في العلوم السياسية والتاريخ السياسي العالمي للدول، يظهر أن أصعب مرحلة تمر بها الدولة هي خلال فترة إنتقال السلطة ؛ ولذلك نشأت الديمقراطية، وظهرت الدساتير التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات؛ لتؤمن هذه الفترة وتسيرها بسلاسة وضمان إنتقال آمن للسلطة دون ظهور أطماع أو حدوث صراعات بين مراكز القوى الوطنية (عسكرية أو أمنية أو دينية أو قبلية أو مناطقية أو حتى من الأسرة الحاكمة)، بهدف الوقوف في وجه مصالحهم أو الاستيلاء على السلطة.
وأبدى عدد كبير من المتابعين والمحللين السياسيين قلقا وتخوفا بالغا من إحتمالية حدوث صراع على السلطة في عمان في مرحلة ما بعد السلطان قابوس خصوصا في ظل عدم وجود آلية واضحة ودستورية وديمقراطية لإنتقال السلطة في عمان في هذه المرحلة، وما يهيئ الوضع أكثر لإحتمالية حدوث الصراع على السلطة، عدة عوامل يساهم بها النظام الحالي:
1- تركز جميع السلطات بيد السلطان قابوس لوحده؛ فهو يملك صلاحيات مطلقة تجمع بين جميع السلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية إذ لم يرسخ مفهوم الفصل بين السلطات؛ فهل من سيخلفه سيحكم مثله -بتركز جميع السلطات- وهو ما سيكون بشكل طبيعي مطمعا للسلطان القادم؟. فربما نجح السلطان قابوس في كسب رضا الشعب العماني؛ لتوليه جميع السلطات رغم ظهور عدد كبير من المطالب بالفصل بين السلطات؛ إلا أنها قوبلت إما بالترضية الفردية أو بالقمع (العصا والجزرة)؛ فهل سيقوم السلطان القادم بتوزيع السلطات بشكل دستوري أم سيرغب طامعا في الحفاظ على جميع السلطات مما سيخلق حالة من الفوضى الأمنية ربما لن ينجح في الحفاظ عليها إلا بحمام دم أو فساد مطلق وتوزيع إمتيازات غير عادلة لبعض القوى؛ لضمان ولائها.
2- قام الإعلام الحكومي العماني على مدار سنوات طوال بالخلط بين الوطن والسلطان قابوس وتصويرهما على أنهما فكرة واحدة، والذي ساهم بدوره في غياب المعنى الحقيقي لدولة المؤسسات، وإرتباط الدولة ومؤسساتها بفرد واحد مما سيخلق حالة من الفوضى بعد زوال الشخص.
3- عدم وجود دستور مستفتى عليه يكون الشعب فيه مصدر السلطات، ويضمن حالة الإنتقال السلس للسلطة، ويحفظ الدولة من أطماع وصراعات الإستحواذ على السلطة من مراكز القوى الوطنية سواء أكانت عسكرية أو دينية أو قبلية أو حتى من أحد أطراف الأسرة الحاكمة.
4- إنعدام الحريات السياسية، وعدم وجود مناخ سياسي يسمح للمشاركة السياسية حاليا، ويؤمن بالتعددية مما سيؤدي غالبا بعد مرحلة السلطان الحالي إلى حالة من القمع الشديد التي ستؤدي إلى الإنفجار وحدوث حرب أهلية فيما لو ظهرت أحزاب أو تكتلات معارضة للسلطان القادم سواء أكانت من الأسرة الحاكمة أم من قبائل أخرى، وذلك لعدم وجود دولة مؤسساتية توفر بشكل طبيعي وعيا وطنيا يحفظ الاستقرار، وحق المشاركة السياسية لجميع الأطراف دون إقصاء.
5- عدم وجود تسامح حقيقي (مذهبي أو سياسي)؛ فالموجود حاليا هو فرض من السلطة لحالة توافق في المصالح، وليس تسامحا يقوم على مبادئ وأسس يخلق فيها الوئام والاعتراف بالاختلافات الطبيعية؛ فعدم وجود تسامح سياسي واضح للمتابعين في ما يتعلق بمركزية السلطة وعدم السماح لأي نشاط سياسي أو مدني من خارج إطار الحكومة، والتضييق على كل من يحاول أن يعبر عن رأيه مخالفا ومعارضا للحكومة وسياساتها, أما التسامح المذهبي الذي يروج له إعلاميا كثيرا فهو ليس تسامحا بالمعنى الحقيقي لمفهوم التسامح رغم عدم إقصاء الآخرين لكنه لا يتم الإعتراف بهم وجودا؛ فالسلطة الدينية التي هي جزء من الحكومة تتشكل خالصة من مذهب الحاكم فقط. ولقد تابع الكثيرون حالة السخط الظاهر من أصحاب المذاهب الأخرى في مواقع التواصل الاجتماعي أو غالبا في فترة رؤية هلال العيدين, وقد حاولت الأجهزة الأمنية ذات الصلاحية المطلقة والتي لا تخضع للمراقبة والمحاسبة في إستغلال الطائفية بوضوح خلال أحداث مظاهرات 2011 والتي تمركزت غالبا في مناطق سنية, وخلال قضية الدكتور طالب المعمري عضو مجلس الشورى المنتخب، والذي حكم عليه بالسجن لمشاركته في مطالبة شعبية ضد التلوث البيئي.
6- عدم وجود ولي عهد للحكم من الممكن أن يؤدي إلى عدم قبول الشعب بالسلطان الجديد، وإحتمالية ظهور تكتلات قبلية تطمع للحصول على مراكز في السلطة تستخدم فيها عوامل إجتماعية وإقتصادية لم ينجح النظام الحالي في حلها.
7- حالة القطبية التي تعيشها عمان والسعودية بسبب المذهبية، أو الوساطات التي تقوم بها عمان مؤخرا من الممكن أن تشكل حالة من التهديد للإستقرار خاصة في عدم وجود وريث جاهز ومقبول به إقليميا أو دوليا.
وتأتي الحاجة للتفكير في مرحلة ما بعد السلطان قابوس؛ لأن الواضح للمتابعين أن السلطان بنفسه وعلى المستوى القريب لم يُظهر أي إشارات ورغبة جادة في إحداث إصلاحات سياسية واقتصادية، وهذا ما يفسر وجود حالة من الالتفاف والترقيع للمطالب الشعبية، وحالة التضييق الأمني المستمر لحرية التعبير والتجمع السلمي، والتشديد على القوانين الصارمة في الإجراءات الجزائية أو القوانين العمالية، وقوانين النشر والمطبوعات، ووصل الأمر مؤخرا إلى منع وتضييق على جميع المبادرات (الثقافية) المدنية التي لم تأتي تحت إطار الحكومة (بدون رعاية أو مراقبة من الأمن).
كما يقر بعض من الباحثين السياسيين أن المرحلة المقبلة في غاية التعقيد، ويجب الإستعداد لها مع إشراك الشعب مشاركة حقيقية في صناعة القرار، والإستعداد للمستقبل عبر ممارسة حقوقه السياسية وحرياته المدنية؛ ليكتسب الوعي والخبرة التي تؤهله لإدارة نفسه دون الخوف من أي ضغوطات أو حدوث صراعات، والانطلاق نحو بناء دولة مدنية حديثة تسعى نحو الحداثة والتغيير والتقدم؛ لتؤمن إزدهارا ورفاه إجتماعيا وإقتصاديا لجميع أطياف المجتمع.