تشكل المادتين (32 و 33) من النظام الأساسي للدولة العمانية محورا مهما مرتبطا بتنظيم التجمعات الثقافية والفكرية وتأسيس الصالونات أو المؤسسات المشابهة لها بتمثيل مدني. وتنص المادتان على أن : للمواطنين حق الاجتماع ضمن حدود القانون . كما أن لهم الحريـة في تـكويـن الجمعيـات على أسس وطـنية ولأهداف مشروعة وبـوسائل سلمية وبما لا يتعـارض مع نصوص وأهـداف هـذا النظـام الأساسي مكـفـولـة وفقـا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون. ويحظر إنشـاء جمعيات يكون نشاطهـا معاديا لنظام المجتمع أو سريـا أو ذا طابع عسكـري، ولا يجوز اجبـار أحـد على الانضمام الى أيـة جمعية.
لكن التطورات التي أظهرتها المرحلة الماضية جعلت من الصعب التكهن بمصير جيد ويسير لتشكيل التجمعات الثقافية المدنية. ووفق هذا السياق نشطت خلال السنوات الماضية عدد من الصالونات الثقافية التي انحصر نشاطها في ولايات أو محافظات بعينها، ففي صحار أسس مجموعة من الشباب ما عرف بصالون صحار الثقافي ” إكسير ” وأسس مجموعة من الناشطين صالونا آخر في مسقط أسموه ” القراءة نور وبصيرة” كما أسس شباب آخرين صالون ” سمائل الثقافي” وغيرها من التجمعات الثقافية. وتواجه الآن معظم هذه الصالونات خطر الاغلاق أو التضييق على نشاطاتها مما دفع أصحابها للإعلان عن تعليق نشاطاتهم او انهائها.
ويبدو لكثيرين أن العد التنازلي قد بدأ لمنع هذه الصالونات أوايقاف نشاطاتها ،وهناك أنشطة تشبه هذه الصالونات تم الحكم عليها بعدم الظهور حتى قبل اشهارها ؛ فمن المتسبب في ذلك ؟ وهل سيشكل هذا المنع مصيرا صعبا للتمثيل المدني في الأنشطة الثقافية والفكرية في السلطنة؟
يقول بسام أبو قصيدة – أحد مؤسسي صالون صحار الثقافي – : السبب وراء خوف الحكومة من انتشار مثل هذه الصالونات هو تكوين جماعات بأفكار مختلفة تؤثر على المجتمع فيما بعد. لم تقل الحكومة أنها لا تتقبل فكرة اقامة الصالونات الثقافية ولكن الممارسات الممنهجة ضدها – بدءا من الأحداث المرتبطة بصالون القراءة نور وبصيرة وما تلاه بعد ذلك من أحداث أدت إلى إغلاق عدد من الصالونات على مستوى السلطنة وانتهاء بإغلاق صالون صحار الثقافي- كلها تشير إلى عدم الرغبة في اقامه مثل هذه الصالونات ؛ و إن كانت الجهات الرسمية الحكومية لم تعلن أنها تقف ضد فكرة الصالونات ، ولكنها تقنن وجودها وفقا للقنوات الرسمية والحكومية بعد استيفائها للشروط القانونية إذا كان هذا مبرر كاف لمنع صالون أو حراك ثقافي شبابي من أن يظهر للعلن”.
يقول فيصل الرحيلي- مغرد :”لا نستطيع معرفة مصدر المخاوف من مثل هذه المشاريع إلا إن البعض يتحدث عن خوف السلطات من التنوير السياسي الذي قد يغير صدور الناس ضد السلطة. ويضيف:”سمعنا عن غلق عدد من الصالونات الثقافية المهتمة بالقراءة ونشر الوعي، ولكن لم يفصح مؤسسوها وأعضاؤها عن المصاعب التي واجهوها من قبل السلطات حتى نعلم مبررات الغلق على وجه الدقة”.
الصالونات ظاهرة جديدة في مسيرة الثقافة العمانيةخلال السنوات الماضية، قدم عدد من هذه الصالونات أنشطة مختلفة ارتبطت بقراءات لكتب كثيرة ومناقشات حول قضايا المجتمع والثقافة والأدب وجلسات استضافت مسؤولين ومثقفين ومفكرين من داخل وخارج السلطنة. كما سعت عدد من هذه الصالونات لتوثيق نشاطاتها عبر الشبكات الاجتماعية واستغلال موقع التواصل يوتيوب لتوثيق فعالياتها لتصبح متاحة للعامة. وبدأت صالونات أخرى بالتعاون مع مؤسسات حكومية لتنفيذ بعض النشاطات الثقافية كما استغل بعضها أحداثا ثقافية رسمية كمعرض الكتاب السنوي في مسقط لتنفيذ برامج مصورة وجلسات نقاشية متنوعة.
يقول بسام أبو قصيدة ” منع الصالونات الثقافية يعد خسارة كبيرة تتمثل في فقدان عنصر مهم في بناء المجتمع ،فلا يمكن الاعتماد على الجهات الحكومية فقط لنشر الوعي والمساهمة في صناعة المجتمع ،ولكن نرى الآن التضييق واضح على المبادرات ومنع الصالونات الثقافية ؛ بالمقابل نرى هناك صالونات ثقافية قائمة مثل صالون أثير ومبادرة رؤية الشباب وكلمتين راس حيث أنها تمارس نشاطاتها الطبيعية بدون أي تضييق ،من جانب اخر هناك تضييق واضح لمبادرات بعينها وخصوصا الثقافية منها .
ويتحدث بسام عن الحلول التي قدمتها السلطات بهدف استمرار نشاط الصالون: ” بداية ينبغي العلم أن الصالونات التي تم منعها او محاصرة عملها لا تمتلك الحلول لإعادة نشاطاتها مرة أخرى، وذلك لأن المنع يصدر من جهة أمنية عليا ، وبتنا نعلم طبيعة التعامل الامني مع مثل هذه القضايا. وفي ما يرتبط بصالون اكسير فلقد تم منحنا خيارين وهما:الانضمام الى وزارة التنمية الاجتماعية كجمعية أهلية أو استكمال اجراءات السجل التجاري. ومن المعروف طول فترة الاجراءات والاشتراطات الموجودة لّإنشاء جمعية أهلية كما أن الخيار يبقيك في مرحلة بين الرفض والقبول لنشاطك من جانب هذه الجهات. ومن الواضح أن نشاط الجمعيات الأهلية التي تتبع الوزارة راكد بالفعل ولا يقدم دورا مدنيا ملموسا فكيف نمّلك هذه الجهات السلطة التي من خلالها يتم التحكم بخيارات المشروع ومساراته وسط التعقيدات الحكومية. أما ما يتعلق باستكمال اجراءات السجل التجاري فنحن لا نعلم عما إذا كان الطريق لمثل هذه الاجراءات طبيعي كما أننا نملك في اكسير سجلا تجاريا وتتوفر فيه انشطة من الفعاليات والندوات ولكن عند الرجوع لاجراءات أخرى فهل سنحصل على الموافقات ؟ سيتعمد المختصون مواجهة طلبنا بالرفض والمنع الذي لا نأمل أن يحدث فعلا”.
تغريدة توقف فعاليات صالون صحار الثقافي
سليمان المعمري: حاربوا الجهل والفقر والبطالة ولا تحاربوا فتية اجتمعوا ليقرأوا كتابا !
وحول مخاوف السلطة من انتشار ظاهرة الصالونات الثقافية، يقول الكاتب والأديب سليمان المعمري : المخاوف غير مبررة وهي ترتبط بالوعي والخشية من انتشاره . إن هناك جهة سلطوية ما تربط الوعي وازدياده لدى الشباب بإمكانية اعلاء الصوت والمطالبة بالحقوق كما حدث في عام 2011 ولذا يتم محاربته بشتى الطرق والأجدر بهذه الجهات أن تتجه لمحاربة الجهل والفقر والبطالة فهي مشكلات الأفراد الحقيقية ودافعهم نحو الحراك وليس بمنع فتية من الاجتماع في مقهى ليقرأو كتابا.
أما عن سيناريو استمرارية هذه الصالونات فيقول : في الواقع فكرة الصالونات ليست مرفوضة تماما فهناك صالونات تمارس نشاطاتها بدون مضايقات. الفكرة الغير مقبولة هي في خروج هذه الصالونات عن خط معين مرسوم لها ؛ بحيث لا تختلف في فعالياتها وبرامجها المختلفة عن تلك التي تقوم الحكومة بتنظيمها . ويضيف : من وجهة نظري، المشكلة ليست في هذه الصالونات بل في أشخاص بعينهم تتوجس السلطة منهم ومن أفكارهم ولا تريد لهذه الافكار ان تصل للعامة عبر الصالونات ولهذا توضع في طريقهم العقبات والعراقيل رغم أن أفكار هؤلاء الاشخاص ليست مخيفة عموما ولا تعدو كونها سعيا لتأصيل فكرة المجتمع المدني القائمة على ” الحرية والعدالة والمساواة الاجتماعية”.
صالونات اتجهت للعالم الافتراضي بعد التضييق
يقول المعمري : ﻫﻨﺎﻙ ﺍﻵﻥ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﺣﻮﻟﺖ ﻧﺸﺎﻃﻬﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻲ ﺍﻟﻰ اﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺘﻀﻴﻴﻖ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺋﻤﻴﻦ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻣﺜﻞ ﻣﺒﺎﺩﺭﺓ “ﺍﻟﻘﺮﺍﺀﺓ ﻧﻮﺭ ﻭﺑﺼﻴﺮﺓ”، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺆﺳﻒ ﻷﻧﻪ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻣﻨﺎﺥ ﺍﻟﺤﺮﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻏﻴﺮ ﺻﺤﻲ . ﻭﺃﻧﻨﺎ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﻄﺮﻳﻘﺔ ﺳﻨﻔﻘﺪ ﻧﺸﺎﻁ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﺒﺮ ﻋﻠﻰ الاختفاء ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ، ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺑﺎﻷﺳﺎﺱ ﻣﻜﻤﻞ ﻟﻠﺪﻭﺭ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﻲ ﻭﻟﻴﺲ ﻧﺪﺍً ﻟﻪ . ﻭﺇﺫﺍ ﺍﻧﺰﻭﺕ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﺍﻟﺸﺒﺎﺑﻴﺔ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺸﻬﺪ الاجتماعي ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﻓﺴﻨﻈﻞ ﻓﻘﻂ ﺑﺈﺯﺍﺀ ﻣﺸﻬﺪ ﻭﺍﺣﺪ : ﻫﻮ ﻣﺸﻬﺪ ﺍﻟﺼﻮﺕ ﺍﻟﻮﺍﺣﺪ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻤﺎﺭﺳﻪ ﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﺗﺮﻓﺾ ﺍﻟﺴﻤﺎﻉ ﻟﻐﻴﺮﻩ.
وحول الحلول المتاحة لمواجهة هذا المصير الصعب لهذه الصالونات يقول : ﺍﻟﺤﻞ ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻳﻦ. ﺍﻷﻭﻝ: ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﺤﻜﻮﻣﺔ ﻭﺍﻟﺠﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻟﻬﺎ ، ﻟﺨﻠﻖ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻓﺎﻋﻠﺔ ﻭﺣﻘﻴﻘﻴﺔ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﺳﻮﻯ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ ﻫﺎﻣﺸﻴﺔ ﺗﺼﺐ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ . ﻭﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺍﻳﻼﺀ ﺍﻟﺸﺒﺎﺏ ﺍﻟﻄﺎﻣﺢ ﻟﺘﻘﺪﻳﻢ ﺷﻲﺀ ﻟﻮﻃﻨﻪ ﻣﺎ ﻳﺴﺘﺤﻘﻪ ﻣﻦ ﺛﻘﺔ .. ﺍﺫﺍ ﻟﻢ ﺗﺘﻮﻓﺮ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﺎﻟﺸﺒﺎﺏ ﻓﺴﻨﻈﻞ”ﻣﺤﻠﻚ ﺳﺮ”. ﻫﺬﻩ ﺍﻻﺭﺍﺩﺓ ﻭﺗﻠﻚ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺘﻌﺰﺯ ﺑﻘﺎﻧﻮﻥ ﻭﺍﺿﺢ ﻳﻨﻈﻢ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺑﻴﻦ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ . ﺃﻣﺎ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺠﻤﻌﻴﺎﺕ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﻓﻬﻮ – ﻛﻤﺎ ﻳﻌﺮﻑ ﻛﺜﻴﺮﻭﻥ – ﻻ ﻳﺼﻠﺢ ﻟﺘﻨﻈﻴﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ، ﻷﻧﻪ ﺑﺒﺴﺎﻃﺔ ﻻ ﻳﻨﺘﻤﻲ ﻟﻠﻘﺮﻥﺍ ﻟﺤﺎﺩﻱ ﻭﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ . ﻭﺍﻟﺤﻜﻮﻣﺔ ﺗﻌﺮﻑ ﺫﻟﻚ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﺮﻓﺾ ﺗﻌﺪﻳﻠﻪ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﻘﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺻﺎﻟﺤﺔ ، ﻭﺗﺮﺍﻫﻦ ﻓﻘﻂ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻛﻌﺎﺩﺗﻬﺎ ، ﺑﻤﺸﺮﻭﻉ ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻫﻨﺎ ، ﻭﺁﺧﺮ ﻫﻨﺎﻙ.
كما أن ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺟﻬﺔ ﻣﻌﻴﻨﺔ ﻟﻠﺤﺼﻮﻝ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺍﺧﻴﺺ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺼﺎﻟﻮﻧﺎﺕ ﺳﺘﺼﺒﺢ ﻓﻜﺮﺓ ﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻌﻤﻞ ﺑﻬﺎ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺟﻮﺩ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺟﻴﺪ ﻳﻨﻈﻢ ﻋﻤﻞ ﻣﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﺤﺎﻟﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺿﻌﻪ أﻣﻨﻴﻮﻥ ﻻ ﺧﺒﺮﺍﺀ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﻓﻬﻮ ﻏﻴﺮ ﺻﺎﻟﺢ ﺍﻟﺒﺘﺔ ، ﻷﻧﻪ ﻳﺤﻮﻝ ﻛﻞ ﻣﺆﺳﺴﺔ ﻣﺠﺘﻤﻊ ﻣﺪﻧﻲ ﺍﻟﻰ ﻣﺠﺮﺩ ﺩﺍﺋﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻣﻦ ﺩﻭﺍﺋﺮ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺘﻨﻤﻴﺔ ﺍﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ.
متابعة: علياء الجردانية