تحرص كل دولة على حماية أموالها العامة، وحسن سير الأداء الوظيفي في كافة أجهزتها، ولذلك تقام الأجهزة الرقابة والإدارية والمالية لهذا الغرض، خاصة وأن النفس الأمارة بالسوء تستغل وظيفتها العامة للتكسّب الشخصي، وهذا ما يساعد على تفشي الفساد وتغلغله في أواصل أجهزة الدولة، إذ تنتشر شبكات من العلاقات والمصالح الشخصية بين عدد من كبار الموظفين وهي تهدف لخدمة مصالحهم. ولوقف مثل هذه الحالات؛ فقد صدر المرسوم السلطاني رقم 111/2011، الخاص بإصدار قانون الرقابة الإدارية والمالية للدولة، والذي يهدف إلى الحفاظ على أموال الدولة، والتحقق من تنفيذ القوانين واللوائح والنظم فيما يتعلق باختصاصاته، وتجنب وقوع تضارب المصالح والمخالفات المالية والإدارية.
ويتمتع الجهاز -حسب المادة (2)- بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري ويتبع جلالة السلطان مباشرة، والحقيقة أننا كنا ننتظر من الجهاز العديد من الخطوات فيما يتعلق بالرقابة الإدارية والمالية نظرا لاستقلالية الجهاز وتبعيته لصاحب الجلالة، لهذا نقدم بعض المقترحات التي نرى أنها مناسبة لمكافحة الفساد وإشاعة مبدأ الشفافية، ومنها أن يقوم الجهاز بمراقبة حسابات مسؤولي الدولة من وكيل وزارة وما فوق، أسوة بنائبي الرئيس وأعضاء وموظفي الجهاز، إذ نصت المادة(16) من قانون الرقابة الإدارية والمالية للدولة على أن “يلتزم كل من نائبي الرئيس وأعضاء وموظفي الجهاز بتقديم إقرار ذمة مالية، يتضمن بيانا بجميع الأموال المنقولة والعقارية المملوكة له وأولاده القصر ومصدر هذه الملكية، وذلك عند التعيين لأول مرة، وكل خمس سنوات، وعند ترك الخدمة، وتكون هذه الإقرارات سرية ولا يجوز الإطلاع عليها إلا بموافقة الرئيس”، هذا بالإضافة إلى تعميم المادة (19) من القانون المذكور لتشمل موظفي الحكومة من مدير عام وأعلى؛ إذ تحظر هذه المادة على كل من رئيس الجهاز ونائبيه والأعضاء والموظفين، رئاسة أو عضوية مجلس إدارة أي هيئة أو مؤسسة عامة أو شركة، والجمع بين العمل بالجهاز وبين أي عمل آخر يتعارض مع مقتضيات الوظيفة، ومزاولة الأعمال التجارية أو المهنية، كما يحظر عليهم أيضا قبول أي هدية أو مكافأة أو عمولة من أي نوع يكون لها تأثير على قيامهم بواجباتهم الوظيفية، ويحظر عليهم أيضا إفشاء سرية الأمور التي يطَلعون عليها بحكم وظيفتهم إذا كانت سرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات تصدر بذلك، ويستمر هذا الحظر قائما بعد انتهاء العلاقة الوظيفية.
كما نأمل أن تُنشر التقارير السنوية التي يُعدها الجهاز، والتي يرفعها إلى جلالة السلطان وإلى مجلس الوزراء ومجلسي الشورى والدولة قبل نهاية السنة المالية، ويتم نشر هذا التقرير في كافة وسائل الإعلام، بحيث يسهل على الرأي العام الاطلاع عليه.
نعيد القول بأن مكافحة الفساد الذي يجد بيئته الحاضنة في غياب القانون والرقابة، لا يتمثل في تقديم المتورطين إلى العدالة فحسب، بل يجب أن تسبق هذه الخطوة خطوات أخرى، تتمثل في منح المجالس البرلمانية والبلدية المنتخبة صلاحيات أوسع في التوقيع على الاتفاقيات المتعلقة بعقود النفط والغاز، وكذلك المناقصات التي تقدر بالملايين، إضافة إلى منح وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة والمدونين والكتاب والصحفيين والنشطاء المدنيين، منحهم حصانة تحمي مصادر معلوماتهم، وتكفل لهم حق الوصول إلى المعلومة، والأهم أن تنشر تفاصيل الاتفاقيات وعقود المناقصات في الصحف المحلية، حتى يكون الرأي العام على بينة مما يجري، وحتى تضمن الأجيال القادمة حقوقها في الثروات الطبيعية التي تستنزفها وتستحوذ عليها فئات من الناس تحت مبررات عدة.
إن الرقابة الإدارية والمالية لا تخدم أجهزة الدولة وتحفظ المال العام فحسب؛ بل تصب لصالح العنصر البشري، حيث يحصل الفرد على الوظيفة وعلى المنصب الإداري حسب مؤهلاته العلمية وأدائه الوظيفي.