واحدة من أكثر ما يؤلم الإنسانية هو استعمال الأطفال في الأعمال والأشغال الشاقة التي لا تقوى عليها أجسادهم الضئيلة، وتقوم الدنيا ولا تقعد عندما تتعرض المؤسسات الحقوقية لواحدة من مثل هذه المآسي التي كثرت واستفحل شرها في كثير من بلداننا العربية والإسلامية.
إلا أن ما يفوق هذا الجرم جرما، هو أن يكون هؤلاء الأطفال مقاتلين يحملون السلاح ويوجهونه ضد بني جلدتهم وبني دينهم وأوطانهم، حينها تتحول براءة الأطفال لآلة من القتل لا ترحم صغيرا ولا توقر كبيرا ولا تعرف للحرمات سبيلا. وأصبح تجنيد الأطفال ظاهرة، وواحدة من جرائم القرن الـ21 الذي تساوى فيه التقدم والرفاهية والتكنولوجيا، بالعبودية والتأخر وانتهاك حقوق الإنسان لاسيما الأطفال.
تقول اليونسيف ‘‘إن الأطفال المرتبطون بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة يتعرضون لعنف هائل – ويضطرون غالباً لمشاهدة وارتكاب أعمال العنف ويتعرضون للإيذاء أو الاستغلال أو الإصابة أو حتى القتل، ويحرمهم هذا الوضع من حقوقهم، ويصاحبه غالباً عواقب جسدية ونفسية قاسية‘‘.
ووفقا للتقرير السنوي للخارجية الأمريكية المتخصص في جرائم استغلال الأطفال، فقد احتلت إيران المرتبة الثالثة في قائمة تجنيد الأطفال، تشاركها في ذلك سوريا وروسيا وفنزويلا.
طهران وقدم السبق
أثبت التقرير، أن طهران لم تطبق المعايير المطلوبة اللازمة للحد من تلك الجريمة، أي أنها لم تبذل أي جهد يذكر في مكافحة هذه الظاهرة المنتشرة في البلاد على نطاق واسع جدا، واتهم التقرير الحكومة الإيرانية والحرس الثوري الإيراني للعام الثالث على التوالي بإجبار مئات المهاجرين واللاجئين الأفغان على القتال في صفوف ميليشياتها في سوريا عبر ابتزازهم وتهديدهم بالاعتقال والترحيل.
مسألة استخدام الأطفال في الحروب من قبل إيران ليست وليدة اليوم، لكنها استخدمتهم في حربها مع العراقية، فبحسب المعلومات والتقارير، فإن 43% من قتلى إيران في الحرب مع العراق كان من الأطفال والقصر، وفي ظل الحاجة الماسة للحرب في سوريا أصبحت هناك مراكز أساسية في المدارس لتجنيد الأطفال وزجهم في سوريا وغيرها.
وعلى هذا يعلق الباحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى نادر أوسكوي، ويقول‘‘إن الاتجار بالبشر بدأ منذ الأيام الأولى للجمهورية الإيرانية منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث كان الحرس الثوري يقوم بتجنيد السجناء العراقيين وظل يقترف هذه الجرائم بشكل واسع منذ بداية الصراع في سوريا، فهناك الشباب الأفغان الذين يجبرون على الحرب في سوريا تحت تهديد ترحيلهم من طهران‘‘.
داعش وأشبال الخلافة
غير أن إيران ليست وحدها المتورطة في هذا الأمر، لكن تنظيم الدولة المسمى ‘‘داعش‘‘ كذلك كان له قدم السبق في هذه الفضيحة، فكمّ الصور ومقاطع الفيديو التي تناقلتها وسائل الإعلام، أثبتت تجنيد كثير من الأطفال في معسكرات ما يسمّى “أشبال الخلافة” حيث يقوم التنظيم بإخضاع الأطفال لتدريبات قاسية وتعليمهم على استخدام السلاح بمختلف أنواعه.
كما ذكرت تقارير أن مقاتلي التنظيم أجبروا الأطفال الأيزيديين المختطفين ليصبحوا جنوداً وانتحاريين بعد أخذهم للتدريب في المعسكرات الإرهابية، وإعدادهم للحرب.
حزب الله
حزب الله أحد هذه الحركات التي تتباهى بتجنيد الأطفال وتضرب بالأعراف جميعها عرض الحائط بل إنها تسابق وتعلم عبر وسائل إعلامها تجنيد الأطفال أو استشهادهم -بحسب تعبيرها- فالحزب الديني التوجه وعد من قبل «بألا يذهب أي مقاتل لم يبلغ 18 عامًا إلى سوريا»، لكن وبعد أن تقع الواقعة، لا تبالي المواقع الموالية له بما يثيره نشر نعايا لقاصرين يقاتلون في صفوفه، وأصبحت تتفاخر بنشر عقود مبرمة مع آباء وافقوا على أن يقاتل أطفالهم في صفوف الحزب.
ونشرت إحدى الشبكات الموالية للحزب عند مقتل أحد الأطفال قائلة: «بالله عليك علمنا كيف عبرت؟ وأنت قمر ابن ١٦ عامًا فزدتنا فخرًا.. علمنا بعضًا من دروس الشهادة لعلنا نتعلق بحرف منها فتأخذنا إليك».
القارة السوداء
وفي القارة الإفريقية تتصدر نيجيريا هذه اللعبة، على يد جماعة “بوكو حرام” ولجان أمن شعبية مناهضة لها بتجنيد الأطفال بـشكل قسري للقيام بأعمال المساعدة والتجسس.
وأيضا في الصومال ذكرت صحيفة واشنطن بوست عن ضابط صومالي، أن المخابرات الصومالية لا تفعل أي شيء إلا بعلم المخابرات المركزية الأمريكية CIA))، وفي الوقت الذي سجلت فيه منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف)، 300 حالة رسمية لأطفال صوماليين جُنّدوا من قبل قوات رسمية حكومية في عام 2015 فقط، وهو الأمر الكفيل بإيقاف المساعدات العسكرية الأمريكية، فإن أوباما استمر في استثناء الجيش الصومالي من قانون الـCSPA، تبعًا لدواعي تعاون الولايات المتحدة مع الصومال، والموجه ضد تنظيم الشباب، ما يمكن اعتباره فرع تنظيم القاعدة في البلد الأفريقي الفقير.
جبهة البليساريو
ذكرت بعض التقارير أن أطفال مخيمات «تندوف» في الصحراء الغربية التابعة للجبهة، يُستغلون في القضايا السياسية، وهم مجندون باعتبارهم جيشًا يحمل السلاح ويقاتل، وصغارًا يحملون لافتات تروِّج لأطروحة الجبهة أمام الجمعيَّات الغربية المتعاطفة معها، وليس بعيدًا عن ذلك قضية تهجيرهم أو سرقة أموال المساعدات التي جاءت باسمهم، بحسب بعض المراقبين.
وذكرت مصادر من مخيمات تندوف: أن العديد من الأطفال يجندون قسرًا من قبل الميليشيات المسلحة للبوليساريو ويدربون على التعامل مع الأسلحة النارية، ويتعرضون أيضًا، بمساعدة مدربين وعسكريين أجانب، للتلقين الأيديولوجي قبل أن يسجلوا في صفوف جيش ما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
وسائل التجنيد
تتنوع أساليب التنظيمات الإرهابية في تجنيد الأطفال، فداعش يعتمد سياسة التجويع وإغراء الأهالي بإرسال أطفالهم مقابل المال، فمن يعمل لدى داعش يتقاضى راتب مقاتل يترواح بين ٤٠٠- ١٠٠٠ دولار شهريا.
وقد أثبتت تقرير لليونسيف، أن الفقر قد يكون عاملاً دافعا ومهما للالتحاق بالقوات والجماعات المسلحة، وبالنسبة لبعض الأطفال الذين ينضمون إلى الجماعات المسلحة فهم بذلك يضمنون وجبة واحدة من الغذاء وهو أيضا السبب في أن بعض الآباء يقدّمون أطفالهم إلى الحركة ذات الصلة أملاً في أنهم سينالون الغذاء والمأوى.
ومن أساليب التجنيد أيضا، التغرير بالأطفال من خلال المخيمات الدعوية وتوزيع هدايا عليهم والسماح لهم باستخدام أسلحتهم واللعب بها، وقد يخطفون الأطفال ويجرى تجنيدهم ودون علم الأهالي، كما يتم تجنيد أعداد كبيرة من الأطفال الأيتام أو أطفال الشوارع ومن ليس لهم مأوى أو معيل فيتم استدراجهم من خلال تأمين المسكن والمأوى لهم وإقناعهم بأنهم أصبحوا عاملين ومنتجين يتقاضون رواتب مقابل عملهم.
كما يتم استغلال الأطفال الذين ابتعدوا عن بيوتهم لساعات طويلة في سوق العمل، هؤلاء الأطفال فقدوا الجو الأسري ودفء العائلة، فأصبحوا بفجوة نفسية تسمح لأي متسلل باقتحام معاناتهم ونقص العاطفة والرعاية، كما أن هؤلاء الأطفال معتادون على الكد والتعب وتحمل المسؤولية والمصاعب .