يقول فروم بأن الاختلافات في الطبع تشكل المشكلة الحقيقية في فلسفة الاخلاق ، وقبل أن نعرج إلى توضيح بعض سمات الطبع المختلفة في الانسان، فإنه حري بنا تعريف الطبع ،والذي هو (القوى التي يتحرض بها الانسان)؛ حيث أن الطريقة التي يعمل بها الشخص ويفكر فيها، تحددها خصوصية طبعه وليست مجرد استجابة عقلية لوضع ما؛ فعلى سبيل المثال :هنالك فرق بين سمة السلوك وسمة الطبع، فسمة السلوك هو كل ما من شأنه أن يلاحظه شخص آخر كسمة “الشجاعة” مثلا. فنحن نستطيع أن نلاحظ أن فلانا “شجاع” لكننا لا نستطيع معرفة بواعثه اللاشعورية؛ لكونه شجاع أي ( سمة طبعه )؛ فقد يكون شجاعا ويحرضه الطموح لذلك يخاطر بحياته في بعض الأحيان ناشدا الشعور بالصبوة والنخوة أو المكافأة، غير مبالي بالأخطار التي تحيط به، وقد يحرضه افتقاره للخيال فيتصرف بشجاعة لأنه لا يدرك الأخطار التي تحوم حوله، أو قد يحرضه إيمانه الشخصي وإخلاصه لقضية وفكرة ما .والبشر يختلفون في سمات أطباعهم.
وقد قام فروم بتحليل بعض سمات الطبع وقام بتقسيمها إلى قسمين: توجه غير إنتاجي، وتوجه إنتاجي. بيد أن هذا التقسيم لا يعني أن الانسان يحمل سمة طبع واحدة وتوجه واحد فقط؛ فالإنسان مزيج من كل هذه التوجهات، وقد يطغى عليه توجه معين دون آخر، ولكن فروم أراد فقط شرح كيف تكون أنماط الطبع غير إنتاجية سلبية، وكيف قد تكون إنتاجية نافعة للإنسان في حالات أخرى.
إن أول سمة طبع ناقشها فروم في التوجه السلبي “غير إنتاجي” هو: التوجه التلقفي، والذي من خلاله يتبين لنا اتكالية من يحمل هذا الطبع على العالم الخارجي والمحيط واستكانته في انتظار مصباح علاء الدين السحري، حيث يتميز حاملو هذا الطبع باعتقادهم أن مصدر كل خير هو من الخارج أكان مادة أم عاطفة، ومهمتهم هي أن يتلقفوا هذا الخير من الآخرين، فهو على سبيل المثال : ليست لديه مشكلة في أن يحب، لكن مشكلته هو أن يكون محبوبا من الآخر؛ ولذلك حالما يبادله شخص ما بعض الاعجاب سرعان ما يقع في غرامه بسذاجة ويصبح عاطفيا، ويمكن اعتبار هذه الفئة على أنهم يستقبلون الأفكار من الآخرين والمحيط الخارجي أكثر من إنتاجها بأنفسهم، ونجدهم دائما متكلين على السلطات العليا سواء أكانت سلطة دينية أم سياسية أم اجتماعية، ويشعرون بالضياع إن لم يبادلهم الآخر العون، ويميلون إلى التخلص من القلق والاكتئاب عن طريق الاكل، وهم متفائلون جدا وودودون طالما بادلهم المحيط الخارجي بالعون والرضا؛ ولكنهم يغدون ضعيفين لمجرد عدم المبادلة .
ونأتي للتوجه الغير إنتاجي -الثاني من سمات الطبع- وهو: التوجه الاستغلالي، حيث لا يختلف عن التوجه التلقفي من ناحية أن أصحابه يعتبرون بأن المحيط الخارجي مصدر كل الخير، لكن الاختلاف يكمن في أن التوجه التلقفي ينتظر من الآخرين والمحيط أن يبادله الخير كهبات، بينما يميل التوجه الاستغلالي إلى انتزاع الأشياء من الآخرين بالقوة والخبث والاستغلال، فعلى سبيل المثال :في ما يرتبط بمشاعر الحب، يميل هؤلاء إلى خطف المحبوب من محبوب آخر؛ فهم لا يميلون إلى حب أحد غير مرتبط، ذلك أنهم لا يجدون لذة في الخطف والسرقة. وفي مجال الافكار يميل هؤلاء إلى سرقة الأفكار لا إنتاجها، ويحبون سلب الآخرين الأشياء، وبينما يكون الانسان التلقفي متفائل وودود، يميل هؤلاء إلى سوء الظن والحسد والغيرة. وإذ يظهر بين التوجه التلقفي والتوجه الاستغلالي تشابه فيما يتعلق باعتبارهم “أن المحيط الخارجي مصدر الخير”؛ فإن أصحاب التوجه الادخاري على عكس ذلك تماما، حيث يشكل العالم الخارجي تهديدا لهم ويميلون إلى ادخار وتوفير أموالهم حيث يعتقدون أن الانفاق تهديد . وهم شحيحون بالمال والاشياء المادية شحهم بالمشاعر والأفكار وهم لا يمنحون الحب ولكنهم يؤمنون بأنه امتلاك للمحبوب، وكثيرا ما يظهر الشخص الادخاري وفاء نحو الناس والذكريات، وهم يعرفون كثيرا ولكنهم عاجزون عن التفكير الانتاجي ويميلون إلى ترتيب الاشياء والافكار وحتى الاحاسيس. فهم لا يتحملون أن يروا الاشياء خارج مكانها، حيث يكون الترتيب وسيلة دفاعية وحصن لهم من العالم الخارجي. ويميل هؤلاء الناس إلى الاعتقاد بأنهم لا يملكون كمية كافية من القوى أو الطاقة أو القدرة الذهنية وأن ما يملكونه ينفد بالاستعمال لذلك تجدهم ” احيانا” متبلدين لا يستخدمون كافة قدراتهم، وهم يؤمنون بأن الموت والدمار أصدق من الحياة والنمو وشعارهم كما يقول فروم* لا جديد تحت الشمس* وأسمى قيمتين لديهم هما النظام والأمن.
وفي علاقتهم مع الآخرين فهم إما ينأون بأنفسهم عن الآخرين وإما يرغبون بإمتلاك من يحبون. أما في التوجه التسويقي فيميل هؤلاء الناس إلى مواجهة قدراتهم الخاصة بوصفها سلعة للآخرين، فالفرد هنا ليس متحدا معها. حيث أن الأهم لديه ليس تحقيق ذاته، بل نجاحه في عملية بيعها وقبولها من قبل الآخرين تماما مثل السلعة، حيث يهمهم رأي الآخرين، ومدى نجاح قدراته في عيونهم أكثر مما يهمهم أن يكونوا أنفسهم أصلا، لذلك كثيرا ما يهتز في دواخلهم الشعور بالهوية .
وبعد أن فرغنا من مناقشة بعض سمات الطبع الغير إنتاجية، حري بنا مناقشة التوجه الانتاجي حتى يتمكن الناس من معرفة كيف يعيشون منتجين لا اتكاليين سلبيين، وجدير بالذكر أن فروم يؤمن كما يؤمن سبينوزا وغيره من الفلاسفة بأن الفضيلة هي : استخدام الانسان قدراته، والرذيلة هي إخفاقه في إستخدام طاقته ” العجز”
لذلك فإن الانتاجية تعني تحقيق الانسان الامكانيات المميزة له، واستخدام قدراته الخاصة على عكس التوجه التلفقي والاستغلالي العاجز عن رؤية ذاته وقدراته الخاصة حيث يطلبها من الخارج، وهو نقيض التوجه الادخاري الخائف من استعمال قدراته حتى لا تنفد أو تضيع، وكذلك التوجه التسويقي الذي لا يهمه سوى أن يكسب رضا الآخرين، ونجاحه يعني لديه هو كيفية ترويج نفسه لا كيفية فهمها والايمان بذاته .
ولكي يكون الانسان منتجا ومتصلا بعالم الخارجي؛ فعليه أن يقوم بإعادة إنتاج وتوليد ما يراه ويواجهه، وإعادة الانتاج تعني: عملية فهم وإدراك المحيط الخارجي مثل تسجيل ما يشاهده في ذهنه فوتوغرافيا، بينما عملية التوليد تعني :بعث هذه المادة الجديدة للحياة، وإعادة خلقها من خلال قدرات المرء الذهنية والعاطفية. وجدير بالذكر في أن الشخص الانتاجي هو نقيض الواقعي والمجنون؛ فبينما يكتفي الواقعي بفهم وإدراك ما حوله فهما ذهنيا وظاهريا؛ إلا أن رؤيته تفتقر للعمق والكلية، فقد يكون ذكيا ولا تنقصه المهارات الذهنية لفهم الواقع لكنه لا يستطيع رؤية الكلية في الصورة أو ينفذ إلى أعماق العالم الخارجي، بينما لا يستطيع المجنون إدراك الوجود الفعلي والعالم الخارجي وفهمه الفهم اللازم .
إن الشخص الانتاجي هو من يتميز بقدرته على إدراك العالم الخارجي والسبر في أغواره، وإعادة بعث الحياة فيه، وهو مهتم بأن يكون ذاته ويفعل قدراته الخاصة. وكما يقول أرسطو: “إن الإنسان الخير هو الانسان الذي بنشاطه، وتحت هداية عقله، ينعش الامكانيات الخاصة بالإنسان”