يكاد يكون مصطلح “الإرهاب” من أكثر المصطلحات ترددا في وسائل الإعلام وخطب السياسيين وحتى في أجندة وبرامج المرشحين والأحزاب السياسية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حتى اليوم، وكذلك أزعم حتى الغد البعيد جدا. وظفته كثير من الدول الكبرى كأحد وسائل الصراع الناجعة في تحقيق مصالحها، وبوجه الدقة مصالح المسيطرون على الرأي العام وعلى ديموقراطيتها واستثماراتها من شركات عابرة القارات عن طريق الانتقائية في التصنيف حسب أهواء المصالح السياسية والاقتصادية. ولهذا روجت الولايات المتحدة، أقوى قوة بحكم قبضتها الاقتصادية والعسكرية المطلقة، لتصنيفاتها وتعريفاتها للإرهابيين والإرهاب بشكل عام بحسب ما يتناسب مع مصالحها ومصالح حلفائها، وأصبحت كباراديغم أعلى يحتذى به في حربها على الإرهاب عسكريا وإعلاميا. وبدون أدنى شك من الخطأ التعميم أيضا على كل ما هو غربي وإلصاق به تهمة المؤامرة كما تفضله بعض الحكومات العربية المستبدة كأسهل وسيلة للإلهاء والسيطرة على شعوبها. هذه السياسة كذلك انعكست وأثرت على العقل الجمعي العربي كمتلقٍ، وكناقد، فضلا عن تأثير تأويلات الدين وخاصة السياسية منها في شيطنة وتكفير الآخر وإلصاق به تهمة العداء والمؤامرة على الدين الإسلامي. كل هذه التداخلات المعقدة دفعتني لعمل مقاربة حول واقع الإرهاب والإعلام والمتلقي.
واقع الإرهاب
بيد أن تعريف الإرهاب لم يظهر في القواميس العربية حسب شكلها وتعريفها الحالي إلا حديثا، واشتق المصطلح من الفعل المجرد “رهب” الذي كان موجودا في القواميس القديمة ويعني أرهب وخوف وأفزع(1) ، إلا أن ممارسة الإرهاب حسب المفهوم الحالي كأحد الوسائل المستخدمة في الحروب والصدام والسيطرة بين الحضارات في حروبها السياسية والجماعات الدينية في حروبها الطائفية والمذهبية، يعد فعلا قديما مارسته البشرية قديما وحديثا على مر العصور. وهذا بخلاف ما تروج له بعض القوى حاليا سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مقصودة أو غير مقصودة، وربط فعل الإرهاب بجماعات معينة ودين معين كأفعال ووسائل مستحدثة لتحقيق أجندتها.
من خلال بحثي البسيط عن تعريف الإرهاب وجدت العشرات من التعريفات الرسمية لمراكز ومنظمات ومؤسسات حكومية وغير حومية، عربية وأجنبية. الغريب جدا أني لم أجد تعرفين يتماثلان في المفهوم تقريبا، وهنا تكمن أحد أهم الإشكاليات. لا يوجد مفهوم واضح ودقيق متفق عليه دوليا لتعريف الإرهاب. قد يرجع السبب وراء ذلك إلى عاملين: الأول كما أشرت له سابقا وهو أن التعريف يجب أن يتناسب مع مصالح الجهة التي أصدرت التعريف. ثانيا: قد لا يكون هذا السبب بعيدا عن السبب الأول الذي ذكرته إلا أنه أكثر تعقيدا لأنه لا يعتمد على مصالح مادية واضحة المعالم قدر ما يعتمد على عقائد يؤمن بها إنسان ويكفر بها الآخر ويرفضها وينظر إلى متبنيها كعدو أولا وإرهابي ثانيا؛ وأعني هنا العمل النضالي الثوري سواء كان باسم الوطن أو العقيدة، والطرف الآخر هو مكافح للعمل النضالي. وهناك أمثلة كثيرة أهمها في الوقت الحاضر ما يحدث بين المنظمات الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.
إذن ما هو الإرهاب؟ لكن قبل أن أتطرق للتعريف أود أن أشير إلى مسألة مهمة، لكيلا أقع في ذات المطب الذي انتقده سابقا عند تعريف فعل الإرهاب، أزعم أني حاولت أن أقدم تعريفا مجردا من أي مصالح شخصية وغير مبطن بعقائد سواء ثورية أو دينية. الإرهاب يعني هو جريمة يستخدم فيها العنف والقوة أو التهديد بها، ضد مدنيين، بطريقة منظمة، لنشر الرعب والرهبة من أجل تحقيق مصالح ومكاسب معينة، سواء كانت سياسية أو دينية أو عدمية. ومن خلال هذا المفهوم أستطيع أن أصنف أنواع الإرهاب الحالي كالآتي: 1- إرهاب سياسي. 2- إرهاب ديني. 3- إرهاب ثوري. 4- إرهاب عدمي.
الإرهاب السياسي: ذلك النوع من الإرهاب الذي يتعلق بسياسات سلطة ما ضد شعبها من منطلق الحفاظ على الاستقرار والأمن القومي، أو ضد شعوب أخرى من منطلقق إمبريالي وقانون الغاب، القوي يأكل الضعيف. وهذا مباشرة يجرنا نحو نظرية المؤامرة التي تستخدمها السلطات المستبدة، التي أناخت بكلكلها وجثمت على صدور شعوبها منذ عقود طويلة، كشماعة لممارسة إرهابها ضد شعوبها والترويج لها عن طريق وسائلها الإعلامية في أشكال مختلفة من البروبجاندا المبتسرة، كأحد وسائل الإلهاء عن القضايا الكبرى الداخلية، والتجييش نحو فكرة وهمية غير موجودة واقعيا إلا في عقل مدبريها. وأرى أن الواقع العملي جدا مختلف؛ فقانون الغاب هو سيد الواقع، والدول القوية عتادا واقتصادا تسيطر بشكل مباشر وغير مباشر بالدول الأخرى الأضعف، وتبحث عن مصالحها حتى خارج حدودها الجغرافية، وحتى لو أدى ذلك إلى انتهاك سيادة وحرمة الآخر من الدول. ولهذا بدل تجييش الشعب نحو فكرة وهمية ليبقى أسيرا لها، ويفسح المجال للسلطة في تزعم الشعب بكل أريحية تحت وطأة الاستبداد وغياب العدالة الاجتماعية والرؤية الاقتصادية بحجة الممانعة والتصدي للمؤامرة، على الدولة الضعيفة أن تقوي نفسها من الداخل؛ فتعزيز فكرة المواطنة وقوة التعليم وانتشار العدالة الاجتماعية ووجود رؤية اقتصادية هو أفضل دفاع وحماية لأي دولة من أي عدو خارجي متربص. وهذا ما أكده ابن خلدون في مقدمته عندما قال: “لا نلوم الخارج الذي دخل؟ بل اللوم على الداخل الذي خلق الفراغ”.
ولأن العالم يدار بقانون الغاب كما أسلفت الذكر، مارست القوى العظمى شتى أنواع الإرهاب وقت الحاجة والضرورة ضد كل من يقف أمام مصالحها. هذا ما قامت به على سبيل المثال الدولة العثمانية ضد الشعوب المحيطة بها، وهذا ما قامت به النازية ضد شعوب أوروبا الأخرى، وهذا أيضا ما قامت به فرنسا ضد الشعب الجزائري المحتل يوما ما. حديثا، ما قامت به أمريكا في أفغانستان والعراق لا يختلف عن هذا المفهوم من الإرهاب. والأنكى من ذلك، ظهور منظرين لهذا النوع من الإرهاب حتى مسمى نظرية الفوضى الخلاقة!
الإرهاب الديني: ذلك النوع من الإرهاب الذي يتعلق بدوغمائيات العقيدة وتشريعات الدين نفسه التي تنظر للآخر المختلف بنظرة الكفر المباح دمه، ويتفاوت مستواه معع اختلاف التأويل للموروث الديني. ولو تحدثنا عن إرهاب الإسلاموي وهذا ما يهمني أكثر لسببين: الأول، أكثر نوعا من الإرهاب الديني انتشارا في العالم في الوقت الحالي. ثانيا، خلفيتي الإسلامية تحتم عليّ تشخيص مشكلتي وتفكيكها أولا ومن ثم المحاولة للوصول إلى حلول إن أمكن ذلك قبل الحديث عن الديانات الأخرى. بيد أني لا أنفي ولا أؤكد وجود التطرف في الأديان والطوائف الأخرى. وليس غرضي أيضا نفي أو تأكيد وجود أجندات استخباراتية خلف أي حادثة إرهابية إسلاموية، وحتى خلف ولادة أي مكون إرهابي إسلاموي. لأن كلا السياقين بعيد كل البعد عن قضيتنا الداخلية المحورية. فنقد الأول لا يعالج إشكالياتنا، ومناقشة الثاني والاستسلام لفكرة وجود المؤامرة على الإسلام والدول العربية ما هو إلا إلهاء يبعدنا عن أصل المشكلة. لكن، لو افترضنا جدلا وتجاوزا، أن كل عمل إرهابي خلفه مخطط استخباراتي؛ فلا بد من وجود مفاتيح خاصة تُستخدم لفتح أبواب تلك الأجندة. وإحدى هذه المفاتيح “التأويلات الإرهابية للموروث الإسلامي”. بالمختصر، لو لا وجود مفاتيح سهلة يستطيع استغلالها العدو لما حدث ما حدث.(2)
ولو أخذنا الحالة العراقية كمثال على الإرهاب الديني بين المذاهب، سيتضح جليا لنا تداخل الإرهاب السياسي الخارجي والداخلي مع الإرهاب الديني. وعلى الرغم أن الإمبريالية الغربية لها دور في تطور هذا الوضع الدموي، إلا أن الخلافات المذهبية والمذابح الدموية المازوشية بين الطوائف الإسلامية مع بعضها بسبب التأويلات الإرهابية عميقة وقديمة جدا. من المغالطة أن ننكر أثر العدوان الأمريكي في تفاقم الوضع، بيد أن العدوان لم يخلق هذه التأويلات المتطرفة الدموية، بل كان موجودا في كل بيت وكل عقل مسلم تقريبا. فقط كان مكبوتا بالقوة في أوقات ما. ولهذا نحن لا نريد علاجا سطحيا يدغدغ مشاعر المسلمين المهزومين معنويا وماديا قدر ما نريد علاجا يعالج أصل المشكلة، لأن إلقاء اللوم على الآخر لا يعالج المشكلة إطلاقا وستبقى ثغرة يستخدمها العدو دائما.
وكما قلت سابقا في عدة مناسبات، “الارهابي الإسلاموي مريض نفسي. الشخص الداعشي حسب التوصيف الجديد إعلاميا للإرهابي المتأسلم، أو المنتسب للإسلام كما يفضل البعض من المسلمين التوصيف؟ أرى أنه كائن مشوه بعقد نفسية جاءت نتيجة عدة عوامل مرتبطة لا يمكن فصلها عن بعض. هذه العقد تدفع بصاحبها لأخذ منحى انفعالي لاشعوري للقيام بتصرفات غير واعية باتجاه الأسباب المكونة والمولدة لتلك العقد. وأرى أن جميع التنظيمات الإسلاموية التي ظهرت بعد الصحوة الإسلاموية تشترك في المكون نفسه. جميع منابعها متشابهة التي يمكن حصرها في أربعة أسباب رئيسة: 1- استبداد حكام العرب (الاستبداد الداخلي)، 2- استبداد الغرب على الشرق (الاستبداد الخارجي)، 3- طموحات عودة الخلافة الإسلامية المقدسة المزعومة، 4- الموروث الدموي في كتب التاريخ والسنة (والقرآن حسب فهم بعض الفرق الإسلامية). وطبيعة هذه الأسباب المكونة لظاهرة داعش المتداخلة مع بعضها التي يصعب فصلها سواء على مستوى التشخيص أو العلاج.”(3)
الإرهاب الثوري: هو إرهاب غير واضح المعالم لأن صاحبه ينظر إليه كعمل نضالي وثوري وأحد الأدوات التي تنطبق عليها النظرية الميكافيلية “الغاية تبرر الوسيلة”، بينماا يصنفه الواقع عليه الجرم، ومكافحُه بأنه عمل إجرامي وإرهابي. وبغض النظر عن الكثير من التفاصيل التي قد تكون مهمة ومفصلية، إلا أن الأهم هو المبدأ الذي لا يمكن أن يتجزأ؛ فكل عمل عنيف يُستهدف فيه المدنيون بالقتل أو التهديد بغض النظر عن فاعله وغايته وتوجهاته، هو بدون أدنى شك عمل إرهابي. وغالبا في مثل هذا النوع من الإرهاب تجد كلا الطرفين يمارسان الإرهاب ضد الآخر مبررين ذلك بغايتهم النبيلة. والأمثلة كثيرة على ذلك: أشرت سابقا على الصراع الدائر بين المنظمات الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، كذلك ما يحدث بين الحكومة السورية والثوار بمختلف توجهاتهم وعقائدهم، وكذلك ما يحدث في ليبيا بين أطراف الصراع. وقديما ممكن أن نستدل على الثورة الفرنسية والروسية والبلشفية بعد ذلك بين الحكومات والثوار. وينطبق الحال كذلك على سبيل المثال على منظمة فدائيي أمريكا، والألوية الحمراء وجماعة بادرماينهوف.
الإرهاب العدمي: هو ذلك النوع من الإرهاب الذي يتعلق بالفرد نفسه دون وجود أجندات منظمة تدار من جهات معينة. وليس من المنطق أن يصل إنسان لهذا المستوىى من التوحش والمازوشية إلا إذا كان يعاني من أمراض نفسية جاءت نتيجة عقد ما. وقد يُستخدم هذا النوع من الإرهاب في تحقيق رغبات وغايات الإرهاب الديني والسياسي والثوري، كأحد الوسائل السهلة في توظيفها لتطبيق تلك الأجندة مثل ما أشرت على سبيل المثال في توصيف الإرهاب الداعشي. ومؤخرا حدثت في أوروبا عدة حالات إرهابية فردية لأسباب مختلفة مثل ما حدث في ألمانيا المعروف إعلاميا بهجوم ميونخ الذي راح ضحيته 9 قتلى من المدنيين. وكذلك الهجومان اللذان تم تنفيذهما بالساطور في ألمانيا وراح ضحيتهما قتيلة وعدة جرحا.
واقع الإعلام
من ضمن الحادثتين اللتين ذكرتهما وتم تنفيذهما بالساطور، إحداهما قام بها شاب أفغاني طالب للجوء في ألمانيا ويبلغ من العمر 17 عاما على ركاب قطار مدنيين. ما لفت انتباهي وأنا أتصفح صحيفة “الجارديان”، التي أثق في موضوعيتها بشكل أكبر كصحيفة ناطقة باللغة الإنجليزية من الصحف الكبرى الأخرى، عنوان تقرير الحادثة التي أشرت إليها وجاء كالآتي “مراهق يهاجم ركاب قطار بساطور وسكين في ألمانيا”، وذكرت بقية التفاصيل في محتوى التقرير. ما استوقفني في هذا التقرير هو تحرر السياسة التحريرية للصحيفة من التوجه العام المسيطر عليه بشكل أكبر هاجس الإرهاب الإسلاموي. كان بإمكان أن تعنون الصحيفة تقريرها كالآتي “إرهابي مسلم من أصول أفغانية يهاجم ركاب قطار في ألمانيا”. هل هذا العنوان خاطئ؟ طبعا لا، لكن في المناخ الإعلامي الدولي الحالي سيعطينا مباشرة شعورا بأن الصحيفة أسيرة هاجس الإسلاموفوبيا مثل ما وقعت في هذه الإشكالية معظم الصحف والقنوات الأجنبية الكبرى الناطقة باللغة الإنجليزية. ولهذا لاحظ الكثير من متابعي هذه الصحف والقنوات تباينها وعدم موضوعيتها في طرحها لمثل هذا النوع من الأخبار متأثرة بالمناخ السياسي العام وتفسيرات الدول الكبرى لمعنى الإرهاب. فعند أي حادثة إجرامية إرهابية قام بها مسلم، تسارع هذه الوسائل الإعلامية في توصيف الحادثة بأنها عمل إرهابي ومن قام بها شخص إرهابي، حتى تطور الوضع أكثر ليأتي هذا الحكم قبل الانتهاء من التحقيقات. لكن من جهة أخرى لو قام بهذه العملية غير مسلم سيذكر الخبر بشكل هامشي ولن يعطى المقدار نفسه من التسليط الإعلامي، وسيوصف الفاعل أنه فقط مختل عقلي، ما دام غيرَ مسلم.
بيد أنه حتى بعض القنوات والصحف العربية الكبرى لم تسلم من هذه الفوبيا لكن بشكل معاكس؛ فحاولت تجييش الشارع العربي وليس فقط للفت انتباهه للإشكالية التي ذكرتها. فوصل الحال عند أي حادثة إرهابية يقوم بها مسلم يتم التبرؤ من الفاعل بالمطلق وأن ليس للإسلام أي صلة بالحادثة وما هي إلا نتائج الإرهاب الغربي على الإسلام والمسلمين. والمعيب جدا أن يصل الحال لدرجة الشماتة دون أي نوع من الاستنكار للفعل الإرهابي المشين. السؤال الأهم: هل سينتهي هذا النوع من الإرهاب بهذه المعالجات السطحية والساذجة؟!
واقع المتلقي
المتلقي الغربي بحكم معاشرتي له هو ضحية كغيره من المسلمين والعرب لأجندات الإعلام والسياسات الدولية. ومثل ما يوجد هناك أناس في دولنا تحرروا من هذه القبضة كذلك الحال عند المتلقي الغربي. لكن المحزن هو نسبة هؤلاء الناس الواعين المدركين للواقع مقارنة بالبقية الأخرى. لا أستطيع أن أقول إنها نسبة قليلة ولكن أيضا ليست الغالبية العظمى. واتضح لي هذا من خلال نقاشاتي وحواراتي مع العديد من الأصدقاء والمعارف من جنسيات غربية مختلفة. لكن الجميل عند معظم هؤلاء وقت محاورتهم أن مداركهم غير مسورة بمقدسات تمنعهم من التحاور بشكل سلس؛ فالحجة والبرهان هو الميزان والكفة الحاسمة في نهاية أي حوار، بخلاف ما يحدث عند حوار عربي مع عربي آخر في الغالب!
ننتقل إلى المتلقي العربي أو بالأصح صورة معينة من صور المتلقي العربي. مؤخرا ظهرت عدة أسماء في مواقع التواصل الاجتماعي عبر صفحاتها الشخصية بدأت تقدم نقدا ساخرا عبر نشر مقارنات لأحداث وقضايا وشخصيات أحدها تمثل العالم الإسلامي والعربي والأخرى في النقيض تمثل العالم الغربي المتقدم. وخلافا للعادة، هذه المقارنات تحاول أن تظهر الجانب القبيح للحضارة الغربية والجانب المشرق للعالم الإسلامي والعربي. ورغم امتعاض البعض من هذا النوع من النقد إلا أني لاحظت هناك أيضا تعاطفا وإعجابا من عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي ليس بالهين. وشخصيا أراها ردة فعل صحية وأناصرها لأنها ستخلق توازنا رغم عدم موضوعيتها في طريقة تفكيك الصورة للجانب الغربي في أحيانا كثيرة، وهذا ما ينقصها. وأصفها بردة الفعل لأنها أتت كنتيجة للتقديس الأعمى للغرب وجلد للذات بشكل مفرط من قبل البعض قد يكون سببه أيضا عدم فهم وتفكيك مفهوم “الغرب”. لذا تفكيك مفهوم “الغرب” الذي نعجب به كثيرا ونكرهه في ذات الوقت كثيرا، مهم جدا. لكن لماذا هذه الازدواجية في الصورة وما سببها؟! فنجد هناك ثمة من يحارب كل ما هو غربي، لأنه فقط غربي! وهل الغرب بضاعة في محل بيع بالجملة، لكي تشرتيها بالكامل أو ترفضها بالكامل؛ فهناك إمبريالية نرفضها وننددها، وهناك تكنلوجيا نحتاجها ونتعلمها، وهناك مجتمع المدني نتشارك ونتعاون معه، وهناك عادات وتقاليد يأخذ ويرفض كل فرد منها حسب قناعاته الفردانية الخاصة.
هذا المتلقي ذاته وقع أسير هاجس الغربفوبيا؛ فعند أي حادثة إرهابية يقوم بها مسلم تكون ردة فعله واحدة ومحددة. في البداية مباشرة سيحاول أن يبرئ الإسلام من ذلك الفعل الإرهابي المشين. ثانيا، وهي مرحلة “مؤسفة” أن يصل حال البعض لهذا المستوى من الانحطاط للأسف، أن يحاول تبرير الدم البريء بدم بريء آخر حتى دون أي نوع من الاستنكار! وكان الأوجب كمتلقٍ من هوية إسلامية، وكإنسان أولا، اتخاذ موقف أخلاقي برفض الإرهاب بكل أشكاله، بالمطلق. ومن ثم يأتي باب النقد عن طريق تشخيص المشكلة والمحاولة في تفكيكها وإيجاد الحل إن أمكن، بدل الانشغال في البحث عن المبررات؛ فالإرهاب الإسلاموي هو تراثنا الدموي، وإسلامنا السياسي، واستبداد حكامنا، وإمبريالية الغرب.
هناك مشكلة أخرى يعاني منها المتلقي العربي والمسلم، أنه عالق بين فريقين: الأول والأوسع يريد الماضي والأموات أن يحكمونا. والفريق الآخر والأقل يريد المستقبل وتهميش التراث أن يحكمنا، وبين هذا وذاك المسلمون ضائعون. ومن الأفضل والأنفع ألا نتجاوز الموروث الإسلامي وتأويلاته الإرهابية، لو أردنا تجاوز عواقبه وأضراره. يجب أن نفككه بمنهجية النقد التاريخي والفيلولوجي ونكسر التابوهات ونصهر المقدسات.
أختم مقالتي برسالة بسيطة لكن مهمة جدا للارتقاء بحسنا الإنساني: من العار أن نبرر الخطأ بخطأ آخر! ومن العار أن نبرر الدم البريء بدم بريء آخر! ومن العار أن نبرر الظلم بظلم آخر. أليس هذا هو منطق الاستبداد؟! أليس هذا هو منطق الإرهاب؟! ولأن الأخلاق مطلقة، ولأن المبادئ لا تتجزأ؛ وجب رفض الإرهاب مهما اختلف المكان، وتعددت الأسباب، وتنوعت الأهداف، وتباينت المنطلقات والآيديولوجيات، يبقى الإرهاب واحدا والنتيجة واحدة.
الهوامش:
1- انظر: د. لمياء الطويل، الفرق بين الجهاد والإرهاب، موقع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية:
2- انظر: محمد الفزاري، قراءة: داعش بين الواقعية الكوسموبوليتية والتنظير الإسلاموي اليوتوبي، مجلة مواطن، العدد 24:
http://www.mowatinoman.net/archives/3561
3- المصدر السابق