تتصاعد الدعوات في دول العالم لمنح الأفراد حقهم من الثقافة السياسية التي تسمح لهم المساهمة في عملية صنع القرار وتجاوز الإشكاليات الثقافية نحو مشاركة سياسية مهمة. فما تحديات انتشار الثقافة السياسية في السلطنة وما دور الإعلام والنخب في ذلك؟. تحاور مواطن الباحث والكاتب منصور المحرزي–باحث في القضايا السياسية ومؤلف كتاب الدولة والمجتمع في عمان– حول تحديات ومآلات الوعي السياسي في سلطنة عمان.
- الثقافة السياسية والفهم الصحيح الذي يأخذ بعين الاعتبار جميع مجريات الاجتماع السياسي هو الذي يبني وعيا لأي نخبة ثقافية
- بدون إيجاد قاعدة انطلاق للثقافة السياسية في عُمان سيكون من المبكر جدا الحديث عن مجتمع مدني
- تخلف الوعي السياسي في عُمان يشمل الدولة والمجتمع
- السلطة في عُمان بحكومتها الرشيدة هي الغالبة والمنتصرة، والمثقفون هم المحاصرون والمقيدون
- في عُمان تتم حماية النظام “لا المجتمع ولا الدولة “
- الاستبيان هو الشكل الآخر لتقصي حقيقة الوعي السياسي وقد وضع في خانة التهديد الأمني
- الوعي السياسي كثقافة لدى المثقفين غير مكتمل حيث ينقصه معرفة الأداء العملي الواجب اتباعه في التعامل مع السلطة
- أحداث واحتجاجات 2011، أدت دورها بكشف الحقائق وانتشارها بين أفراد المجتمع
- قامت الجهات الأمنية بتأمين احتياجات الحكومة الرشيدة وانتصرت لها وفاز مرشحوها في انتخابات الشورى بعد إقصاء المتحفظ عليهم أمنيا في خطوة استباقية
- إن النظام الحالي في المملكة المغربية أحد النماذج التي يمكن الاستفادة منها كخطوة أولى للتغيير السياسي نحو إقامة نظام ديمقراطي متكامل في عُمان
- الشباب في سعيهم لتحقيق العدالة اصطدموا بجهاز السلطة الذي اتضح أنه يعمل على السطح وفي الخفاء: دولة ظاهرة ودولة عميقة
- ماذا يعني لك مصطلح “الوعي السياسي“؟
قبل أن نتحدث عن وجود نقص في الوعي السياسي في المجتمع العماني، علينا أولا أن نوضح على أن الدولة والمجتمع يعانيان من نقص معرفي على نطاق واسع يشمل جميع القطاعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، مما جعل الجميع في حالة تخلف واضحة المعالم .
والوعي السياسي هو الثقافة السياسية التي يعمل السياسيون بموجبها لتأسيس بنيان الدولة الحديثة، فالديمقراطية بنيان سياسي للدولة وهي تشمل أيضا الممارسة السياسية للمجتمع، ولكن في عُمان ُيدلّسونْ على الجميع بقولهم أن تجربة ما يسمى الشورى هي ديمقراطية وينشرون تدليسهم على صفحات الصحف ويهدرون بذلك صبح مساء في أبواق الإعلام، وهو إرهاب مسلّط على كل الذين يدعون بخلاف ذلك، مما أدى إلى تزييف الوعي أو إلى تدجين جل قطاعات المجتمع لفهم قاعدة واحدة توجب الاتباع وهي: أن نظامنا السياسي القائم على الشورى هو الأمثل وأن الدمار والاندثار والإرهاب هو البديل إذا ما فكرتم بنظام الأحزاب الذي يأتي بالحرية أو العدالة والدفاع عما تسمونه حقوق الإنسان وهذا لسان حال السلطة الذي تبدأ به في نشر ثقافة التخلف والتي هي بالضرورة مستبدة وشرسة ، وكما وصفها د. غالي شكري بأنها دكتاتورية التخلف العربي .
- ما أهمية الوعي السياسي، وهل له دور في معرفة مقتضيات الواقع؟
إن الثقافة السياسية والفهم الصحيح الذي يأخذ بعين الاعتبار جميع مجريات الاجتماع السياسي هو الذي يبني وعيا لأي نخبة ثقافية يمكن أن يعول عليها المجتمع لانتشاله من حالة التأزم والتردي والجمود الحالية في الدولة فبدون هذا النوع من الوعي يغدو مقارعة السلطة وتفنيد ادعاءاتها والمسلمات التي تنشرها في الصحافة والاعلام صعبا بل مستحيلا، حيث نلاحظ على أن السلطة في عُمان ما زالت قادرة على إحراج الطرف المثقف عند المقارعة، وهذا ناتج عن نقص معرفي وانعدام مؤسساتي أو حتى تجمع ثقافي فاعل ومنتج يؤدي دورا في إعداد دراسات عن الواقع السياسي في عُمان بكل تجلياته خارج الأطر والقيود التي تضعها السلطة، فبدون إيجاد قاعدة انطلاق للثقافة السياسية في عُمان سيكون من المبكر جدا الحديث عن مجتمع مدني فما زالت الدولة في عُمان وباقي الدول العربية غير معنية بهذه القضية وتقوم بتصعيد عمليات المواجهة والرفض والمحاصرة لهذه المشاريع، بحيث يدلنا الواقع على أن طريق النضال لتحقيق ذلك صعب ومرير .
- هل يصح أن نقول أن المجتمع العماني لديه أميّة سياسية أو تراجع في الوعي السياسي؟
إن تخلف الوعي السياسي في عُمان يشمل الدولة والمجتمع، بحيث ستُصدمْ من أن شخصا يسبق اسمه لقب دكتور ويحتل منصبا رياديا في مؤسسة رسمية يبرر لمناقشيه شكل نظام الحكم في عُمان بادعائه أن الواقع العام في المجتمع العماني هو الذي يحتم أن يبقى هذا النظام على هذه الهيئة فلا يصلح من وجهة نظره وبالمطلق أن يؤسس لنظام سياسي قائم على الأحزاب شبيه بما هو موجود في الدول الغربية. نعم هناك الكثير من أصحاب الألقاب حاليا في عُمان ولكن هم أقرب للممارسة الأمنية التي نراها من تلك المؤسسات المعنية بذلك منه إلى دور المثقفين الرائد في مجتمعاتهم، حيث يغدو دورهم معاونا وشريكا في التأسيس للتخلف والمواظبة عليه.
- هل تعتقد أن نخبة المجتمع العماني متمثلة بالكتاب والمثقفين والإعلاميين تمتلك الوعي السياسي، وما هي إشكاليات الوعي السياسي بين النخبة؟
هناك قلة قليلة من النخبة المثقفة في عُمان الذين يمتلكون وعيا سياسيا صحيحا، ولكن تأثيرهم قد تم تحجيمه وبتره أولا بأول، والمواجهات الحاصلة في حلبة الصراع ما بين السلطة والمثقفين، وما رشح من وقائع فعلية على ميدان النزال في هذا النطاق يدلنا على أن السلطة في عُمان بحكومتها الرشيدة هي الغالبة والمنتصرة، والمثقفون هم المحاصرون والمقيدون ومن يرفع رأسه كثيرا عن “السقف المحدد” يودع السجن أو في أحسن حال يلوذ بالفرار ليغدو لاجئا سياسيا في دولة ما.
أيضا، إن ممارسة الحقوق السياسية للأفراد، بشكل عام، في دولهم تتعلق بسقف المسموح والممنوع منها والذي تحدده الدولة، فالمثقفون في عُمان مقيدون في ممارستهم السياسية التي يهدفون بها إلى التغيير والإصلاح لذا فهم محبطون و مستكينون، وعموما فإن الوعي السياسي كثقافة لدى هؤلاء المثقفين غير مكتمل حيث ينقصه معرفة الأداء العملي الواجب اتباعه في التعامل مع السلطة بهدف تحقيق التغيير والإصلاح وهي تقنيات سياسية لا تعلم أو تدرس في أي جامعة في العالم بل تكتسب من نماذج سياسية في الدول سواء كانت مؤسسات أو أفعال واقعية لها تأثير سياسي واضح .
- ما هي الآثار المترتبة على غياب الوعي السياسي في عمان وكيف يمكن تقييمه؟
شكل وهيئة المؤسسات في الدولة وكيفية اشتغالها يدلنا على أي نوع أو نمط من الوعي السياسي الذي تمشي بموجبه الدولة، ففي عُمان تتم حماية النظام “لا المجتمع ولا الدولة”، والنظام هنا مجموعة من الرسميين والرأسماليين ذات مصالح ومنافع مشتركه تستفيد هي وأبناؤها ومعارفها من هذا الاتجاه التي تمضي به الدولة، لذلك هم يحرصون على الدفاع عنه بكل الوسائل المتاحة فيستغلون هنا ويفسدون هناك ويقدمون المساعدة لمعارفهم لإنقاذهم من استحقاقات قانونية وهكذا.
الاستبيان هو الشكل الآخر لتقصي حقيقة الوعي السياسي وقد وضع في خانة التهديد الأمني إذا ظهر على أرض الواقع وهو أمر مكروه وملاحق في الدول العربية خاصة إذا كان في مساق الاجتماع السياسي.
- هل تعتبر أن استجابة السلطان لبعض مطالب أحداث 2011 قد حقق فاعليته خلال السنوات اللاحقة؟
أحداث واحتجاجات 2011، أدت دورها بكشف الحقائق وانتشارها بين أفراد المجتمع، حقائق عن الفساد أصبحت في دائرة معرفة قطاع واسع من الشباب. ولكن في سعيهم لتحقيق العدالة اصطدموا بجهاز السلطة الذي اتضح أنه يعمل على السطح وفي الخفاء: دولة ظاهرة ودولة عميقة، فبدا لهم أنهم قد حققوا غاية ما ظاهريا ولكن سريعا ما بدأت آلة الدولة العميقة في احتواء كل ما بدا لهم أنه واقع يتغير، ولم تتوانَ كلا الدولتين في التعاون من أجل الانتصار للحكومة “الأمنية” في كل المواجهات في الشوارع وفي المؤسسات والشورى وعلى الشبكة وبمنع الكتب والتحقيق مع الكتاب وترهيبهم إلخ. فأينما تواجد دور لهؤلاء الشباب المحتجون أو المثقفون جرى تصفية هذا الدور، وقامت الجهات الأمنية بتأمين احتياجات الحكومة الرشيدة وانتصرت لها وفاز مرشحوها في انتخابات الشورى بعد إقصاء المتحفظ عليهم أمنيا في خطوة استباقية.
- كباحث متابع للشأن السياسي العماني ومهتم بمصير بلده ومستقبلها، ما هي قراءتك السياسية للمرحلة القادمة وخاصة فترة شغور منصب السلطان؟
لا توجد مشكلة عويصة لدى النظام في مسألة الانتقال إلى سلطان جديد وهم قد رتبوا لذلك جيدا واتخذوا ما يلزم أمنياً، وعموماً السلطان جاهز لاختياره.
إن المطالب الشعبية التي تهدف إلى التغيير والإصلاح والتي جاءت كنتيجة للاحتجاجات في 2011م هي مازالت قائمة وصالحة مع الحرص على تقاسم السلطات ما بين السلطان ورئيس الوزراء المنتخب من الشورى بالكيفية التي تعطيه صلاحيات كاملة في اختصاصات الحكومة بمجملها، إن النظام الحالي في المملكة المغربية أحد النماذج التي يمكن الاستفادة منها كخطوة أولى للتغيير السياسي نحو إقامة نظام ديمقراطي متكامل في عُمان ولكن مسألة الأحزاب ستبقى في دائرة الممنوع لدى السلطة في عُمان فإن لم تقتنع بها كمحور أساسي لإقامة مجتمع مدني حقيقي يبقى الكلام عن التغيير هذراً لا طائل منه، وعموما النماذج السياسية كثيرة لكي نفهم ونعي مطالبنا إزاء التغيير الذي يحلم به العمانيون.
يجب أن نعلم ونعي أن للحكومة وزارات عديدة في عُمان، ولكن الشعب ماذا لديه؟ فالشورى والدولة هما أيضا للحكومة وهذه حقيقة واقعة، ليبقى الشعب بلا مؤسسة لذا نرى أن الصراخ والعويل بطلب النجدة والعدالة مهما اتخذ من صور وأشكال لا يصل بل يقاوم ويقهر ويدان لأنه فردي يسهل الاستفراد به وكذا أعضاء مجلس الشورى .. أفراد يسهل “القضاء عليهم” فيودعوا في السجن .
حاوره: محمد الفزاري