تلفت المبالغ المالية الضخمة التي تحصل عليها الجامعات الغربية ومراكز الأبحاث في بريطانيا والولايات المتحدة، من بعض الأفراد والجهات الخاصة في الخليج، أنظار الكتاب ومنظمات المجتمع المدني في الدولتين المذكورتين، خاصة وأن هذه الهبات تصرف دون أي مقابل يذكر سوى وضع اسم هذا الشيخ أو ذاك في برنامج الجامعة أو الكلية المعنية بالدعم، وينحصر الدعم المالي الخليجي على مجالين هما: اللغة العربية والدراسات الإسلامية، بهدف الابتعاد عن السياسة والحقوق المدنية والثقافية، حسبما يذكر الكاتب كريستوفر م.ديفيدسون في كتابه ما بعد الشيوخ الصادر حديثا باللغة العربية عن مركز أوال للدراسات والتوثيق، ويعزو الكاتب سبب التمويل إلى “أنه لا يهدف في المقام الأول إلى التأثير في الرأي العام أو الحكومي في الغرب، بل على العكس من ذلك فإن هدفه غير المباشر، هو التأثير في الرأي الأكاديمي في الغرب” ص178.
ويورد الكاتب أسماء الجامعات والكليات المدعومة من ملوك وسلاطين وأمراء الخليج بمبالغ تتخطى مليارات الدولارات، سواء بتمويل أنشطتها وتوسيع مبانيها أو تمويل البرامج البحثية والدراسية والزمالات الممنوحة، ومنها جامعة إكستر، وجامعة درهام، وكلية لندن للاقتصاد، وجامعة ويلز، وكلية دندى المعترف بها من جامعة أبردين، وجامعة كامبريدج، وجامعة أكسفورد، وجامعة أدنبره، وحتى أكاديمية ساندهيرست العسكرية المعروفة بتدريبها لنخبة الجيش البريطاني والتي حصلت على تمويل من دولة خليجية لبناء سكن إيواء الطلاب يتسع لمئة طالب، أما في الولايات المتحدة فكان التمويل الخليجي يلاقي بعض الصعوبات بسبب تأثير اللوبي الاسرائيلي، ويذكر مؤلف كتاب مابعد الشيوخ، أن في العام 2000 وقّع موظفو جامعة هارفارد وهيئة طلابها على عريضة لرفض عرض لأستاذية ممنوحة في الدراسات الإسلامية من حاكم إحدى الإمارات الخليجية، ولكن مع ذلك فقد حصلت جامعة أركنساس على 27مليون لمركز دراسات الشرق الأوسط التابع لها من تبرعات دولة خليجية مولت كذلك جامعات كورنيل، وروتجرز، وبرنستون، كما حصل مركز التفاهم الإسلامي – المسيحي المشهور في جامعة جورج تاون على هبة بقيمة 20مليون دولار في العام 2005؛ ليحمل اسم الأمير السعودي المتبرع الوليد بن طلال.
قد يبرر البعض أن الهدف من الدعم الخليجي السخي لتلك الجامعات يندرج ضمن غيرة البعض من الممولين على اللغة العربية والدين الإسلامي، وهنا لا نشكك في النوايا ولكن السؤال الذي يبحث عن إجابة، هو هذا التهافت الخليجي على مراكز صنع القرار الأوروبي والأمريكي ودعم الجامعات الأوروبية تارة، وتارة أخرى تمويل مراكز للحوار الاسلامي – المسيحي، بينما بينعدم هذا الحوار بين الحاكم والمحكوم في الخليج.
كان من المفترض أن تصرف هذه الأموال التي تتخطى مليارات الدولارات على الجامعات الخليجية التي تحمل أسماء حكامها من تمويل أبحاث الطلبة والأساتذة ورفع رواتب الهيئات الإدارية والتدريسية، إلى تهيئة البنى الأساسية للمراكز العلمية مثل القاعات التدريسية ومخابر الأبحاث ومعامل التجارب، إضافة إلى تمويل الأنشطة الثقافية والفكرية في الجامعات، هذا مع العلم أنه لا وجود لأي جامعة خليجية على لائحة أفضل 100جامعة في العالم حسب تصنيف 2014، بينما سجلت اسرائيل جامعتين في القائمة هما الجامعة العبرية في القدس في المركز 70، ومعهد التكنولوجيا – التخنيون في المركز 78.
وإذا كان لابد من تمويل برامج أكاديمية وبحثية خارج منطقة الخليج فكان الأولى به الجامعات في الدول العربية الشقيقة، التي تعاني هي الأخرى من ضعف الموارد المالية لتمويل البحوث والدراسات التي ستعود بالنفع على المنطقة الخليجية سواء بابتعاث الطلبة إليها أو على الأقل المساهمة في القضاء على الجهل ومحاربة الأفكار الهدامة التي فرخت العنف والإرهاب الذي يعاني العالم بأجمعه منه ومنها الدول العربية، حيث يجد التطرف بيئته في الأماكن التي يُحجر فيها على التفكير والتنوير؛ فالجامعات والكليات ليست هياكل اسمنتية أو إدارات تمنح شهادات كرتونية، بل هي المنارة المسؤولة عن تطور المجتمع وتقدم الدولة ورقي أنظمتها وإدراتها.
من هنا، يمكننا القول أن التمويل الخليجي للمؤسسات التعليمية في الخليج والمنطقة العربية ليس واجب عروبي فحسب؛ بل خدمة للبعد الأمني الاستراتيجي المتمثل في مكافحة الإرهاب الفكري، وما ينتج عنه من عمليات القتل والتدمير.