تنشغل الشبكات الاجتماعية منذ أيام بخبر استبعاد عدد من مترشحي مجلس الشورى ، وذلك قبل أيام من انتشار القائمة الأولية للمعتمدين للترشح لعضوية المجلس. وكان عدد من المواطنين قد استنكروا عبر مواقع التواصل الاجتماعي استبعاد عدد من المترشحين، في ما بُرر “بأسباب أمنية”، أو تحفظ على الأسباب.
ويقول إسحاق الأغبري- أحد المستبعدين من قوائم الترشح-: ذهبت لوالي السيب، حيث أبلغني عن استبعادي، وبحسب الأمر الشفهي من الوالي، فقد أوضح أن سبب الاستبعاد هو بسبب خطأ في تسجيل القيد، وعندما طلبت استيضاح الأمر أعلمني “أن السبب هو تسجيلي في القيد متأخرا”، في ما يعد أمرا غير قانوني بتاتا ولا يمت لإجراءات التسجيل بأي صلة، بل أعتقد أنه مجرد تبرير ضعيف، ولقد كان لدي إحساس كبير باستبعادي بسبب مشاركتي في أحداث 2011.
فيما قال بدر الجابري –أحد المستبعدين من قوائم الترشح-: تم إبلاغي بالاستبعاد عن طريق مكتب الوالي، وعند استفساري عن السبب كان الرد هو “تحفظ أمني”، ولقد حاولت استيضاح الأمر؛ ولكن لم أجد إجابة ولا أدنى توضيح. وحول الأسباب يقول: هناك محاولة لإقصاء من شاركوا في أحداث 2011م، ولا يوجد أصل قانوني لاستبعادي؛ لكن فالأمر يشكل علامات استفهام واستغراب، لكونه بعيد عن شروط الترشح حسب القانون.
القانون يمنع المستبعدين من التظلم للمحاكم
وتبدو الخطوات القانونية صعبة أمام المستبعدين من الترشح؛ حيث تقضي المحكمة العليا بعدم اختصاص المحاكم المختلفة في البلاد بالنظر في دعاوي التظلم التي يقدمها المستبعدون من العملية الانتخابية. وعن الخطوة القادمة، قال الأغبري: سأقوم بتقديم تظلم إلى اللجنة العليا المختصة باستقبال الرسائل، كإجراء شكلي دون انتظار أي نتيجة من ذلك. فيما قال الجابري: في هذه الحالة لا يوجد حل سوى توجيه خطاب تظلم لولي الأمر السلطان قابوس، وهو الوحيد القادر لإعادة الأمور لنصابها وطبيعتها.
ويقول الكاتب سعود الزدجالي – باحث في القضايا الفكرية والسياسية: الحذر من الدخول في منطقة (الديمقراطية الإجرائية)، وذلك حينما تمثل الانتخابات الشكلَ دون الجوهر والمضمون؛ وهذا السعي إلى التفريغ من المضمون والمعنى له طرائق عدة؛ ودوافع كثيرة، من بين أهمها انعدام الشفافية، والمنافسة الشريفة؛ وإذا كان مجلس الشورى عانى عبر تاريخه من التحديد في الاختصاصات البرلمانية وهو إشكال بحد ذاته، فإنه علاوة على ذلك؛ نجد ظاهرة جديدة أو قديمة بدأت في التنامي والبروز، وهي ظاهرة (التحفظات الأمنية) على المترشح؛ دونما ارتكاز إلى قانون واضح يجعل العلاقة مبنية على الشفافية والوضوح، وفي حدود القانون، وتاليا يمكن التقاضي فيه في ضوء استقلال القضاء، والغريب أن الفصل الثاني من قانون انتخابات مجلس الشورى؛ الصادر بالمرسوم السلطاني رقم (58/ 2013)؛ في المادة (5) ينص على أن رئاسة اللجنة العليا للانتخابات تكون ممثلة بأحد نواب المحكمة العليا؛ ولكن القانون ذاته يمنع التقاضي إلى الجهات القضائية ضمنيا، ويؤكد ذلك الخطابُ المتداول والصادر عن رئيس المحكمة العليا (بعدم اختصاص المحاكم بمختلف أنواعها بالنظر في الطعون المتعلقة بقرارات انتخابات مجلس الشورى)، ويعد هذا إشكالا في العملية الانتخابية وما يترتب عليها من آثار ديمقراطية مأمولة بعد المرسوم السلطاني رقم (99/ 2011)، والذي أعطى المجلس اختصاصات برلمانية ورقابية وتشريعية مهمة.
غافر الغافري: الاستبعاد لأسباب أمنية مخالفة صريحة للنظام الأساسي
ويرى غافر الغافري – طالب العلوم السياسية-: أن الاستبعاد يُشير إلى إضعاف دور مجلس الشورى، ولتراجع مستوى المشاركة السياسية في السلطنة أيضا. وقال : هناك مخالفة واضحة للنظام الأساسي للدولة في المادة58 مكرر10، وقانون انتخابات مجلس الشورى المادة34، وهما المادتين اللتَّين حدَّدتا شروط الترشح. كما أنَّه من المؤسف أن يكون القانون نفسه، قد أَتبِع بما يمنع الطعن في القرارات والإجراءات الإدارية المتعلقة بالانتخابات، وهذا بدوره يبعث برسالة على “عدم استقلالية اللجان المعنية” أو حيادها، وأنها واقعة تحت عباءة أو سلطة أجهزة حكومية أخرى بالدولة.
الباحث سعود الزدجالي: الاقصاء لأسباب أمنية يفرغ العملية الانتخابية من معناها
وأكد الزدجالي إن هذه الممارسات تفرّغ العملية الانتخابية والديمقراطية من معناها؛ إذ إن الانتخابات في المجلس تعد تمثيلا شعبيا تمارسه المجتمعات المتمدنة؛ فلها الحق المطلق وفق القانون والتشريعات واللوائح؛ اختيارُ من تراه مناسبا في المجالس البرلمانية؛ وليس للسلطة الحق في إسقاط هذا الحق المبني على القانون تعلقا بالأسباب الواهية غير الواضحة بحسب رأيه؛ إذ إن التدخل في الترشح يعني أن العملية تنتقل جزئيا من (حق تمارسه الشعوب) إلى (حق تمارسه السلطة)، وهذا الانتقال يعد تراجعا في تاريخ مجلس الشورى العماني؛ ولا سيما بعد التعديلات الأخيرة؛ فالدولة سابقا اختزلت الاختصاصات البرلمانية في بضع مهام يمكن مراجعتها في المراسيم السلطانية التي عددها (12) مرسوما منذ عام 1986، وحتى عام 2007؛ وقد دللت عليها بالبرهان في كتاب المواطنة الصادر عن دار الفارابي سنة 2014؛ مما ولّد انعدام الثقة الشعبية في مجلس الشورى. هذه الثقة التي بدأت تعود بعد التعديلات الأخيرة كان سبب غيابها ضعف الاختصاصات؛ وقلة الوعي العلمي والثقافي للأعضاء، والمجاملات بين المجلس وأعضاء الحكومة؛ بيد أن الظاهرة الأخيرة تعد إشكالا آخر يمكن أن يحدّ من العملية الديمقراطية بشكل واضح.
فيما اعتبر الأغبري أن ” مجلس الشورى من أكبر مكاسب 2011، والضرب في قوة مجلس الشورى والنيل من هذه القوة بتحييد الشخصيات التي تستطيع أن تؤثر، وتستطيع أن تقدِّم إنتاجا قويا في المجلس، هو نسف لمرحلة التغير في 2011، معتبرا أن هذه الخطوة تهدف لإرجاع المجلس لما قبل الاصلاحات بالبلاد. وأشار الجابري إلى أن “الأمر غير صحي؛ لأن عمان قائمة على ثقافة التسامح، السلطان قابوس اتخذه منهجا، وعالج الاشكاليات بالحكمة، وقد كان لذلك الأثر الإيجابي الكبير في استقرار البلد والتعايش السلمي”.
الغافري: الشورى تجربة نزيهة تعمق مشاركة الأفراد في اتخاذ القرار
وقال الغافري: نعلم حرص السلطان قابوس، واهتمامه السامي بترسيخ منهج الشورى وتطويره، بما يلبي مصلحة الوطن، ويستجيب لتطلعات المواطنين. وأضاف “إن أهداف مجلس الشورى ورسالته، تتمثل في وجوده كمؤسسة برلمانية قادرة على تحمل المسؤولية في تعميق مسيرته، وتقدم أركانه، ولن يُكتَب النجاح لهذا دون عملية انتخابية شريفة، ومشاركة كبيرة وفاعلة من أطياف المجتمع، سواءً أكان من الناخب أو المرشح.
عدد مترشحي المجلس انخفضوا بنسبة 40% عن الفترة السابقة
وأشار بعض المتابعين إلى عدد المترشحين للمجلس قد انخفض هذا العام عن الفترة السابقة بحوالي 40%، بما يوضح التأثيرات المباشرة لاستبعاد عدد منهم. حيث أشارت الأرقام الأولية لوسائل الإعلام ” إلى ترشح 680 شخصا بينهم 21 امرأة، مقارنة ب 1133 مرشحا في الفترة السابقة بينهم 77 امرأة”.
وغرد مواطنون بينهم محامون وكتاب وإعلاميون حول قرار الاستبعاد لأسباب أمنية، وعلق الإعلامي والكاتب سليمان المعمري ساخرا على وسم #اقصاء_مرشحي_الشورى : الاقصاء يعني أن الحكومة تنتقي من يراقب سياساتها، والأفضل في هذه الحالة أن يكون الأمر بالتعيين؛ لتوفير مصاريف الانتخابات في ظل الأزمة الاقتصادية!. وكتب حمد الصواعي: هناك أمل في توظيف الشفافية الحكومية حول حادثة الاقصاء بهدف الحد من الإشاعات.
متابعة: هشام الاسماعيلي