لو أردت تلخيص سيرة ومسيرة حياة هذا المواطن العماني ، والعزيز على هذا الوطن ومواطنيه، وفي كلمة واحدة فقط لقلت “الإخلاص”، الإخلاص هي كلمة السر في هذا العطاء الباذخ، والقبول اللامحدود لمواطن عماني أخلص لربه ودينه ووطنه؛ فكتب الله له في هذه السنين المعدودات هذا النجاح الباهر، وهذا الإنجاز المتميز.
لقد كانت الرؤية لهذا الداعية الناشئ، منذ بداية مسيرة حياته الدعوية والعلمية والعملية واضحة المعالم، وكان الهدف مباشرا، وأشد سطوعا وأكثر بروزا من شمس عمان المشرقة في رابعة النهار. لقد كان الهدف الأسمى هو رضوان الله عزوجل، والوصول إلى مستقر آمن في جنات عدن، ومن كان هدفه الله، تلاشت أمامه جميع الأمنيات، وتكسرت حوله كل العوائق والمنقصات.
ومن خلال وضوح الرؤية والهدف والغاية، واستخدام أحدث الوسائل العلمية الحديثة لتحقيقها، كتب الله عز وجل للشيخ المثابر التوفيق والسداد، وكان نموذجا يحتذى ليس في الارتباط الخالص المخلص لله عزوجل فحسب؛ بل في التطبيق العملي لتلك المبادئ والقيم، للوصول إلى الغايات المطلوبة، فكان الشيخ عاملا مخلصا أيضا، كُتب له النجاح في المشاريع المتميزة التي نفذها الدعوية منها والتربوية والعلمية والاقتصادية والادارية وغيرها.
ومع كل ذلك وأهميته، فإن ما وددت التأمل فيه والالتفات إليه والتفكر فيه، هو أمر آخر، الأحرى بنا جميعا الالتفاف إليه، والاعتبار منه في سيرة ومسيرة الشيخ الفاضل خلفان العيسري ، ألا وهو فكر البناء والعطاء والوحدة، لا فكر التعصب والانغلاق والتطرف، فما ميز الشيخ خلفان في دعوته لله عزوجل مع الإخلاص والعمل، كان العمل الجاد المخلص البناء؛ فهو في أصعب الظروف كان يعمل ويبني ويؤسس، لم يعيقه أي عائق مهما كان ذلك العامل، ومع ذلك فقد أنتج مشاريعا متميزة وفاعلة لمجتمعه ووطنه، وأهمها المدرسة المتحدة الحديثة، التي أسست على أسس علمية متينة ومتقدمة، تؤكد على قدرة الانسان العماني على البناء والعطاء والتميز في أصعب الظروف، كما ميز دعوة الشيخ عمله الدؤوب المخلص على الجمع لا التفرقة، والوحدة لا التشتيت، فقد كان فكرة وعطائه الدعوي منفتحا على الجميع، يعمل لربه ودينه ووطنه، لا لنفسه ومصالحه الشخصية ومدرسته الفقهية، وهذا هو ما جعل للشيخ قبولا عاما بين جميع أطياف المجتمع، بل جعل له قبولا أكثر من ذلك، حتى من غير المسلمين فأسلم على يديه أعدادا من غير المسلمين.
إن هذا الدرس بالذات هو الذي نحن في أمس الحاجة إليه من سيرة حياة شيخنا الكريم، وهو تغيير الخطاب الديني الأحادي الموغل في الانغلاق، والمنجرف في بوتقة قضايا الخلاف والاختلاف، والذي ينبش قضايا الفرقة والتعصب، والقضايا التي فرقت جمع المسلمين، وشتت شملهم ولا زالت، والانفتاح إلى قضايا الوحدة والمحبة والإخاء والبناء، وتحرير وسائل الإعلام والصحافة والأوقاف والتربية والتعليم من الفكر الأحادي المفرق الهدام، والذي يروج للفرقة والفتنة، وينبش في أسباب الخلاف، ويتبنى الفكر العملي الجديد البناء، الذي تبناه وعمل به الشيخ العيسري طوال حياته، والذي جمع به القلوب والأفئدة، ويسر الله به من العمل ما يسر.
لذا، وفي هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة الإسلامية، لا بد لنا أن نلتفت إلى تراث وفكر الشيخ الراحل في مجال جمع الشمل وتوحيد الصفوف والبناء والعطاء، وتجفيف المنابع على كل من أراد أن يتاجر في الدين، لمنافع دنيوية أو أهداف شخصية بالتخويف والتعصب والتشتيت، والذي يروج للخلاف لا الوحدة، والفرقة لا الجمع، وينبش قضايا مرت عليها مئات السنين، وهي ليست من الدين في شيء، ومنها ما يستخف بعقائد وعبادات الآخرين، ومنها ما يستخف بمدارس الفكر والفقه لبقية المسلمين لتكريس الخلاف وتوسيع هوته، فينشرون المقاطع المشينة ويبثون أقوال الكتب المفسدة والمفرقة، ويقدمون الفكر المنغلق المعادي للآخر.
إن مجالات الوحدة والبناء لأفراد هذا الوطن العزيز المعطاء كثيرة وعميقة وأصيلة، ويستطيع كل مخلص منا أن يعمل بها ومن أجلها؛ ليزداد المجتمع ألفة ومحبة وتلاحم، كما أن مجالات الخلاف والفرقة عديدة، يستطيع من يتاجر في الدين ويفرق بين إخوانه المسلمين؛ أن يستغلها ويروج لها؛ ولكننا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة، ما أحوجنا إلى أولئك المخلصين لربهم، والعاملين لقيمهم ودينهم ومبادئهم، كي تتآلف بهم القلوب وتجتمع بهم الأمة، وتبنا بهم الأوطان، ولنا في الشيخ خلفان العيسري أسوة حسنة في البذل والعطاء والبناء، ونبذ سبل التكاسل والفرقة والافتراء.