لا يخفى على أحد ما يدور في العالم العربي والإسلامي من حروب كلامية، انبعثت – للأسف- من أفواه بعض المحسوبين على الإفتاء ورجال الدين وبعض الدعاة ونجوم البرامج الدينية في القنوات الفضائية، وقد اختلط حديث أولئك المفتيين بالسياسة، وابتعدوا عن رسالة الإسلام الحقيقية الداعية إلى السلم والسلام واحترام النفس البشرية، وأصبح البعض ينتصر لطائفته ومذهبه، وكأنه تكريس لاستبدال الطائفة أو المذهب بالدين الإسلامي الحنيف، وحسب المشهد الذي نراه أمامنا فإن هناك أياد خارجية تضغط باتجاه توسيع الشقاق والخلاف في الجسد الإسلامي الواحد، كمقدمة لمخطط تقسيم الأوطان وتفتيت المجتمعات، وقد لا نستغرب أن نرى في المستقبل قيام إمارات مذهبية أو طائفية في المنطقة، على غرار ما فعله المستعمر البريطاني من تقسيم للقارة الهندية ومنح جزء منها للمسلمين في باكستان وجزء آخر لطوائف دينية بما فيها المسلمين في الهند الحالية.
إن الخطر المحدق بالمجتمعات العربية والإسلامية، هو الخطر المذهبي والشحن الطائفي الذي يأتي كمقدمة لإثارة البغضاء والحقد داخل المجتمع الواحد، وقد أفرز ذلك الشحن الجماعات المتطرفة التي تقتل وتذبح باسم الدين.
لذلك نقول: أن التعايش السلمي الذي يتحقق فعليا – ولله الحمد- في عُمان، يأتي نتيجة لطيبة الشعب العُماني، واجماع الوعاظ والدعاة على اعتدال الخطاب الديني، وتعامل النظام الحاكم بحكمة مع المذاهب الإسلامية الكريمة في السلطنة وهذا مكسب من المكتسبات الوطنية المتحققة لدينا؛ ولكن إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه العوامل المحافظة على السلم الأهلي أمام السعير الطائفي، ومحاولة أطراف إقليمية لفرض قناعاتها على دول الجوار. هنا نقول أنه لا يتوجب علينا انتظار التكهنات؛ لأننا نرى بأم أعيننا ما يحدث في بعض الدول من تغليب للخطاب الطائفي على المواطنة، ومن علو للمذهب على الدولة، فمن أخطاء الآخرين نتعلم الصواب، ومن عثراتهم نحصن أنفسنا ومجتمعنا، ونرص الصفوف لمواجهة الأخطار التي قد تأتي باسم المذهبية.
من هنا، نرى أن يتم انشاء المجلس الأعلى للإفتاء برئاسة سماحة المفتي العلامة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، على غرار المجلس الأعلى للقضاء، ليكون جامعا للمذاهب الإسلامية الكريمة في السلطنة، ويتولى هذا المجلس إصدار الفتاوي حسب المذاهب، والرد على الخطابات التي من شأنها الاساءة إلى الدين الإسلامي أو اللحمة الوطنية، ويتولى المجلس أيضا تمثيل السلطنة في المؤتمرات والندوات الدولية في المجامع الفقهية الخليجية والعربية والإسلامية، والهدف من إنشاء المجلس إضافة إلى تحقيق ما ذكرت سابقا، أن نقطع الطريق أمام المتربصين بالسلطنة وشعبها، وعدم ترك المجال لهم للحديث عن مذاهبنا ولا عن سلمنا الاجتماعي الذي يجب أن ندافع عنه ونتمسك به؛ فالخطاب الديني المعتدل الذي نسمعه الآن من علمائنا وسماحة مُفتينا، يجب أن يؤسس لقاعدة قوية ومتينة يشارك فيها أبناء عُمان، وإذا لم نقم بذلك في هذه المرحلة التي نعيشها من التفاهم والمحبة فإننا قد لا نتكهن بما سيأتي به المستقبل، الذي نرى حاضره سوداويا في الجوار. أما إذا ركنا للأماني أو للأحلام؛ فإنها لن تحقق شيئا في مجريات الواقع، وإذا لم نقم بما يكفي من التحصينات لمواجهة السموم التي يبثها البعض ممن تحجّر ذهنه وتوقف وعيه في لحظة من التاريخ، فإننا سنصبح عرضة لتحقيق أهدافهم ومآربهم.
نقول مرة أخرى، إن إنشاء المجلس الأعلى للإفتاء، يُعد لبنة قوية في بناء الدولة المدنية، التي نرى أن السلطنة تسير عليها، والتي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد – حفظه الله ورعاه-، والذي قاد مسيرة الوحدة الوطنية.