قيل سابقا أن الحرب الباردة هي التي تكون بين امرأتين؛ لكن ما نراه الآن من أن حتى هذه الحرب الباردة قد خمدت!، ولم تعد نار المنافسة تتأجج في أوساط بيئاتنا ومجتمعاتنا، حيث أصبحت القاعدة التنافسية بين النساء في شتى المجالات فارغة من مرتاديها بدءا من المرأة العاملة وحتى ربات المنازل.
فلا تكاد تستطرد في حديثك وسط في (التجمعات النسائية) حتى تسرد الاسطوانة ذاتها، وقد تختلف الأفواه الناطقة والأعمار والأماكن بتنوعاتها سواء في المدرسة أو الجامعات أو أماكن العمل أو حتى في فناء أحد المنازل، حتى تبدأ السيدات والفتيات في سرد المواضيع ذاتها، والتي تتكرر في كل لقاء نسائي منها موضوع “الزواج” وما يلحقه من تبعات كالولادة والتربية ومعاملة الزوج أو ما يسبقه من خطوبة و”ملكة”، ولا أقصد بقولي إن هذا الأمر لا يجب أن يشغل تفكير أغلب الفتيات أو النساء بشكل عام؛ فهذا حق يشكل جزءا كبير من حياتهن، ولكن ما الذي يدعو لإطالة الحديث ذاته، والولوج في تفاصيل لا فائدة منها، وتلك الألفاظ الساخرة التي تطلقها المرأة على نظيراتها اللاتي لم يحالفهن الحظ في “قطار الزواج”، وهي التي اصطنعته بنفسها ولهثت خلفه، متناسية أن القطار محطات، وإن غادر اليوم سيأتي غدا من ذات الطريق. وهنا يقف القول عند عبارة: “المرأة عدوة نفسها”، ناهيك عن تلك الاحاديث المغلفة بآخر صرعات الموضة وعالم التجميل؛ بحيث يستمر النقاش لساعات طوال فيما لا طائل منه.
وهذا لا يعني اطلاقا عدم وجود من يخترن بدقة مواضيع نقاشهن؛ فقد جلست في إحدى المرات مع مجموعة تفننت في ذكر المواضيع التي أُسلف ذكرها، ثم انتقلت فجأة إلى موضوع بات يشكل هوسا لأغلب المحاورين في أي مجال وهو “الاختلاف المذهبي”، وطال شرحهن حول تأثيره على الحياة الزوجية، وأحكام الزواج والطلاق في كل مذهب؛ مما لا يدع مجالا الشك في نفس أي متلقي حول سطحية التفكير الذي يشوب الطبقة المتعلمة من نسائنا، وبذلك نرفع القلم في الوقت ذاته عن اللاتي لم ينالهن قسط التعليم؛ لأن المتعلمات يجدن ما يملأ أوقاتهن ويشغل شواغر فراغهن، ومع ذلك تنبني نقاشاتهن على السطحية في الطرح؛ حيث تحاور وتناقش ثم تختلف معك لتنتصر عليك في مربع “الفوز و الخسارة” والذي يضعه الغالبية من البشر عند الحوار؛ فما بالنا بغير المتعلمات؟.
ولست هنا بصدد العتاب أو تأطير المواضيع التي تطرح على طاولة النقاش بين المرأة وقريناتها؛ لكن سؤالي هو:
إلى أين تردن الذهاب بخيالكن المضلل يا معشر النساء؟!. كم وددت ولو لمرة واحدة أن أجلس إلى مجموعة يدور نقاشها حول قضية تخص البلد أو العالم بشكل عام إلا ما ندر، بل
بل وصل الأمر أن لا تعي المرأة ما يدور حولها، والشاهد على ذلك تلك الأحداث التي باغتت غزة وما جرى فيها، وبعد عقد الاتفاقية رسلت إحداهن مستبشرة إلى الجميع بنصر غزة وكف الظلم عنها؛ لأتفاجأ بسؤال ما يقارب 65% من المتابعات لي في وسائل التواصل “لم تباشير الفرح!!. ما الذي حصل في غزة؟؟!!، وبغض النظر عن القضايا، فإنني لم أرى مجموعة نسائية ولو لمرة تتحاور حول رواية أو كتاب!، وآخر عهدي بنقاش وجدل هو ما حدث العام الفائت وكتاب “ملح”، حيث تعاظمت موجة الغضب التي طغت على المجتمع برمته، وأصبح الموضوع حينها حديث الساعة.
ولو عدنا إلى أحد أهم الأسباب التي وضعت بالمرأة في قارورة اللامبالاة لما يدور في المجتمع، فإننا بلا شك سنشير إلى تلك الفوهة المغلقة بسدادة والتي تسمى “احتكار المجتمع”، بيد أن الاحتكار هنا من صنع يد المرأة، حيث نسفت أفكارها تحت طاحونة التقليد لما أسلفت نظيراتها فعله من بناء الماضي والحاضر والمستقبل لرجل فحسب، وتناست أن الرجل لا ينحني إحتراما لتلك التي لا تقدر ذاتها وقيمتها، وتغدو على شفا حفرة من الجهل المدقع الذي لا يصنع جيلا يُعتمد عليه، وإن نجحت جداتنا في إخراج جيل من رحم الظلام فذلك لأن ظروف الزمان آنذاك كانت تختلف عما نحن عليه الآن.
ولا يخفى على الجميع ثورة التكنولوجيا التي تأثرت بها مسيرة المرأة، والتي انعكست بدورها على عجلة التنوير الفكري الذي تم مطالبة المرأة به سلفا، وكان حصاده سلبا أكثر من ايجابه، ففي الوقت الذي ترجو فيه الناس حركة تثقيفية تقودها المرأة بقلمها؛ وجدنا أن معظم النساء كن قد ملئن قنينة اهتماماتهن على رفوف المطبخ والموضة، وتناسين بذلك أن التنوير يحتاج إلى يد تطال جميع المجالات؛ لتكون هذه اليد ذاتها قادرة على الامساك بزمام الأسرة التي تشتت بعد غبار الاهمال خلف رياح وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعيدا عن المعوقات التي تعرقل المسير لأجل التنوير؛ فالناظر لسير الصحابيات يجد سدادة الرأي اللاتي تمتعن بها ممزوجة بهموم الدين التي أسبغت على طابع حياتهن، ومن تلك النماذج: خطيبة النساء أسماء بنت يزيد، والتي كانت تسأل المصطفى متفقهة في أمور دينها، وأم سلمة التي أشارت برأيها في صلح الحديبية؛ فأخذ الرسول به، وهذا إن دل إنما يدل على رجاحة عقل المرأة آنذاك. وإننا بهذا القول لا ننسف دور عدد من الناجحات الآن، واللاتي بنين صروحا يقتدى بها في العلم والتنوير الفكري، وإن كان هناك ثمة ركود في الثقافة المجتمعية حول بعض الأمور التي تحتم على المرأة الانصياع لأوامر المجتمع أو التنازل عن حقوقها؛ فلتكن هذه القضية التي تستحق أن تناقش في مجالس النساء، ولا يخفى عليك كامرأة واعية قانون الأحوال الشخصية رقم 32 لعام 1997، والذي حفظ حقوق المرأة وفقا للشريعة الإسلامية، وإقامة علاقة متوازنة مع الرجل تقوم على العدل والإنصاف.
وخلاصة ما آلت له المرأة هو إصابة المجتمعات النسائية بعدوى “الجمود الفكري” الذي يؤطر ما يثير اهتمامها في صورة نمطية تقليدية لا ينبثق منها أي دلالة على التحضر، وهو الذي يجب أن يلامس كيانها وينعكس بدوره في عقلها ناضحا منه التنوير الفكري الذي يحتاجه المجتمع. والنبوغ الفكري لن يتأتى إلا بالقراءة؛ فكيف نريد أن نكون “أمة اقرأ” و”نصف المجتمع” غير مبال بحجم المسؤولية الملقاة على عاتقه حول موضوع تثقيف المرأة لنفسها في مختلف المجالات، وبناء قاعدة وعي وإدراك لما يدور حولها من مستجدات.
اخيرا لا أحد يطلب من المرأة التخلي عن الكماليات التي ترى فيها نفسها، ولا أزكي نفسي بحديثي هذا؛ لكن هناك ما يحتم على المرأة الالتفات له وهو يكمن في جوهرها والنبوغ بشخصية تصنع إنجازا يلوح في أفق التميز. لكل امرأة اقول: كوني في محل ثقة أباك السلطان قابوس، حينما قال في عيده الوطني الثاني: “ولم يغب عن بالنا تعليم الفتاة وهي نصف المجتمع”.