تبرز المعلومات اليوم كأحد مصادر استثمار المعرفة والقدرة على توجيهها لصالح التنمية وتحقيق برامجها، وينظر لها كمحرك رئيس للتنمية وطريق تحقيق أهدافها بشكل عملي في ظل التزامها معايير وأدوات مقننة قادرة على رصد الواقع بكل تجلياته ورسم خريطة عملية واضحة لمستقبله، والتي تتطلب بلا شك مستويات عالية من الدقة والمصداقية والفاعلية، وبالتالي نقلها إلى حيز التنفيذ القائم على التحليل وقياس مؤشرات أداء نوعي تضع الممارسة في إطار من التقييم المستمر والمراجعة الهادفة. فإن الحديث عن دور البيانات والمعلومات في تحقيق الجاهزية وإدارة الأزمات يستدعي البحث في عمق البيانات المطلوبة وقدرتها على توفير أفضل الممارسات تنقلها من حيزها الذاتي إلى بناء إطار وطني لعملها، في ظل اعتمادها على نماذج تقييم واستمارات رصد وبرامج تشخيص دقيقة وإتاحة هذه البيانات بما يضمن قدرتها وفاعليتها وحضورها في استيعاب محور التغيير وشفافيتها وموضوعيتها في الحصول على حقائق دقيقة تضمن بالتالي قدرتها على توليد بدائل للحل وتعزيز إمكانية توفير فرص أكبر لنمو المبادرات ونشاط الأداء وتحقيق المزيد من الشراكة المجتمعية في الوصول من خلال المعلومات المتوفرة إلى تحقيق منجز نوعي، فإن ما يشير إليه الواقع في بعض المشروعات وبُعدها عن منحى الاستراتيجية في التطبيق أو في الوصول إلى جدوى من نتائج التنفيذ يرجع إلى قصور في نوعية البيانات أو الدقة في البيانات المتوفرة وضعف مستويات التحليل الدقيق لها والقراءة الصحيحة لمؤشرات التقييم المرتبطة بها، على أن كفاءة هذه المعلومات وفاعليتها ومستوى استخدامها بالشكل الذي يضمن لها الوصول إلى تحقيق التحول في الأداء يستدعي قياس مدى قربها أو ارتباطها بالأهداف الاستراتيحية للأداء ذاته ومدى قدرتها على وضع الأهداف في إطار معياري ينفذ في ظل الخطط والموجهات ويتيح فرص أعمق لابتكار اساليب وأدوات تتناسب وطبيعة الموقف أو تعكس مستوى الواقعية في تشخيص واقع تحقق المشروع أو إدارة الأزمات.
من هنا تأتي أهمية البعد الإنساني في إدارة المعلومات من خلال إزالة اللبس الحاصل في مفهوم الثقة والمصداقية بين الفرد ومؤسسات الدولة الرسمية، بمعنى قدرة إدارة المعلومات على استيعاب حالة التذبذب في مصداقية البيانات والمعلومات التي على الفرد أن يعمل في إطارها عند الحديث عن تعرضه لأزمات أو كوارث بيئية أو غيرها وحجم الاستجابة الذاتية لديه في تقبل نتائج الإحصائيات والبيانات وأدوات الرصد والقياس، وهو أمر يضع إدارة المعلومات أمام معالجة أخرى تتجاوز حدود البيانات ذاتها إلى البحث في العمق الإنساني المتماثل لهذه البيانات والقادر على تفهم حقيقة ما يجري في معالجة واقع الأزمات الماثلة، وبالتالي قيمة الشفافية والمصداقية كمعيار مهم في إيجاد تحول نوعي واستجابة إنسانية في التعامل مع المخاطر المتعددة ودور الفرد فيها وحدود الاستطاعة التي يمكن أن يقدمها في هذا الجانب وبالتالي نوعية المنتج البياني والمعلوماتي الذي يمكن خلاله بناء مسارات واضحة للسلوك الإنساني القادم في التعامل مع الأزمات وإدارة المخاطر، وفي الوقت ذاته المساحة الممنوحة له أيضا في البحث عن بدائل وخيارات يمكن أن يقوم بها في إطار محيطه، إن قدرة إدارة المعلومات على تحقيق هذا التكامل والاندماج يشكل بدوره تحديا يستدعي القيام بخطوات جادة في تقريب منطق التعامل مع الأزمات وترسيخ مستويات من المعرفة نحوها. وعليه تبرز جودة البيانات كمدخل لإدارة الأزمات في مستويات التدخل المتاح للفرد والحرية الفكرية التي يتمتع بها في تعامله معها في ضبط سلوكه في التعامل مع مسبباتها ونتائجها ، ومن جهة أخرى مستوى الشراكة المؤسسية في إدارة نظم المعلومات وتبادلها وانسيابيتها على مستوى المؤسسة وبين المؤسسات، وقدرتها على نقل محور التغيير والتأثير في أنظمة عمل المؤسسة وسلوكها التنظيمي، فإن وضوح فلسفة بناء المعلومات وتعدد قنوات الحصول عليها ومستوى التوازن في مصادرها والقيمة المعطاة للعنصر البشري كمنتِج للمعلومات ومُدخل لها ومستوى التوظيف الأمثل لها في العمليات الإدارية والتنظيمية للمؤسسة وقوة التشريعات المساندة، في ظل بيئة تشريعية وإدارية وتنظيمية مرنة تصنع لها مقومات النجاح وترسم لها إطار التفعيل، كما أن التعاطي النوعي مع حجم البيانات التي تبرزها وسائط التواصل الاجتماعي ومستوى التحديث المستمر لها سوف يوفر مؤشرات إيجابية ترصد واقع الأزمات وتضع لها حلول المعالجة وبالتالي تأطير المعلومات الناتجة والاستشعار عن بعد لها في ظل منظومة متكافئة من البيانات والإحصاءات والرصد والتحليل ودراسات الحالة وضبطها وتوجيهها وفق محددات وقولبتها لتصبح معلومات ذكية قادرة على صناعة التحول في السلوك الاجتماعي في التعامل مع الأزمات وإدارة المخاطر المتعددة.
لقد أدركت القيادة الحكيمة لجلالة السلطان المعظم أهمية العمل على ادارة البيانات الوطنية وجعلها قادرة على قراءة متطلبات التحول في الحالة العمانية، فكان المركز الوطني للإحصاء والمعلومات الذي يستهدف تلبية احتياجات ومتطلبات الدولة من الإحصاءات الرسمية والمعلومات الموثقة لاستخدامها في وضع السياسات والبرامج على المستوى الوطني والإقليمي والدولي في ظل المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، وعززت الرؤية العمانية في التعامل مع الأزمات والمخاطر المتعددة من وجود مؤسسات تستهدف تحقيق الجاهزية الوطنية فكان إنشاء الهيئة العامة للدفاع المدني والإسعاف، والتي تعمل على التنسيق مع الجهات المعنية بشأن إعداد دراسات تقييم المخاطرالمحتملة واقتراح التدابير اللازمة للحد منها، كما يعمل المركز الوطني للإنذار المبكر من المخاطر المتعددة في إطار خطة طموحة على المساعدة في تدريب كوادر وطنية متخصصة وبناء المواد التثقيفية للتوعية العامة عن طريق تنظيم ورش تدريبية وحلقات عمل ولتدريب قيادات المجتمع المحلي على كيفية التأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية باستخدام أفضل الممارسات العلمية المعمول بها في هذا المجال، ويأتي مركز رصد الزلازل بجامعة السلطان قابوس كأحد المراكز البحثية في بحوث الزلازل. من خلال مراقبة ورصد الزلازل التي تحدث داخل وخارج السلطنة والإبلاغ عنها ونشر معطياتها للجهات المختصة.
إن وجود هذه التقسيمات التنظيمية بالدولة في تحقيق هدف إدارة الأزمات بالاستفادة من نظم المعلومات الذكية يشكل بحد ذاته حاضرة وطنية لاحتواء الأزمات وإدارة المخاطر المتعددة، ويضعنا جميعا أمام مرحلة مهمة من الوعي الوطني لإدارة هذا البعد في استراتيجيات التنمية، وبالتالي الضمانات التي يمكن أن تقدمها هذه التقسيمات الإدارية في ظل مستويات التمكين والصلاحيات والاستقلالية التي تعمل في ظلها ووضوح منهجيات العمل وقوة القرار ونافذية التشريعات التي تمارسها، وقدرتها على توفير البيانات السريعة القادرة على الإجابة عن تساؤلات المواطن والمقيم في التعامل مع الأحداث والطوارئ والأزمات، فإن رفع سقف التوقعات لهذه التقسيمات الوطنية ينبغي أن يرتكز على قدرتها على إيجاد بدائل وسيناريوهات عمل مستدامة ضمن دلائل ومؤشرات تعكس فاعلية أنظمة الرصد والقياس التي تستخدمها وابتكاريتها في صياغة واقع جديد يتعايش معه المواطن والمقيم في امتصاص حجم الأزمة أو معالجة أثرها على الأجيال، وهو ما يضعها أمام حاجتها للمراجعة المستمرة لأدائها وأنشطتها والاستفادة من كل المعطيات في تلمس رأي الجمهور في إطار عمل مستدام وخطط طوارئ في إيجاد ثقافة وطنية للطوارئ وإدارة الأزمات والمخاطر المتعددة لا تعتمد على اللحظة أو وقت وقوع المشكلة. إن اللحمة الوطنية التي يعكسها هذا التفاعل المجتمعي اليوم في التعامل مع إعصار ” شبالا” وقبله مع جونو وفيت وأوشوبا وغيرها، ليعكس تجربة عمانية رائدة في إدارة الأزمات وخبرة وطنية في التعامل مع الطوارئ تستحق الوقوف على مقومات نجاحها واستلهام الجوانب النوعية غير المنظورة في تطورها، وهي تجربة تشهد نضجا نوعيا تحتاج فيه إلى لمسات أخرى من المواطن، وأدواراً استثنائية في التعامل معها. فهل سيثمر هذا الرصيد والخبرة التي توفرت لعمان في تعاملها مع الأزمات السابقة عن حصولها على استحقاقات نضوج الخبرة وجدية التجربة لدى الإنسان العماني والتي تظهر في مستويات الوعي والجاهزية لديه؟ وما طبيعة الدور القادم ؟