٦٠) من القانون والتي تكفل تدخل الدولة لمنع ولي الأمر عن سلوكه وتجريمه ومن يشاركه فعل العدوان على الاطفال، وفي حال عدم وجود من يقوم برعاية الأطفال يكفل القانون تحويلهم إلى مؤسسات رعاية مؤقتة تشرف عليها الدولة.
عالج قانون الطفل مسببات الانقطاع عن التعليم وانتشار الأمية التي تشير تقديرات وزارة التربية والتعليم إلى أن إلى حوالي ٧ ٪ من سكان السلطنة يعاني منها. فقد ألزم القانون في مادته (٣٦) ولي الامر بقيد أطفاله في المدرسة وضمان انتظامهم بها حتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي. كما منع القانون أشكال العمل التي يمكن أن تسبب انقطاع الطفل عن المدرسة ووضع ضوابط لها. كما أعطى القانون الحق للطفل دون سن المدرسة في الانتفاع بخدمات دور الحضانة، والتي تشجع الدولة إنشائها في الجهات الحكومية والقطاع الخاص. وكفل سلامة الغذاء المقدم للأطفال، والألعاب التي يستخدمونها.
مشكلة أخرى تصدى لها قانون الطفل وهي تمكين الأطفال من قيادة المركبات، وعمل على حضرها وتجريم من يمكّن الطفل من قيادة مركبة لما فيها من خطورة على حياتهم، وتعريض سلامة الآخرين للخطر.
لقد وفر القانون من وجهة نظري مظلة مناسبة تحمي حقوق الأطفال، وتكفل نموهم في أجواء آمنة، ولكن بقيت عدة قضايا لازالت بحاجة للنقاش، حتى تتضح آليات العمل المناسبة لتحقيقها، من القضايا التي ينبغي مناقشتها الحالات المتعلقة بانتهاك حدثت في فترات سابقة؟ وكيفية تعويض من تعرض لها؟ وماذا عن حقوق الاطفال الذين يعانون من أمراض نفسية أو عقلية؟ وكيف سيتم تأمين حقهم في تلقي العلاج المناسب؟ أو التعليم؟
هل ستتوسع منظومة العلاج النفسي والعقلي والتأهيل حتى توفر خدماتها للأطفال الذين يعانون من التوحد أو متلازمة داون مثلاً؟ هل ستتدخل الدولة لحماية الطفلة انتصار الطالبة في الصف التاسع التي قام ولي أمرها بمنعها عن الدراسة بعد ظهور أعراض مرض نفسي عليها، واجباره على توفير العلاج لها، وكفال استمرارها في دراستها؟
لطالما تسببت الإعاقة بأنواعها في انقطاع الأطفال عن المدرسة، إما لأن المدارس غير مهيأة لاستقبالهم، أو أن الكوادر العاملة في المدرسة غير مدربة للتعامل مع هذه الحالات، كما في حالة الطفل بدر الذي لم يستطع الاستمرار في الدراسة لأنه لم يستطع تقبل التعليقات الساخرة التي كان يسمعها من رفاقه في المدرسة، والتي لم يكن الكادر في المدرسة قادرا على حمايته منها أو مساعدته على تجاوزها. فهل تستطيع المدارس بصورتها الحالية توفير خدمات تدمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة أو المرضى نفسيا مع الأطفال الأسوياء؟
لا زلنا في انتظار صدور اللوائح التنظيمية لوزارة التنمية الاجتماعية الخاصة بالمهن التي يمكن للطفل الالتحاق بها بعد سن الخامسة عشر، وآليات عمل لجان حماية الطفل، التي أعطاها القانون صفة الضبطية القضائية، والتي تتلقى البلاغات عن وجود انتهاكات في حق الأطفال.
لقد أظهرت بنود القانون حجم الفجوات التي عانى بسببها الأطفال وربما لا زالوا يعانون بسبب عدم وجود قانون واضح يحمي حق الطفل في التعليم، كما أظهرت جوانب من الاهمال واللامبالاة التي سمحت بوجود أطفال يتعرضون للعدوان والانتهاك دون حماية جدية من المجتمع. إلا أن صدور القانون يفتح آفاق عمل جديدة يتاح فيها للطفل العماني أن يتمتع بطفولته كاملة دون تهميش، ودون غمط للحقوق، كما يقوم بسد فجوات سقطت ضحيتها طفولة بريئة في مستنقعات الجهل والحرمان والقسوة. وكل ما نرجوه أن يجعل تطبيق القانون من وطننا وطناً للأطفال بمختلف فئاتهم.