لأسباب كثيرة للغاية يقع الإعلام البديل في عمان في منطقة وسطى، منقطة خلقها المجتمع العُماني في مواقع هي أصلا للتواصل الاجتماعي، وهل كل ما هو في مواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر أو الفيس بوك يعد إعلام بديلا؟
من هذا السؤال أبدا، ومن تلك الأسئلة التي أثارها حسابٌ من حسابات تويتر قام خلال ساعات محدودة بحشد عدد كبير، العدد يشير له [الرقم] وهو عدد المتابعين، ولكن هل هكذا هي اللعبة في عُمان؟ لعبة الإعلام البديل، هذا ما وقع فيه إنسان عماني قريبا، قبل ساعات، تاجرٌ عُماني عليه حكم قضائي مهد الطريق لطرح [حقائقه] على الملأ، وكيف مشت الحكاية؟ هذه حكاية أخرى.
كان النت ذات يوم في عمان [رأيا عاما] لأنه كان فعلا إعلاما بديلا، والإعلام البديل يقوم بمهمة لا تقوم بها المؤسسات، وفي حالة التاجر العُماني في تويتر، فإنه يقع تحت صفه أسميها [الواقع العام]. تغيرت خارطة النت كثيرا بعد الأحداث في الأعوام الأخيرة، ومن هناك انطلق الصوت الجديد الذي أسميه صوت الواقع العام.
التاجر العُماني مهّد في حسابٍ أصبح مفرط النشاط والمُتابعة، مهّد أنه سيفضح ملفات فساد وأنه مظلوم، والإنسان العُماني تلقائيا يصاب بالفضول أولا، ثانيا بالتعاطف، ثالثا بالنقمة، فموضوع الفساد في عُمان دائم التكرر والحدوث، في الإعلام البديل، وحاليا في الواقع البديل. تويتر تحول إلى موقع مختلف تماما عن البداية، البداية التي جعلت البعض يؤمن به كمنصة أو كمنبر أو كحساب شخصي، تغيرت الخارطة عندما دخل الرياضي، ودخل المثقف وغير المثقف، ودخل نساء ورجال الشارع، أصبح تويتر [سبلة] يمارس فيها كثيرون حريّة مقيدة بمائة وأربعين حرفا!! إن كانت الحرية يمكن أن تختصر في هذه الحروف.
حدث جدال مباشر بين التاجر العُماني ومغردين آخرين، ومن الواضح أنّه كان في حالة ربكة شديدة، قمتُ بمناقشة التاجر علنا، ربما لأنني قمت بواجبي كمدون، وتقصيت تقصيا متعمقا عن القضية وحصلت على الأوراق بالأمس قبل نشرها اليوم، وهناك الحقيقة تطرح الواقع العام بشكل مختلف، على صعيد الرأي العام كان التاجر العُماني موفقا، فهو عرف كيف يجذب انتباه الجماهير، وهذه هي المشكلة [الجماهير] لذلك تحول تويتر إلى واقع عام، لأنه يصف البلاد التي نحن فيها بلا رتوش، ويصفها بوعي المواطن العادي الذي يسمى في أدبيات أخرى [رجل الشارع]، من هناك ومن هذا الشارع الإلكتروني، نُشرت الأوراق التي كانت لدي في بريدي منذ الأمس، الأوراق التي كنت قلقا أن أنشرها، والسبب لأن المقاربة في الإعلام البديل لم تعد جهد المدونين والمغردين، المقاربة صارت اجتماعية، ولذلك قام التاجر اليوم بنشر أوراقِه، وهذه هي المشكلة [تصنيف الأشياء].
تكلم التاجر عن رُشى قدمت [للقضاة !!] وليت شعري فإن هذا الموضوع إن لم يكن الخط الأحمر فهو الخط فاقع الحمرة، مع ذلك تفاعل الجميع مع التاجر كما لو كان مظلوما، وهنا المشكلة، كيف يمكن أن تصدق مدانا؟ تكلم التاجر أيضا عن تسجيلات موجودة لديه تؤكد وجود [ظلم] وقع عليه، ولا إنسان يرضى بالظلم على غيره، ولكن هل فهم التاجر العُماني الذي يضع وصلة شركته في تعريفه في حسابه في تويتر، كانت خطوة غير حكيمة منذ البداية، انتظر الجميع الساعة العاشرة صباحا، بينما نمتُ ملء عيني، وفعلا في النهار وجدت أن التاجر قد نشر أوراقه، أوراقه الأولى كما يقول، وهنا ما غير وقلب الطاولة، ولكن أين انقلبت الطاولة؟
المغرد العُماني ليس كائنا سهل الإدهاش، يحتاج إلى مقدمة كاميكازية مثل ما فعله التاجر العُماني، جاء في الوقت الخطأ، لم يعد النت قضية رأي عام صارت الجرائد الآن، والمنطق يقول دائما أن عمل المؤسسة هو الباقي، بينما المغرد أو المدون يمكن أن يختفي من الوجود لو حدث عطل في شركة جوجل كما حدث في عطل عمان تل الذي يشتبه فيه أنه [بفعل فاعل] ولدي الكثير ما يؤكد هذه النظرية.
وجدت الأوراق [ليست كلها] هناك أوراق أخرى تسبب للتاجر إدانة أفدح، على صعيد القانون لا يعرف أحدا ما الذي سيحدث، المدعي العام !! والقضاة !! يا إلهي أين رمى هذا التاجر نفسه.
المتابعون الآن في حالة ملل، وفي حالة تراجع عن القضية، توقع كثيرون أن التاجر سوف يجلب حقائق موثقة، ويقول هو أنه لديه تسجيلات، هذا جهل تام بواقع رجال القانون في عمان، كلهم مدربون جيدا لمثل هذه الحالات، لذلك أتوقع أنه حتى لو نشر التسجيلات، فستكون في سياقٍ عام للغاية، ولذلك قلتُها بالأمس، وإذا بالنهار يقول الكلام نفسه.
المغرد العُماني سريع الملل، لذلك وجد الجميع بغيته في تويتر لأنه فعليا خالٍ من الكتابة، ولذلك يسمون، مغردين، لسبب مناسب للغاية، تويتر الذي يصل للرأي العام عبر الواتساب، أصبح الآن المنطقة الجديدة، المنطقة التي تشرح الواقع العام في عمان، كان هذا التاجر مغامرا ومقامرا، وكل المؤشرات تقول أنه سيختفي مع حسابِه، والسبب ماذا؟ أن التحدي مع القانون ينتهي دائما بخسارة الفرد، وفي عمان أُلحق بخسارة الفرد خسارة الجماعة.
سيكتب التاجر كثيرا، وسيقول كثيرا، ولكنه وقع في أكبر خطأ في الكون، القضاة!! هنا المجتمع يعرف جيدا أن القضاء كانوا دائما في واجهة المصداقية أمام الجميع، من الممكن أن ترى عُمانيا يتظلم من جهاز الأمن، ومن الشرطة، ولكن من هذا الذي يصف القضاء بالفساد!! هذه تحتاج فعلا إلى فريق كامل وإلى مؤسسة صحفية تتقصى، وإلى خبرات في اللعبة العامة.
لم أحصل على الأوراق بأدوات معقدة، ومن يريد أن يعرف البواطن الخفية عليه أن يتخذ مقاربة اجتماعية، لذلك فشل أصحاب الحسابات على شاكلة [ابن الضوء] أو [راعي الرنج] الذين يتابعون مئات ويتابعهم أقل من عشرة، كان فشلا ذريعا في التعامل مع قضية شغلت الرأي العام عدة ساعات.
من ضمن الأشياء الجميلة التي حدثت بسبب هذا الجدال، تدوينة للمدون الزميل حكاية نفر، تتبع فيها نمطا اجتماعيا وإعلاميا في عمان وفي خمسة أيام قال أنه هناك [خمس علكات].
علكة في اليوم، هكذا تحول الإعلام البديل من الرأي العام للواقع العام، والواقع العام أقل ديناميكية من الرأي العام، لذلك اليوم، تجد أن الموضوع قد أصبح [مملا] وأن جميع تلك الجحافل من المتابعين يختفون، وأن لغة تويتر في إعادة التغريد، أو المنشن كما يروق لهم التسمية، قد بدأ يتراجع.
الإنسان العماني ملول بطبعه، وغياب منصات أخرى جعل من تويتر الآن مكانا للعداء المختصر، والعداء به تفاصيل يكمن فيها الشيطان، ولا يلعب بهذه الطريقة.
ختام القضية يختصر المغردون ذلك في مائة وأربعين حرفا، تاجر عُماني مُدان، يكشف أوراقا تدينه أكثر، يتحدث عن فساد لم يجلب أدلة عليه، ويتحدث عن قضية شخصية، الإنسان العُماني العام لن تنطلي عليه الفكرة، ولن ينطلي عليه الهدف، ولن ينطلي عليه التعريف الذي وضعه التاجر بأنه لا يقيم وزنا لأي فاسد.
أسئلة الإنسان العُماني بسيطة: هل ظُلمت؟
هنا يُترك المجال مفتوحا للجميع، ويترك مغلقا للقضاة الذين وضعوا حكمهم باسم سلطان البلاد أعاده الله إلى أولادِه وأجناده بخير وعافية. ختام الكلام أن المقاربة في الإعلام الذي يشرح الواقع العام والرأي العام قد تكون كارثية كما فعل هذا التاجر بنفسه، كيف لنا أن نصدق مدانا؟ وكيف لنا أن نرى حقائق موجودة سلفا في إيميلات كثيرة.
المشهد محزن، والنهاية ستكون محزنة، وللأسف الشديد ستكون إضافة أخرى إلى نكسات الإعلام البديل، نكسات سوف تخرب على الجميع مساحة حرية جميلة بالدخول في قتال مع المؤسسات القوية في عمان. كما قلت لهذا الرجل أن اللعبة لا تلعب هكذا، ولكن ارتباكه وتوتره وانفعاله جعل من أبسط التغريدات تقع في المؤامرة التي في رأسه، المؤامرة التي ستكون نهايتها مواطن عماني آخر يعيش بعيدا وهذا شيء غير مأمون الجانب لأن الأنتربول الدولي قد جلب من قبل متهمين عُمانيين من خارج البلاد، الحكاية من أولها وآخرها حساب في تويتر، سوف يختفي قريبا، وسوف تختفي الحكاية، ويختفي الكلام، ويختفي كل شيء عدا المغردين الذين يبحثون عن [أكشن] جديد، وفي خمسة أيام خمس أكشنات، هذا يكفي لإشباع فضول الواقع العام، ولكنه لا يكفي لإشباع فضول الرأي العام الذي ينتظر الحكاية القادمة بفارغ الصبر. يصدق العُماني أي شيء فيما يخص أي شيء، ولكن فيما يخص القضاء، دخل التاجر معركة خاسرة، والقانون أقوى من المال: ليس بيد المرء إلا النصيحة، أن يتوقف هذا الرجل عن إيذاء نفسه، ولكن ملك السهم قصدَه، والآن سنرى ردة الفعل من الجانب الآخر، ستكون هادئة، وخفية، ومحزنة لمغرد دخل تويتر وهو لا يعرف شروط لعبة الإعلام البديل جيدا. من هناك تبدأ وتنهي الحكاية، من حساب صارخ سيختفي، ومن صراخ موتور سينتهي، ومن متابع مسرور بما يحدث وينتظر القضية القادمة كي يعود إلى قنوات الدش ويتابع آخر أخبار العالم بعد أن يئس من مصداقية النت التي يدمرها الصراخ الذي لا يفضي إلا إلى كارثة.
يريد التاجر أن يفعل كما فعل شمشون، أن يهدم المعبد فوق الجميع، ولكنه هدم الجدار فوق نفسه لنرى فصلا محزنا جديدا قادما لن يعيش فيه سوى هذا التاجر، وفي القسم الخاص لا يوجد ريتويت، يوجد منشن في الأوراق، وهو ما سيحكم بين الجميع في النهاية: القانون !!
أص