كانت الشوارع والطرقات والفضاء الإلكتروني تضج بتلك الأخبار القادمة من صلالة وصحار ومسقط للمطالبة بـ الإصلاح في البلاد
تمر اليوم الذكرى الرابعة لأول شرارة انتفاضة في وجه الفساد ومطالبات الإصلاح في كل أركان الدولة العمانية، حينما وقف المتظاهرون في صلالة وصحار؛ دفاعا عن مبادئ العدالة ومحاربة الفساد وحق المواطن في ثروات الوطن والدولة. حيث عاشت السلطنة حينها حركة احتجاجية منذ مطلع فبراير 2011 وحتى منتصف شهر مايو، وانتشرت الاحتجاجات المطالبة بـ الإصلاح على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي. وخلافا للثورات الشعبية التي انتشرت في عدد من الدول العربية كتونس ومصر وليبيا، لم تكن دعوات الإصلاح العمانية – أو الربيع العماني كما يطلق عليه بعض الباحثون- تستهدف إسقاط الحكم؛ بل اعترفت صراحة بالبناء العظيم الذي أسس أركانه السلطان قابوس، ونمى نهضة عمت كافة قطاعات البلاد.
لقد اقتصرت مطالبة الأفراد حينها بالعدالة الاجتماعية و الإصلاح السياسي كالمطالبة بإسقاط عدد من القيادات الأمنية والعسكرية بالبلاد، وتحسين الأحوال المعيشية للأفراد عبر توفير فرص عمل وزيادة الرواتب، واستحداث أنظمة وظيفية عادلة ومحاربة المتسببين في الفساد بينهم كبار المسؤولين والوزراء، وتشكيل اتجاه مدني واضح بالبلاد عبر تفعيل الجمعيات والنقابات المتخصصة إضافة إلى إرساء دستور والفصل بين السلطات.
ويقول الباحث والكاتب سعيد الهاشمي – معد وممحرر كتاب الربيع العماني والذي تضمن عددا من المقالات والأوراق والرؤى المختلفة لعدة كتاب وباحثين عمانين حول فترة الإصلاح في عمان- : يرتبط الدافع المباشر وراء الاحتجاجات التي وقعت في عُمان في العام 2011 بالمعيشة والحياة الكريمة. ويرتبط أيضا بالعدالة في توزيع الدخل وهو السبب الذي أثار حفيظة الكثيرين مؤخرًا نظرًا للاختلافات الموجودة في سلم الرواتب بين المؤسسات الحكومية رغم تساوي المؤهلات. أما الأسباب الأخرى فتمثلت في الرغبة في محاربة الفساد الإداري والمالي، وفصل السلطات، واستقلالية القضاء، وتحقيق العدالة الاجتماعية. كما دخلت أسباب إضافية كمحرك أساس لهذه المطالبات وهي استشراء استغلال السلطة من قبل بعض المسؤولين مع غياب المحاسبة الجادة والمباشرة والعلنية. كما طالب مجموعة من المثقفين بمراجعة النظام الأساسي للدولة. وعلى الرغم من أن المحتجين رفعوا شعارات قوية بالنظر إلى الذاكرة العُمانية الهادئة والمتحفظة مثل المطالبة بإقالة عدد من المسؤولين من مناصبهم بل والحديث عنهم بشكل سلبي، إلا أن معظم الاحتجاجات والمظاهرات والاعتصامات التي مرت بها عُمان خلال عام 2011، لم تتطرق أبدا إلى ذات السلطان قابوس بسوء أو إلى قلب نظام الحكم على عكس ما شهده عدد من الدول العربية. وهذه النتيجة تدل بشكل واضح على أن الُعمانيين يكنون حبا صادقا للسلطان قابوس وينظرون إليه باحترام وأن كل ما يريدونه هو إجراء إصلاحات واسعة تساهم في رفع المستوى المعيشي للفرد وزيادة دخله وتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والحد من استغلال المسؤولين لمناصبهم.
سياسة ناعمة في وجه الاحتجاجات
ويتحدث الهاشمي عن الاستجابة الحكومية في دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات: ورغم أن الحكومة في سلطنة عُمان لجأت إلى المداهمات والتفريق، إلا أن ذلك لم يكن مقدمًا على الخيارات الناعمة والسلمية في أغلب الأحيان، وقد استخدمتها بوضوح بعد حزمة التغييرات والإصلاحات ويستثنى من ذلك اليوم الثاني من احتجاجات صحار في 27 فبراير 2011. وما يمكن الإشارة إليه، هو أن حالة ارتباك اعترت الحكومة العُمانية في الأيام الثلاثة الأولى من احتجاجات صحار التي بدأت في 26 فبراير 2011، ويفسر ذلك بحداثة عهد الحكومة بالتجربة وعدم التنبؤ بها وبعنصر المفاجأة والسرعة الذي تطورت فيه الأحداث. لذلك، طغى في البداية الحس الأمني أكثر من غيره، كما وصفت وسائل الإعلام المتظاهرين بالمخربين واعتبرتهم بسبب تصرفاتهم لا يمثلون حقيقة العُمانيين والمجتمع العُماني. إلا أن الحكومة ووسائل الإعلام تداركت هذه الهفوات وتبنت سياسة الاحتواء بدلًا من سياسة التصعيد والمواجهة. وتمثلت هذه السياسة الناعمة في الآتي:
- سيطرة المحتجين والمتظاهرين على دوار الكرة الأرضية في صحار دون تدخل من قبل قوات الأمن. وشمل غض الطرف معظم أماكن الاعتصامات الأخرى. وكان المتظاهرون في صحار يمنعون معظم المركبات من العبور من خلال الدوار الذي استخدموه ليس للتجمهر فحسب بل لإلقاء الشعارات والخطب وأداء الصلوات بما فيها صلاة الجمعة.
- وجهت الحكومة مجموعة من الوزراء بأوامر مباشرة من السلطان قابوس للجلوس مع المحتجين والاستماع إلى مطالبهم رغم الصعوبات والمخاطر التي واجهتم.
- الاستعانة بشيوخ وأعيان المناطق كي يعدل المحتجون عن أعمال قد تؤدي إلى التخريب أو تعطيل مصالح الأفراد والمؤسسات والشركات الموجودة.
- حماية الحكومة للمنشآت الاقتصادية الحيوية كمنطقة الميناء والمناطق الصناعية في صحار لمنع المحتجين من الوصول إليها أو التمركز فيها.
وعلى الرغم من أن الاحتجاجات امتدت لمناطق أخرى في سلطنة عُمان، وصاحبتها أعمال حرق ونهب من أطراف مجهولة مثل ما حدث لمحلات اللولو في صحار ولبعض المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة، إلا أن استخدام السلاح لم يكن خيارًا أساسيا في التعامل مع الأزمة، باستثناء يومي 27 فبراير و 1 أبريل عندما استخدمت السلطة الرصاص الحي وراح ضحيتها في اليوم الأول المواطن عبدالله الغملاسي، واليوم الآخر راح ضحيتها خليفة العلوي. وهذا كان سببًا مساعدًا في حلحلتها بعد جملة الإصلاحات والتغييرات التي أجراها السلطان قابوس.
أما الاستجابات، فقد جاءت في شكل حزم وشملت جوانب كبيرة من مطالبات المحتجين. وما يحسب للحكومة هو سرعة استجابتها واستفادتها من الدروس السابقة سواء على المستوى المحلي أو العربي. حيث صدر عن الحكومة أكثر من 40 مرسوما خلال أقل من شهر من بدء الاحتجاجات. فعلى المستوى الإداري والسياسي، تم إعادة تشكيل مجلس الوزراء بغياب 12 وزيرا سابقًا عن التشكيلة الجديدة، من بينهم وزراء نافذين في الدولة، ومنح مجلس عُمان (مكون من الأعضاء في مجلسي الشورى والدولة) صلاحيات تشريعية ورقابية أكبر، وإلغاء وزارة الاقتصاد الوطني التي كان يحمل حقيبتها وزيرا أبدى المحتجون تحفظا عليه، وإضافة الرقابة الإدارية ضمن صلاحيات جهاز الرقابة المالية “والإدارية”، كما تمّ التوجيه بدراسة إنشاء مجالس للمحافظات ومجالس بلدية (أنشأت فعليًا وقسمت عُمان إلى 11 محافظة وأجريت أول انتخابات للمجالس البلدية في عام 2012)، واستقلالية الادعاء العام عن تبعيته للمفتش العام للشرطة والجمارك، وتشكيل “لجنة فنية من المختصين لوضع مشروع تعديل للنظام الأساسي للدولة بما يحقق حكم المادة الأولى من هذا المرسوم” على أن ترفع مرئياتها خلال 30 يوما من تاريخ المرسوم الذي صدر في 12 مارس 2011. وقد صدر هذا المرسوم بمادتين تقرأ الأولى فيه “يمنح مجلس عُمان الصلاحيات التشريعية والرقابية وفقا لما يبينه النظام الأساسي للدولة والقوانين النافذة”. ويلاحظ أن المادة الثانية المتعلقة بمشروع تعديل النظام الأساسي قد صيغت بقدر كبير من الذكاء. فمشروع التعديل ودور اللجنة لا يشمل النظام الأساسي برمته وإنما اقتصر على الصلاحيات الرقابية والتشريعية الممنوحة لمجلس عُمان. ومعنى ذلك أن مجال عمل اللجنة سيقتصر على الباب الخامس فقط من النظام الأساسي للدولة وليس تعديلًا شاملًا للدستور.
وعلى المستوى الاقتصادي وتنمية الموارد البشرية، فقد تم الإعلان عن 50 ألف فرصة عمل للمواطنين، ورفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص إلى 200 ريال عُماني (زيدت مؤخرًا لتصل إلى 325 ريال عُماني)، وإنشاء هيئة مستقلة لحماية المستهلك، وتخفيض مساهمة الموظفين لصندوق التقاعد من 8% إلى 7%، ورفع المخصصات المالية الشهرية لطلبة مؤسسات التعليم العالي، ومنح الباحثين عن عمل المسجلين لدى وزارة القوى العاملة مبلغا شهريا قدره 150 ريال عُماني إلى أن يحصلوا على عمل، وتم استحداث علاوة غلاء معيشة لجميع الموظفين بالقطاع الحكومي، وأوقفت رسوم عبور المركبات المتجهة إلى خارج البلاد عبر المنافذ البرية، وتم السماح بإنشاء بنوك إسلامية. وفي الجانب التعليمي، تم زيادة أعداد المقبولين في مؤسسات التعليم العالي من خريجي الدبلوم العام “الثانوية العامة”، كما أعلن عن إنشاء جامعة حكومية ثانية، وتم طرح قرابة 1000 بعثة للدراسات العليا.