أظهرت القضايا الكثيرة المتراكمة والمكثفة في الآونة الأخيرة في البلاد، ومنها قضايا فساد على مستويات متعددة، وتصريحات لمسؤولين، وغرق مستشفى، وغيرها الكثير، ومدى تعاطي وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة وخاصة تويتر والفيس بوك، مع تلك القضايا وعرضها وتداولها، بالإضافة إلى تعامل الإعلام الرسمي معها، أو تصريحات المسؤولين والجهات المختصة ووسائل الإعلام الرسمية، والكتاب والصحفيين الرسميين، أظهرت مدى المسافة الشاسعة والانفصال البين، بين ما يعرض في وسائل التواصل الاجتماعي، وبين مدى مواكبة الإعلام الرسمي لتلك القضايا والحوارات.
فبينما انتشرت مقالات مكثفة وتحليلات كثيرة، حول تلك القضايا في وسائل التواصل الاجتماعي، ووسعت بقعة انتشارها، وزاد عدد متابعيها في تويتر وغيرها، كانت وسائل الإعلام الرسمية تغض الطرف عن جميع تلك القضايا والحوارات الحادة والمستمرة والمنتشرة كثيرا في جميع الأرجاء وعلى كل المستويات، حيث منعت وسائل بعينها من عرض بعض القضايا، كما قامت بعض الصحف بعرض بعض تلك القضايا من وجهة نظر حكومية غير محايدة، وانبرى كتاب رسميين بالدفاع أو التبرير عن بعض تلك القضايا التي لا يمكن تبريرها.
ورغم أن كثيرا مما تم تداوله كان يستحق حوارا معمقا ومحايدا، وخاصة من وسائل الاعلام الرسمية، والبعض منها يستحق تحقيقا قانونيا محايدا أيضا، ومنها قضية التاجر وقضية مستشفى النهضة وغيرها من القضايا؛ إلا أن التعامل مع بعض القضايا الحساسة بتجاهل أو بسطحية، قد يعمق الشعور العام بانتشار الفساد وسيطرته، وصعوبة بل استحالة محاربته أو القضاء عليه، في ظل الإهمال أو التجاهل.
تطوير وسائل الاعلام الرسمية نحو الانفتاح على جميع القضايا الحساسة والمشكلات التي تواجه البلاد، من حين لآخر، وطرح تلك القضايا للنقاش الجاد المفتوح والمحايد، يشارك فيه جميع أفراد المجتمع بشتى توجهاتهم الفكرية، يمهد الطريق نحو مزيد من الشفافية، وكشف الفساد ووسائله ورجاله، كما أنه يمنح مصداقية أكبر لوسائل الإعلام الرسمية بشتى تفرعاتها، ويقلل من سيطرة وسائل التواصل الاجتماعي على المشهد العام.
رغم أنها أصبحت هي مصدر المعلومات الأكثر شيوعا وانتشارا؛ إلا أن كثيرا من تلك المعلومات تفتقر للمصداقية مما يتطلب في المقابل، أهمية التأكد من المعلومات التي تنشر من حين لآخر في وسائل التواصل، وعدم الانجرار وراء التسليم بمصداقيتها أو نشرها، ما لم يتم التأكد من صحتها وواقعيتها.
إيجاد وسيلة تواصل مستمرة بين الجهات الرسمية والمجتمع من خلال متحدث رسمي عن الحكومة سواء عن وزارة الخارجية ومجلس الوزراء ووزارة الإعلام وغيرها، قد يوضح كثير من الإشكاليات التي حدثت وقد تحدث مستقبلا، بحيث يقدم للمجتمع وجهة نظر الحكومة حول قضية أو موضوع ما، كما أنه يوضح الخطوات العملية الممكنة للتعامل مع تلك القضايا المستمرة.
ستظل وسائل الوسائل الاجتماعي المصدر الأول والأهم؛ لتداول القضايا المختلفة في البلاد، طالما يظل الاعلام الرسمي يدس رأسه في التراب عن قضايا الوطن المختلفة، أو يعرضها من وجهة نظر أحادية، ويسمح فقط بمن يكتبون من أجل التمويه أو التلميع للواقع.
كما أن الإعلام الالكتروني والصحف الإلكترونية كانت وما تزال تؤدي دورا هاما في عرض كثير من تلك القضايا الوطنية وتحليلها، إلا أننا نحتاج إلى دور أكثر فاعلية لهذا الإعلام، كما نتمنى في المستقبل قيام فتح قنوات تلفزيونية واذاعية وصحف أهلية، تقوم بدور إيجابي فاعل للتعريف بواقع الوطن وهمومه، وتعرض جميع قضاياه بكل حيادية وموضوعية.
إن وسائل الإعلام سواء منها التقليدي أو الحديث، ما هي إلا مرآة للواقع الذي تعيشه البلاد، وهي تمثل في مجملها صورة ذلك الواقع بآماله وآلامه. وحين تنتشر في وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من القضايا المتراكمة، وتنتشر بهذا القدر الواسع والاهتمام الكبير من أفراد المجتمع، هنا لا بد من التفكير حول أسباب تلك القضايا وكيفية حلها، ولن يقلل اهمالها أو عرضها من واقعية تلك القضايا واهتمام المجتمع بها، مما يتطلب مراجعة شاملة للأسباب أولا، وحل المشكلات بشكل جذري وواقعي ثانيا، وبدون تأخير.