إن الحديث عن واقع قانون العمل العماني يجب أن يتمحور حول مثلث واحد، لا يقوم إلا بهذه العناصر الثلاثة، إن كنا بصدد الرقي بالعمل، وبأوضاع العمال الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية في السلطنة، وهذا المثلث هو مثلث الاستقرار، والذي يستند إلى: قانون الفصل التعسفي، وقانون التأمينات الاجتماعية، وقانون تأسيس النقابات.
خلال زيارتي للقاهرة، كنت قد قرأت كتابا مهما للدكتورة هويدا رومان، وهو بعنوان “العمال والسياسة”، ولم أجده إلا بدار الكتب والوثائق المصرية، وكان كتابا غنيا بتفسير الحالة العربية لأوضاع العمال اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، وأسباب فشل أغلب التشريعات الخاصة بالعمال في وطننا العربي، وخلاصته: أن هناك حالة خصوصية يجب أن تميز تشريعاتنا في قوانين العمل والنقابات، وألا ننسى أننا أخذنا المسميات فحسب، بل استوردناها، لكنها لم تطبق، ولم تبنى بالشكل الصحيح على المستوى الاجتماعي والسياسي، وهو ما قادنا كأمة عربية إلى أن نراوح مكاننا في هذا السياق. ولنعد إلى حديثنا عن قانون العمل العماني، ونبدأ فيه بالمادة 106 والتي تختص بالفصل التعسفي ومحدداتها في مسألة التعويض؛ فقد نص متن المادة على “وجوب إعادة العامل إلى عمله، ونقض القرار الصادر بحقه من قبل صاحب العمل، إذا ما تبين للمحكمة أن فصل العامل كان تعسفيا”. وفسر قانون العمل العماني الحالات التي توجب الحكم على فصل العامل على أنه تعسفي، كما حدد متن المادة نفسها سقف التعويض المادي عن الفصل التعسفي، في حال تعذر صاحب العمل، وأصر على رفض إرجاع العامل. وهنا يلحظ المتابع الآتي: أولا لعدم وجود محكمة عمالية مستقلة للنظر في هذه القضية العمالية الصرفة؛ فإن الدوائر العمالية الحالية والمختصة بالنظر في قضايا العمال، لم تفقه حجم المعاناة والمكابدة التي تصيب العامل جراء تطبيق هذا القانون، والذي لا يتناسب وخصوصية الوضع العمالي بالسلطنة؛ وذلك لفقدانه لجانب مهم، وهو التقدير الحقيقي للضرر الواقع على العامل العماني، بل إن تطبيقه يعد بمثابة خطأ جسيم يرتكبه المشرع العماني؛ لأنه يؤدي إلى إهدار حق العامل وتضييعه بحكم القانون، بما يصب في مصلحة العربدة والغطرسة التي ينتهجها أصحاب العمل ضد العمال العمانيين. ويظهر ذلك في ما نشرته شخصيا في مجلة “العامل” العمانية، لقضايا متعددة ومختلفة تجلت فيها حقيقة الكارثة الإنسانية والاجتماعية التي يتركها هذا القانون وهذه المادة، على استقرار الطبقة العاملة وأسرهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
أما حين ننتقل إلى الضلع الثاني من مثلث الاستقرار آنف الذكر: وهو قانون التأمينات الاجتماعية، فعلى الرغم من شموليته في تغطية الجانب الحقوقي والمالي للعامل العماني؛ إلا أنه يفتقر لركن أساسي، وهو: الكفالة الائتمانية للعامل عند وقوعه تحت مقصلة “الفصل التعسفي”؛ فغياب التأمينات الاجتماعية للعامل والعاملة العمانية، يجعل العبء مركبا عليهم، خصوصا أن غياب التنسيق بين القوى العاملة والدوائر العمالية بالمحاكم والتأمينات الاجتماعية، يجعل العمال في مكمن الخطر؛ وبالتالي يولد الأمر طبقة مهمشة ومنسية. وكثير من الحالات التعسفية في فصل العمال كانت قد أثبتت غياب التنسيق، وغياب الرؤية الشاملة لوضع العامل بعد تعرضه للفصل التعسفي، وكيف يجابه الحياة، وكيف تفقد أسرته المعيل والمورد الاقتصادي لها دون رحمة من المشرع العماني، والجور الذي يتعرض له من قبل أصحاب العمل، وغيرها من أشكال المخاطر التي تقع عليه.
وفيما يتعلق بالضلع الثالث لمثلث العدالة والاستقرار للعمال وهو قانون “النقابات“، فإنني أخص منه المادة 110 و 110 مكرر، والتي أوضحت صراحة بـ “عدم جواز فصل العمال نتيجة ممارستهم العمل النقابي”. وهنا نجد ومرة أخرى المشرع العماني لم يفهم حقيقة هذه المواد، ولم يربطها بالمسار القانوني أثناء الفصل بقضايا العمال، والذين هم أيضا نقابيين، ولا أعجب من حكم تصدره محكمة لا تكترث بالمرسوم السلطاني، ولا تربط بينه وبين قانون العمل، في دلالة مؤكدة على غياب الوعي بالعمل النقابي، وضماناته الحقوقية حسب المرسوم السلطاني رقم 74/2006، والذي أعطى الشخصية الاعتبارية للنقابات، وحصن أعضائها من أي إجراءات انتقامية من إدارات الشركات وأصحاب العمل ضد النقابيين. وكما أسلفت، فكيف تجيز المحكمة الفصل التعسفي، وبذات الوقت تهمل قانونا صريحا وواضحا بعدم جواز هذا الفصل، وبالتالي كان يجب على المشرع العماني أن يرجع العامل النقابي إلى عمله، بعدما أثبت أن فصله كان تعسفيا، ولا يقبل بمبدأ التعويض؛ لأنه لا يرقى ومعالجة الضرر الذي وقع عليه.
وخلاصة القول، أن واقع القانون العمالي بالسلطنة يبقى غير مشجعا للانخراط في القطاع الخاص؛ وذلك لعدم امتلاكه الحد الأدنى من “الأمن الوظيفي”، حتى جاز القول :أن بمجرد هفوة بسيطة للعامل، فإنها قد ترمي به وبأسرته إلى الشارع، والى طوابير انتظار الحصول على فرصة أخرى للعمل، في ظل غياب المنظومة الشاملة لحقوقه، وعدم اكتراث المؤسسات الرسمية والقانونية بتعديل أوضاعه وتأمينها، وجعله لقمة سائغة يفترسها أصحاب العمل والمتاجرين بالرأس المال البشري.
كما يبقى أن نذكر أيضا، في أنه إذا كان هذا حال واقع العامل العماني، فكيف هي الحال للعمال الأجانب، والذين لا يجدون حتى من يطرح مشكلتهم على الساحة!. لكن يبقى بصيص أمل بتغيير قانون الفصل التعسفي وإنهائه، وكذلك مد الحماية التأمينية للعامل أثناء فصله من عمله تعسفيا، وكذلك وجود محكمة عمالية متخصصة في تداول قضايا العمال، وتطبيق صحيح للحصانة النقابية للعمال والنقابيين مما سيؤدي إلى ازدهار الصحوة العمالية بالسلطنة؛ لأن العمال هم بحق العمود الفقري الذي سيعتمد عليه الوطن، والعدالة الاجتماعية تفرض على صناع القرار تحديث أوضاع العمال، حتى لا تبقى مشكلاتهم قنبلة موقوتة، تلقي بضلالها على أمن واستقرار الوطن اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وسياسيا، فهل من مدكر؟!.