يرتبط تحقيق الأمن بوجود شراكة مجتمعية تبدأ من الفرد ذاته وتستمر معه في كل مراحل حياته في إطار تعميق فهم الفرد والمجتمع لمسؤولياته نحوه، وحدود هذه المسؤولية ونطاقها، وما يرتبط به من مستوى الثقافة والوعي ونمط التفكير لديه ومدى حضور قيم الأمن في سلوكه اليومي كالسلامة والوقاية والجاهزية واتباع التعليمات وغيرها، بحيث يضع لنفسه إطار عمل واضح في تفاعله مع مقتضيات الأمن، وانتقاء الممارسات الأفضل التي تؤصل عادات الأمن في نفسه وأسرته ورفاقه وزملائه ومكان عمله، ومستوى التأثير الذي يحمله في سبيل تغيير القناعات المغلوطة لدى البعض منهم حول متطلبات تحقيق الأمن وآلية تحقيقه والمساومة عليه، فإن كون الأمن من الخطوط الحمراء التي لا يصح التعدي عليها لا يعني سلبية التعاطي معه وترك المهمة لمؤسسات الأمن فقط، بل أن يكون جزءا من المسألة الأمنية يساهم بفاعلية في صناعة الأمن من خلال تعميق قيمة الممارسة الأمنية الراقية وترسيخها في المواقف الحياتية ونماذج القدوة والتأثير في إطار المسؤولية التي يقوم بها الفرد في المجتمع كأب أو أم أو مسؤول أو متعلم وغيره، وأن يعي حدود المسؤولية حتى في نمط الخطاب والتخاطب مع الآخر في ظل ما تتيحه شبكات التواصل والمنتديات الالكترونية من حوارات ومناقشات مستفيضة قد تصل إلى الجدال المذموم، فالشعور العفوي بقيمة الأمن يعزز مستوى التمكين الذاتي والحس المسؤول، فيبعث فيه المزيد من العمل نحو تلمس الأمن في كل مواقف الحياة ومعطياتها وطريقة تعامله مع أسبابها ومسبباتها، وعندما يكون الأمن إطار عمل الفرد تجده يقف عند حدوده ويسعى من أجل تعميقه في ذاته ويبحث عن كل الفرص التي تحققه ويبتعد عن كل ما يؤدي إلى غير ذلك، فيؤصل معرفته بالحقوق والواجبات والمسؤوليات وما المسموح من غيره، وكيفية الوصول للحقوق، وجعله منطلقا لأقواله وأفعاله وتصرفاته وطريقة معالجته لأمور حياته.
إن الأمن في ظل الشراكة مرحلة اندماج وترابط كل المقومات الفكرية والنفسية والاجتماعية والقيمية في ذات الفرد ومع الآخر لتشكل بدورها سياجًا يحمي الوطن من الانحراف الفكري العكسي لأبنائه الناتج عن نظرة أحادية تغلبها مصالح الذات، فيصنع فيه مناخات مستدامة من الالتزام ومسارات واضحة للعمل وتحولا ذاتيا في طريقة تعبيره عن احتياجاته الشخصية في إطار قيم المجتمع، وعندها يتحرر الفرد من عقدة الأنا والحدود الضيقة التي رسمها لنفسه فيهتم بالآخر ويسعى لصناعة أمنه الاجتماعي فتتأصل في نفسه وأسرته ثقافة الأمن المبنية على تمجيد الوطن كقيمة حضارية إنسانية توجه لها كل الجهود وتنفذ من أجلها السياسات والخطط والبرامج، فيصبح الوطن مناط العمل ونتاج الجهد. إن فهم هذه الغاية مدخل رئيس لتحقيق الأمن الذي يجد فيه الوطن وحدة أبنائه وتكاتف أفراده وزيادة مستويات العمل المشترك بين مؤسساته وفهم الأطر التشريعية والقانونية والتنفيذية في الوصول إلى الحقوق وفرص مواتية لتحقق أبعاده في سلوك الفرد وممارساته، وستظهر نتائج هذا العمل المشترك من خلال منظومة قيمية أخلاقية تؤكد العدالة الاجتماعية واحترام المسؤوليات، وسيتولد عن ذلك فكر متزن حتى في طريقة التعبير عن حب الوطن، فتحقيق الولاء والانتماء يأتي في إطار تعميق هذا الحب من خلال طبيعة الإنجاز النوعي الذي يقدمه من أجل وطنه من مبادرات ومشاركات في كل مجالات الحياة وتوظيف خبراته ومواهبه في خدمة وطنه، إن تكامل هذه الجوانب يُشكل إطارا عمليا ينقل دور الفرد فيه من مجرد نظريات ومفاهيم ومصطلحات إلى واقع ممارس ونماذج عمل مضيئة، فيجد في العمل التطوعي والمبادرة الجادة والمسؤولية المهنية الطريق الذي تتعزز في ظله مناخات التنمية وتنمو خلاله قيم الابتكار وتظهر في تكوينه أخلاقيات الإنسان الواعي المحب لوطنه والمساهم في رقي حضارته وتقدمه.
ويستمر هذا الدور من خلال الأسرة وأنموذج التربية الوالدية وأساليب النصح والحوار الأسري في توجيه الأبناء، إذ من شأنه أن يعزز من وجود أسرة متماسكة قادرة على ممارسة دورها كمساند لمؤسسات الدولة في تحقيق الأمن والاستقرار فإن عمق الحوار والثقة والتعاون الحاصل على مستوى الأسرة والتماسك بينها وفهم الأبناء لمتطلبات الدور المنوط بهم نحو وطنهم، سوف ينعكس على منظومة الأمن، كما يستمر هذا الدور في محاضن التربية ومؤسسات التعليم والمدارس التي عليها تعزيز النموذج الأمني الواعي فيما تغرسه لدى المتعلمين من قيم المواطنة والوحدة والتسامح والتعايش بين أبناء الوطن الواحد وما تعززه فيهم من قيم الاحترام والالتزام والانضباط وما تحرص عليه من تربية فكرية نقدية تعزز فيهم قيمة الرأي والرأي الآخر والقراءة المعمقة للأحداث المرتبطة، وتقدم المؤسسات بمختلف مستوياتها دورا محوريا في ذلك بما تؤصله في العاملين بها من قناعات إيجابية وترسخ في أذهانهم من أنماط فكرية معتدلة، وبما تخلقه فيهم من التنافس في خدمة الوطن واحترام المسؤوليات والمحافظة على المال العام، وينتقل هذا الدور إلى المجتمع بكل أطيافه وفئاته وثقافاته وأنماط الحياة اليومية وأساليب التعامل وقدرته على ضبط السلوك الاجتماعي وتحويله لصالح تحقيق الأمن، ويصبح دور المجتمع في ظل هذه المنهجية القائمة على التشاركية في صناعة الأمن والوقوف مع كل ما يحقق الاستقرار ونبذ الفكر السلبي وأن يكون رجل أمن في تبليغ الجهات الأمنية عن أي نشاط فكري أو ممارسة تستهدف استقراره وسعادته ويأتي في ذلك الإبلاغ على الجرائم أو الذين يدخلون أراضي السلطنة بطرق غير قانونية، وفي الوقت نفسه ترسيخ عادات الأمن كالسلامة والوقاية وأخلاقيات الطريق والثقافة القانونية والمحافظة على البيئة والحفاظ على الممتلكات العامة وحسن استغلال الموارد والاعتراف بالجهود التي تقدمها الدولة في مجالات التنمية والوقوف مع الأداء الحكومي والبرامج التنموية باعتبارها فرصًا عليه أن يستثمرها لصالح الاستقرار الوطني.
وعليه فإن النظر إلى الأمن كشراكة تستهدف تحقيق جودة حياة الإنسان وسعادته واستقراره يرتبط بكل ما يمكن أن يتصوره في سبيل هذا الهدف، ويعكس حالة الاستدامة في تعميق سلوك الأمن التي لا تنظر لمعيار الزمان والمكان، بل تتم في إطار تكامل الفكر والوجدان والممارسة في ظل منظومة قيمية راقية وحس إنساني يجد في أمن الوطن واستقراره سبيله للعيش في عالم التحديات، فإن المطلوب من أبناء عمان استشعار هذه المسؤولية واستدراك طبيعة السلوك المطلوب ودور الجميع أفراداً وأسراً ومؤسساتٍ في تحقيقه كل في إطار مهمته ونطاق مسؤولياته.