تابعت مجريات انتخابات مجلس الشورى في دورته الثامنة كما تابعها أي مواطن يرجو -أو لا يرجو خيرا- من هذا المجلس العتيد وكانت المتابعة هذه المرة أكثر تحررا ومتعة بسبب قدومها عبر العالم الافتراضي في حين كانت المتابعات السابقة عبر أثير إذاعة وتلفزيون سلطنة عمان.
وماذا بعد؟ وهل حدث شيء لم يكن متوقعا حدوثه؟ وهل أتت هذه الانتخابات بأمر جديد على الساحة العمانية؟ وهل مضت العملية الانتخابية بكل سلاسة كما يقال أم أن بعض التشويش والفساد أو الإفساد شابها؟ وهل أي من المترشحين كانت مصلحة الوطن أمام ناظريه؟ وهل من تلقف الكرسي مستحق له فعلا؟ أسئلة اعتملت في مخيلتي كما اعتملت في مخيلة معظم شباب الوطن -كما أحسب- فهل سيحقق مجلس الشورى المستجد شيئا على أرض الواقع بخلاف ما تم إنجازه سابقا؟ أم أنه لا زال في طور المراهقة رغم أنه شب عن الطوق فعلا بل ولقد مر عليه مايقرب من ربع قرن منذ تأسيسه في العام1991.
حقا وصدقا إنه الحلم الذي لا زال يراودني كما يراود الكثير من المواطنين العمانيين في أن يكون لدينا برلمان حقيقي يمثلنا بعد أن أصابنا المجلس السابق بنوع من الإحباط والقلق بظهوره ضعيفا منكسرا أمام مجلس الوزراء بل وحتى أمام هوامير المال والاستثمار في البلد رغم أنه آت من مخاض الربيع العربي واعتصاماته. ولكن هل سيتحقق الحلم؟
إن المتابع لمسيرة مجلس الشورى العماني وتطوره على مدى 24 عاما ليجده جامدا على أرض تمر بها متغيرات، وبطيئا رغم وقوعه في زمن التسارعات وكأن الزمن لم يؤثر فيه ولا صراخات الجوعى والعاطلين عن العمل ولا هتافات واعتصامات 2011 ولا التوترات التي قضت مضجع العمانيين فهل ستحييه محاولة ثامنة للإنعاش؟ الحق يقال إن ما لم تحركه الأعاصير لن تحركه زوبعة ولن يرمش له جفن طالما أن الحكومة لم تلق بثقلها الجاثم على صدره بعيدا لتسمح له بالتنفس والشعور بالحياة حتى يتمكن من المحاولة مجرد المحاولة على الإتيان بمظاهر الحياة وما يناسبها من القيام بوظيفته المعلنة.
في العام 2011، وفي خضم أحداث ما سمي بالربيع العربي تعالت الأصوات في عدة حواضر عمانية منها مسقط وصحار وصلالة، وانعقدت الاعتصامات في الدوارات والميادين العامة وطالب الجميع بإصلاحات على كل المستويات ومن ضمنها تفعيل مجلس الشورى وهناك شرعت الحكومة بالعمل بوتيرة سريعة مسابقة لزمن الربيع وهو فعل حتمي لإنقاذ الموقف ولاستدراك ما يمكن استدراكه امتصاصا لغضب الشارع وخاصة فئة الشباب؛ فكان أن صدرت عدة أوامر ومراسيم سلطانية مستعجلة ومنها المرسوم السلطاني رقم (39/2011) الناص على منح مجلس الشورى صلاحيات تشريعية ورقابية (مع العلم بأن النظام الأساسي تركهن بدون أل التعريف بمعنى منحه فقط شيئا من هذه الصلاحيات وليس كلها كيف ومتى شاءت الحكومة). والحق يقال فإن تمكين مجلس الشورى من هكذا صلاحيات لجدير بتحويله إلى مشروع ديمقراطي ناشئ يضع سلطنة عمان على خارطة العالم العربي للديموقراطية وقبل ذلك فإن مثل هذا التطور في مسيرة الشورى في السلطنة سيرقى بعلاقة الشعب مع الحكومة بعيدا عن فوضى الشوارع والاعتصامات، بل، وسيجعل المواطن شديد الثقة والاطمئنان كونه شريكا في التنمية والسياسة الداخلية للدولة ومشاركا في إقرار القوانين والموافقة على المشاريع وخطط الحكومة وميزانية الدولة ولكن بالطبع من خلال ممثليه أعضاء مجلس الشورى خاصة وأعضاء مجلس عمان بشكل عام.
إن منح مجلس الشورى تلك الصلاحيات لجدير بتحويله إلى إحدى رؤوس مثلث دولة المؤسسات المدنية بوصفه السلطة التشريعية وما على الحكومة -السلطة التنفيذية- سوى الانتظار لرؤية رؤيته في تشريع القوانيين وتمرير مافيه المصلحة العامة ومناقشته في ما يستدعي ذلك ورفده بالخبراء من الأكاديميين والسياسيين والقانونيين والاقتصاديين والتربويين وغيرهم، فالمجلس كالحكومة ليس شرطا أن يمتلك أعضاؤه كل تلك الخبرات علاوة على أنه من المسلم به أن ليس كل أعضاء البرلمانات في العالم ذو خبرة و دراية في كل المجالات خاصة الجدد منهم. كذلك فإن منح مجلس الشورى الصلاحيات الرقابية كاملة على جهاز الرقابة المالية والإدارية وما يراقبه الجهاز من مؤسسات حكومية وشبه حكومية وما يستدعي ذلك من استجواب لكبار المسؤولين وما يتبعه من منح الثقة أو سحبها وما يتبعه أيضا من احتمال إسقاط الحكومة وكل ذلك في سبيل المصلحة العامة للدولة ووفقا لدستورها المصان. وبالطبع وقبل ذلك كله تأسيس محكمة دستورية وتهيئة مجلس الوزراء من خلال تعيين -أو انتخاب- رئيس للوزراء يعين وزراءه ويكون مسؤولا عنهم أمام السلطان والشعب وقبل ذلك أمام من يمثلون الشعب من أعضاء البرلمان، عفوا أعني مجلس الشورى العماني.
إن أخذ الأسباب أعلاه وغيرها في تفعيل دور مجلس الشورى في العملية السياسية والاقتصادية والقانونية وغيرها في البلاد يعد حافزا لكل من ينوي الترشح أو الانتخاب ودافعا لأخذ هذين الأمرين بجدية وتأهب وما يتبع ذلك من استزادة من الجرعات التوعوية وقبل كل شيء حب وإخلاص للوطن عمان لتحويل المجلس هذا من مجرد قصر شامخ يقبع على شاطئ البستان إلى برلمان حقيقي يمتلك كل تلك الآليات المفعلة الكامنة خلف صلاحيات تشريعية ورقابية حتمية أخذت بطلب من الشعب حرصا على المصلحة العامة وعندها لسوف يصوت من لم يسعفه الحال بالتصويت الآن وعندها سوف أصوت أنا أيضا.