المرحلة الأولى : التكبيل [1] :
في 13 شباط / فبراير عام 2000م صدر المرسوم السلطاني الرقم 14/2000م، بإصدار قانون الجمعيات الأهلية، وقد نص في مادته الخامسة على مايلي: “يحظر على الجمعية الاشتغال بالسياسة أو تكوين الأحزاب أو التدخل في الأمور الدينيـة، وعليهـا أن تنـأى عـن التكتـلات القبلية والفئوية”.
يجري الدعاية لتجربة الشورى في عُمان وفقاً لفلسفة الدولة التي بنيت منذ السبعينيات على عدم جاهزية المجتمع لخطوة الديمقراطية بالرغم من أن النّزال مابين هذا النظام والقوى السياسية الأخرى الفاعلة: “الإمامة وثورة ظفار بجناحيها الجنوبي والشمالي “، قد بين بوضوح على وجود واقعي وحقيقي لمجموعات كبيرة جداً من النخب السياسية في كلا التيارين قادرة على خوض التجربة في تأسيس بنيان سياسي وطني للدولة في عُمان.
لكن النظام في عُمان مارس عملية إقصاء متعمدة منذ البداية، فعند إعلان “العفو” على لسان السلطان في خطابه في آب / أغسطس 1970 م بقوله: “فلنقف جميعا أمام الله مطيعين مخلصين مجتهدين مساعدين بعضنا بعضا ومساعدين حكومتنا لتحقيق أهدافنا، نابذين من يدعو إلى الكفر بالله وإلى الشيوعية الملحدة، تتجه أفكارنا الآن إلى إخواننا الذين أجبرتهم ظروف الماضي التعس الى النزوح الى خارج الوطن، فلأولئك الذين بقوا على ولائهم لوطنهم، ولكنهم اختاروا البقاء في الخارج، نقول: سنتمكن في وقت قريب من دعوتكم لخدمة وطنكم، أما الذين لم يكونوا موالين لوالدي في الماضي أقول: “عفا الله عما سلف .. عفا الله عما سلف”.
هذا العفو عن المناضلين يعطي انطباعا واضحاً على أنهم على خطأ وأنهم “مجرمون” وجب الصفح عنهم، فيما أن السلطة “القبليّة” التي استعانت بالقوات الأجنبية في القتل والتدمير للوصول إلى الحكم فهي تتمتع بالبراءة، وبهذا النوع من التفكير تم إعلان العفو العام شريطة أن ينضوي المعفو عنهم في نظام الدولة ولا يحق لهم ممارسة السياسة أو التعبير بحرية عن آراءهم.
لقد اوضحت هذه السياسة التي تبناها النظام في عُمان، عن أن الهدف الحقيقي من وراءها، هو الإستئثار بالدور السياسي في الدولة وعدم اعطاء الفرصة لأي من هؤلاء الثوريين في تكوين تجمعات سياسية يكون لها دور معارض للسلطة أو حتى إبداء رأيهم بحرية.
من هنا كان الوضع العام للساحة السياسية في عُمان يتم تصفيته لصالح السلطة الجديدة التي نجحت في الإساءة إلى سمعة الثوريين بنعتهم بالكفرة الملحدين، هذه الصورة التي ثابرت الحكومة بترويجها على نطاق إعلامي واسع لدرجة أنها استطاعت أن تُقنع بها مجموعة كبيرة من المجتمع العُماني .
لقد عاشت عُمان منذ عام 1970م ولغاية الآن، فترة تصحُّر سياسي، وذلك بتعمد السلطة في عُمان في إقصاء وتحييد خصومها الذين هم يُعادون المصالح البريطانية “بالضرورة ” التي يتم حمايتها والذود عنها من قبل هذه السلطة.
الآن نحن في مواجهة العقل السياسي الجديد لعُمان الذي يوازي الصفر، فلا يوجد لدى السلطة أي مفهوم أو فكر أو فلسفة سياسية محددة لبناء الدولة منذ ذاك الوقت حتى عام 1996 م [2]، ولقد نجحت السلطة في لجمْ العقول وتكميم الأفواه وأودعت العنيدين السجون وأعدمت المتطاولين في عُرفها[3].
وعن الدور البريطاني في عملية الإعدامات يقول جي. إيه بترسون: “لا، أنا لا أعتقد أن البريطانيين كانوا وراء أحكام الإعدام. وعموماً، فإنني لست متأكداً ما إذا كان قانون حظر عقوبة الإعدام في بريطانيا قد صدر في ذلك الوقت. وأنا أعلم أن الأوامر التي أعطيت لجميع الضباط المعارين تقضي بعدم تنفيذ أية عمليات إعدام، وأعتقد أنني على يقين من أن الضباط البريطانيين المتعاقدين مع الحكومة العُمانية لم يتورطوا في تلك الإعدامات. حتى إنهم قد لا يكونون قد حضروا وقت ومكان تنفيذ الإعدامات ) [4].
المتعارف عليه عن الحكام الذين يؤكدون على انتهاج سياسه وطنية عند وصولهم إلى سدة الحكم ، هو أن يبادروا في إجراء حوار وطني واسع مع كل الفصائل والتيارات سياسية أو عسكرية، ولكن لأن السلطة في عُمان قد جاءت للعمل على حماية المصالح البريطانية في عُمان أولاً وقبل كل شيء، فهي لاتأبه إلا لتثبيت وجودها مهما كان ذلك الهدف يُعادي الوطنية العُمانية أو يصادر حق الشعب بالتمتع في ثروته النفطية كاملة غير منقوصة.
لقد جرى العمل على تقسيم الثروة النفطية والمالية على أساس سلوك الإسترضاء الذي انتهجته السلطة الحاكمة في عُمان، فكان الإسترضاء للموالين في الداخل وحسب الفئات ودرجة الإنتهازية، ثم الإسترضاء للخارج موجهاً إلى القوى الأجنبية (بريطانيا) وبقاياها من المجموعة الإنقلابية اللذين ظلوا يحلبون الريع النفطي على شكل تجنيس ورواتب وامتيازات خيالية وعطايا وهبات مليونية، وعقود تسليح بأرقام غير منتهية.
الهوامش:
[1]مقطف من كتاب “الدولة والمجتمع في عمان منذ النباهنة حتى العصر الحديث (1154-2012) : من الصراع على السلطة إلى التنمية وأزماتها” للكاتب.
[2]في كانون الأول / ديسمبر 1996، أصدرت ((وزارة التنمية)) أول استراتيجية للتنمية طويلة المدى للدولة (1996 -2020).
[3]في 20 حزيران / يونيو 1973، صدر حكم الإعدام رمياً بالرصاص على عشرة عُمانيين أدانتهم السلطة بتهمة قلب نظام الحكم وإقامة نظام حكم ماركسي في عُمان، والأشخاص الذي تم إعدامهم: حمد ماجد المخيني، خلفان سالم خلفان الوهيبي، محمد سعيد سعيد الوهيبي، محمد هاشم الطائي، علي محمد سالم المرزوقي، حمود حميد الغساني، علي ثاني خلف الجامودي، حمود حامد الرحبي، محمد طالب سليمان البوسعيدي، مبارك حامد مبارك الكيتاني. انظر: www.alharah2.net
[4]مقابلة أجريتها عبر الإنترنت (سؤال وجواب) مع الدكتورجي إي بترسون ، في يناير 2012 مؤرخ ومحلل سياسي متخصص في شؤون الجزيرة العربية والخليج ، ، الذي سبق له العمل في عُمان حتى عام 1999م كمؤرخ في قوات السلطان المسلحة بمكتب نائب رئيس الوزراء لؤون الأمن والدفاع.