المجالس في عمان، مثل مجلس الوزراء ورئاسة مجلس الوزراء والمجلس البلدي، موجودة في عمان منذ القدم، فمنذ ما يقارب ثمانين إلى مائة عام كانت هذه المجالس موجودة، ولها صلاحياتها، ويوجد هناك رئيس لمجلس الوزراء، كشخصية مستقلة عن رئاسة الدولة، وهي موجودة في دول العالم الأخرى، منذ مئات السنين، ولا توجد دولة في العالم الآن تناقش إمكانية إنشاء مثل تلك المجالس، أو إيجاد رؤساء مستقلين لها، خاصة إن كانت موجودة أصلا في تلك الدول منذ عقود أو قرون، ولكن ما يتم مناقشته بعد تلك التجارب الطويلة، هو تطوير الصلاحيات والإمكانات المادية والإدارية والقانونية لتلك المجالس للقيام بدور أكبر فاعلية من أجل البناء والتقدم والرخاء. وكذا الحديث عن إنشاء مجالس بلدية في الوقت الحالي، واعتبار إنشاء تلك المجالس إنجازا متقدما في حد ذاته، فهو يخالف سير التقدم المتعارف عليه، فالمجلس البلدي لمحافظة مسقط موجود منذ ثلاثينات القرن المنصرم، ولكن الجديد والمطلوب في هذا الشأن هو مدى إمكانات المجالس المادية والإدارية والقانونية الحالية، وهل هي متقدمة عما كانت عليه منذ ثمانين عاما، وما حجم ذلك التقدم، وهل يتناسب مع مرور كل تلك العقود من الزمان، أما إنشاء مجالس بلدية حديثة، بإمكانات مادية وإدارية وقانونية محدودة، فهو لا يعتبر إنجازا ولا تقدما، بل قد يعتبر عكس ذلك تماما، حيث إن الوقوف في نفس المكان لأعوام عديدة وأزمنة مديدة، أو حتى السير إلى الأمام ببطيء شديد، يعتبر تأخرا، إذا ما علمنا أن العالم يسير بسرعة مذهلة إلى الأمام، والمقارنة بين الدول لا تتم من خلال واقعها اليوم، بواقعها منذ عقود، ولكن واقع الدولة بواقع العالم أجمع في الوقت الحاضر، وفي شتى المجالات.
كما أن المطالبة بتعيين رئيس لمجلس الوزراء، من الكفاءات العمانية الشابة، ليس هدفا في حد ذاته، طالما أن رئيس مجلس الوزراء موجود في عمان منذ أكثر من مائة عام في عمان، ولكن تخطي هذه المرحلة بالحديث عن رئيس لمجلس وزراء ومجلس وزراء من شخصيات وإمكانات فاعلة ومؤثرة، في مجال المتابعة والرقابة والتخطيط والتقدم، هو المطلوب حاليا، أما الحديث عن مجرد تعيين رئيس لمجلس وزراء، فهذا يصب أيضا، في مجال الأمنيات الضئيلة المتواضعة، غير الواقعية، مقارنة بواقع عمان منذ مائة عام، ومقارنة أيضا بواقع العالم اليوم، وما يحدث به من تقدم في مجال إدارة الدولة الحديثة، وقيادتها نحو التقدم الشامل، في المجال الإداري والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والعلمي وغيرها.
وكذلك الحديث عن مجلس استشاري منذ أكثر من ثلاثين عاما، والذي تم تغيير مسماه لمجلس شورى، ومنح المجلس بعض الصلاحيات الرقابية والتشريعية، ليس غاية في حد ذاته، بل الأهم من ذلك كله هو وجود مجلس شورى ذي صلاحيات رقابية وتشريعية موسعة وفاعلة، بالإضافة إلى وجود شخصيات ذات كفاءة عالية، لإحداث التغيير المنشود، وخلال فترة الثلاثين عاما وأكثر التي مرت على المجلس منذ انشائه، ورغم إعطاء المجلس بعض الصلاحيات الرقابية والتشريعية المحدودة، إلا أنه من الناحية العملية، وعلى أرض الواقع، لم يلاحظ أي تغيير في نهج المجلس، نحو العديد من قضايا الفساد التي تعاني منها كثير من المؤسسات الرسمية، كما أنه لم يحدث أي تغيير يذكر، في المجال التشريعي القانوني، حيث لم تتغير أي من القوانين الخاصة بتمكين المجتمع والحريات العامة والإعلام وغيرها، كما أنه أضيفت قوانين أخرى، تصب في خانة الحد من الحريات العامة والتعبير عن الرأي، دون أن تمرر على مجلس الشورى، الذي تصب تعديلات القوانين ومراجعتها ضمن صلاحياته الجديدة. وفي المقابل، ما زال كثير ممن دخل المجلس، من غير الكفاءات القادرة على إحداث التغيير، بسبب ضعف قوانين القبول للمترشحين، بالإضافة الى ضعف الرقابة على من يدخل بماله لا بإمكاناته وقدراته الشخصية الذاتية.
ومع كل ذلك، فقد توجت مسيرة مجلس الشورى، بمنع ما يقارب 130 شخصية وطنية من أعضاء مجلس الشورى الحاليين، ومترشحين جدد، دون سند قانوني واضح، يتقبله المترشحون والناخبون، حيث إن هؤلاء الأعضاء الذين تم استبعادهم من المجلس الحالي، ممن يشهد لهم بالعمل الجاد من أجل إحداث التغيير الفاعل المنشود، رغم اختلافنا مع بعضهم في الأسلوب، إلا أن ذلك لا يبرر الاستبعاد، بأي سند قانوني أو غير ذلك، فكثير من مجالس العالم يشهد الحديث فيها تفاعلا وانفعالا، لكن لا يؤدي ذلك إلى المنع من الترشح، بالإضافة الى استبعاد العديد من الشباب الواعي الطموح للإحداث والمتحفز للعطاء.
ورغم أن أعداد المترشحين للمجلس في الفترة الحالية، انخفض إلى ما يقارب النصف تقريبا، نتيجة الأداء المتواضع للمجلس خلال الفترة الحالية، ولعدم قناعة الكثير بإمكانية إحداث التغيير من خلاله، فإن ذلك يضع علامة استفهام كبيرة حول مدى رغبة الناخبين للإدلاء بأصواتهم خلال الفترة القادمة، علما أن كثيرا منهم قد تم استبعاد مرشحيهم دون مبرر مقنع، أو سند قانوني واضح، يخل بشروط الترشح.
ورغم أهمية مجلس الشورى لكثير من دول العالم، في تمثيل المجتمع بأكمله، ورقابة أداء الحكومة، ووضع التشريعات المناسبة لحماية حقوق الإنسان والإعلام وغيرها، بل إنه أداة هامة جدا من أدوات التغيير والتطوير، إلا أننا لا نرى أي تقدم يذكر في سير مجلس الشورى بوضعه الحالي، من حيث آليات اختيار المترشحين وشروط الترشح، والصلاحيات الرقابية والتشريعية، ومدى تطبيق تلك الصلاحيات على أرض الواقع. وفي المجمل، فإن المجلس لا زال دون الطموح، من حيث الأداء ومدى التقدم.
وكل ذلك قد يجعل كثير من الناخبين، وخلال فترة الترشيحات القادمة، يمتنعون عن التصويت، إما تعبيرًا عن رفضهم لمنع مرشحيهم من الترشح، وإما لعدم اقتناعهم بواقع ومستقبل المجلس، في ظل الأداء والصلاحيات والإمكانات الحالية.