حصل على جائزة الدولة التشجيعية في مصر عن فرع القصة القصيرة لعام 2017، إنه المبدع سمير الفيل، الكاتب المخلص لفن القصة القصيرة رغم إنتاجه المتنوع في طيف واسع من الكتابات الأدبية: الشعر، والمسرح، والرواية، وأدب الطفل، والحوارات، والنقد، اهتم بالنصوص القصصية المقتحمة للواقع، حيث يرصد الحياة من زوايا غير مألوفة. لمع اسمه مع روايته الأولى “رجال وشظايا” 1990 ثم تحول ديوانه “الخيول” 1982 إلى عرض مسرحي “غنوة للكاكي” 1990، وقد أحدث العرض وقتها جدلاً قويًا، لأنه نظر للحرب وجهة نظر غير رسمية، وانتصر للفقراء من المجندين. ولد بمدينة دمياط الساحلية في مصر، وعكف على تجويد نصوصه القصصية حتى وصلت إلى 14 مجموعة قصصية، وقد ترجمت بعض قصصه للإنجليزية مع آخرين على يد الأكاديمي السعودي، الدكتور عبد الله الطيب، ونشرت في بوسطن بأمريكا “أنطولوجية القصة العربية”. درس أعماله الدكتور سيد فضل، بالجامعة الأمريكية لعامين متتالين.
كاتب وروائي ومسرحي مصري، يقضي أغلب وقته مع أصحابه على المقاهي ويمر في الشوارع والحدائق والمستشفيات ليرى الكون بشكل أفضل، ولكي تتشكل النصوص بروح المكان، يعتقد أن الكتابة الصادقة هي جزء من نسيج الحياة، وكل محاولة لاختزال العالم مقضي عليها بالفشل. وحول مشواره الأدبي وعلاقة كتاباته بالمنطقة والمجتمع من حوله ودور الروايات في تغيير الواقع، والخروج من منزلق الظلاميات، ودور الإرهاب في خلق بيئة غير جيدة في المنطقة حاورت “مواطن” الروائي والكاتب سمير الفيل الحائز على جائزة الدولة التشجيعية في مصر – فرع القصة القصيرة 2017.
- المجد للكلمة الحرة والفكر المستنير
- العرب يقضون حياتهم بحثًا عن لقمة العيش
- العنف بالمنطقة العربية نتيجة قراءة مغلوطة لبعض الكتب الدينية
- رفض التيارات الدينية المتعصبة ونشر الدعوة لقيام دولة مدنية أولوية ثقافية
- حركة الفن هامة لبناء أفكار الأجيال الجديدة في الأقطار الخليجية
- أجريت حوارات مع عدد كبير من المستشرقين والمبدعين والنقاد العرب
- الجندي يحارب ولا يجني ثمرة نصره بينما السماسرة ورجال الأعمال وتجار الجيش هم من يراكمون الثروة.
- نحتاج “البوكر”.. ومواصلة الإبداع مهمة الكاتب دون التخلي عن دعم الديمقراطية
وإلى نص الحوار:
1-مشوارك القصصي الطويل كيف تسرده لنا من البداية إلى حصولك على جائزة الدولة التشجيعية؟
أنهيت المرحلة الإعدادية سنة 1967 وفي تلك السنة وقعت هزيمة الخامس من يونيو، وقد أدمت قلوبنا الغضة، آنذاك، وبعد التحاقي بمعهد المعلمين بعامين بدأت كتابة الشعر، رافضًا الهزيمة ومعلنًا المقاومة. وكتبت ديوانًا شعريًا كاملاً، رسم لي غلافه زميلي الفنان التشكيلي، السيد الخميسي، بالطبع لم ير النور لأنه بداية ساذجة بعض الشيء، لكنه عرفني بالحركة الأدبية، وبعد الحرب بعام قدمني شيخ أدباء دمياط محمد النبوي سلامة لأقول قصيدة لي في مقهى “دعدور” في ظلام المحنة. كانت قصيدتي “أنا والناس” بعدها بعام التقيت الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، حيث كان يستعد لإلقاء قصائده في جرن قمح بقرية كفر البطيخ، استمع لي في إنصات، أمسك يدي وقدمني للجمهور كي ألقي قصيدة لي، وكانت نقلة في حياتي، لأنني زرت الأبنودي بعد ذلك في بيته بعمارة بباب اللوق، وأذكر أنه حين كان يقوم بجولته في دمياط رافقته لمدة ثلاثة أيام، حيث كنت انتقل معه بين القرى المختلفة وكان معنا الفنان إبراهيم رجب ملحن أغنية “يا بيوت السويس”.
ظللت أكتب قصائدي حتى وقعت حرب 6 أكتوبر 1973 وكنت قد تخرجت معلمًا منذ سنتين، فكتبت قصيدة بعنوان “رسالة من شهيد لأبيه الفلاح” قدمتها إذاعة البرنامج العام بعد كتابتها بأيام لوجود المذيع محمد الشناوي بالمدينة فترة الحرب.
النقلة المدهشة هي أنني التفت إلى فن الرواية، حين التقيت بصديقي الشاعر مصطفى العايدي الذي كان من الطليعة الأولى لقوات المشاة، كما جندت في سنة 1974 والتقيت بجنود المشاة في الكتيبة 16 مشاة، ومن خلال حكاياتهم كتبت روايتي الأولى “رجال وشظايا” وتعد من الأعمال المبكرة لأدب الحرب في مصر.
ظللت معروفًا كشاعر وحدث في السنة التالية لحرب أكتوبر أن أعلنت مجلة “صباح الخير” عن مسابقة في القصة القصيرة تعالج حرب أكتوبر، وكان من المفاجآت المدهشة أن حازت قصة “في البدء كانت طيبة” على المركز الأول.
وفي العام التالي نظمت الشئون المعنوية للجيش مسابقة في مماثلة، وفازت قصة “أحزان الولد شندي” بالجائزة الأولى، في نفس الوقت الذي أعلن فيه فرع ثقافة القاهرة عن مسابقة مماثلة في القصة القصيرة فحصدت قصتي “سقط في الثانية صباحًا” الجائزة الأولى، أيضًا.
رفضت الحركة الأدبية اعتباري من كتاب القصة فقد جرى تصنيفي كشاعر حتى حدث موقف في منتهى الغرابة: أعلن سنة 1981 عن تدشين مجلة “إبداع” وحدث أن أرسلت قصة بعنوان “الساتر” لمجلة “الثقافة الجديدة” فقرأ المشرف على المجلة الروائي الكبير، إبراهيم عبد المجيد النص، فحمله بيده للدكتور عبدالقادر القط الذي تحمس له ونشره في العدد الثاني من مجلة “إبداع” بعد قصة لأستاذنا يوسف إدريس.
وعن طريق الرسائل وطابع البريد ظللت أنشر في “إبداع” أكثر من 18 قصة دون أن التقي برئيس التحرير الدكتور عبدالقادر القط، الذي التقيته في مطار القاهرة الدولي سنة 1990، في طريقنا لحضور مؤتمر العقاد الدولي بأسوان، وفي استراحة المطار قدمني للدكتور مصطفى الشكعة كواحد من كتاب المجلة رغم صغر سني في هذا الوقت.
2- ما الخطوة الحاسمة التي نقلتك من عتبات الشعر إلى فضاءات القصة القصيرة في المنطقة العربية؟
حدث سنة 2001 أن تعرفت على شبكة الإنترنت وبعد عامين أو أكثر بدأت النشر في المواقع الإلكترونية، ومنها “موقع القصة العربية” لجبير المليحان.
عندما ماتت ابنة خالتي سميرة التي كانت تعمل بالكويت، وقتئذ، كتبت يوم تشييع الجنازة قصة “مشيرة” ونشرتها في أكثر من عشرين موقعًا، وقد فوجئت بقدر كبير من التفاعل مع النص وأشار نقاد إلى أن القصة تعد من علامات النصوص الحديثة في القصة العربية، كما أخرجت للمكتبة العربية 14 مجموعة قصصية كان أولها مجموعة “خوذة ونورس وحيد” 2001، والتي حصلت على جائزة المجلس الأعلى للثقافة، وانتهاء بمجموعة “الأستاذ مراد” التي صدرت عام 2016.
3- هناك نقاد اعتبروك من العرب القلائل الذين كتبوا عن الحرب من منطلق إنساني؟
هذا صحيح، فقد اهتممت منذ بداياتي الأولى بأن أنصت لصوت الإنسان الذي تدفعه الظروف لحمل السلاح ومواجهة العدو، هو ليس بطلاً بالمطلق لكنه شخص دفعته مواءمات معينة ليقاتل، لذلك كانت مجموعة مثل “شمال.. يمين” تميل لرصد العلاقات الإنسانية في مواقع القتال ومنها “سرابيوم” و”الدفرسوار” و”تبة الشجرة”، إنهم بشر محملون بأحلام في العودة لبيوتهم ونسائهم بقلوب مترعة بالأمل وحين يتعثر محارب ويتعرض للموت فهناك شكل مختلف من أشكال الشهادة.
أيضًا كتب جورج جحا في تقرير لـ”رويترز” حول المجموعة “هذا الكاتب يتعامل مع الجندية في زي إنساني”، وهو نفس ما قاله الروائي الدكتور محمد إبراهيم طه في تحليله لبعض نصوص المجموعة، أما في مجموعة “كيف يحارب الجندي بلا خوذة؟” فقد طرحت سؤالاً ظل معلقًا في فضاء المرحلة: كيف يحارب الجندي معركته ولا يجني ثمرة نصره بينما السماسرة ورجال الأعمال وتجار الخيش هم من يراكمون الثروة.
كما عالجت رسالة دكتوراة الباحث عبد المنعم أبو زيد من جامعة الفيوم قضية “البناء الفني لرواية الحرب في بر مصر في الفترة من 1967 إلى 1995″، حيث بحث عن المعمار الفني في روايات الحرب لعدد من الكتاب كنت من بينهم وكان معي جمال الغيطاني ومحمود الورداني معصوم مرزوق، وعدد من الكتاب المعروفين.
4- ماذا عن مكانة الشعر والمسرح في اهتماماتك الأدبية حاليًا؟
أنا كاتب شامل والوسط الأدبي يعرف ذلك، لكنني حين أمسك القلم، أخلص للجنس الأدبي الذي أكتب فيه، الشعر فيه تحليق وسمو في فضاءات الخيال مع لمسة لا تغيب في مس الواقع مسًا خفيفًا، مع السرد، أنت تضع قدميك على الأرض بثبات ولا تستسلم لشطحات المخيلة تمامًا. المسرح شغوف بالمنطق، وهو البوتقة التي تنصهر فيها كافة الفنون، وقمة سعادتي أن يردد جمهور الحضور أغنياتي التي أضعها للعروض المسرحية. أنا مهتم حاليًا بالقصة القصيرة، وأراها من أنبل الفنون، وتحتاج إلى ذهن متقد وامتلاك نظرة خاصة كي ترى الوقائع بعين منصفة.
5- وماذا عن دور البيئة المليئة بالحكايات في صناعة الحكائين الروائيين؟
لم تكن لي جدة تقوم بحكاية الحواديت، جدتي كانت عملية وصارمة: “أذهب با عفريت إلى الورشة”. في جمعي للحكايات الشعبية بمنطقة الديبة وشطوط دمياط بتكليف من منظمة “اليونسكو” 2011 مع زملاء لي، فوجئت بالكم الهائل من الحكايات الشعبية، وقد قمت بجمعها وتصنيفها وبقي أن أشتغل عليها، جربت فعل ذلك في نص واحد بمجموعة “جبل النرجس” هو “حرنكش” لكن الكنز معي وعلي استثماره بطريقة واعية حتى لا أجرح النص الأصلي أو أركب على أكتافه.
6- هل ترى أن بعض الآراء الدينية المتشددة هي سبيل لتورط الشباب في العنف بالشرق الأوسط؟
نعم.. العنف هو نتيجة قراءة مغلوطة لبعض الكتب الدينية ناهيك عن ذلك الارتباك الواضح جدًا في التعامل مع المواطن العربي الذي يقضي جل وقته بحثًا عن لقمة العيش، وصولاً للعدالة والحرية، الكاتب يستخدم مادته الحكائية كي يفضح كل ذلك بهدوء وبلا محاولة للتذاكي والاستعلاء على الغلابة.
7- عملت سنوات محررًا ثقافيًا في إحدى الصحف السعودية.. بماذا أفادتك تلك التجربة؟
قضيت أربع سنوات كاملة في مدينة الدمام، وهي من المدن المحببة إلى قلبي، وشاركت بقوة في تحرير القسم الثقافي بجريدة “اليوم” السعودية، وساهمت في الأعداد الاولى من “النص الجديد” الذي كان يشرف عليه علي الدميني، والحقيقة أنني قد استفدت كثيرًا من عمل حوارات مع عدد كبير من المستشرقين والمبدعين والنقاد العرب. كان يرأس القسم الثقافي شاكر الشيخ وله حس فني عال، وهو عصبي المزاج لكن قلبه شديد النقاء، عملت معه ومع عدد من خيرة الكتاب السعوديين: الشاعر حسن السبع، الشاعر محمد الدميني، الفنان التشكيلي عبد الرحمن السليمان، المسرحي عبد العزيز السماعيل، الباحث الشعبي على الدرورة، الشاعر أحمد الملا، الإعلامي حسن الشيخ، الشاعر الشعبي خضير البراق. بالإضافة للشاعر أحمد سماحة الذي كان يرافقني في جولات ميدانية لمتابعة معارض الفن التشكيلي في القطيف وسيهات والجبيل والإحساء والعيون والظهران والخبر.
أنهيت التجربة بصداقات قوية بالكتاب السعوديين، كما تعرفت على الحالة الأدبية بالمملكة، وهي بحاجة لتحرير فعالياتها من الرطانة والتقليد والتمسك بالقديم، وهو ما يتجه إليه الشباب بعمل مهرجانات للمسرح والسينما، لكن الملاحق الأدبية تحتاج إلى نهضة تليق بتاريخ الرواد الكبار.
8- ما تأثير الأفكار الظلامية على واقع الثقافة والأدب عربيًا؟
أكتب لأعرف نفسي، وكي أتجاوز ظلمة الأفكار على ضوء الحقيقة الساطع. كل فكر ظلامي يدفعك للبقاء في كهف الماضي العتيق، متخليًا عن علمك وثقافتك، لابد أن تثور عليه.
أنا ضد التصنيف المذهبي والعقائدي، أدخل من باب الكتابة بقلب سليم وروح وثابة، ولا استسلم للمقولات القديمة التي تقولب الإنسان أو تسلبه حريته، المجد للكلمة الحرة والفكر المستنير.
9- كيف ترى المناخ السياسي في دول الخليج، وهل ترى أن هناك علاقة بين الاستقرار السياسي والزخم الثقافي؟
في الحقيقة لست ملمًا بكل تفصيلات الفعل السياسي في دول الخليج، لكن لدي تصور كلي للمسألة، بالفعل ثمة علاقة تربط بين الحراك الثقافي وفكرة التنوع الفكري وبين الزخم الثقافي. فمثلاً يمكن اعتبار صناعة الكتاب، ومعارضه والندوات المصاحبة رافعة للعمل الثقافي المنتج والمؤثر، وأنا أعول على حركة الفن التشكيلي وإنتاج اللوحة في الرقي البصري والجمالي لأجيال جديدة من أبناء الأقطار الخليجية، ناهيك عن فن المسرح، الذي أراه من أهم الفعاليات التي تسهم في بناء ذائقة نقدية للأمور الحياتية، فالمسرح بأنماطه المختلفة من تراجيدي وكوميدي وغنائي يسهم بدون شك في تشكيل الوجدان الجمعي، بالإضافة للشق الجمالي من نص أدبي استعراضات، موسيقى، أزياء، فن البانتوميم. وكلها عناصر تثري الحياة الفنية.
وقد تابعت عدة دورات من مهرجان المسرح التجريبي بالقاهرة، ولاحظت اشتراك عدة فرق من الخليج، كانت تقدم عروضًا مسرحية في غاية الإتقان والجمال، وهذا معناه وجود بذرة مسرحية يمكنها أن تمنح أكثر الثمار عذوبة بمزيد من الجهد والرعاية.
10- وما تقييمك للواقع الثقافي والأدبي العربي حاليًا؟
الارتباك السياسي انعكس بقوة على بنية النصوص، ومهمة الكاتب أن ينجو بنفسه من هذا الصخب وأن يواصل إبداعه دون أن يتخلى عن إسهامه المؤثر في دعم الديمقراطية، ورفض التيارات الدينية المتعصبة ونشر الدعوة لقيام دولة مدنية.
11- من أصحاب التجارب القصصية والروائية التي أثرت فيك؟
من المصريين: عبد الحكيم قاسم، بهاء طاهر، صبري موسى، محمد المخزنجي، إبراهيم عبد المجيد، لطيفة الزيات، يوسف إدريس، محمد روميش وبالطبع “العمدة” نجيب محفوظ.
من العرب: عبد العزيز مشري، الطيب صالح، طالب الرفاعي، هدى بركات، محمد ديب، واسيني الأعرج، نبيل سليمان، حنا مينا، إسماعيل فهد إسماعيل، عالية ممدوح، سهيل إدريس، بنسالم حميش، عبده خال.
من العالم: تشيخوف، ديستويفسكي، نيقوس كازنتزاكيس، وليم فوكنر، ألبير كامو، وليم شكسبير (المسرح)، أرنست هيمنجواي، هرمان هيسة، تشينوا اتشيبي، إدجار آلان بو.
12- ما نظرتك لقيمة جائزة البوكر العالمية للرواية والقصة؟
يحتاج العرب لهذه الجائزة جدًا، ويحتاج المبدعون لنظرة عادل ومنصفة من قبل لجان التحكيم حتى لا توزع جغرافيا بعيدًا عن قيمة النص.