لقد شهد التاريخ العماني ، المليء بالأحداث الجسام، منها الانتصارات التاريخية المدوية، ضد المستعمرين، وكذلك تمدد الإمبراطورية العمانية ، ومواقفها الخالدة، من القضايا الإنسانية، ومن انتمائها الخالص لعروبتها ودينها وقيمها ومبادئها، ملاحم عظيمة تستحق الفخر والاعتزاز، ومنها موقف العمانيين الخالد من نصرة إخوانهم في العروبة والدين والقيم، في زمن الامام أحمد بن سعيد البوسعيدي (1744-1783)، وتحريرهم البصرة من الاستعمار الفارسي، وهو موقف شامخ، يستحق الإجلال والاحترام والتقدير، وموقف العمانيين في زمن الإمام الصلت بن مالك الخروصي (حكم 237-272هـ)، من نصرة إخوانهم في العروبة والدين في جزيرة سوقطرة، و تحريرها من الاستعمار الصليبي الحاقد، موقف آخر، يستحق الإشادة والفخر والتخليد، عبر تاريخ هذا الوطن المجيد. كما أن الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1711-1718م)، قام بتحرير البحرين من الاستعمار الفارسي، ومواقف وبطولات العمانيين لا تحصى أبدا؛ فهم أول من جاهد في البحر لنشر الإسلام في بلاد فارس والهند والسند، ومواقفهم وبطولاتهم وأمجادهم ونصرتهم للحق وانتماؤهم لعروبتهم وقيمهم النبيلة، لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها أو طمسها أو تزويرها.
ولكن كل تلك المواقف والأحداث الجسام والتاريخ المشرق البهي، بالعزة والكرامة والإنسانية، تحققت عندما كان لعمان شخصية عالمية مرموقة وقوة عسكرية هائلة وانتماء واضح وصريح لعروبتها، وقيمها الإنسانية النبيلة.
ومن المعلوم بالضرورة، أن أي بلد في العالم، لا يمكن أن يكون لها ثقلها الإقليمي والدولي، إلا وفق إمكانات البلد المتاحة، وأي بلد يفتقد تلك المقومات، لا يمكن أن يكون له دور أو شخصية محورية، وأهم تلك الإمكانات، القوة العسكرية، والقوة الاقتصادية، والاستقرار السياسي، والموقع الجغرافي، ورغم أن عمان تملك موقعًا استراتيجيًّا هامًّا جدا، بل الأهم على المستوى العالمي، نظرا لارتباط ثلثي نفط العالم بمضيق هرمز، وتملك استقرارا سياسيا نسبيا، مقارنة بالدول المحيطة، إلا أنها لا تملك أي ثقل اقتصادي، فمن المعلوم أن الاقتصاد العماني ، يعتمد بشكل مطلق على عاملي النفط والغاز، المتذبذبين، ولا توجد للسلطنة أي إمكانات اقتصادية تصنيعية أو زراعية أو غيها، كما أن القوة العسكرية محدودة جدا، ولا تقارن بإمكانات القوى الإقليمية والدولية المتربصة، ولا بالقوة التي كانت تملكها أثناء قيامها بدورها الفاعل والمؤثر في الماضي.
وخلال السنوات الأخيرة، شاركت السلطنة في التحالف الذي قادته أمريكا لحرب العراق، وما أعقب ذلك من تدمير لتاريخ وحضارة وإنسانية الشعب العراقي العظيم وبلاده وكرامته، وما خلف ذلك من قتل وتشريد وسجن وتعذيب وقهر وتنكيل لمئات الآلاف من الشعب العراقي، من قبل البرابرة الأمريكان ومن حالفهم، ثم تلا ذلك تسليم العراق للمليشيات الطائفية المتطرفة، وما سامته للشعب العراقي أيضا، من احتقار وترهيب وتدمير.
كما شاركت السلطنة في التحالف الذي تقوده أمريكا البربرية أيضا، وحلفاؤها في محاربة ما يسمى بتنظيم داعش المتطرف في سوريا، من خلال الضربات الجوية، أو توفير الإمكانات اللوجستية لتنفيذها، وما حوى ذلك العمل، من قتل لكثير من الأبرياء المدنيين، وتدمير الكثير من البنيات التحتية للوطن الغالي العزيز سورية، وكان أولى بهذه القوى المتحالفة خلف لواء أمريكا أولا، أن تقضي على أصل الفساد والإرهاب ومنبعه الأصيل في سورية، وهو النظام السوري نفسه، الذي أذاق الشعب السوري، صنوفًا شتى من الويلات والعذاب؛ منها القنابل الكيميائية والبراميل المتفجرة، وغيرها من صنوف الإرهاب، التي لا يحصى لها عدد. كما شاركت السلطنة في العدوان الأمريكي البربري وحلفاؤه، ضد الشعب الأفغاني وأفغانستان، وما أعقب ذلك إلى الآن، من جرائم ارتكبت ضد الشعب الأفغاني وبلاده، جرائم من القتل والتعذيب والترويع، يندى لها جبين الإنسانية.
ومن خلال استعراض ستة مواقف من التاريخ العماني في الماضي والحاضر، نلاحظ أن عمان كان لها مواقف تاريخية خالدة، تستحق الافتخار والاعتزاز؛ منها موقف عمان من أهل البصرة ونجدتهم من الاستعمار الفارسي، وتحرير البصرة منهم، وموقف العمانيين، من إخوانهم في سومطرة، و تحريرها من الاستعمار الصليبي، وموقف عمان من إخوانهم في البحرين، و تحريرها من الاستعمار الفارسي. وفي المقابل، وفي العصر الحديث، هناك ثلاثة أمثلة لعمان، أولها وقوفها مع التحالف الذي تقوده أمريكا لتدمير العراق، وشعبه وحضارته وتاريخه وإنسانيته، والموقف الثاني، هو وقوفها مع التحالف الذي تقوده أمريكا أيضا، لتدمير ما يسمى بتنظيم داعش، والموقف الثالث هو وقوف عمان مع التحالف الأمريكي البربري وحلفائه لتدمير أفغانستان وشعبها وحضارتها وإنسانيتها.
ومن يقرأ الموقف العماني الحالي، من خلال ما استعرضناه سابقا، يلاحظ أن عمان لم تقف في الحياد من القضايا الإقليمية حولنا، بل شاركت كما شاركت كثيرا من دول المنطقة، وسبب المشاركة، وهو من المعلوم بالضرورة، أن هذه الدول ومنها الدول الخليجية، لا تملك قرارها وإرادتها في مثل هذه الأحداث، بل يطلب منها المشاركة من قبل الدول الكبرى، الإقليمية منها والدولية فتنفذ، وفق ما رسم لها من دور.
ومن خلال تطبيق كل ما سبق على واقع ما يسمى بعاصفة الحزم، وهي الحرب التي شنتها المملكة العربية السعودية ودول الخليج وحلفاؤهم، ضد المتطرفين في اليمن أو من يسمّون بالحوثيين وحليفهم المخلوع، وموقف عمان من تلك الحرب، نلحظ الآتي: أن السلطنة لم تُستَشر أصلا في الدخول في الحرب من عدمه، حيث صرح وزير خارجيتها أنها لم تُدعَ للاجتماع التنسيقي قبل الحرب، ولم تبلغ أو يطلب منها المشاركة، ومن هذا المنطلق، فلا يمكن القول أن عمان اتخذت قرارا بعدم المشاركة بالحرب، لأنها وبكل بساطة، لم تُتَحْ لها فرصة الاختيار لتختار، كما أنه، بالتالي لا يمكن القول أن عمان لم تشارك من منطلق حيادها وعدم خوضها في حروب ومشكلات إقليمية، تؤدي إلى مزيد من التوتر وسفك الدماء في المنطقة، حيث أن عمان شاركت تحت راية أمريكا وحلفائها في تدمير العراق منذ سنوات، وتشارك حتى اليوم تحت راية أمريكا في الحرب ضد داعش، وشاركت في تدمير أفغانستان منذ أعوام، وكلها حروب لا تختلف من حيث المبدأ عّما يحدث في اليمن اليوم، كما أن موقف السلطنة من الأزمة الحالية في اليمن ليس حياديا، حيث وصف وزير الخارجية عاصفة الصحراء، بأنها حرب ضد اليمن، حين قال: لن نكون طرفا في حرب ضد اليمن، ومن المعلوم أن عمان تشارك في حرب ضد داعش بقيادة أمريكا، ولم يقل أحد أنها حرب ضد سوريا، لأنها حرب ضد تنظيم متطرف، وكذلك الحرب التي تقودها السعودية وحلفاؤها ضد تنظيم الحوثيين المتطرف، الذي هدم المساجد ودور حفظ القرآن ودمر منازل الآمنين وقتل العلماء، وهو لا يقل تطرفا عن داعش وتطرفها، فهي أيضا، من حيث المبدأ، حرب ضد تنظيم متطرف، فلماذا المشاركة في حرب داعش هو عمل محترم ومقدر، بينما الحرب ضد تنظيم الحوثيين هو حرب ضد اليمن وشعبه، وهل هذا حياد، أم تطرف وانحياز، وقلبٌ للمفاهيم والقيم والواقع والوقائع. وكان من الأجدى القول إننا لم نشارك لأننا لم يطلب منا ذلك وحسب، وليس لأن مبادئنا لم تسمح بذلك، فكيف تسمح مبادئنا بالمشاركة في الحروب على العراق وسوريا وقبلها أفغانستان، وتمتنع مبادئنا في اليمن، إذا كنا نملك إرادة القرار فعلا، ومبادئنا تحتم علينا الوقوف مع الحق، وضد الظلم والطغيان والاستبداد، والتمدد الطائفي.
وفي الختام، فإن الأحداث العظام والقرارات المصيرية، في الدول ذات السيادة والقانون، تتم وفق إرادة ومشورة الشعب، لا الحكومات، فهي إما أن تتم من خلال استفتاء شعبي، أو تصويت من برلمان كامل الصلاحيات والإمكانات، بينما تحدث هذه القرارات في دولنا وفق أهواء وأمزجة بعض الساسة، ثم يأتي الإعلام ليعدّ انتهاكَ إنسانية الإنسان وتدميرَه عملا أخلاقيا بناء، والوقوفَ مع الظلم والعدوان أو السكوت عنه، هو حقنا للدماء، ومبدأ أصيلا لعدم التدخل في شؤون الغير.