تشكل قضية الصلاحيات الممنوحة لمجلس الشورى جانبا مهما من القضايا التي تم تداولها ومناقشتها خلال الأيام الماضية عبر الشبكات الاجتماعية، وبينما عبر مستخدمون عن رغبتهم في أن يتم تطوير منظومة تلك الصلاحيات تعزيزا لقوة المجلس، أشار آخرون إلى عزوفهم عن التصويت استنادا إلى عدم قدرة المجلس الحالي على تلبية تطلعاتهم.
وفي هذا الصدد، يقول عضو المجلس السابق والمترشح للفترة الحالية عن ولاية بوشر، محمد بن سالم البوسعيدي: المجلس يحمل صلاحيات جيدة حاليا وتستطيع أن تخدم الجوانب الرقابية والتشريعية وعلينا أن نعمل على تفعيل هذه الصلاحيات قبل الحديث عن صلاحيات جديدة. بينما أشار العضو السابق للمجلس والمترشح للفترة الحالية سلطان بن ماجد العبري، ممثل ولاية عبري: إلى أن هناك بعض التطور في منظومة عمل المجلس، ويعتمد ذلك على المواطن الذي أوصل هذا المترشح للانتخاب.
بينما يعتقد المدون غافر الغافري – طالب العلوم السياسية – أن الفترة القادمة من عمر الشورى لن تكون إلا حلقة متصلة للفترة الحالية، ولا وجود لأي ملامح لتعديلات قادمة في ما يخص صلاحياته، حيث يأمل أن يتمكن المجلس القادم من تفعيل الصلاحيات الحالية على الأقل والعمل بها بشكل أكثر فاعلية وذي جدوى. ويضيف: أتمنى أن ينجح المجلس في العمل بلائحته الداخلية ونشرها في الجريدة الرسمية حتى تصبح سارية قانونًا.
بينما يقول الباحث سعود الزدجالي: عند النظر في مستقبل “الإصلاحات المرتقبة” لمجلس الشورى، والتي تمس الجوانب التشريعية والرقابية؛ فإنه لا بد من استحضار أمرين: يتمثل الأول بتاريخ المجلس منذ إنشائه ومراحل تطوره، ويأتي الثاني ليحدد السلطة التي يستمد منها المجلس ممارسة أدواره وتفعيل أدواته البرلمانية؛ إذ نلاحظ أن مجلس الشورى كان بطيئا جدا في التطور والتغير نحو ممارسة الأدوار الرقابية والتشريعية خلال تاريخه؛ بخلاف ما هو شائع عنه من حيث التدرج في التطوير؛ إذ تشهد الوثائق الحكومية المتمثلة في المراسيم السلطانية أن التحديث في المجلس كان بطيئا جدا؛ لقد بدأ العمل بالتجربة البرلمانية في السلطنة منذ عام 1981؛ بالمرسوم السلطاني رقم (84) بإنشاء المجلس الاستشاري للدولة الذي تحول إلى مجلس الشورى عام 1991 إثر أحداث حرب الخليج الثانية، ونلاحظ أن (12) مرسوما سلطانية بشأن مجلسي الشورى والدولة لم تضف جديدا بشأن تفعيل الأدوات البرلمانية؛ حتى جاء المرسوم السلطاني رقم(99/2011) فرفع سقف الصلاحيات إلى ما هو عليه الآن تشريعيا، ولكنها ما تزال ضعيفة واقعيا وأدائيا، ونستنتج من ذلك كله أن السلطة هي الوحيدة القادرة على التغيير والتحديث في الدولة. وأضاف، أما الأمر الثاني فإنه يتعلق ب”السلطة الحقيقية” التي يستمد منها المجلسُ ممارسة صلاحياته، وهي تكمن من القوة الانتخابية والديمقراطية للمجلس؛ فالمجتمع هو المانح لهذه السلطة وليس الحكومة، وعضو مجلس الشورى عضو برلماني وليس موظفا في الدولة.
البوسعيدي: الوسائل الإعلامية بتنوعها تظل متأخرة عن التوعية بمراحل العملية الانتخابية
و تحدث البوسعيدي عن دور وسائل الإعلام الحكومية في تعزيز أسس الانتخابات الصحيحة، ونشر الوعي بأهمية النزاهة في العملية الانتخابية قائلا: لا شك أن هذه الجهود ستساهم في تعزيز أسس الانتخابات الصحيحة، ولكن أعتقد أن هذه الجهود غير كافية وتأتي عادة متأخرة جدا وبعد إغلاق القيد في السجل الانتخابي؛ إذ لا زالت أعداد كبيرة من المواطنين غير مقيدين في السجل الانتخابي. وأضاف، كما أن التأخير في إعلان قوائم المرشحين ساهم في هذا العزوف ولم يتح الوقت الكافي للمترشحين الحديث مع المواطنين وإقناعهم للمشاركة في العملية الانتخابية، كما أن مجال الدعاية الانتخابية فتح قبل فترة بسيطة من غلق مجال القيد في السجل الانتخابي، و بعد غلق مجال نقل القيد أثر سلبا كذلك في حجم الإقبال على الانتخابات.
وعلق الغافري بقوله، تظل هذه الوسائل بتنوعها متأخرة وبسيطة في اتصالها بالمجتمع، حيث لم تُثبت فاعليتها في حث الأفراد على التسجيل وتثبيت قيدهم في السجل الانتخابي. وأضاف، أنه ليس متفائلا من قدرتها على تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية العملية الانتخابية كحق أصيل في المشاركة السياسية، وحثهم على عدم المقاطعة، وأهمية أن يكون الاختيار بعيدًا عن تأثيرات الوسائل غير المشروعة. ويرى الزدجالي، أن الجهات الإعلامية والمبادرات المجتمعية لن تسهم كثيرا في “تعزيز أسس الانتخاب” مع أهميتها في مجتمعاتنا التي تنزع إلى التكتلات القبلية؛ فعلى الدولة أن تعي ضرورة غرس قيم الديمقراطية والمدنية في أجيالها عبر منظومات التربية، وسلطة القانون.
تراجع الوعي الثقافي للأعضاء المنتخبين، يؤدي إلى المجاملات تجاه السلطة التنفيذية
أما عن فرصة نجاح المجلس في المستقبل، فيقول البوسعيدي، مجلس الشورى مهيأ لأن يحقق نجاحات كبيرة بشرط قيام المواطن بواجبه في اختيار المترشح الأكفأ، وقيام الأعضاء بممارسة وتفعيل صلاحياتهم في الوجه الصحيح، و كذلك تجاوب و تعاون الحكومة مع المجلس. وذكر البوسعيدي، أنه إذا أدى كل طرف من الأطراف الثلاثة دوره على الوجه الأمثل فسيكون لدينا مجلس ناجح ويرقى لمستوى التطلعات والطموح.
بينما يقول الغافري: ما نأمله هو وصول مجلس قوي بأعضائه وأهمية إدراكهم ووعيهم الحقيقي لما انتخبهم الناس من أجله أكان ذلك بفكر الشباب والكفاءات الذين ندعم وصولهم لقبة المجلس ونُعوِّل على وجودهم في إحداث تغيير حقيقي في تأصيل العمل البرلماني. بينما تحدث الزدجالي عن تلك العوامل التي تسهم في نجاح المجلس كالإدارة القوية لمجلس الشورى، وإيمانها بأهمية الصلاحيات الواردة في المرسوم السلطاني (99/2011)؛ مشيرا إلى أن الإمساك بالإدارة الحالية للمجلس سيقف عائقا في المستقبل للتطوير والممارسة البرلمانية. وهذا يستدعي ترك المجاملات عند انتخاب رئيس للمجلس. وأضاف: وضوح فصل السلطة التنفيذية المتمثلة في الحكومة (مجلس الوزراء)، عن السلطة البرلمانية، وسلطة القضاء؛ فهذا الفصل الضروري لا يزال ضبابيا في السلطنة وغير واضح؛ مما يؤدي إلى انعدام (إدارة المعرفة) والانسيابية في المعلومات التي تعد الأساس الذي يبني عليه المجلسُ أدواره وأدواته؛ ففي الدورة الحالية والسابقة هناك مزيد من عدم الوضوح في المعلومات. كما أوضح أن، قلة الوعي العلمي والثقافي للأعضاء المنتخبين في المجلس بالقضايا البرلمانية والسياسية؛ مما يضعف أدوارهم، وسلطتهم المعرفية، ويؤدي إلى المجاملات تجاه السلطة التنفيذية.
الزدجالي: أعضاء المجلس يغادرون سقف البرلمان إلى مهام واختصاصات جزئية
وعن صلاحيات المجلس أكد البوسعيدي أنه ما زال هناك بعض المترشحين يتحدثون عن جوانب خدمية ليست من صلاحيات مجلس الشورى في حملاتهم الانتخابية. وأضاف: هناك فئة كبيرة من الناخبين متمسكين بهذه المطالب الخدمية ويضعونها على سلم أولوياتهم في اختيارهم لمرشحيهم. وقال العبري في الحديث عن دور الرقابة والتشريع وسد فجوات التنمية بقوله: ليس هنالك اختلاف ضمن الرقابة، وهي رقابة ناتجة عن عدم العدالة في التنمية. حيث نمت محافظات على حساب محافظات أخرى، وبالتالي فدور العضو تصويب ذلك والمطالبة بسد الفجوة بالبيانات الصحيحة والموثقة.
وأشار الغافري: هناك تباين في فهم أعضاء المجلس أنفسهم لصلاحيات مجلسهم كجهة برلمانية وذلك مرده الأساسي إلى أمرين، أولهما ثقافة المجتمع، والعضو اللذين لا يدركان العمل البرلماني ودائمًا ما ينصب الاهتمام على المشاريع الخدمية أو الاتجاه للإثارة، وثانيهما إلى الجهات المعنية التي لم تُفَعِّل المجالس البلدية في المحافظات بشكل كافٍ وملموس، وكل ذلك أثر سلبًا في العمل بالصلاحيات الممنوحة لمجلس الشورى لتركيز عضو المجلس على الاهتمام بشق الخدمات وعمله كساعي بريد لطلبات المواطنين في الجهات الحكومية. وأشار الزدجالي إلى، أن أعضاء المجلس يغادرون سقف البرلمان إلى مهام واختصاصات جزئية ليست من المهام والأدوات البرلماني، وهو يؤكد ضحالة الثقافة العلمية السياسية والبرلمانية: مثل: سد العيوب في البنى التحتية، أو حل المشكلات الاجتماعية الفردية.
الغافري: “انعدام ثقة المواطن” في الأدوار الرقابية للمجلس
وكان مجلس الشورى قد شهد استبعاد مرشحين من الانتخابات في المرحلة الأولى دون ابداء أسباب لمنع مترشحين من التنافس، وحول الأمر، علق البوسعيدي قائلا: القائمة الحالية للمرشحين لا تخلو من الكفاءات، ونسبة كبيرة منهم من حاملي المؤهلات والخبرات، الكفيلة بتفعيل أدوار المجلس الرقابية والتشريعية. وأضاف: على الناخبين أن يخلصوا في اختيارهم لمرشحيهم. وأيده العبري بقوله: لا أعتقد أن ذلك سيؤثر على سقف توقعات المواطن؛ بسبب وجود جهات رقابية تقوم بدور الرقابة ولا تستثني أحدا. وأوضح الغافري، أنه من الطبيعي أن تكون سلسلة هذه الأحداث عاملًا في إضعاف أهمية ودور مؤسسة الشورى، وستعمل على فقدان المجتمع الثقة بالمجلس. ويضيف، أنه يتمنى أن يرى قاعدة انتخابية جيدة وأفضل هذه المرة، وأن يكون البرلمان القادم قادرًا على تحمل المسؤولية في تعميق مسيرته وتقدم أركانه. وعلق الزدجالي، أن هذه الممارسات والعوامل السابقة، أسهمت في “انعدام ثقة المواطن” في الأدوار الرقابية للمجلس لا سيما باستبعاد بعض الشخصيات الفاعلة من الترشح للدورة القادمة، وهو يشي بوجود فجوات اجتماعية قد تقلل من توقعات النجاح.
الزدجالي: المجلس الحالي لن يستطيع مجابهة معضلات رؤية 2040
و في الحديث عما تمر به السلطنة في هذه الفترة من أزمة مالية والتي تؤثر على الاقتصاد العماني ومناقشة الخطة الخمسية الجديدة ورؤية جديدة لعمان 2040 والتي ستقع ضمن فترة المجلس القادم، فقد أكد البوسعيدي بأن الفترة المقبلة للمجلس تحمل أهمية كبيرة جدا لحاضر ومستقبل عمان، ووجود الكفاءات اللازمة تحت قبة المجلس سوف يسهم بشكل كبير في إخراج الخطة الخمسية المقبلة وكذلك الرؤية المستقبلية لعمان 2040، بشكل يرقى بمستوى الطموحات وتحديدا في ظل التحديات الاقتصادية الكبيرة المتوقعة مع التراجع الكبير لأسعار النفط وتأثر معظم القطاعات الاقتصادية جراء ذلك، أما الغافري فأشار إلى “أنه من المبكر الحكم على قدرة المجلس في ممارسة صلاحياته وفي إمكانيته على مراجعة الشأن الاقتصادي أو الرؤى طويلة الأمد في الأربع سنوات القادمة”. ويقول: من المتوقع أن يلعب المجلس دورا تخطيطيا للغد، وإن حصلت تغييرات فلن تكون إلا هامشية وبشكل طفيف. ويعلق الزدجالي: أنا أعدُّ هذه الخطة بحد ذاتها معضلة تخطيطية لأسباب كثيرة ولكن ما يهمُّنا هنا أن المجلس في وضعه الحالي لا يستطيع مجابهة مثل هذه القضايا الشائكة والدقيقة.
متابعة: يوسف الدرويشي و سارى البلوشية