يأتي حديثنا عن خطط وطنية للطوارئ وإدارة الأزمات، كأحد أبرز مجالات العمل الوطني، والتي يجب أن تضع لها دولة المؤسسات الأطر والتشريعات المساندة، وتوفر لها الامكانيات والموارد التي تعزز من قيامها بمسؤولياتها بكل دقة وكفاءة عالية، ولقد أدركت السلطنة الحاجة إلى إدارة وطنية للطوارئ تتوفر لها جميع التسهيلات للقيام بدورها الوطني والانساني والأخلاقي في مساعدة المجتمع، حيث تعمل على تقديم الدعم اللوجستي والقيام بمسؤولية التوعية والتثقيف وإزالة الآثار الناتجة، وتمتلك القدرة على تصنيف الحالات الطارئة بحسب أثرها وتأثيرها وقوتها ونوعيتها وفق موجهات ومرتكزات محددة مع مؤسسات الدولة المعنية، والتي تقدم الخدمات اللوجستية للمتضررين من الأنواء المناخية، والحالات المدارية الناتجة، عبر توفير المأوى وغيره، أو مع مؤسسات الرصد التي عليها متابعة الحالات المدارية بكل دقة وموضوعية، وتعريف الرأي العام بتشخيص دقيق لهذه الحالة، وفق تحليل واستقراء لمؤشرات البيانات الطوبوغرافية؛ فكان وجود اللجنة الوطنية للدفاع المدني، والتي مرت بمراحل تطوير مختلفة في مهامها وتشكيلاتها واستراتيجياتها، سعيا نحو تحقيق الجاهزية الوطنية في إدارة خطط الطوارئ.
إن هذا التوجه الوطني خطوة مهمة ومرتكز عملي لبناء منظومة الوقاية والاستباقية في معالجة المشكلات البيئية، ومواجهة التحديات في إطار مؤسسي، يضمن توفر عناصر الإدارة والشراكة، والتنسيق المنظم، والتخطيط الاستراتيجي، والرصد الدقيق للبيانات، وتوفير برامج التوعية كمنطلقات لإدارة خطط الطوارئ.
ومع إدراكنا لقيمة هذا الجهد وأهمية توظيفه في التعامل مع الأزمات الوطنية بروح عمانية عالية، فإن التأكيد على أهمية توفر خطط للطوارئ والآزمات على مستوى كل مؤسسة بات اليوم أكثر أهمية، فالأزمات في ظل اتساع مفهومها، وتشعب مهامها وتنوع أسبابها ومسبباتها، وتعقد آثارها، لم تقتصر فقط على ما ينتج عن الظواهر الطبيعية والبيئية والأنواء المناخية؛ بل اتسعت لتشمل كل الجوانب الحياتية المؤثرة أو التي يُتوقع تأثيرها على حياة الإنسان المادية والمعنوية، وخطط الطوارئ وإدارة الأزمات إنما هي منهجية عمل تتخذها الدولة في معالجة أي قضية تهم الإنسان “استمراره وسعادته”، وقياس مستوى الجاهزية والاستعداد المطلوب؛ إنما يأتي كممارسة مستدامة يجب أن تعمل خلالها مؤسسات الدولة، كإطار لعملها في مواجهة أي تحديات تؤثر سلبا على الأداء، وتنتج عنها جانب يُعطل من استمرارية العمل وكفاءته، وهنا يأتي منهج الإدارة الوطنية للطوارئ في وضعها للضوابط والشروط والآليات والإجراءات التي يمكن العمل في ظلها لمواجهة المشكلة، أو وضع خطط استباقية يمكن في ضوئها الحيلولة دون وقوعها، وجهود التوعية والتثقيف، ودور الإعلام الوطني أمر جد خطير من حيث توضيح مفهوم الأزمة، وخطط الطوارئ التي يجب أن تعمل في ظلها، ومستدى الدقة والمصداقية والشفافية فيما تقدمه الرسالة الاعلامية، ومستوى الإثراء والوضوح بشأن المعلومة المقدمة، وقدرتها على إثارة اهتمام الرأي العام، وتقبله لها بشكل يفوق ما تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي.
فإن الحديث عن خطط الطوارئ، وبدائل المعالجة، ينقلنا إلى طرح تساؤلات حول مستوى الجاهزية المؤسسية في البحث عن بدائل تعمل بكفاءة عالية في ظل بيئة تشريعية وإدارية وتنظيمية مرنة، تضمن قدرة المؤسسة على الإستجابة الوقائية واللوجستية المباشرة، وهي أولوية يجب أن تحظى بمزيد من النقاش والحوار الوطني الرسمي بشأنها، فإن الحديث عن منظور شمولي في إدارة الأزمات، وخطط الطوارئ، يستدعي اليوم جهدا وطنيا يقوم على الاستدامة، وتمكين الكفاءة الوطنية من ممارسة دورها وقيامها بمسؤولياتها بكل دقة وموضوعية، سواء في التعليم أم الكهرباء أم المياه والسلع الاستهلاكية والغاز، وعبر مواجهة كوارث البيئة، والأنواء المناخية، والأمراض وغيرها، والقناعة بما تم اتخاذه من خطوات إيجابية في سبيل ترقية البنية الأساسية وشبكات الطرق وغيرها؛ فإن مؤشرات التقييم لمستوى الجاهزية تظهر الحاجة إلى جهد أكثر إستدامة، وتعميق للشراكة والوعي، إذ أن من بين الخيارات الإستراتيجية البديلة التي يمكن إعتمادها كاستراتيجية وطنية في التعامل مع حالات الإنقطاع للكهرباء والمياه مثلا تبني سياسات تنموية قائمة على استخدام مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية النظيفة، واتساع استخدامها في الكهرباء والمياه بشكل خاص؛ بما يلبي الطلب المستقبلي عليها، وتوفير حُزم إجراءات تحسينية وتطويرية؛ لتعزيز الإستخدام الذكي للطاقة، وتوفير ضمانات تعزز من الاستخدام الرشيد لها؛ بما يضمن تفاعل المجتمع معها، وتوقعاته بشأنها.
إن ما ينبغي التأكيد عليه في إطار الحديث عن خطط الطوارئ، وإدارة منظومة التحول فيها هو أهمية التركيز على ترسيخ منظومة الوعي الاجتماعي، وتبني استراتيجيات وطنية مرتبطة بهذا الجانب، تعمل على معالجة الممارسات السلبية المصاحبة للحالات الطارئة بكل قطاعاتها، من خلال تشريع يضمن التعامل معها بكل حزم ووفق ما يقره القانون، فإن ما وجه إليه مجلس الوزراء الموقر الجهات المختصة من حيث منع توزيع الأراضي في المنخفضات ومجاري الأودية، ورفع مستوى الجاهزية للطرق الرئيسية وغيرها، مداخل مهمة في تبني سياسات وطنية أكثر مسؤولية في التعامل مع الطوارئ وإدارة الأزمات، وبالتالي أن تبرز الجاهزية الوطنية لإدارة خطط الطوارئ والأزمات مستويات عليا في سرعة القرار واستراتيجيته وجرأته، ومستوى الصلاحيات الممنوحة للإدارات، وللوحدات الحكومية على المستوى المركزي وفي محافظات السلطنة المختلفة، في التعامل مع طبيعة ونوعية وشدة الحالة الناتجة، وتمكين القطاع الخاص من القيام بمسؤولياته اللوجستية الداعمة في هذا الجانب، وبالتالي توفير مصادر للقياس، ونماذج رصد ومحاكاة تضمن لخطط الطوارئ وإدارتها قياس نتائج القيام بالعمل وما بعد انجاز المهمة بصورة تضع اليد فيها على جوانب القصور والإشكاليات الناتجة، وامتلاك أدوات مقننة تستوعب حالة التحول من خلال قراءة شمولية موسعه للحالة المجتمعية، والتأثير المتوقع على جانب الأمن الإنساني في مختلف جوانبه. إن الحديث عن استراتيجيات وطنية مستدامة تأخذ بآخر ما توصلت إليه علوم العصر، وأنظمة إدارة الكوارث والأزمات، يستدعي مزيدا من الشراكة المؤسسية، والشراكات مع مراكز الرصد الدولية في التعامل مع الأنماط المتوقعة من التفكير في طرق إدارة الطوارئ الوطنية، وبالتالي قدرة الجهود المتخذة والأنماط المعتمدة على سد الذرائع لأي سلوك يتنافى مع تحقيق الوعي المجتمعي، وتلبية توقعات المواطن والمجتمع، ورصد المؤسسات لمستوى جاهزيتها واستعدادها لمواجهة الأزمات، وبالتالي مناقشة هذه التحديات والإفصاح عنها حتى يصل المواطن إلى قناعات واضحة بشأن الإجراءات والخطط المعتمدة في ذلك؛ ليتفاعل مع الجهد المبذول بروح وطنية، وحس مسؤول بعيدا عن الإشاعات والتأويلات والتكهنات والفتاوى وتداول معلومات تهول الموقف، وتضخم الحدث وتنشر الخوف بين السكان.