يرمي هذا المقال إلى تحديد مفهوم العماني “أصالة” حسب تحديدات القانون وعلاقاته المختلفة؛ حيث نظمت المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 3/1983 بتعديلاته، الأسس التي يُحدد عليها مفهوم العماني ويتميز بها عن الأجنبي، وفق روابط الدم، والميلاد، أو القيود والحيثيات التابعة لتلك الروابط، وهي كالآتي:
– مادة (1): يعتبر عمانيا:
- من ولد في عمان أو خارجها من أب عماني.
- من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، وكان مجهول الأب إذا لم تثبت بنوته شرعا، أو كان أبوه عمانيا، وأصبح فاقد الجنسية.
- من ولد في عمان من والدين مجهولين.
- من ولد في عمان، وجعل منها إقامته العادية، وكان أبوه قد ولد فيها على أن يكون الأب وقت ولادة الابن فاقد الجنسية واستمر كذلك.
نلاحظ في البنود السابقة من المادة (1) أن الرابطة الأساسية للجنسية العمانية بالأصالة هي رابطة الدم، أو بمعنى آخر يتحدد مفهوم العماني برابطة الدم، ومحل الميلاد في أرض عمان بحدودها الجغرافية والسياسية، وحتى نستطيع أن نوجز الحالات المنصوص عليها وفق البنود السابقة؛ حري بنا أن نضع بين يدي القارئ المادة (11) في القانون الجديد، من الفصل الثاني (الجنسية الأصلية واستردادها)، والتي تتكون من الفقرات (1-5)، حتى نستطيع تفصيل هذه المواد فقها شرعيا وقانونيا حسب ما يتاح لنا من مساحة واستطاعة. إذ نصت المادة (11) من المرسوم السلطاني رقم (38/2014) على أن:
يعتبر عمانيا بصفة أصلية:- من ولد في عمان أو خارجها من أب عماني.
- من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، وكان أبوه عمانيا، وأصبح بلا جنسية.
- من ولد في عمان أو خارجها من أم أجنبية، وكان أبوه عمانيا بصفة أصلية، وأصبح بلا جنسية، شريطة أن يكون زواج أبويه قد تم بالموافقة المسبقة من الوزارة.
- من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، ولم يثبت نسبه شرعا لأب.
- من ولد في عمان من أبوين مجهولين.
ويمكن إيجاز الحالات التي ينص عليها القانون بتعديلاته بشأن الجنسية الأصلية بالآتي:
الحالة الأولى: الميلاد في عمان من أب عماني، وقد اتفق القانون السابق واللاحق على صياغته كما هو واضح من الفقرة الأولى من القانونين، وإنما تثبت الأبوة أو النسب وفق الأسس الشرعية الواردة في قانون الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 32/2997م في الفصل الثاني (النسب والأحكام العامة)، ويأتي تفصيلها كالآتي:
– المادة (70): لا يثبت النسب إلاّ بالفراش، أو بالإقرار، أو بالبينة.
الفرع الأول الفراش:– المادة (71):
أ- الولد للفراش إذا مضى على عقد الزواج أقل مدة الحمل، ولم يثبت عدم إمكان التلاقي بين الزوجين.
ب- يثبت نسب المولود في العقد الفاسد، إذا ولد لأقل مدة الحمل من تاريخ الوطء، ومثله الوطء بشبهة.
– المادة (72): أقل مدة الحمل ستة أشهر وأكثرها سنة.
والعقد الفاسد له مفاهيم مختلفة حسب أصول فقهاء الشريعة، ولكن ما يعنينا في هذا المقام الالتقاء بين الزوجين؛ مما يمكّن الحمل، ويمت بالنسب لصاحب الفراش، وقد راعى المشرع العماني مصلحة المولود، وحقوق المرأة، ورفع الضرر، وهي قاعدة كلية في الشريعة الإسلامية تصاحب في كثير من الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية والمعاملات والعقود، وتتناسب مع ميثاق حقوق الطفل في المادتين:
– المادة 7:
1. يسجل الطفل بعد ولادته فورا، ويكون له الحق منذ ولادته في الاسم والحق في اكتساب جنسية، ويكون له قدر الإمكان الحق في معرفة والديه وتلقى رعايتهما.
2. تكفل الدول الأطراف إعمال هذه الحقوق وفقا لقانونها الوطني، والتزاماتها بموجب الصكوك الدولية المتصلة بهذا الميدان، ولاسيما حيثما يعتبر الطفل عديم الجنسية في حال عدم القيام بذلك.
– المادة 8:
1. تتعهد الدول الأطراف باحترام حق الطفل في الحفاظ على هويته، بما في ذلك جنسيته، واسمه، وصلاته العائلية، على النحو الذي يقره القانون، وذلك دون تدخل غير شرعي.
2. إذا حرم أي طفل بطريقة غير شرعية من بعض أو كل عناصر هويته، تقدم الدول الأطراف المساعدة والحماية المناسبتين من أجل الإسراع بإعادة إثبات هويته.
الفرع الثاني: الإقراروقد جاء نصا في المادة (73) في بندين، وهما كالآتي:
البند (أ): الإقرار بالبنوة ولو في مرض الموت يثبت به النسب بالشروط الآتية:
- أن يكون المقر له مجهول النسب
- أن يكون المقر بالغا عاقلا
- أن يكون فارق السن بين المقر وبين المقر له يحتمل صدق الإقرار
- أن يصدق المقر له متى كان بالغا عاقلا المقر.
البند (ب): الاستلحاق: إقرار بالبنوة صادر عن رجل بالشروط المذكورة في الفقرة السابقة.
كما راعى المشرع العماني الإقرار من طرف المرأة المتزوجة أو المعتدة؛ لكن بشرط التصديق من الزوج أو بإقامة البينة على ذلك، وفق المادة (74) ونصها: “إذا كان المقر امرأة متزوجة أو معتدة؛ فلا يثبت نسب الولد من زوجها إلا إذا صدّقها أو أقامت البينة على ذلك” وكما سبق أن أشرنا أن غالب التشريعات بشأن النسب تغلّب مصلحة المتضرر، برفع الحرج والضرر عنه، كما جاءت المواد الآتية:
مادة (75): إقرار مجهول النسب بالأبوة أو الأمومة يثبت به النسب إذا صدقه المقر عليه، أوإذا قامت البينة على ذلك متى كان فارق السن يحتمل ذلك.
مادة (76): الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسري على المقر عليه؛ إلا بتصديقه أو إقامة البينة.
مادة (77): لا تسمع الدعوى من ورثة المقر بنفي النسب بعد ثبوته بالإقرار الصحيح.
الفرع الثالث: نفي النسب باللعان؛ وعليه تسقط كافة التبعات الشرعية والقانونية، وقد جاء في مادتين هما:مادة (78) وهي تجيز للرجل أن يلجأ إلى القسم الشرعي لإثبات واقعة الزنا، ونفي الفراش، والذي على إثره ينتفي النسب. وقد حدد البند الأول من المادة (79) مدة الطعن في النسب واللجوء إلى اللعان بشهر من تاريخ الولادة، أو العلم بها؛ شريطة أن لا يكون قد اعترف بأبوته له صراحة أو ضمنا، وتقدم دعوى اللعان خلال شهرين من ذلك التاريخ، وينتفي النسب باللعان، ويمكن الرجوع عنه إذا كذّب الرجل نفسه،. وأعتقد أن مسألة اللعان وهي مسألة فقهية تحتاج إلى مراجعة فقهية دقيقة في ضوء وجود أساليب طبية جديدة؛ للكشف عن نسب المولود بالإثبات أو النفي.
عليه، فإن الحالة الأولى لإثبات المولود العماني، وتمييزه عن الأجنبي تتحدد بقانون الأحوال الشخصية الذي فصل ثبوت النسب الشرعي للمولود القاصر أو البالغ داخل السلطنة أو خارجها، وقد حدد قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (66/1999م) طرائق تسجيل المواليد، وتوثيق واقعة الميلاد وفق المواد الواردة في الفصل الثالث من القانون، وهي المواد (13-21) حيث تلخص كافة الإجراءات المتعلقة بتسجيل المواليد داخل السلطنة أو خارجها، وما يتعلق بإصدار وثيقة الميلاد، وتحديد مسؤولية الإبلاغ، والبيانات التي يجب أن يشتمل عليها واقعة الإبلاغ، أو ما يتعلق بالعثور على مولود حديث مع مراعاة قانون الأحوال الشخصية الذي فصلنا الحديث عنه في كل هذه الجوانب.
عليه فإن ثبوت النسب لأب عماني كاف للحصول على الجنسية العمانية بالأصالة وفق البند الأول من المادة، التي ميزت العماني عن غيره.
الحالة الثانية: تتعلق هذه المرة بالأم العمانية، وحقوقها من حيث أصالتها في المواطنة العمانية؛ فيكتسب أولادها المواطنة العمانية على اعتبار أمرين:
الأول: جهالة الأب أو عدم ثبوت النسب بالاعتبارات السابقة التي فصلناها في الحالة الأولى.
الثاني: فقدان الأب للجنسية العمانية؛ فيعتد في هذه الحالة بجنسية الأم مراعاة لمصلحتها ومصلحة أبنائها، ويعد ذلك تميزا واضحا في القانون العماني للجنسية؛ إذ تتم المساواة ودرء التمييز بين الجنسين في الحقوق والواجبات، وهذا يعني أن اختلال النسب في الحالة الأولى يسوغ الانتقال إلى الحالة الثانية.
بيد أننا نلاحظ أن القانون الجديد قد حذف قيد الجهالة للأب من هذه المادة، وأفرد لها مادة خاصة؛ لتصبح الفقرة نصا كالآتي: (من ولد في عمان أو خارجها من أم عمانية، وكان أبوه عمانيا، وأصبح بلا جنسية)، وهذا يعني أن المولود في عمان من أم عمانية؛ ووصفها مبهم في الفقرة من حيث أصالة جنسيتها، أو أنها قد اكتسبت الجنسية لاحقا بسبب الزواج أو غيره؛ فبما أنها عمانية حين ولادة طفلها؛ فإن هذا المولود عماني أصالتها بسبب جنسية الأم، وجنسية الأب السابقة المفقود؛ ففقد الأب لجنسيته لا يمنع الولد منها.
الحالة الثالثة: وهي مضافة في القانون الجديد، وتتعلق بمن ولد في عمان من أم أجنبية؛ ولكن بإضافة قيدين:
- أن الأب كان عمانيا بصفة أصلية، وأصبح بلا جنسية؛ أي فاقد الجنسية دون تحديد لنوع الفقد.
- أن الزواج بين أبويه قد تم بموافقة مسبقة من الجهة المعنية، وأعتقد أن إضافة القيد الثاني ضرورة قانونية سدا للذرائع.
الحالة الرابعة: فهي تتعلق بميلاد الولد من أم عمانية؛ ولكن النسبة الشرعية بأحد اعتبارات قانون الأحوال الشخصية لم تثبت؛ فالجنسية العمانية لأم المولود يؤدي إلى ثبوت جنسيته العمانية، لأسباب منها:
- أن الأب عماني، ولكن لم تثبت إليه نسبة شرعية؛ فيبقى الاحتمال قائما.
- أن الأم العمانية، وإن لم يكن هناك أب حقيقي ثابت النسب إليه كافية؛ لحماية المولود من فقدان جنسيته.
- أن الميلاد في الأراضي العمانية يعضد الاحتمال الأول بشأن جنسية الأب غير المعلوم.
الحالة الخامسة: يعد الميلاد في الأراضي العمانية مع جهالة الأبوين أمرا مسوغا؛ لمنح المولود المواطنة العمانية وحفظا لحقوقه الإنسانية؛ لأنه ولد في منطقة الجنسية الجغرافية، ويعد الميلاد فيها دليلا كافيا على انتماء أبويه إليها مع افتراض الجهالة أو تحققها.
الحالة السادسة: تراعي ميلاد كلٍّ من الابن والأب في عمان؛ ولكن الأب لسبب من الأسباب فقد الجنسية العمانية واستمر الفقدان، فإن الابن تبعا لذلك يستحق الجنسية العمانية باعتبار أمرين هما: الولادة، والإقامة في السلطنة. وهذه الحالة منصوص عليها في القانون السابق نصا: (من ولد في عمان وجعل منها إقامته العادية، وكان أبوه قد ولد فيها على أن يكون الأب وقت ولادة الابن فاقد الجنسية واستمر كذلك)؛ لأن القانون الجديد كان أكثر مراعاة للجوانب الإنسانية من السابق.
نستنتج مما سبق:- أن البند الأول من المادة الأولى راعى حقوق المولود باعتبار انتسابه إلى أب عماني، بغض النظر عن جنسية الأم ورغبتها، وذلك في القانونين السابق والحالي.
- أن تغليب مصلحة المولود، ورفع الضرر عنه كان حاضرا في كافة البنود التي فصلناها.
- أن الحالة الأخيرة راعت ميلاد كل من الابن والأب فاقد للجنسية في أراضي السلطنة، حتى يستحق الابن أن يكون عمانيا بعد الإقامة في أراضيها وهو في القانون السابق، وتم حذفها بعد استيعابها في بنود القانون الجديد.
- لم يراع القانون حق الأرض أو الدولة كأساس لاكتساب المواطنة الأصلية دون النظر إلى رابطة الدم وجنسية الأبوين؛ إلا ما يتعلق بجهالة الأبوين، أو مراعاة تبعية للرابطة النسبية.
وقد بين قانون الأحوال المدنية في الفصل الثالث من المواد (13- 21) كافة الإجراءات المتعلقة بقيد الأطفال في السجل المدني سواء أكان ميلادهم داخل السلطنة أم خارجها، أو كان الطفل شرعيا معلوم الأبوين أو كان معثورا عليه، ويكون قيده حسب اللائحة المرافقة لقانون الأحوال المدنية ووفقا للشريعة الإسلامية. كما بين القانون الأشخاص الذين تقع عليهم مسؤولية الإبلاغ عن المواليد حسب المادة (16) التي نصت على أن: الأشخاص المكلفين بالإبلاغ عن الميلاد هم:
- أب المولود إذا كان حاضرا.
- من حضر الميلاد من الأقارب البالغين الأقرب درجة إلى المولود.
- من يقطن مع الأم في مسكن واحد من الأشخاص البالغين.
- الطبيب الذي أجرى الولادة أو غيره من المرخص لهم بالتوليد.
- مديرو المؤسسات كالمستشفيات ودور الولادة والسجون والمحاجر الصحية وغيرها من الأماكن التي تقع فيها الولادة.
- الشيخ أو رشيد المنطقة.
- الأم.
ولا تقع مسؤولية الإبلاغ على أي من الأشخاص الواردة بالبنود المشار إليها إلا في حالة عدم وجود من يسبقه في الترتيب، ولا يقبل الإبلاغ من غير المكلفين به.