ما صرح به معالي محمد الرمحي قبل أيام ما هي إلا حلول أخرى لمواجهة الازمة التي تمر بها المنطقة، وهي ليست سوى عرض لبعض المقترحات التي يُقصد بها جس نبض الشارع أكثر من كونها حلول جادة لمعالجة الازمة، وكمتابعين لتصريحات الحكومة الأخيرة لمواجهة هذه الأزمة -بدءا من تصريحات معالي وزير المالية إلى تصريحات صاحب السمو نائب رئيس الوزراء إلى تصريحات معالي وزير النفط والغاز- فإننا نستخلص منها عدة نقاط، أهمها:
1- لقد أضاعت الحكومة أكثر من 40 سنة من البذخ والمال والغنى، ولم تستفد من الكرم الرباني الذي جاءهم دون أي مجهود، وأخذت تستهلك تلك الثروة الكبيرة في مصالح شخصية وكماليات.. نعم قدمت للشعب الكثير من المشاريع والكثير من الخدمات التي وصلت بنا إلى ما نحن عليه؛ ولكن كان من الممكن أفضل مما كان.
2- لا يوجد هناك خطة واضحة وصريحة لدى الحكومة؛ لمواجهة الأزمة الحالية رغم مرور أشهر على بداية الازمة، ورغم أن بعض دول الجوار قد انتهت من استعراض المشكلة، ووضع الحلول لها وأصدرت قرارتها وتغييراتها في ذلك.
3- لا يوجد قانون أو حتى آلية معتمدة لدى الحكومة؛ لمعالجة مثل هذه الأزمات، فرغم أن هذه الأزمة عالمية وعالية الخطورة على البلاد وعلى القاطنين فيه، إضافة إلى كونها مؤثرة في مستقبل الدولة؛ فإن مجلس عمان لم يجتمع من أجل دراستها ومعالجتها والوقوف عليها، أو حتى مجلس الشورى أو مجلس الوزراء.
4- يلحظ أن هناك ارتباك وتردد لدى أصحاب القرار، والذين من الممكن أن نسميهم الحكومة؛ فمرة يأتي وزير المالية ليضع المشكلة على الطاولة ويطرح بعض الحلول الخجولة التي تصطدم بمعارضة شعبية كبيرة تؤدي إلى ظهور صاحب السمو الذي يقدم تصريحات كبيرة مطمئنة للشارع وفيها شيء من الاعتذار عن تصريحات وزير المالية؛ ولأن الأزمة ما زالت قائمة وتتجه من خطر إلى أخطر، ولأن اقتصاد الدولة أصبح على المحك؛ فإنه كان على الحكومة أن تجد حلولا عاجلة لهذه المشكلة، ولأنها قد استنفذت أحد خياراتها واعتذرت منه فإن عليها الآن أن تطرح حلا آخر بصورة أكثر جدية، فكان التوجه إلى رفع الدعم وفرض بعض الضرائب المالية، أو ما يعرف عالميا بإصدار قانون الضرائب .
إننا كقراء ومتابعين للمشهد، لا نملك تلك القدرات الكبيرة في الاقتصاد لنقيم هذه المقترحات التي تقدمت به الحكومة الرشيدة، ولا نملك أي خبرة استشارية مستقلة من الممكن أن تثق بها الدولة، وتستفيد منها. وهب لو أنني مثلا وافقت على هذا المقترح الجيد، وصفقت للحكومة وشجعتها على المضي قدما في تنفيذه، والذي أراه يخدم المواطنين والدولة معا ويساهم في توزيع الثروة على طبقات المجتمع المختلفة، وعدم حصرها في أيدي التجار وكبار المسؤولين، وهب أنني قلت أننا يجب أن نتشارك في تحمل المسؤولية للخروج من هذه الأزمة، وهب أنني قلت أن هذا القانون موجود في أغلب الدول غنيها وفقيرها، وليس الهدف منه فقط هو دعم الحكومة وإثراء الميزانية وإنما يهدف إلى التحكم والسيطرة على الإقتصاد ونسبة توزيع الثروات بين المواطنين وتحريك الأموال المجمدة، وهب أنني قلت أن هذا القانون كان ينبغي أن يصدر وينفذ منذ سنين طويلة من عمر هذه النهضة وتشكل الدولة الحديثة وليس الآن.. هب أنني قلت كل ذلك فإن أغلب المواطنين لن يوافقوا على كلامي هذا، وسيرمونني بأنواع الشتائم والجنون، وسيقال بأني أحابي الحكومة لأستجدي منها منفعة، ولكن حتى لو رفض الشعب ورفع رايات الاعتراض على هذا المقترح، وأصدر النكات الساخرة منه ورسم الكاريكتيرات المضحكة؛ فإنه الجميع سيرضخ في نهاية المطاف وسندفع الضرائب كالعادة رغما عنا؛ لأننا في دولة القانون حيث يلتزم الكل به، حتى الحكومة هي الأخرى يجب ان تلتزم بالقوانين والأنظمة.
وهنا أتسائل: أليس من الواجب قانونا أن هذه المقترحات، والحلول التي تخرج بها الحكومة علينا بين الفينة والأخرى ينبغي تقدم كمشروع قانون الى من يمثل الشعب في مجلسي الدولة والشورى (مجلس عمان)؛ لدراستها وتقييمها وتعديلها ثم رفعها مباشرة إلى صاحب الجلالة لاعتمادها، وذلك حسب ما نصت عليه المادة 58 مكرر 35 من النظام الأساسي للدولة: (تحال مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة إلى مجلس عمان لإقرارها أو تعديلها، ثم رفعها مباشرة إلى جلالة السلطان لإصدارها .. ). ورغم أن هذه المادة واضحة، والقانون العماني فصل فيها كثيرا ونظمها؛ إلا أن الحكومة ما زالت مترددة ومحتارة في قرارتها، فمرة تطرحها للشعب ومرة تتخذ قراراتها بنفسها، ومرة تنتظر من مجلس الشورى أن يقترح لها، وهكذا تستمر في دوران وتجارب دون أن تنفذ أي قرار لحل الازمة؛ ويستمر مستنقع الافلاس المظلم في جرنا بهدوء وسلاسة نحو الهاوية إن لم نحسن التصرف بمسؤولية وتضحية من أجل الوطن.