يدخل الطالب كلية الطب وكله أمل أن يجتاز هذا المشوار بنجاح وعزيمة وإصرار، وهو على علم -ممن سبقوه- بحجم التحديات التي تواجهه؛ من صعوبة الدراسة، وكثافة المواد، وطبيعة النظام الجديد الذي يفرض عليه الحصول على معدل (2.5)؛ ليجتاز مراحل الطب الثلاثة. ولكن، ومع هذا كله يتفاجأ الطالب بأن إدارة الكلية لا تقف بجانبه رغم كل هذه التحديات؛ فيشعر بالغربة مرتين، مرة مع نظامٍ جديدٍ صارم، وأخرى مع إدارةٍ تجبر الطالب على الدراسة بالصمت والابتعاد عن مضايقتها بالنقد بكل الطرق المتاحة؛ حتى لا تقف الإدارة حجر عثرة في طريق تحقيقه للحلم الإنساني؛ أن يكون طبيبا يخدم وطنه ومجتمعة.
هذا الإحساس الذي يعتري الطالب هو نتيجة سلوكيات، وحواجز وموانع تنسجها كلية الطب التي تتبع صرحا علميا لطالما افتخرنا به : جامعة السلطان قابوس، وهي بذلك تخالف قوانين الجامعة ورسالتها الأكاديمية السامية، بحجة أن الكلية تتبع نظام مختلف، ولكنها في الوقت نفسه تتجاهل بعض القوانين التي من الأصل “يصعب تطبيقها”!. ولعل أبرز مثالٍ على ذلك معاناة المقررات التي لا تطرح إلا بتوقيت واحد ولمرة واحدة في السنة. يحكي لي أحد الطلاب معبرا عن معاناته في الكلية فيقول: ” لقد قدمت الكثير لكلية الطب، ومثلتها في الكثير من المحافل الدولية، وحصلت على المراكز الأولى في الأنشطة، ولظروف ما، منها وفاة أخي وزميل الدراسة في حادث مروري، تأخرت في المرحلة الثانية من النظام الأكاديمي؛ ولكنني لم أتذمر وبذلت كل ما أملك من جهد لأحصل على المعدل المطلوب، وحينما بدأت في الانتقال للمرحلة الإكلينيكية، وبعد أن رسمت البسمة على وجه أسرتي، أتفاجأ بأن الكلية تطلب مني العودة للحصول على علوم صحية، علما بأنني بذلت دراسة سنة كاملة لأحصل على معدل 2.5، واعتبرت إدارة الكلية أنني غير مؤهل لأني أكملت سنة إضافية أخرى للوصول للمرحلة الإكلينيكية؛ لتحطم الكلية آمالي وتضيع سنة من حياتي بطريقة عبثية ولا يقبلها المنطق الاكاديمي!؛ فكيف تؤهلني وحينما أنجح ترفضني!
في حين يسرد أحد الطلاب بأنه تخطى المرحلة الأولى بنجاح واستطاع الحصول على معدل 2.5؛ لينتقل للمرحلة الثانية ولكنه يتفاجأ بأن الكلية ترفض انتقاله بحجة أنه لم يدرس مادة اختياريه جامعية واحدة، علما بأنه يمكن أن يدرسها في أي وقت خلال السنتين القادمتين، ولكن وبسبب القرارات التعسفية من الكلية سيقضي الطالب سنة كاملة لا يدرس فيها إلا مادة اختيارية واحدة!
هذه القرارات وغيرها والتي تغرد في اتجاه، ومشاكل الطلاب في سربها الآخر؛ تدفع بطلاب الطب ليكونوا أكثر الطلاب تأجيلا للفصول الدراسية في الجامعة. تحكي إحدى الطالبات بأنها تأخرت مرة واحدة فقط، وحينما أرادت أن تحصل على فصل آخر؛ رفضت الكلية ذلك وتحججت بأنها نجحت في كل المواد؛ فهل عليها أن ترسب لتحصل على فرصة أخرى؟ ومن ثم هل كل المواد متوفرة عند الإعادة؟.. بالطبع لا؛ فالقوانين تتعارض مع الفرص المتاحة، والعجيب أن الطلاب الذين يطالبون بحقوقهم لم يكونوا يوما تحت الملاحظة الأكاديمية ” وهو النظام الجامعي الذي يعد فيه الطالب غير قادرا على الحصول على المعدل الدراسي لإتمام تخرجه”، أما غيرهم من طلاب الكليات الأخرى، فهم يصلون للملاحظات الأكاديمية عدة مرات ويجتازونها؛ ليتخرجوا ويخدموا في تخصصاتهم.
إن محاولة الكلية عرقلة الطلاب وتقديم الوعود الكاذبة في كل مرة حول الحصول على الفصل الصيفي ثم الرد بالرفض، وسفر المسؤولين في إجازة خارج السلطنة، ليعاني الطالب الأمرين من الإحساس بالخيانة وتبدد حلمه الذي كافح من أجله، وحينما يقوم الطالب برفع شكوى لإدارة الجامعة تقوم الإدارة باستعطاف الطلاب والتحرك من أجل حل المشكلة؛ ولكن ا ترد الكلية بالرفض؛ فيزداد الطالب انزعاجا وكأن لا سبيل له إلا الرضوخ لقرارات تعسفية غير منهجية، علما بأن الكلية دأبت على تغيير مساعد العميد للشؤون الأكاديمية عدة مرات وفي كل مرة يأتي مسؤول بقرارات أكثر تعسفا، ويقول لا شأن لي بمشاكل الطلاب السابقين والإدارة السابقة!؛ ليعيش الطالب في حيرة وتساؤل: إلى من المشتكى من إجحاف الكلية وتعنتها وصمت الجامعة بحجة عدم إلمامها بسياسات كلية الطب؟. إن الفجوة المتسعة بين الجامعة والطلاب واتساع مشكلات الطلاب تنذر بأزمة كبيرة تعرقل تطور الجامعة ورسالتها الأكاديمية القيمة وتترك مجالا للتساؤل: إلى متى تبقى الأمور قيد الاهمال والتسويف؟.